التعليم ودوره في ترسيخ الثقافة الشوروية
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
أثير – د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتربوية في مجلس الدولة
يأتي الحديث عن دور التعليم في ترسيخ الثقافة الشورية تزامنا مع انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة، والدور المعقود على التعليم في ترسيخ الوعي المجتمعي وتعزيز الحس الانتخابي وترقيته في سلوك الناخبين، والصورة التي يقدمها للطلبة حول التطور التاريخي والتشريعي والمحطات الملهمة في تاريخ الشورى العمانية، على أن الإشارة إلى هذا الدور المحوري يأتي تجسيدا للمبادئ الثقافية في النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسم السلطاني (6/ 2021) حيث جاء في المادة (16) “التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية العمانية والحفاظ على الهوية الوطنية وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب، وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح والتآلف”؛ فإن للشورى العمانية مبادئ أصيلة تعبر عن قيم المجتمع العماني وتعكس هويته الحضارية، وتجسد نموذج التحول الشامل القائم على توسيع فرص المشاركة الاجتماعية والسياسية للمجتمع العماني.
ومع التحولات التي شهدتها الشورى العمانية والتطوير النوعي الذي رافقها في مسيرتها التنموية على يد المغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، والتي بدأت مع المجلس الاستشاري للدولة في عام 1981م، ثم مرحلة إنشاء مجلس الشورى في عام 1991م، وتتويجها بإنشاء مجلس عمان، وما رافقها من اكتمال البناء المؤسسي والتشريعي للدولة بإصدار النظام الأساسي للدولة، لتطل علينا الفترة العاشرة لمجلس الشورى ( 2023- 2027) في ثوبها الجديد ورؤيتها المتجددة، وما صاحبها من تطوير وتحديث في شكل العملية الانتخابية ووسائلها وأدواتها وتأصيل فقه الدعاية الانتخابية للمترشحين، فبعد أن كان المواطن يختار ممثليه انتخابا حراً مباشراً عبر صناديق الاقتراع، اتجهت اليوم إلى تحقيق ذلك عبر استخدام التقنيات الحديثة والتطبيقات الالكترونية (تطبيق انتخاب) لتصنع عملية الانتخابات عبر الهواتف الذكية مسارًا نوعيًا متفردًا يقدم أعلى صور الوعي الانتخابي وتعميق دور التقنيات في صناعة الرأي وبناء الراي الآخر لضمان المزيد من السرية والدقة والسرعة والأمانة والمصداقية في الاختيار.
لذلك ظلت الممارسة الشورية حاضرة في النسق التعليمي في مختلف فتراتها وتطوراتها، وأظهر التعليم عبر مناهجه وبرامجه وإستراتيجياته مساحة اهتمام متوازنة بالمسيرة الشوروية في سلطنة عمان، عمقت وعي الطلبة بدور مجلس الشورى التشريعي والرقابي المنبثق من قانون مجلس عمان الصادر بالمرسوم السلطاني (7/ 2021)، والتي يمكن التعبير عنها في جملة المحطات الآتية:
▪ يتزامن العام الدراسي 2023/ 2024، مع انطلاقة الفترة العاشرة لانتخابات مجلس الشورى، مرحلة وطنية عكست عمق الممارسة الشوروية التي جاءت كما أشرنا سلفا في ظل إيمان وطني بأهمية المشاركة المجتمعية وتوسيع قاعدة الشراكة الاجتماعية والاستفادة من كل الفرص والخبرات والتجارب التي تضع المواطن أمام مسؤولية المشاركة في البناء الوطني، سواء دوره كمترشح لعضوية مجلس الشورى ممثلا لولايته، أو كناخب يقدم صوته بكل حيادية ومهنية لمن يمثل ولايته، وبالتالي فإن الصورة التي يقدمها التعليم للطلبة حول هذه الانتخابات والدعاية الانتخابية للمترشحين، والمفاهيم والقيم الشوروية القائمة على الحوار والرأي الآخر ومدلولاتها في الحياة الاجتماعية، سوف تشكل مدخلا لصناعة الوعي الانتخابي وتعظيم دور مجلس الشورى في مستقبل العمل الوطني، واستدامة التنمية للأجيال القادمة.
▪ يمثّل إدماج البعد العالمي والوطني في المناهج الدراسية هدفا مهما لوزارة التربية والتعليم، لكون القضايا العالمية جزءاً من حياة الطلبة، الأمر الذي يستدعي من هؤلاء الطلبة إدراك هذه العلاقة في سبيل الحصول على تعليم كوني يرتبط بالواقع ويستفيد من التحولات العالمية ويحافظ على الهوية والثوابت الوطنية، لذلك عملت على تضمين المناهج الدراسية وبشكل خاص مناهج الدراسات الاجتماعية بالمفاهيم العالمية والوطنية، التي لها علاقة بالسياسة والبرلمان والديمقراطية والتشاركية ومؤسسات الدولة، والحقوق والواجبات، والمواطنة وحقوق الإنسان والسلام والعلاقات الدولية، والتعددية والتسامح، بالإضافة إلى الموضوعات ذات العلاقة بالعمل الشوروي، منطلقة من فلسفة الشورى في سلطنة عمان والمراحل التي مرت بها في إطار الثنائية البرلمانية وعبر إدراجها في محتوى المناهج على شكل دروس وأنشطة وعناوين وأسئلة تقويمية وغيرها.
▪ أعطت فلسفة التعليم المشار إليها في المادة (1) من قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني (31/ 2023) حضورا للشورى في المحتوى التعليمي، حيث جاء في المبدأ السابع من مبادئ فلسفة التعليم في سلطنة عمان (2017) وتحت عنوان “التربية على مبدأ الشورى”، ما نصه: تهدف أخلاقيات التعليم إلى تنشئة المتعلم تنشئة اجتماعية سليمة، من أجل تكوين مواطن صالح قادر على التعبير والمشاركة الفاعلة، في ظل مجتمع يكفل له العدالة الاجتماعية والمساواة، ويتم تحقيق مبدأ الشورى من خلال الأهداف الآتية: تنمية القدرة على المشاركة بالرأي والنقد البناء؛ وتعزيز مبدا الشورى والحريات المنظمة قانونيا؛ وتشجيع التنوع في أشكال التعبير المتوازن وفق الضوابط الأخلاقية والقانونية، وتنمية التوعية بالثقافة الانتخابية وتعزيزها، وتعزيز الأساليب الحضارية للتعبير الهادف عن الآراء؛ وتعزيز الممارسات المتعلقة بالشورى.
▪ يتأكد دور التعليم في نقل هذه المفاهيم والقيم والموجهات إلى الواقع العملي للطلبة، وتجسيد النموذج الشوروي في البيئة التعليمية، من خلال توظيف المجالس الطلابية في مؤسسات التعليم المدرسي والعالي في تعزيز المفاهيم الشوروية والبرلمانية والرأي والرأي الآخر والشراكة المجتمعية وغيرها كمحطات مهمة في بناء ثقافة شورورية متناغمة مع الأهداف والغايات الوطنية وتجسد مستهدفات رؤية عمان 2040.
▪ أقر قانون التعليم المدرسي الصادر بالمرسوم السلطاني (31/ 2023) في مواده مسؤولية المدارس في ترسيخ هذه الثقافة الشوروية بالطرق المناسبة سواء من خلال إكساب الطلبة قيم المشاركة المجتمعية أو عبر الطالب في ممارسة حقه الانتخابي عبر المجالس الطلابية، حيث جاء في المادة (25) ج- إكساب الطالب قيم العمل والإنتاج والاتقان والمشاركة المجتمعية الفاعلة..” وجاء في المادة ( 44)” تعمل الوزارة –وفقا للضوابط التي تبينها اللائحة– على ضمان حقوق الطالب، ومن بينها: و- المشاركة في تشكيل المجالس الطلابية في القضايا والموضوعات التي تهمهم.
▪ يجسّد النموذج الشوروري في مؤسسات التعليم المدرس والعالي نموذجا مصغرا لفلسفة الشورى في سلطنة عمان، بما أتاحته من فرص مشاركة الطلبة في المجالس الطلابية لطلبة التعليم المدرسي؛ والمجالس الاستشارية لطلبة جامعة السلطان قابوس ومؤسسات التعليم العالي، والتي تعني بإكساب الطلبة مهارات الشورى والمشاركة واحترام الرأي والرأي الآخر والنقد البناء، من خلال استنطاق القيم الشوروية في الحياة التعليمية بما فيها من جملة الفعاليات والأنشطة التعليمية والتثقيفية والإعلامية الموجهة لمجتمع الطلبة، الأمر الذي يتيح لهم فرص البحث والرصد لمهام واختصاصات مجلس الشورى، ومجلس الدولة على حد سواء، والاطلاع على أنشطة العمل البرلماني للمجلسين من خلال أدوار الانعقاد والجلسات العامة والجلسات المشتركة ومشروعات القوانين والدورة التشريعية وغيرها، لتصبح هذه المفاهيم مشبعة في فكر الأجيال القادمة وقناعاتها، وتبرز في ثقافة المترشح لعضوية المجلس أو الناخب، بشكل يتناغم مع فلسفة الحالة اختيار عضو مجلس الشورى الذي يعكس طبيعة المرحلة وحجم الطموحات الوطنية والمجتمعية فيها.
عليه فإن جملة الموجهات التشريعية والتنظيمية والإطارية التي أشرنا إلى بعضها، تمثل اليوم محطات مهمة تنطلق منها أبجديات الممارسة التعليمية في ترسيخ الثقافة الشوروية، وتعظيم فرص الاستفادة من هذا التلاحم الوطني في انتخاب أعضاء مجلس الشورى، في تقديم صورة نموذجية يصنعها التعليم في إطار ترسيخ المبادئ التي انطلقت منها مسيرة مجلس الشورى والمحطات النوعية التي قدمها في مسيرة العمل الوطني وفرص الإنجاز التي ساهم في تحقيقها في إطار اختصاصاته جنبا إلى جنب مع مجلس الدولة في ما يتعلق بمشروعات القوانين والاختصاصات المشتركة بين المجلسين أو تلك الاختصاصات التي يمارسها مجلس الشورى بشكل منفرد في إطار تفعيل الوسائل والأدوات البرلمانية المتاحة لأعضاء مجلس الشورى في أداء صلاحياتهم الرقابية حول مختلف الموضوعات ذات الصلة بعمل الأجهزة التنفيذية بالدولة؛ محطات مهمة تنتجها الذاكرة التعليمية في فقه الطالب وقناعاته، لتجيب عن الكثير من التساؤلات والأفكار والحوارات والقضايا والقناعات والمواقف، في إطار معطيات الدعاية الانتخابية التي يقوم بها المترشحون من مختلف الولايات، مرتكزات في العمل الشوروي الأصيل سيستحضرها الطالب بعد تخرجه من المدرسة والكلية والجامعة أو انخراطه في سوق العمل، ليبني عليها وعيه القادم وتطلعاته نحو المشاركة الانتخابية كمترشح لعضوية مجلس الشورى أو كناخب لمن يمثل ولايته تحت قبة المجلس.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: التعلیم المدرسی فی سلطنة عمان مجلس الشورى التعلیم فی فی المادة الشورى فی فی ترسیخ من خلال فی إطار
إقرأ أيضاً:
مختصون: منصة "تجاوب" تُعزِّز نهج المشاركة المجتمعية والإسهام في تطوير الخدمات
◄ الجهورية: المنصة تعزز التواصل بين المواطنين والمؤسسات الحكومية
◄ الحمداني: "تجاوب" تتيح للمواطن تقديم آرائه التصويبية بصورة مستدامة
◄ الشيذاني: المنصة تدعم ثقافة الشكاوى البنّاءة المقدمة من أفراد المجتمع
مسقط- العُمانية
أكّد عددٌ من المختصين والمعنيين أهمية المنصة ودورها في تعزيز نهج المشاركة، وتمكين الأفراد من مواطنين ومقيمين ومؤسسات القطاع الخاص من الإسهام بشكل فاعل في تطوير الخدمات المقدمة من الحكومة عبر تقديم البلاغات والشكاوى والاقتراحات، مُشيرين إلى أنّ المنصة ستُسهم في تسهيل إبداء الأفراد آراءهم بسهولة ويُسر وهذا من شأنه أن يُعزز كفاءة الاستجابة الحكومية عبر تبسيط إجراءات متابعة الشكاوى بشكل مستمر.
ويُجسد إطلاق المنصّة الوطنية للمقترحات والشكاوى والبلاغات "تجاوب" خطوة مهمة لتعزيز نهج المشاركة المجتمعية والتواصل الفاعل، وتحسين بيئة الأعمال عبر توفير قنوات تواصل أكثر كفاءة. وتتكامل منصة "تجاوب" مع أكثر من 55 مؤسّسة حكومية، منها 41 مؤسسة حكومية في المرحلة الأولى، على أن تنضم المؤسسات الأخرى إلى المنصة تباعا، إذ تأتي المنظومة بوصفها منظومة مركزية موحدة بنوافذ متعدّدة لتلقي المقترحات والشكاوى والبلاغات والاستفسارات المتعلقة بالخدمات الحكومية.
وقالت الدكتورة أمل بنت طالب الجهورية مديرة دائرة الإعلام بمجلس الشورى إنّ إطلاق المنصة الوطنية " تجاوب" يُمثل مرحلةً مهمّة من مراحل نهج التشاركية وتعزيز المشاركة المجتمعية استجابة للأوامر السامية بإطلاق منصة إلكترونية متخصّصة لتلقّي الشكاوى والمقترحات لتعزيز التواصل بين المواطنين والمؤسسات الحكومية، وتحسين كفاءة الأداء الحكومي. وأضافت أنّ إطلاق المنصة ضمن ملتقى "معًا نتقدّم" يعكس مواكبة فعلية لمتطلبات تنفيذ رؤية "عُمان 2040"، تأكيدًا لمبدأ المواطنة الفاعلة، وتعزيزًا للمشاركة المجتمعية وفق أحدث الممارسات والآليات التقنية، وهذا النهج بكل تأكيد يأتي ليستكمل الكثير من الممارسات الهادفة لتعزيز مبدأ الشراكة بين المواطن والحكومة، وتلبية متطلبات المرحلة التنموية التي تشهدها سلطنة عُمان في مختلف المجالات.
وبينت أنّ وجود نافذة إلكترونية تسمح للمواطنين والمستفيدين بإبداء الرأي والمقترحات وتقديم الشكاوى رغبة في تحسين العمل الحكومي وتطويره من ناحية، وتقديم تجربة وطنية قائمة على الشفافية من ناحية أخرى، وبالتأكيد سيكون لها الأثر الواضح مستقبلا في تحسين الخدمة والمنتج الذي تقدمه مختلف المؤسسات الحكومية للمواطن عبر خدمات تواكب التطلّعات.
وأكّدت أنّ توحيد المتطلبات والشكاوى والمقترحات التي يقدمها المواطن والمقيم عبر نافذة إلكترونية واحدة وبأحدث التقنيات يُعدُّ استجابة لمطلب وطني مهمّ، ومساحة لتعزيز الثقة بين المواطن والحكومة؛ لا سيما وأن هذه المنصة قائمة على تقنيات الذّكاء الاصطناعي، وتتيح مساحة من الخصوصية في التعامل مع ما يقدمه المستفيد خلالها من شكاوى أو بلاغات أو مقترحات ستسهم في تعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة.
وبينت الجهورية أنّ منصة "تجاوب" ستسهم بلا شك في تسهيل عملية تفاعل المواطنين مع خدمات الجهات الحكومية، وستوفر مساحة لتقييمها ووضع المقترحات الداعمة لتطويرها؛ كما أن المنصة ستوفر قناة تواصل سريعة وآمنة، تمكّن المواطنين من نقل مقترحاتهم بشكل مباشر وفاعل إلى الجهات المختصّة؛ الأمر الذي سيساعد على تعزيز مصداقية المعلومات والحدّ من الإشاعات، كما ستوجِد المنصة بعد وقت من تطبيقها نوعًا من التنافس بين المؤسسات الحكومية، من خلال حرصها وسعيها لتحسين خدماتها وبث روح الإبداع لتقديم الأفضل، كما ستعمل المنصة على رفع مستوى رضا المواطنين عن مستوى أداء المؤسسات الحكومية، بما يُعزز جودة الخدمات المقدمة ويُلبي تطلعات المواطنين بشكل أفضل مستقبلًا.
من جانبه، قال مبارك بن خميس الحمداني باحث اجتماعي ومختصّ في السياسات إنّ المنصة الوطنية للمقترحات والشكاوى والبلاغات "تجاوب" تشكّل نقلة نوعية في نموذج العمل الحكومي في سلطنة عُمان، وذلك أنها تنتقل بأعمال الحكومة إلى نمط التفاعلية في الممارسات السابقة؛ سواء كانت هناك منصات أو وسائل وآليات مُجزَّأة لدى الوحدات الحكومية المختلفة فيما يتعلق باستقبال شكاوى أفراد المجتمع وبلاغاتهم. وأكّد أنّ وجود منصة وطنية متكاملة يجعل من عملية تلقي تلك الشكاوى في صيغة منهجية ووفق إطار وطني وآليات متابعة واضحة، كما أنّ إضافة عنصر يتصل بتقديم المقترحات حول خدمات المؤسسات الحكومية مهمّ جدًا في مسألة (تفاعل الحكومة مع المجتمع)، ونحن اليوم أمام مجتمع بمستويات تعليم متقدمة، وبخبرات وتجارب واطلاع يمكنه من تقديم آرائه التصويبية، ومقترحاته التي قد تشكل قيمة مضافة لأعمال الحكومة.
وأضاف أنّ هذه المنصة تنتقل بمشاركة المجتمع من النمط الموسمي، الذي يجري فيه إشراكه بصورة "مُجتزأة" وفق أحداث أو فعاليات محددة، إلى نمط دائم يستطيع من خلاله الفرد أن يشعر بالطريقة التي تمكنه من أن يكون عنصرًا تطويريًّا لأعمال الحكومة.
من جانبه يرى راشد بن عبد الله الشيذاني باحث ومحلّل للشأن العام أنّ منصة "تجاوب" ستُسهم في تعزيز فاعلية التواصل الإلكتروني بين الحكومة وأفراد المجتمع من حيث سرعة التجاوب مع المقترحات والشكاوى والبلاغات، كما ستساعد على تعزيز ثقة أفراد المجتمع في متابعة الملحوظات الواردة على الخدمات والأداء الحكومي من حيث أهمية الملحوظة وسرعة الاستجابة.
وأكّد أنّ المنصة ستساعد في تعزيز ثقافة الشكاوى البنّاءة والمقترحات والشكاوى والبلاغات لدى أفراد المجتمع وأنها محل اهتمام على مستوى الحكومة مشيرًا إلى أنّ الدليل الاسترشادي حول استخدام المنصة والتعريف بها سيُعزز بشكل أكبر وأوسع انتشار ثقافة إبداء الرأي بإيجابية على نطاق أوسع، ومن الأهمية تشجيع أفراد المجتمع على تقديم المقترحات الإيجابية المهمة في دعم مسيرة نهضة عُمان المتجدّدة عبر ابتكار أساليب محفّزة على ذلك. وأفاد بأنّ المنصة ستؤثر بكل تأكيد في تعزيز العلاقة بين الحكومة والمواطنين في حال تلمّس المواطن نتائج العلاقة بينه وبين الحكومة وأثرها في تحسين الخدمات والأداء الحكومي، وستؤدي إلى تجسير الهُوة بين الجانبين.
وتؤكّد المنصّة على أهمية المشاركة الواعية والمسؤولة من جانب المستفيدين، فهي تتطلب تقديم بيانات حقيقية لضمان متابعة الطلبات بشكل فاعل، إذ إنّ جميع البيانات المدخلة يتمُّ التعامل معها وفق أعلى معايير الأمان والخصوصية، لضمان حماية معلومات المستفيدين.
وتُتيح المنصّة للمواطنين والمقيمين في سلطنة عُمان التسجيل وتتجاوب حاليًّا باللغتين العربية والإنجليزية، وتقدّم المنصة فرصة لجميع الأفراد في سلطنة عُمان المستفيدين من الخدمات الحكومية لتقديم المقترحات أو لتحسين الخدمات أو للإبلاغ عن أي ملاحظات.
والمنصة متاحةٌ حاليًّا بوصفها موقع إلكتروني (https://tajawob.om)، إضافة إلى روابط تقديم المقترحات والملحوظات والبلاغات في المواقع الإلكترونية للمؤسسات الحكومية، ومنافذ تقديم الخدمة ومراكز الاتصالات بالمؤسّسات الحكومية على أن تُتاح المنصة مستقبلا عبر التطبيق الإلكتروني في المتاجر الإلكترونية المختلفة.
ويمكن استخدام المنصة عبر متصفح الإنترنت على الهاتف المحمول أو جهاز الحاسب الآلي، حيث تمّ تطوير نسخة المتصفح لتكون مطابقة لنسخة التطبيق الإلكتروني من حيث سهولة الاستخدام ووضوح العناصر، مما يُتيح تجربة استخدام مريحة دون الحاجة إلى تحميل التطبيق.
وتعزيزًا لنهج الشمولية وتلبية لمتطلبات النفاذ الرقمي، فإنّ المنصة توفر ميزات لدعم وصول الأشخاص ذوي الإعاقة مثل دعم القارئ الصوتي لذوي الإعاقة البصرية، مع واجهة واضحة وسهلة الاستخدام تتناسب مع المستفيدين من ذوي الإعاقة الحركية والبصرية، إضافة إلى إمكانية تغيير حجم النصوص وتعديل الألوان لضمان قراءة مريحة، والتنقل باستخدام لوحة المفاتيح، وستوفر المنصة حلولا خاصة ومقاطع مرئية بلغة الإشارة لشرح الخطوات والإجراءات لذوي الإعاقة السمعية.
ويتمُّ تطوير المنصة لتواكب تقنيات الذّكاء الاصطناعي بما يعزز تجربة المستخدم، حيث يتمُّ استخدام خوارزميات متقدمة لفهم محتوى الطلب، واستخراج الكلمات المفتاحية، وتحديد الأولويات بناءً على نوع الطلب وأهميته، ويسهم ذلك في توزيع الطلبات تلقائيًّا على الأقسام المختصّة في المؤسّسات مع إعطاء الأولوية للطلبات ذات الأهمية العالية، وتوفير تقارير تفصيلية للمؤسسات المعنية لفهم التحدّيات وتحسين الخدمات، كما تتضمن المنصة إرسال تنبيهات وإشعارات للمستخدمين بشكل فوري عند استلام الطلبات والتعامل معها.
وستكون المنصة الوطنية "تجاوب" رافدًا مهمًّا تُسهم في تجويد الخدمات الحكومية، وتعزيز التفاعل المباشر بين المستفيدين والمؤسسات الحكومية. ومرَّت عملية تطوير المنصة بثلاث مراحل شملت التخطيط، والتأسيس، والإطلاق، حيث تم خلالها بناء السياسات والأطر التنظيمية، وتطوير البنية التقنية، وضمان تكامل المنصة مع أنظمة المؤسسات الحكومية المختلفة. كما تم تشكيل فرق مركزية وتنفيذية في المؤسسات الحكومية لضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية وتعزيز جاهزيتها للتعامل مع الطلبات عبر المنصة.
وجاء إطلاق منصة "تجاوب" في ملتقى "معًا نتقدّم" في نسخته الثالثة بوصفها أحد أوجه المشاركة المجتمعية وسعيًا للارتقاء بكفاءة الخدمات الحكومية، حيث يمثّل الحوار والتواصل الفاعل بين القيادة والمجتمع نهجًا راسخًا ومتجذرًا تُعزز عبر مراحل مختلفة، ليصل اليوم إلى مرحلة الاستفادة من التقنيات الحديثة في ترسيخ هذا التوجه.