جولة البرهان الخارجية.. هل حددت ملامح الموقف العربي من الأزمة السودانية؟
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
لم يكتف قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بالتجول بين المدن السودانية حتى أجرى بعيد ذلك جولة مكوكية خارجية شملت مصر وجنوب السودان وقطر.
وبدا البرهان حازما تجاه خيار الحسم العسكري في خطابه بمدينة بورتسودان في 27 آب/أغسطس الماضي، وهو يسرد تفاصيل خروجه من القيادة العامة أواخر الشهر الماضي، عندما ذكر أن الأمر تم بعملية عسكرية مدروسة كلفته أرواح اثنين من جنوده.
واتسع المدى الجغرافي أكثر أمام البرهان الذي كان محاصرا في الخرطوم، حيث أكد أكثر من مرة أن دفة العمليات العسكرية تميل لصالح الجيش السوداني، بعد نحو خمسة أشهر من المعارك.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية السوداني إبراهيم ناصر، إن "توقيت الزيارة يشير إلى أن البرهان يؤكد للمحيط الإقليمي والدولي أن الشرعية معه، كما يبحث في ذات الوقت عن المقبولية، لاسيما أنه زار عواصم كان موقفها إيجابيا تجاه الجيش وحيدت الأطراف المناوئة للبرهان من الناحية السياسية".
وأضاف في حديث لـ "عربي21”,"أن زيارة البرهان لمصر وقطر تؤكد على أن الجيش يعول على الدور العربي أكثر من الدور الأفريقي خصوصا بعد التلاسن بين الخارجية السودانية والاتحاد الأفريقي مؤخرا، حيث ساوى الموقف الأفريقي بين الدعم السريع والجيش وهذا ما يرفضه البرهان".
جولة خارجية
قطر
في السابع من أيلول/ سبتمبر الجاري وصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني العاصمة القطرية الدوحة، وعقد مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في قصر لوسيل، تناولا فيها آخر المستجدات في السودان.
سعيد باستقبال أخي عبد الفتاح البرهان، وبمباحثاتنا التي أجريناها لتعزيز علاقاتنا الأخوية الراسخة وتطوير التعاون الثنائي بيننا في مجالات متنوعة، وقد جددت خلالها حرص قطر الدائم على دعم الجهود الرامية لإنهاء القتال الدائر في السودان حفاظا على وحدته وأمنه واستقراره. pic.twitter.com/PxLxGPy3Cr — تميم بن حمد (@TamimBinHamad) September 7, 2023
وذكر الديوان الأميري القطري أن الشيخ تميم أكد على موقف بلاده الداعي إلى وقف القتال في السودان وانتهاج الحوار والطرق السلمية لتجاوز الخلافات، وتطلعها إلى انخراط كل القوى السياسية السودانية في مفاوضات واسعة بعد الوقف الدائم للحرب، وصولا إلى اتفاق شامل وسلام مستدام يحققان تطلعات الشعب السوداني.
وثمّن أمير قطر الجهود الإقليمية والدولية والمساعي الحميدة، الهادفة لإنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار في السودان.
خلال لقائي مع معالي السيد @HamzaAbdiBarre رئيس وزراء #الصومال، تطرقنا إلى سبل تعزيز التعاون بيننا على كافة الأصعدة لا سيما في المشاريع التنموية، كما ناقشنا تطورات الأوضاع في الصومال. جددت دعم دولة #قطر لكافة الجهود الهادفة لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار للشعب الصومالي الشقيق. pic.twitter.com/jMjOUebBJM — محمد بن عبدالرحمن (@MBA_AlThani_) September 5, 2023
من جهته، أطلع البرهان أمير قطر على مستجدات الأوضاع والتحديات التي يواجهها السودان، كما عبّر عن شكره وتقديره للأمير على موقف دولة قطر الداعم للسودان حكومة وشعباً، وبما يخدم الاستقرار والتنمية فيه، وفق بيان الديوان الأميري القطري.
كما تناولت المباحثات، بحسب الديوان، دعم وتنمية العلاقات القائمة بين البلدين، بالإضافة إلى مستجدات الأحداث إقليمياً ودوليا.
وعقب ساعات غادر البرهان الدوحة، محطته الثالثة في الجولة الخارجية الأولى التي يقوم بها إلى خارج السودان منذ اندلاع الحرب في البلاد.
ويرى إبراهيم ناصر، "أن الموقف القطري كان إيجابيا منذ بداية الأزمة ولحد الآن، فبعد زيارة البرهان للدوحة شاهدنا لينا من جانب "قوى إعلان الحرية والعدالة الجناح المركزي" تجاه الجيش عكس مواقفهم المتشنجة سابقا.
مصر
في 29 من آب/ أغسطس الماضي حطت طائرة البرهان برفقة وزير الخارجية المكلّف علي الصادق، ومدير جهاز المخابرات العامة أحمد ابراهيم مفضل في مطار العلمين قادمة مدينة بورتسودان حيث كان في استقباله رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.
وذكر المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، بأن السيسي أكد خلال اللقاء على موقف مصر الثابت والراسخ بالوقوف بجانب السودان، ودعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، خاصةً خلال الظروف الراهنة، مع الأخذ في الاعتبار الروابط والمصلحة الاستراتيجية المشتركة التي تجمع بين البلدين الشقيقين.
بدوره أشاد البرهان، بدعم مصر للحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المنعطف التاريخي الذي يمر به، خاصة من خلال حُسن استقبال المواطنين السودانيين بمصر، مؤكدا تقدير بلاده للدور الفاعل لمصر بالمنطقة والقارة الأفريقية.
وأضاف المتحدث الرسمي أنّ اللقاء "شهد استعراض تطورات الأوضاع في السودان، والتشاور حول الجهود الرامية لتسوية الأزمة حفاظاً على سلامة وأمن السودان الشقيق، على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية، ويصون مصالح الشعب السوداني الشقيق وتطلعاته نحو المستقبل".
وتزامنت زيارة البرهان للقاهرة مع جهود مصرية لإعادة ملف الصراع في السودان لصدارة المشهد مجددا، لاسيما بعد تعثر فشل المبادرة الأمريكية السعودية في حل الأزمة.
ومنتصف تموز/ يوليو المنصرم استضافت مصر قمة لدول جوار السودان لتسوية النزاع السوداني سلميا، بحضور مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني.
وفي معرض حديثه عن الموقف المصري أوضح ناصر الذي يرأس منصة الدراسات الأمنية وأبحاث السلام، "أن موقف مصر واضح بدعم الجيش السوداني، ويرتكز على أمر هام وهو وجود (المليشيات في الجنوب) الذي يهدد الأمن القومي لمصر".
وكشف ناصر، عن "اجتماع سري في القاهرة أواخر العام الماضي ناقش وجود الميليشيات في المنطقة وسلطت مصر حينها الضوء على قوات الدعم السريع على الرغم من تخوف مصر من الإسلاميين المؤيدين للجيش السوداني".
جنوب السودان
وعقب زيارة مصر توجه قائد الجيش السوداني جنوبا، حيث وصل جوبا عاصمة جنوب السودان في الرابع من الشهر الجاري، والتقى برئيسها سلفا كير.
ونقل بيان للرئاسة في جوبا، عن وزير شؤون الحكومة في جنوب السودان مارتن إيليا لومورو قوله إنه "من المعروف أن الرئيس كير هو الشخص الوحيد الذي تجمعه خصوصية معينة ومعرفة بالسودان، ويمكنه إيجاد حل للأزمة السودانية".
من جانبه قال وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق، "في السودان، نعتقد بأن جنوب السودان هو أفضل بلد مخول القيام بوساطة بشأن النزاع في السودان، لأننا كنا بلدا واحدا على مدى طويل ونعرف بعضنا بعضا، ونعرف مشكلاتنا وحاجاتنا".
السعودية والإمارات
وانتشرت أخبار بعد زيارة قائد الجيش السوداني للقاهرة بتوجهه للسعودية ثم الإمارات، إلا أن الرجل عاد إلى بلاده قبل أن يستهل زيارة لجنوب السودان وقطر.
وبحسب الأكاديمي السوداني إبراهيم ناصر، "فإن السعودية تنظر لمؤسسات الجيش كممثل رسمي لكن بسبب الوضع في اليمن كان موقفها سلبيا بداية الأمر وأقرب للموقف الإماراتي، لكن بالمجمل الرياض الآن تدعم الجيش".
وعن الموقف الإماراتي قال ناصر لـ "عربي21”, إن "الموقف الإماراتي كان موقفا شاذا تحاه الازمة السوداني حيث ارتسمت صورة سلبية في ذهنية المواطن السوداني لأبو ظبي التي راهنت على الحصان الخاسر وهو قوات الدعم السريع".
وأضاف، أن "الإمارات تعمل على عرقلة التحول الديمقراطي في السودان وتحاول قدر الإمكان امتصاص تاثيرات الثورة والتغيير في السودان، فهي تنظر للدعم السريع على أنها حليف تطمح لأن يسيطر على ثروات السودان وموانئه وإزاحة خطر عودك الإسلاميين للسلطة".
وتابع، "بشكل عام فإن دول الخليج بالمجمل لا تريد أي تحول ديمقراطي كما أن تأزم الأوضاع يدعم فرضيتها التي تقول إن هذه الشعوب غير مؤهلة للديمقراطية".
الخروج من عنق الزجاجة
في 28 آب/ أغسطس الماضي ظهر رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لأول مرة خارج الخرطوم، منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف نيسان/ أبريل، حيث تصر الدعم السريع على أنها تحاصر البرهان داخل مقر قيادة الجيش في الخرطوم.
وتفقد البرهان قواته في مدينة أم درمان غرب الخرطوم، وعقب ساعات توجه مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، التي تبعد عن الخرطوم 310 كيلو مترات، وتفقد مقر سلاح المدفعية، وزار مصابي القتال من الجيش في مستشفى الجيش والشرطة.
وزار بعدها مدينة الدامر عاصمة ولاية نهر النيل، حيث تفقد نازحي الحرب الفارين من الخرطوم، قبل أن يطل من مدينة بورتسودان متحدثا عن كيفية خروجه ومتوعدا بإلحاق الهزيمة بالدعم السريع.
البرهان متجولاً في كورنيش بورتسودانpic.twitter.com/222p5n1suR — Ibrahim Omer (@ibrahim3mer) August 31, 2023
وظهور البرهان هو الأول له منذ 130 يوما خارج مقر قيادة الجيش، وكان آخر ظهور له قبل ذلك في 18 تموز/ يوليو، ظهر خلالها حاملا سلاحا رشاشا ومسدسا وقنبلة يدوية ويترأس اجتماعا عسكريا في مركز القيادة.
وتباينت الآراء حول الظهور المفاجئ للبرهان، حيث اعتبر سودانيون أن خطوات البرهان تهدف لحشد الدعم لموقفه في المفاوضات، كما أن خروجه يدل على قرب انتهاء القتال، وثقته بقدرة الجيش على حسم المعركة قريبا.
يقول ناصر إن "الجولة المكوكية التي أجراها البرهان موشر على دخول العمليات العسكرية مرحلة جديدة، يكون فيها الجيش هو الممسك بزمام المبادرة، رغم أن المشهد العسكري في البلاد يبدو مجزءا".
وأضاف أن "الدعم السريع وضعت خطة بداية تمردها تقتضي بالسيطرة على قيادة الجيش والأماكن الحساسة، لذا تأتي تحركات البرهان بتجوله في عدة مدن سودانية وزياراته الخارجية للتاكيد على أنه صاحب الشرعية وبمقدرته التحرك بحرية".
وتابع بأن "التأييد الشعبي للجيش لم يأت بفضل البرهان بل كان تعاطفا تراكميا وازدادت مع إيمان المواطن السوداني بالجيش، بالإضافة للانتهاكات التي مارستها الدعم السريع وهذا ما دفع السودانيين للالتفاف حول الجيش".
واستدرك، "البرهان لم ينجح بتوظيف الدعم الشعبي والدولي عقب تمرد الدعم السريع، حيث لم يكن بالحزم المطلوب للتعامل مع الدعم السريع قبل التمرد وأثناءه، حيث واجه اتهامات بأنه لم يكن قويا بما يكفي لكبح جماح قوات الدعم السريع".
أحداث متزامنة
بالتوازي مع الحراك الخارجي، وبعيدا عن جو المعارك العنيفة، نقل البرهان المعركة إلى الصعيد السياسي والقانوني، بعدما قرر حل وإلغاء قانونية وجود الدعم السريع.
وأصدر رئيس مجلس السيادة السوداني في السادس من أيلول/ سبتمبر الجاري، مرسوما دستوريا يحل بموجبه قوات الدعم السريع، بسبب تمردها على الدولة والانتهاكات التي مارستها ضد المدنيين، إضافة إلى تخريب البنى التحتية، وفق المرسوم.
وفي ذات اليوم أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على قادة في الدعم السريع أبرزهم عبد الرحيم دقلو شقيق قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو.
واستهدفت العقوبات عبد الرحيم حمدان دقلو، الذي تتهم قواته بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي خصوصا في إقليم دارفور وفق بيان صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية.
وشملت العقوبات قائد قوات الدعم السريع في غرب دارفور عبد الرحمن جمعة، لتورطه في انتهاكات ارتكبتها قواته في ذات المنطقة.
وذكرت وكالة "فرانس برس" أن جمعة متورط باغتيال حاكم ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر منتصف حزيران/ يونيو الماضي، بعد اختطافه إثر مقابلة هاتفية مع قناة تلفزيونية سعودية، انتقد خلالها قوات الدعم السريع.
وحول العقوبات يقول الأكاديمي السوداني، "أنها تشير إلى ضوء أخضر أمريكي للبرهان الذي يرى واشنطن حليفا يمكن أن يمنحه شرعية دولية خصوصا أن هناك لقاءات جمعت مسؤولي استخبارات من البلدين برعاية أفريقية".
وأوضح، أن "العقوبات تشير لحالة من التخادم بين الطرفين، فالولايات المتحدة متخوفة من أن تكون قوات الدعم السريع بوابة روسيا لدخول السودان، كما أن البرهان لا يبدو متحمسا كثيرا للمعسكر الشرقي المتمثل في الصين وروسيا".
وعن تأثير العقوبات الأمريكية على قادة الدعم السريع أكد ناصر، "أن العقوبات ستؤثر على تلك القوات وستضيق عليها بشكل أكبر كما أنها ستقوض من قدرتها على المناورة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية السوداني البرهان مصر القطرية الجولة الخارجية مصر السودان قطر جولة خارجية البرهان سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قائد الجیش السودانی قوات الدعم السریع رئیس مجلس السیادة جنوب السودان فی السودان عبد الفتاح على أن کما أن
إقرأ أيضاً:
بعد هزائم الدعم السريع.. هل ينجح البرهان في فرض سيطرته؟
منذ الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، برز الفريق أول عبدالفتاح البرهان كشخصية محورية في المشهد السياسي السوداني، كأنما القدر قد اختاره ليقود سفينة البلاد في بحر مضطرب من التحولات والصراعات.
تولى قيادة المجلس العسكري الانتقالي بعد استقالة الفريق أول عوض بن عوف، مدعومًا بتأييد واسع من القوى السياسية التي تصدرت المشهد آنذاك، فضلًا عن دعم قوات الدعم السريع، والتأييد التلقائي من الجيش.
كانت تلك المرحلة بداية لتوازن هشّ ومعقد بين القوى العسكرية والمدنية، بعد دخوله في مفاوضات مع قوى الحرية والتغيير (قحت) لتحديد المرحلة الانتقالية، تصاعد التوتر سريعًا بين الطرفين لتحديد شكل المرحلة الانتقالية.
لكن سرعان ما تصاعد التوتر بين الطرفين، خاصة بعد فض اعتصام القيادة العامة للجيش في يونيو/ تموز 2019، وهو الحدث الذي أثار عاصفة من الغضب الشعبي، لكنه في الوقت نفسه عزز موقع البرهان في المعادلة السياسية، وكأنه صعد على أمواج متلاطمة من الأزمات.
في أغسطس/ آب 2019، أصبح البرهان رئيسًا للمجلس السيادي الانتقالي، محاولًا أن يقود مركبًا ممزق الأشرعة في بحر مضطرب من الصراعات بين التيارات الإسلامية المحافظة والعلمانية اليسارية المرتبطة بالغرب.
إعلانلكن الرياح لم تكن دائمًا في صالحه، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قاد ما أسماه "حركة تصحيح المسار"، بينما وصف خصومه ذلك بالانقلاب العسكري، حيث أطاح بحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، معززًا قبضته على السلطة.
ومع ذلك، وجد نفسه في مواجهة ضغوط إقليمية ودولية مؤيدة لحمدوك، مما جعله يتأرجح بين القبول، والرفض على الساحة الدولية. رغم اعتماده على الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، فإن التوترات الداخلية والتحديات الاقتصادية والسياسية جعلت موقفه يشبه بناءً من الرمال المتحركة، حيث يجد نفسه في توازن هش بين القوى المحلية والإقليمية والدولية، في ظل مشهد سياسي معقد، ومفتوح على احتمالات عدة.
المفارقة الكبرى تكمن في أن قوات الدعم السريع، والتي كانت شريكًا رئيسيًا للبرهان في السيطرة على السلطة بعد إطاحة البشير، أصبحت تمثل التهديد الأكبر له. فبعد أن ساهمت في تعزيز نفوذه العسكري، والسياسي من خلال دعمها في أحداث حاسمة مثل فض الاعتصام وإجراءات تصحيح المسار أو الانقلاب العسكري حسب خصومه، فقد انقلبت هذه القوات إلى عدو لدود، حيث يخوض الآن حرب وجودٍ ضروسًا ضدها.
والأكثر إثارة للدهشة أن الحماقة التي أقدمت عليها قوات الدعم السريع في محاولتها الانقلابية في 15 أبريل/ نيسان 2023، وما ارتكبته من جرائم إبادة جماعية واغتصاب وسرقة وتدمير للبنى التحتية بعد أن تحولت إلى مليشيا إجرامية، أتاحت للبرهان فرصة غير مسبوقة للالتفاف الشعبي حوله.
هذا التأييد الشعبي، الذي جاء كرد فعل على فظائع (الدعم السريع)، زاد من طموح البرهان لقيادة البلاد ليس فقط في فترة ما بعد الحرب، بل أيضًا في مرحلة ما بعد الفترة الانتقالية.
لكن السؤال الذي يظل معلقًا في الهواء هو: ما هي فرص الرجل في إطالة أمد هذا السياق المعقد؟ هل سيتمكن من تحويل الالتفاف الشعبي المؤقت إلى شرعية دائمة، أم إن التحديات الداخلية، والخارجية ستجعل موقفه كقارب يكافح للبقاء وسط عاصفة لا ترحم؟
إعلانفي النهاية، يبقى مستقبل البرهان مرهونًا بقدرته على تحقيق توازن شبه مستحيل بين القوى المتصارعة، في وقت يبدو فيه المشهد السياسي السوداني كقطعة شطرنج معقدة، كل حركة فيها تحمل في طياتها احتمالات النصر أو الهزيمة.
خلفيات وملابسات صعود البرهانوصل البرهان إلى موقعه الحالي باعتباره شخصية رئيسية في السودان، حيث يجمع بين السلطات العسكرية، والسياسية في ظل ظروف مضطربة، وانتقالية.
بدأت الأحداث باحتجاجات شعبية واسعة ضد حكم البشير الذي استمر أكثر من 30 عامًا، حيث طالبت الجماهير بإسقاط نظامه؛ بسبب الأزمات الاقتصادية والفساد.
في 11 أبريل/ نيسان 2019، أطاحت اللجنة الأمنية (مشكلة من وزير الدفاع وقادة في الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى) بالبشير وتشكل مجلس عسكري انتقالي بقيادة وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف، الذي استقال بعد يوم واحد فقط تحت ضغط قائد قوات الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير التي كانت تتحكم في الشارع الغاضب حينها.
بعد استقالة بن عوف، تولى البرهان، الذي كان يشغل منصب المفتش العام للجيش، قيادة المجلس العسكري الانتقالي في 12 أبريل/ نيسان 2019. كان البرهان يتمتع بدعم مقدر داخل الجيش، واعتبر شخصية مقبولة نسبيًا من قبل (الدعم السريع) و(قحت).
خلال هذه الفترة، بدأت مفاوضات بين المجلس العسكري و(قحت) لتحديد شكل الفترة الانتقالية. ومع ذلك، تصاعدت التوترات بعد فض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم في 3 يونيو/ تموز 2019، مما أدى إلى مقتل عشرات المتظاهرين وزيادة الضغط على المجلس العسكري.
في أغسطس/ آب 2019، تم التوصل إلى اتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لتشكيل مجلس سيادي انتقالي يتكون من 11 عضوًا (5 عسكريين و6 مدنيين) لقيادة الفترة الانتقالية.
في 21 أغسطس/ آب 2019، تم تعيين البرهان رئيسًا للمجلس السيادي الانتقالي، بينما تم تعيين عبدالله حمدوك -وهو اقتصادي مدني- رئيسًا للوزراء.
خلال الفترة الانتقالية، كان البرهان يمثل السلطة العسكرية في السودان، بينما تولى حمدوك وحكومته المهام التنفيذية. ومع ذلك، استمرت التوترات بين العسكريين، والمدنيين حول السلطة ومسار الانتقال الديمقراطي.
إعلانفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قاد البرهان مسارًا تصحيحيًا أطاح بالحكومة الانتقالية بعد تصاعد الخلافات داخل (قحت) نفسها، وتدهور الأوضاع الاقتصادية لمستوى غير مسبوق. فأعلن البرهان حل المجلس السيادي والحكومة وفرض حالة الطوارئ.
بعد هذا الحدث، عاد البرهان ليكون الشخصية الأبرز في المشهد السياسي السوداني، حيث تولى السلطة بشكل فعلي وأدار البلاد بمساعدة العسكريين، وقوى مدنية مناوئة لـ (قحت).
بهذه الطريقة، وصل البرهان إلى موقعه الحالي كشخصية رئيسية في السودان، حيث يجمع بين السلطات العسكرية والسياسية في ظل ظروف مضطربة وانتقالية.
موازنة صعبة بين القوى السياسيةيواجه البرهان تحديًا كبيرًا في إدارة العلاقة بين التيارات السياسية المتنافسة في السودان، حيث يحاول الموازنة بين التيار الإسلامي والتيار العلماني اليساري دون الالتزام الكامل مع أي منهما.
التيار الإسلامي، المتمثل في جماعات مثل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يحكم في عهد عمر البشير، يتمتع بقوة تنظيمية كبيرة وخبرة واسعة في الحكم. هذا التيار، رغم تراجع نفوذه بعد الإطاحة بالبشير، لا يزال يحاول العودة إلى المشهد السياسي من خلال التحالفات الخفية أو العلنية مع بعض القوى العسكرية والسياسية.
خبرته في إدارة الدولة، وقدرته على تعبئة القواعد الشعبية تجعلانه لاعبًا لا يمكن تجاهله لا سيما في حفز المقاومة الشعبية التي أحدثت فرقًا كبيرًا في مواجهة (الدعم السريع) في الحرب الحالية، مما يضطر البرهان إلى التعامل معه بحذر لتجنب استفزاز قواعده أو خلق توترات إضافية.
من جهة أخرى، فإن التيار العلماني اليساري – المتمثل في تحالفات مثل قوى الحرية والتغيير (قحت) التي تحوّلت لاحقًا إلى (تقدم) ثم (صمود) بقيادة حمدوك- يشكل قوة ضاغطة على البرهان للمضي قدمًا في عملية تحوّل ديمقراطي يعزل فيه التيار الإسلامي تمامًا.
إعلانويحاول البرهان موازنة العلاقة بين هذين التيارين من خلال اتباع سياسة مرنة تهدف إلى إرضاء الطرفين دون الالتزام الكامل مع أي منهما.
من ناحية، يتعامل مع التيار الإسلامي بتحفظ، حيث يسمح له بحضور محدود في المشهد السياسي دون منحه نفوذًا كبيرًا. ومن ناحية أخرى، يحاول استيعاب بعض مطالب التيار العلماني اليساري من خلال تقديم وعود سياسية مع الحفاظ على السيطرة العسكرية على مقاليد الأمور.
هذه السياسة المرنة تهدف إلى تجنب الاصطدام المباشر مع أي من التيارين، ولكنها أيضًا تعرض البرهان لانتقادات من كلا الجانبين، حيث يراه الإسلاميون مترددًا في دعمهم، بينما يراه العلمانيون جزءًا من نظام عسكري يعيق التحول الديمقراطي.
في النهاية، توازن البرهان بين هذه القوى السياسية يبقى تحديًا كبيرًا، حيث يتطلب إدارة دقيقة للمصالح المتناقضة وتجنب الانحياز الكامل لأي طرف.
نجاحه في هذا التوازن يعتمد على قدرته على الحفاظ على دعم الجيش مع تقديم تنازلات محدودة لإرضاء القوى السياسية، لكن أي خطأ في هذه المعادلة قد يؤدي إلى تهديد استقرار حكمه ومستقبله السياسي.
ومنذ إجراءات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، واجه البرهان معضلة البحث عن حاضنة سياسية لضمان استمراره في السلطة.
تاريخيًا، لجأت الأنظمة العسكرية في السودان إلى تأسيس كيانات سياسية موالية، مثل "الاتحاد الاشتراكي" في عهد الرئيس السابق جعفر نميري (1985 – 1969)، لكن تكرار هذه التجربة يواجه تحديات بسبب تغير طبيعة القوى السياسية وكيمياء الكتلة الجماهيرية.
ولذا قد يلجأ البرهان إلى الإدارات الأهلية والطرق الصوفية ورجال الأعمال، لكنها قوى غير قادرة على توفير شرعية دائمة.
في ظل هذه المعطيات، يظل البرهان في وضع سياسي هش، يفتقر إلى حاضنة متماسكة تضمن له الاستمرار. أما اعتماد البرهان على الجيش كدعامة رئيسية لحكمه، حيث وفر له الحماية منذ الإطاحة البشير، فأمر لا يمثل ضمانة مستمرة إذ إن نظام الجيش لا يعطي قائده (شيكًا على بياض)، خاصة مع استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية.
إعلانبالإضافة إلى ما سبق، فإن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، مع تراجع الجنيه السوداني بفعل ارتفاع معدلات التضخم، تجعل بقاء البرهان في السلطة أكثر صعوبة. فضعف الخدمات الأساسية يفاقم الاحتقان الشعبي، ويجعل الاحتجاجات العفوية احتمالًا قائمًا.
كما أن القوات الأمنية نفسها قد تتأثر بالأوضاع المعيشية المتدهورة، مما قد يؤدي إلى تصدعات داخل الجيش. في ظل هذا الوضع، يواجه البرهان خيارين: تقديم تنازلات سياسية لكسب الدعم الاقتصادي، أو الاستمرار في الاعتماد على الموارد الذاتية، وهو ما يعني استمرار التدهور وزيادة الغضب الشعبي.
بيد أن البرهان يحظى بدعم إقليمي من بعض الدول أبرزها مصر التي ترى في استقرار السودان مصلحة إستراتيجية لها. في المقابل، تواجه حكومته ضغوطًا دولية، إذ علقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مساعداتهما، بزعم المطالبة بانتقال ديمقراطي.
فهل يستطيع البرهان المناورة بين كل هذه الضغوط عبر تعزيز علاقاته مع حلفائه الإقليميين، أو تقديم تنازلات سياسية محدودة لاستعادة الدعم الدولي؟
سيناريوهات مستقبل البرهان السياسيتتراوح خيارات البرهان بين: تكوين حاضنة سياسية جديدة عبر استقطاب قوى تقليدية، لكنه يواجه تحديات اقتصادية وسياسية تعيق نجاح هذا الخيار، أو الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية وإجباره على التنحي، خاصة مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والتظاهرات الشعبية المحتملة. أو حدوث انشقاقات داخل الجيش تطيح به، إذا تصاعدت الخلافات داخل المؤسَّسة العسكرية أو تصاعدت الآثار السلبية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب.
في المحصلة، يظل بقاء البرهان في السلطة مرهونًا بقدرته على المناورة بين هذه التحديات، لكنه يواجه وضعًا غير مستقر قد يهدد مستقبله السياسي واحتمالات استقرار حكمه.
لا يبدو حتى الآن أن لدى البرهان أي رؤية سياسية واضحة وإنما يتعامل مع الأزمات بردود فعل آنية.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline