ملامح انفجار اجتماعي جديد في سوريا
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
يعيش الرئيس السوري بشار الأسد أفضل أيامه منذ اندلاع الحرب، فقد تحولت دمشق بعد زلزال السادس من فبراير/شباط إلى مقصد لزيارة وزراء الخارجية والمسؤولين العرب. وقد أجرى الأسد، منذ تلك الفترة العديد من الزيارات الخارجية وشارك في القمة العربية بالرياض بعد استعادة عضوية سوريا في الجامعة العربية. كما رفض، أكثر من مرة، عرضًا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاء به.
بشكل عام، تعكس هذه التحولات شعورا لدى الأسد بالانتصار في الحرب، ولكنه ليس شعورًا حقيقيًا بالكامل. في الأسابيع الأخيرة، اندلعت موجة من الاحتجاجات بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في محافظتي درعا والسويداء، وسرعان ما تحولت إلى دعوات لرحيل الأسد.
من الصعب الاعتقاد أن هذه الاحتجاجات قد تتحول إلى تهديد جديد لحكم الأسد، فالكثير من المناطق التي استعادها النظام خلال الحرب لم تُظهر تجاوبًا مع هذا الحراك، رغم أن أوضاعها الاقتصادية ليست أفضل. ولكن الاستياء المتزايد بسبب انهيار الوضع الاقتصادي يقوض، بشكل مستمر، قدرة الأسد على تعزيز سيطرته على سوريا كما كانت قبل الحرب.
لا يبدو هذا الاستنتاج نتيجة للاحتجاجات الجديدة أو للسخط الاجتماعي فقط. لا تزال مناطق واسعة من شمال البلاد خارجة عن سيطرة النظام، وتتقاسمها فصائل المعارضة ووحدات حماية الشعب الكردية، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني المعتبر إرهابيًا. أضف إلى ذلك الوجود العسكري التركي في غرب نهر الفرات والوجود العسكري الأميركي في شرقه، مما يجعل من الصعب على النظام استعادة السيطرة على هذه المناطق في المستقبل القريب.
الانهيار الاقتصادي في سوريا الذي يجعلها مهددة بأن تصبح دولة فاشلة تضر استقرار المنطقة والعالم، يجب أن يعمل كتحذير للمجتمع الدولي لإعادة التفكير في الضرورة البحث عن خيارات جديدة لزيادة الضغط على الأسد وحلفائه
وبالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة أن ملايين اللاجئين السوريين، الذين فروا من البلاد بعد الحرب، لا يزالون يرفضون العودة إليها في ظل حكم الأسد، تجعل ادعاءه بالانتصار بعيدا عن الواقع، حتى إذا استطاع تغيير المسار العسكري لصالحه بفضل الدعم الروسي والإيراني. بينما يسعى الأسد إلى توسيع نطاق فك عزلته الخارجية، فإن عجزه في التعامل مع الانهيار الاقتصادي يعمل بشكل متزايد على خلق وضعية جديدة في الصراع تجعله عالقًا بين نصر غير مكتمل ومخاطر انفجار اجتماعي جديد. في الواقع، يستمد هذا السخط قوته من حقيقة أن العديد من السوريين، حتى في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام حاليًا، يفضلون الهجرة عن البقاء في بلد منهار اقتصاديًا ومفكك اجتماعيًا وجغرافيًا.
يبدو التساؤل عن أسباب الوضع الذي آلت إليه سوريا بعد 12 عامًا من الحرب محيرًا بعض الشيء. لا يزال الأسد عاجزًا عن إعادة التاريخ إلى ما قبل عام 2011، ولكن آمال المعارضة في التخلص من نظامه تقلصت بشكل كبير منذ التدخل العسكري الروسي منتصف العقد الماضي. يعود السبب في ذلك إلى تراجع الدول التي كانت تدعم المعارضة في أولى مراحل الحرب عن هذا الدعم لأسباب مختلفة.
ومع ذلك، فإن التبعات الاقتصادية الكبيرة التي خلفتها الحرب تمنح الصراع اليوم بُعدًا جديدًا، لا تقل قوة عن موازين القوة العسكرية، خصوصًا عندما نعلم أن أكثر من 60% من السوريين اليوم (ما يُقدر بـ 12 مليون شخص) يواجهون الجوع ويكافحون من أجل تأمين لقمة العيش. وبالإضافة إلى ذلك، يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، وما يزيد من المشكلة التي يواجهها الأسد هو أن الدول العربية التي قررت تطبيع العلاقات معه لا تزال تتجنب دعمه اقتصاديًا، إما لأنها تربط ذلك بتحول سياسي أو بسبب العقوبات الغربية المفروضة على النظام أو لكلا السببين معًا.
رغم أن الأسد نجح في إضفاء بُعدٍ طائفي على الصراع خلال سنوات الحرب، فإنه اليوم يبدو عاجزا عن إحكام قبضته المطلقة على المناطق التي تكون فيها الغالبية من العلويين على الساحل السوري. ورغم أن هذه المناطق لا تزال تتجنب تنظيم احتجاجات مشابهة لتلك التي تشهدها المناطق الأخرى خوفًا من القبضة الأمنية، فإن العلويين يجدون أنفسهم اليوم في وضع اقتصادي أسوأ مقارنةً بالسوريين في المناطق الأخرى، ويتصاعد الاستياء من الفساد والمحسوبيات في ظل العقوبات التي يتمسك بها الغرب كورقة ضغط على الأسد لدفعه إلى تقبل انتقال سياسي أو تسوية شاملة للصراع، ستزداد الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الأسد داخليًا، وهو ما قد يتسبب في تسخين السخط الاجتماعي، مما يجعله قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.
من غير المرجح أن تُشكل التحديات الجديدة التي يواجهها الأسد دافعًا للدول التي سعت في بدايات الحرب إلى الإطاحة بنظامه للانخراط مجددًا في الصراع ومحاولة تغيير الوضع، إذ لم تعد معظم هذه الدول قادرة أو راغبة في ذلك، ولكن الانهيار الاقتصادي في سوريا الذي يجعلها مهددة بأن تصبح دولة فاشلة تضر استقرار المنطقة والعالم، يجب أن يعمل كتحذير للمجتمع الدولي لإعادة التفكير في ضرورة البحث عن خيارات جديدة لزيادة الضغط على الأسد وحلفائه من أجل المشاركة في عملية سياسية حقيقية توصل إلى حل شامل للأزمة.
ومن غير المرجح أن يرى الأسد أي حاجة لإجراء تغييرات سياسية جوهرية، وقد يراهن على تأثير الانهيار الاقتصادي على جيران سوريا لدفع الدول الأخرى إلى دعمه. ومع ذلك، فإن خياراته باتت محدودة، وتزداد المخاطر المرتبطة بفقدانه للدعم الشعبي باستمرار.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الانهیار الاقتصادی
إقرأ أيضاً:
الطغاة لا ينتصرون : هل اقتربت محاكمة بشار الاسد ونظامه ؟
#الطغاة لا ينتصرون : هل اقتربت #محاكمة #بشار_الاسد ونظامه ؟
بقلم : ا د محمد تركي بني سلامة
مهما بلغ جبروت الأنظمة المستبدة، ومهما أحكمت قبضتها على الشعوب، يبقى التاريخ شاهدًا على أن الظلم لا يدوم، وأن إرادة الشعوب تظل القوة الحقيقية التي تحكم مصير الأمم. لقد أكدت الأحداث الكبرى في التاريخ أن الأنظمة القمعية قد تتمكن من البقاء لعقود، لكنها لا تستطيع الصمود أمام إرادة الشعوب حين يقرر الناس أن يقولوا كلمتهم الأخيرة. واليوم، تشير تقارير مطلعة إلى أن موسكو تستعد لتسليم بشار الأسد وأسماء الأسد وماهر الأسد إلى السلطات السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، في خطوة قد تشكل نهاية فصل طويل من الاستبداد والقمع الذي عانى منه الشعب السوري لعقود. هذه الأنباء تأتي ضمن صفقة بوساطة تركية، تهدف إلى ضمان مصالح موسكو الاستراتيجية في سوريا، مقابل تقديم رأس النظام السوري إلى العدالة. وبحسب المعلومات المتداولة، فإن الاتفاق يسمح لروسيا بالاحتفاظ بمنفذ بحري في اللاذقية على البحر المتوسط، مقابل تخليها عن دعم الأسد وتسليمه للمحاكمة أمام القضاء السوري الجديد.
أن دروس التاريخ تقدم لنا حقيقة لا تقبل الجدل، وهي أنه لا يوجد حاكم يستطيع أن ينتصر على شعبه، ومهما استبد الطغاة، فإن نهايتهم تأتي حين تنتفض الشعوب وتقرر مصيرها بيدها. ونشيد بالثورة السورية العظيمة التي قدمت نموذجًا للصمود والتضحية، أن هذه اللحظة، إن صحت التوقعات، تمثل انتصارًا لإرادة الشعب السوري وتأكيدًا على أن العدالة قد تتأخر، لكنها لا تضيع. لقد كان النظام السوري مثالًا صارخًا على الاستبداد والقمع، فمنذ اندلاع الثورة عام 2011، واجه الشعب السوري أفظع أنواع التنكيل، من القصف والاعتقال والتشريد، إلى المجازر التي وثقتها منظمات حقوق الإنسان. ومع ذلك، لم تفلح آلة القمع في كسر إرادة السوريين، الذين واصلوا نضالهم رغم كل التحديات والصعاب.
إن مسار العدالة قد يكون طويلاً، لكنه لا يعرف التراجع، فكل طاغية، مهما بلغ جبروته، يلقى مصيره المحتوم عندما تسنح اللحظة المناسبة. إن ما يجري اليوم قد يكون بداية لمرحلة جديدة في تاريخ سوريا، حيث يتم تصحيح المسار السياسي، ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب. إن محاكمة الأسد ونظامه، إن حدثت، لن تكون مجرد حدث سياسي، بل ستكون لحظة تاريخية تعكس انتصار الشعوب على الاستبداد، وتؤكد أن المظالم لا تسقط بالتقادم، وأن الحقوق المسلوبة ستعود لأصحابها يومًا ما. قد يرى البعض أن هذه الأنباء مجرد تكهنات، أو أن المصالح الدولية قد تحول دون تنفيذها، لكن الحقيقة الثابتة هي أن الشعوب لا تنسى، والتاريخ لا يرحم، وأن النظام الذي حكم سوريا لعقود بالقوة قد يواجه اليوم مصيره المحتوم.
إن أي تحول سياسي كبير في سوريا لن يكون مجرد شأن داخلي، بل سيكون له تداعيات إقليمية ودولية واسعة، فروسيا، التي كانت الحليف الأبرز للنظام السوري، تسعى اليوم لضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة عبر هذه الصفقة، التي قد تمكنها من الاحتفاظ بنفوذها العسكري والاقتصادي في سوريا دون الحاجة إلى دعم نظام أصبح عبئًا سياسياً عليها. في المقابل، ستراقب القوى الإقليمية الأخرى، مثل إيران وتركيا، هذه التطورات بحذر، حيث ستسعى كل منها إلى ضمان عدم الإضرار بمصالحها في سوريا بعد سقوط النظام.
مقالات ذات صلة الدويري : ترمب إنسان مصاب بانفصام الشخصية 2025/01/30أما بالنسبة للشعب السوري، فإن هذه اللحظة تمثل نقطة تحول فارقة، فقد عانى السوريون على مدى أكثر من عقد من الدمار والقتل والتهجير، وكانت مطالبهم بالحرية والكرامة تواجه بالقمع والوحشية. اليوم، إذا صحت هذه التقارير، فإن سوريا قد تكون أمام فرصة لإعادة بناء نفسها، والتخلص من إرث الاستبداد الذي دمر البلاد.
إن إسقاط نظام الأسد ومحاكمته، إن تم بالفعل، لن يكون نهاية المطاف، بل سيكون بداية لمرحلة صعبة تتطلب جهدًا كبيرًا لإعادة بناء الدولة السورية على أسس ديمقراطية تحقق العدالة والمساواة للجميع. فلا يكفي التخلص من الطاغية، بل يجب العمل على بناء نظام جديد يحترم حقوق الإنسان، ويحقق تطلعات السوريين الذين قدموا تضحيات جسيمة من أجل حريتهم.
في النهاية، يبقى السؤال المطروح: هل نحن أمام لحظة تاريخية حقيقية في سوريا، أم أن هذه التطورات مجرد تكهنات لم تترجم بعد إلى واقع؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة، لكن الحقيقة الثابتة التي لا يختلف عليها أحد هي أن الشعوب لا تنهزم، وأن الطغاة مهما استبدوا، فإنهم لا يستطيعون الوقوف أمام عدالة التاريخ وإرادة الأحرار.