لم يكتف قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بالتجول بين المدن السودانية حتى أجرى بعيد ذلك جولة مكوكية خارجية شملت مصر وجنوب السودان وقطر.

وبدا البرهان حازما تجاه خيار الحسم العسكري في خطابه بمدينة بورتسودان في 27 آب/أغسطس الماضي، وهو يسرد تفاصيل خروجه من القيادة العامة أواخر الشهر الماضي، عندما ذكر أن الأمر تم بعملية عسكرية مدروسة كلفته أرواح اثنين من جنوده.



واتسع المدى الجغرافي أكثر أمام البرهان الذي كان محاصرا في الخرطوم، حيث أكد أكثر من مرة أن دفة العمليات العسكرية تميل لصالح الجيش السوداني، بعد نحو خمسة أشهر من المعارك.

ويقول أستاذ العلاقات الدولية السوداني إبراهيم ناصر، إن "توقيت الزيارة يشير إلى أن البرهان يؤكد للمحيط الإقليمي والدولي أن الشرعية معه، كما يبحث في ذات الوقت عن المقبولية، لاسيما أنه زار عواصم كان موقفها إيجابيا تجاه الجيش وحيدت الأطراف المناوئة للبرهان من الناحية السياسية".

وأضاف في حديث لـ "عربي21”,"أن زيارة البرهان لمصر وقطر تؤكد على أن الجيش يعول على الدور العربي أكثر من الدور الأفريقي خصوصا بعد التلاسن بين الخارجية السودانية والاتحاد الأفريقي مؤخرا، حيث ساوى الموقف الأفريقي بين الدعم السريع والجيش وهذا ما يرفضه البرهان".


جولة خارجية
قطر
في السابع من أيلول/ سبتمبر الجاري وصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني العاصمة القطرية الدوحة، وعقد مباحثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في قصر لوسيل، تناولا فيها آخر المستجدات في السودان.

سعيد باستقبال أخي عبد الفتاح البرهان، وبمباحثاتنا التي أجريناها لتعزيز علاقاتنا الأخوية الراسخة وتطوير التعاون الثنائي بيننا في مجالات متنوعة، وقد جددت خلالها حرص قطر الدائم على دعم الجهود الرامية لإنهاء القتال الدائر في السودان حفاظا على وحدته وأمنه واستقراره. pic.twitter.com/PxLxGPy3Cr — تميم بن حمد (@TamimBinHamad) September 7, 2023
وذكر الديوان الأميري القطري أن الشيخ تميم أكد على موقف بلاده الداعي إلى وقف القتال في السودان وانتهاج الحوار والطرق السلمية لتجاوز الخلافات، وتطلعها إلى انخراط كل القوى السياسية السودانية في مفاوضات واسعة بعد الوقف الدائم للحرب، وصولا إلى اتفاق شامل وسلام مستدام يحققان تطلعات الشعب السوداني.

وثمّن أمير قطر الجهود الإقليمية والدولية والمساعي الحميدة، الهادفة لإنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار في السودان.

خلال لقائي مع معالي السيد @HamzaAbdiBarre رئيس وزراء #الصومال، تطرقنا إلى سبل تعزيز التعاون بيننا على كافة الأصعدة لا سيما في المشاريع التنموية، كما ناقشنا تطورات الأوضاع في الصومال. جددت دعم دولة #قطر لكافة الجهود الهادفة لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار للشعب الصومالي الشقيق. pic.twitter.com/jMjOUebBJM — محمد بن عبدالرحمن (@MBA_AlThani_) September 5, 2023
من جهته، أطلع البرهان أمير قطر على مستجدات الأوضاع والتحديات التي يواجهها السودان، كما عبّر عن شكره وتقديره للأمير على موقف دولة قطر الداعم للسودان حكومة وشعباً، وبما يخدم الاستقرار والتنمية فيه، وفق بيان الديوان الأميري القطري.

كما تناولت المباحثات، بحسب الديوان، دعم وتنمية العلاقات القائمة بين البلدين، بالإضافة إلى مستجدات الأحداث إقليمياً ودوليا.

وعقب ساعات غادر البرهان الدوحة، محطته الثالثة في الجولة الخارجية الأولى التي يقوم بها إلى خارج السودان منذ اندلاع الحرب في البلاد.

ويرى إبراهيم ناصر، "أن الموقف القطري كان إيجابيا منذ بداية الأزمة ولحد الآن، فبعد زيارة البرهان للدوحة شاهدنا لينا من جانب "قوى إعلان الحرية والعدالة الجناح المركزي" تجاه الجيش عكس مواقفهم المتشنجة سابقا.


مصر
في 29 من آب/ أغسطس الماضي حطت طائرة البرهان برفقة وزير الخارجية المكلّف علي الصادق، ومدير جهاز المخابرات العامة أحمد ابراهيم مفضل في مطار العلمين قادمة مدينة بورتسودان حيث كان في استقباله رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

وذكر المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، بأن السيسي أكد خلال اللقاء على موقف مصر الثابت والراسخ بالوقوف بجانب السودان، ودعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، خاصةً خلال الظروف الراهنة، مع الأخذ في الاعتبار الروابط والمصلحة الاستراتيجية المشتركة التي تجمع بين البلدين الشقيقين.

بدوره أشاد البرهان، بدعم مصر للحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المنعطف التاريخي الذي يمر به، خاصة من خلال حُسن استقبال المواطنين السودانيين بمصر، مؤكدا تقدير بلاده للدور الفاعل لمصر بالمنطقة والقارة الأفريقية.

وأضاف المتحدث الرسمي أنّ اللقاء "شهد استعراض تطورات الأوضاع في السودان، والتشاور حول الجهود الرامية لتسوية الأزمة حفاظاً على سلامة وأمن السودان الشقيق، على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية، ويصون مصالح الشعب السوداني الشقيق وتطلعاته نحو المستقبل".

وتزامنت زيارة البرهان للقاهرة مع جهود مصرية لإعادة ملف الصراع في السودان لصدارة المشهد مجددا، لاسيما بعد تعثر فشل المبادرة الأمريكية السعودية في حل الأزمة.

ومنتصف تموز/ يوليو المنصرم استضافت مصر قمة لدول جوار السودان لتسوية النزاع السوداني سلميا، بحضور مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني.

وفي معرض حديثه عن الموقف المصري أوضح ناصر الذي يرأس منصة الدراسات الأمنية وأبحاث السلام، "أن موقف مصر واضح بدعم الجيش السوداني، ويرتكز على أمر هام وهو وجود (المليشيات في الجنوب) الذي يهدد الأمن القومي لمصر".

وكشف ناصر، عن "اجتماع سري في القاهرة أواخر العام الماضي ناقش وجود الميليشيات في المنطقة وسلطت مصر حينها الضوء على قوات الدعم السريع على الرغم من تخوف مصر من الإسلاميين المؤيدين للجيش السوداني".

جنوب السودان
وعقب زيارة مصر توجه قائد الجيش السوداني جنوبا، حيث وصل جوبا عاصمة جنوب السودان في الرابع من الشهر الجاري، والتقى برئيسها سلفا كير.

ونقل بيان للرئاسة في جوبا، عن وزير شؤون الحكومة في جنوب السودان مارتن إيليا لومورو قوله إنه "من المعروف أن الرئيس كير هو الشخص الوحيد الذي تجمعه خصوصية معينة ومعرفة بالسودان، ويمكنه إيجاد حل للأزمة السودانية".

من جانبه قال وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق، "في السودان، نعتقد بأن جنوب السودان هو أفضل بلد مخول القيام بوساطة بشأن النزاع في السودان، لأننا كنا بلدا واحدا على مدى طويل ونعرف بعضنا بعضا، ونعرف مشكلاتنا وحاجاتنا".


السعودية والإمارات
وانتشرت أخبار بعد زيارة قائد الجيش السوداني للقاهرة بتوجهه للسعودية ثم الإمارات، إلا أن الرجل عاد إلى بلاده قبل أن يستهل زيارة لجنوب السودان وقطر.

وبحسب الأكاديمي السوداني إبراهيم ناصر، "فإن السعودية تنظر لمؤسسات الجيش كممثل رسمي لكن بسبب الوضع في اليمن كان موقفها سلبيا بداية الأمر وأقرب للموقف الإماراتي، لكن بالمجمل الرياض الآن تدعم الجيش".

وعن الموقف الإماراتي قال ناصر لـ "عربي21”, إن "الموقف الإماراتي كان موقفا شاذا تحاه الازمة السوداني حيث ارتسمت صورة سلبية في ذهنية المواطن السوداني لأبو ظبي التي راهنت على الحصان الخاسر وهو قوات الدعم السريع".

وأضاف، أن "الإمارات تعمل على عرقلة التحول الديمقراطي في السودان وتحاول قدر الإمكان امتصاص تاثيرات الثورة والتغيير في السودان، فهي تنظر للدعم السريع على أنها حليف تطمح لأن يسيطر على ثروات السودان وموانئه وإزاحة خطر عودك الإسلاميين للسلطة".

وتابع، "بشكل عام فإن دول الخليج بالمجمل لا تريد أي تحول ديمقراطي كما أن تأزم الأوضاع يدعم فرضيتها التي تقول إن هذه الشعوب غير مؤهلة للديمقراطية".

الخروج من عنق الزجاجة
في 28 آب/ أغسطس الماضي ظهر رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لأول مرة خارج الخرطوم، منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف نيسان/ أبريل، حيث تصر الدعم السريع على أنها تحاصر البرهان داخل مقر قيادة الجيش في الخرطوم.

وتفقد البرهان قواته في مدينة أم درمان غرب الخرطوم، وعقب ساعات توجه مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، التي تبعد عن الخرطوم 310 كيلو مترات، وتفقد مقر سلاح المدفعية، وزار مصابي القتال من الجيش في مستشفى الجيش والشرطة.

وزار بعدها مدينة الدامر عاصمة ولاية نهر النيل، حيث تفقد نازحي الحرب الفارين من الخرطوم، قبل أن يطل من مدينة بورتسودان متحدثا عن كيفية خروجه ومتوعدا بإلحاق الهزيمة بالدعم السريع.

البرهان متجولاً في كورنيش بورتسودانpic.twitter.com/222p5n1suR — Ibrahim Omer (@ibrahim3mer) August 31, 2023
وظهور البرهان هو الأول له منذ 130 يوما خارج مقر قيادة الجيش، وكان آخر ظهور له قبل ذلك في 18 تموز/ يوليو، ظهر خلالها حاملا سلاحا رشاشا ومسدسا وقنبلة يدوية ويترأس اجتماعا عسكريا في مركز القيادة.

وتباينت الآراء حول الظهور المفاجئ للبرهان، حيث اعتبر سودانيون أن خطوات البرهان تهدف لحشد الدعم لموقفه في المفاوضات، كما أن خروجه يدل على قرب انتهاء القتال، وثقته بقدرة الجيش على حسم المعركة قريبا.

يقول ناصر إن "الجولة المكوكية التي أجراها البرهان موشر على دخول العمليات العسكرية مرحلة جديدة، يكون فيها الجيش هو الممسك بزمام المبادرة، رغم أن المشهد العسكري في البلاد يبدو مجزءا".

وأضاف أن "الدعم السريع وضعت خطة بداية تمردها تقتضي بالسيطرة على قيادة الجيش والأماكن الحساسة، لذا تأتي تحركات البرهان بتجوله في عدة مدن سودانية وزياراته الخارجية للتاكيد على أنه صاحب الشرعية وبمقدرته التحرك بحرية".

وتابع بأن "التأييد الشعبي للجيش لم يأت بفضل البرهان بل كان تعاطفا تراكميا وازدادت مع إيمان المواطن السوداني بالجيش، بالإضافة للانتهاكات التي مارستها الدعم السريع وهذا ما دفع السودانيين للالتفاف حول الجيش".

واستدرك، "البرهان لم ينجح بتوظيف الدعم الشعبي والدولي عقب تمرد الدعم السريع، حيث لم يكن بالحزم المطلوب للتعامل مع الدعم السريع قبل التمرد وأثناءه، حيث واجه اتهامات بأنه لم يكن قويا بما يكفي لكبح جماح قوات الدعم السريع".


أحداث متزامنة
بالتوازي مع الحراك الخارجي، وبعيدا عن جو المعارك العنيفة، نقل البرهان المعركة إلى الصعيد السياسي والقانوني، بعدما قرر حل وإلغاء قانونية وجود الدعم السريع.

وأصدر رئيس مجلس السيادة السوداني في السادس من أيلول/ سبتمبر الجاري، مرسوما دستوريا يحل بموجبه قوات الدعم السريع، بسبب تمردها على الدولة والانتهاكات التي مارستها ضد المدنيين، إضافة إلى تخريب البنى التحتية، وفق المرسوم.

وفي ذات اليوم أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على قادة في الدعم السريع أبرزهم عبد الرحيم دقلو شقيق قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو.

واستهدفت العقوبات عبد الرحيم حمدان دقلو، الذي تتهم قواته بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي خصوصا في إقليم دارفور وفق بيان صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية.
وشملت العقوبات قائد قوات الدعم السريع في غرب دارفور عبد الرحمن جمعة، لتورطه في انتهاكات ارتكبتها قواته في ذات المنطقة.

وذكرت وكالة "فرانس برس" أن جمعة متورط باغتيال حاكم ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر منتصف حزيران/ يونيو الماضي، بعد اختطافه إثر مقابلة هاتفية مع قناة تلفزيونية سعودية، انتقد خلالها قوات الدعم السريع.

وحول العقوبات يقول الأكاديمي السوداني، "أنها تشير إلى ضوء أخضر أمريكي للبرهان الذي يرى واشنطن حليفا يمكن أن يمنحه شرعية دولية خصوصا أن هناك لقاءات جمعت مسؤولي استخبارات من البلدين برعاية أفريقية".

وأوضح، أن "العقوبات تشير لحالة من التخادم بين الطرفين، فالولايات المتحدة متخوفة من أن تكون قوات الدعم السريع بوابة روسيا لدخول السودان، كما أن البرهان لا يبدو متحمسا كثيرا للمعسكر الشرقي المتمثل في الصين وروسيا".

وعن تأثير العقوبات الأمريكية على قادة الدعم السريع أكد ناصر، "أن العقوبات ستؤثر على تلك القوات وستضيق عليها بشكل أكبر كما أنها ستقوض من قدرتها على المناورة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية السوداني البرهان مصر القطرية الجولة الخارجية مصر السودان قطر جولة خارجية البرهان سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قائد الجیش السودانی قوات الدعم السریع رئیس مجلس السیادة جنوب السودان فی السودان عبد الفتاح على أن کما أن

إقرأ أيضاً:

البرهان في القاهرة… دلالة الزيارة ومآلاتها والرسائل التي تعكسها

زار رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان القاهرة اليوم (الأثنين) وسط جملة من التحديات المحلية والإقليمية، مايؤكد ضرورة تنسيق الرؤى بين البلدين وضرورة توحيدها، لمجابهة أي عواصف عكسية قد تعكر صفو أمن واستقرار المنطقة.

العلاقات الثنائية
الرئيس السيسي استقبل الفريق البرهان بمطار القاهرة، وعقد الطرفان جلسة مباحثات مشتركة بقصر الاتحادية، واستعرضت المباحثات، آفاق التعاون المشترك بين البلدين في كافة المجالات، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية القائمة بينهما والإرتقاء بها، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين.

مواقف مصر
من جانبه عبر الفريق البرهان عن تقديره لمستوى العلاقات السودانية المصرية، والتي وصفها باالإستراتيجية، مبيناً أنها علاقات تاريخية راسخة وذات خصوصية. مؤكداً حرصه على تعزيزها وتطويرها لخدمة مصالح الشعبين، وتحقيق التعاون الاستراتيجي المشترك بين البلدين، مشيدا بمواقف مصر وقيادتها الحكيمة، الداعمة للسودان في المحافل الإقليمية والدولية، ودعمها لمؤسسات الدولة السودانية، ووقوفها بجانب الشعب السوداني، وحرصها على سلامة وأمن وإستقرار السودان وسيادته، مشيرا إلى الدور الكبير الذي تضطلع به القيادة المصرية تجاه قضايا المنطقة.

دعم الإعمار
من جهته جدد الرئيس السيسي موقف مصر الداعم والثابت تجاه قضايا السودان ، مؤكداً وقوف بلاده مع مؤسسات الدولة السودانية ، وسعيها الدائم لتحقيق الأمن والاستقرار ووحدة الأراضي السودانية ، ودعم عملية إعادة الإعمار والبناء في السودان، مشيداً بمستوي التعاون المشترك بين البلدين ، مؤكداً حرصه على توطيد وتمتين روابط الإخوة ودعم وتعزيز علاقات التعاون الثنائي، بما يحقق تطلعات الشعبين، معرباً عن إعتزاز مصر الكبير بما يربطها بالسودان من علاقات استراتيجية قوية على المستويين الرسمي والشعبي.

مشروعات مشتركة
وتناولت المباحثات سبل تعزيز التعاون الثنائي، والمساهمة المصرية الفعالة في جهود إعادة إعمار وإعادة تأهيل ما أتلفته الحرب بالسودان، بجانب مواصلة المشروعات المشتركة في عدد من المجالات الحيوية مثل الربط الكهربائي، والسكك الحديدية، والتبادل التجاري، والثقافي، والعلمي، والتعاون في مجالات الصحة، والزراعة، والصناعة، والتعدين، وغيرها من المجالات، بما يحقق هدف التكامل المنشود بين البلدين. فضلاً عن الإستغلال الأمثل للإمكانات الضخمة للبلدين وشعبيهما.

التطورات الميدانية
كما تطرقت المباحثات أيضاً للتطورات الميدانية الأخيرة في السودان، والتقدم الميداني الذي حققته القوات المسلحة السودانية باستعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم، حيث اتفق الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود لتوفير الدعم والمساعدة اللازمين للسودانيين المقيمين في مناطق الحرب، وشهدت المباحثات كذلك، تبادلاً لوجهات النظر حول الأوضاع الإقليمية الراهنة، لاسيما بحوض نهر النيل والقرن الأفريقي، حيث تطابقت رؤى البلدين في ظل الإرتباط الوثيق للأمن القومي لكلا البلدين، وتم الاتفاق على مواصلة التنسيق والعمل المشترك لحفظ الأمن المائي للدولتين.

ضرورة التشاور
تأتي الزيارة في وقت دقيق ومفصلي يمر به السودان، وبدعوة من الرئيس السيسي، مايؤكد متانة العلاقة بين البلدين، وتجديد المواقف المصرية الثابتة تجاه السودان، والتنسيق العالي بينهما في القضايا الإقليمية والدولية ذات الإهتمام المشترك، إضافة إلى رمزية استقبال الرئيس السيسي للفريق البرهان بالمطار، مايؤكد اعتراف مصر بشكل عملي للحكومة الشرعية بالسودان، وتنسحب هذه الرسالة أيضاً على مليشيا الدعم السريع وأعوانها، بأن مصر لا يمكن أن تعترف بأي حكومة في السودان سوى الحكومة الشرعية في بورتسودان، أيضا الزيارة تأتي بعد انتصارات كبيرة للجيش السوداني على أرض الميدان، وانحسار المليشيا في أماكن بسيطة في دارفور، إلا أنها مازالت تمارس سياسية الأرض المحروقة، برد فعل انتقامي للهزائم الكبيرة التي تكبدتها في الميدان، وتدميرها للمنشآت المدنية والبنى التحتية بالبلاد، وضرب وقتل المواطنين العزل بطريقة وحشية، مايستدعي ضرورة التشاور مع مصر واطلاعها بآخر مستجدات الأوضاع في السودان… فماهي دلالات زيارة البرهان للقاهرة في هذا التوقيت، وماهي الرسائل التي ترسلها، ومآلات التنسيق العالي بين البلدين.

مشاكل الجالية
وكشف مصدر دبلوماسي سوداني أن مباحثات الرئيسين السيسي والبرهان، تطرقت إلى مشاكل الجالية السودانية في مصر في التعليم والإقامات والتأشيرات. وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته لـ “المحقق” إن الجانب السوداني طرح هذه المشاكل على الجانب المصري، مضيفا أن هناك تعاون كبير من الجانب المصري في هذه الملفات، مبينا أنه كانت هناك توجيهات من الرئيس السيسي بتذليل أي عقبات أمام السودانين بمصر، وكذلك استمرار الرعاية المصرية للوجود السوداني بها، وقال إن هناك أيضا تسهيلات كبيرة من الجانب المصري للسودانيين العائدين من مصر، بعدم تكليفهم أي غرامات من انتهاء الإقامات أو من الدخول إلى مصر عن طريق التهريب.

توقيت مهم
من جهته أكد مساعد وزير الخارجية المصري ومسؤول إدارة السودان وجنوب السودان بالخارجية المصرية السابق السفير حسام عيسى أن زيارة البرهان للقاهرة تأتي في توقيت مهم، بعد أن أحرز الجيش السوداني إنتصارات كبيرة على أرض المعركة. وقال عيسى لـ “المحقق” إن الجيش السوداني بعد تحريره لمدن وسط وشرق السودان، بدأ يتوجه إلى دارفور، بعد التطورات الأخيرة بها من هجوم المليشيا على معسكرات النزوح في زمزم وأبوشوك وغيرها، إضافة إلى هجمات الدعم السريع على المنشآت الحيوية والبنى التحتية ومحطات الكهرباء، مؤكدا أن مصر هي الداعم الأول للدولة السودانية والقوات المسلحة، وقال إن الزيارة مهمة لنقاش هذه التطورات المتسارعة بالسودان مع الجانب المصري الذي يدعم الحفاظ على أمن واستقرار السودان بقوة.

الدعم المصري
وأوضح عيسى سفير مصر السابق بالخرطوم أن هناك مشروعات مصرية بالسودان يمكن استئنافها بعد الحرب، وبعد انتفاء خطر المليشيا، وقال إن من هذه المشروعات مشروع إعادة تطوير ميناء وادي حلفا، والربط الكهربائي، وزيادته من 70 ميجاوات حتى 300 ميجاوات، وكذلك المدينة الصناعية، وعدد من المشروعات الزراعية، إضافة إلى إعادة إعمار البنى التحتية التي دمرتها الحرب، بإعادة تأهيل جسر شمبات بالخرطوم وغيره من المشروعات، مشدداً على الدعم المصري الكامل للسودان في هذه الفترة الحرجة، وقال إن مصر تدعم السودان سياسيا وتنمويا ودبلوماسيا وفي المحافل الدولية.

رسالة عملية
ولفت عيسى إلى أن أهمية الزيارة تأتي من منطلق الدعم المصري وإلى دراسة بداية مرحلة إعادة الإعمار في السودان، منوها إلى أن استقبال البرهان في هذا التوقيت وهذه الطريقة، يؤكد موقف مصر من الشرعية في السودان، وقال إنها رسالة مصرية بطريقة عملية بأن مصر لن تعترف بأي حكومة أخرى في السودان، وأنها تعترف فقط بمجلس السيادة والحكومة في بورتسودان، مشيرا إلى تطابق الرؤى بين البلدين في ملف المياه، وقضايا القرن الأفريقي، وقال إن مصر والسودان لديهما رؤية مشتركة وتنسيق عال في هذين الملفين باعتبارهما من الملفات المشتركة والمهمة والتي تهم الأمن القومي بهما.

عنوان الزيارة
بدوره وضع الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني الدكتور خالد التيجاني عنوانين لزيارة البرهان للقاهرة. وقال التيجاني لـ “المحقق” إن العنوان الأول هو تتويج للموقف المصري الحاسم في الوقوف إلى جانب السودان والحفاظ على مؤسساته، مضيفاً أنه موقف تفوقت فيه مصر ولعبت دورا كبيرا في تثبيت شرعية الدولة السودانية والحفاظ عليه، وتابع أنه كان موقفا استراتيجيا يعبر عن الوعي المصري بمدى الارتباط العضوي بين الأمن القومي والاستراتيجي للبلدين، لافتا إلى أن الموقف المصري أثبت أنه غير متعلق بنظام بعينه بل أنه مبنى على رؤية استراتيجية للعلاقة بين البلدين.

أجندة مستقبلية
ورأى التيجاني أن العنوان الثاني للزيارة هو أن هذه الوقفة المصرية القوية ساعدت على صمود الدولة السودانية وتعزيز قدراتها سياسيا ودبلوماسيا، واستعادة الجيش السوداني لزمام المبادرة في الحرب وأخذ خطوات كبيرة في عملية الحسم العسكري، وقال إن دعوة السيسي للبرهان تخاطب أجندة مستقبلية، وإن هذا تأكيد على أن الدولة السودانية استردت عافيتها، وترتب أوضاعها الآن مع الأخذ الإعتبار التحديات التي فرضتها الحرب، مضيفا أنه يتطلب من السودان الآن إعادة النظر في مفهوم الأمن القومي، بعد أن وجد نفسه وحيدا في هذه الحرب، باستثناء مصر التي دعمته على كل المستويات، مشددا على ضرورة التأكيد أن العلاقة مع مصر ذات خصوصية وأن لديها مؤشرات حيوية، مشيرا إلى جملة من المحاولات للتقارب بين البلدين كانت تتأثر بطبيعة الأنظمة السياسية في السودان، وقال أنه الآن جاء الوقت أن تبرمج هذه العلاقات إلى واقع عملي.

المسؤولية الأكبر
وأكد التيجاني أن مصر عملت مايليها في هذا الجانب، وأن على السودان أن يبني على هذه الشراكة، وعلى ارتباط الأمن القومي بالبلدين، مضيفا يجب أن تكون هناك شراكة حقيقية على كافة المستويات وعلى مستويات أعلى، وتابع أن الزيارة لذلك وضعت لبنات لمخاطبة أجندة مستقبلية، ورأى ضرورة ترتيب المواقف السودانية وفقا للمصالح الحقيقية من إعادة إعمار وشراكات اقتصادية، وقال إن الجانب السوداني يتحمل المسؤولية الأكبر من أجل تعزيز هذه العلاقات في الفترة المقبلة، مضيفا أن مصر لديها قدرات وامكانات كبيرة يمكن أن تساعد السودان بطاقات جديدة وتكامل اقتصادي حقيقي يعود بالمصلحة لشعبي البلدين.

القاهرة – المحقق – صباح موسى

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حرب السودان في عامها الثالث: الجيش يتقدم وانتهاكات جديدة بواسطة الدعم السريع
  • اغتيال مراسل إذاعي في معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع
  • معارك ضارية وقصف بالطيران الحربي وجريمة متكاملة الأركان.. الجيش السوداني يوضح تفاصيل استعادة مدينة من الدعم السريع
  • اشتباكات بين الجيش و الدعم السريع داخل مدينة النهود غربي السودان
  • اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع في "النهود" جنوبي السودان
  • ???? من أشعل الحرب في السودان ؟ الجيش السوداني أم الدعم السريع؟
  • هجوم على الفاشر ومجزرة في أم درمان وضربات للبنية التحتية.. الجيش السوداني يُحبط خطة شاملة لميليشيا الدعم السريع
  • الجيش السوداني: مقتل 41 مدنيا بقصف مدفعي للدعم السريع على الفاشر
  • الجيش السوداني: سقوط 41 مدنيا وإصابة عشرات بقصف مدفعي للدعم السريع في الفاشر
  • البرهان في القاهرة… دلالة الزيارة ومآلاتها والرسائل التي تعكسها