اللغة كائن حي قد تندثر وتموت.. فما هي أقدم لغة في العالم؟
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
ساعدت العلامات الموجودة في حجر رشيد في فك رموز اللغة الهيروغليفية
يمكن أن يتم فقدان العلم بسرعة، مثلا من خلال وسائط التخزين القديمة التي لم يعد يستخدمها أحد اليوم. فالمعلومات المخزنة على القرص المرن لن نستطيع الوصول إليها، في حالة فقدان أجهزة القراءة المناسبة. وبما أن اللغة والكتابة في حالة تطور دائم، فحتى المعلومات الموجودة في كتاب معين - وهو أمر يمكن على الأقل الرجوع إليه في أي وقت - يمكن أن تصبح غير مفهومة.
ويكاد يكون من المستحيل الوصول إلى معلومات لم يتم تدوينها في أي مكان وبالتالي لم يتم حفظها للأجيال القادمة.
البقاء لمن يكتب
ولهذا السبب تصعب الإجابة على السؤال البسيط حول أقدم لغة في العالم. فهناك لغات قد تم تناقلها شفهيا لعدة قرون ربما، ولكنها تذهب طي النسيان، ما لم تترك أثرا مكتوبا.
اللغة المكتوبة فقط تترك آثارا مفهومة. وفقط إذا كانت مكتوبة على شيء يصمد طوال قرون. وهكذا فقد ضاعت الكتابات التي دونت على المواد العضوية مثل لحاء الأشجار، في حين بقيت الكتابات المدونة على الحجر أو الطين صامدة لآلاف السنين. ما إذا كان بإمكاننا اليوم قراءتها وفهمها، هذه مسألة أخرى.
الكتابة المسمارية هي أقدم لغة مكتوبة موثقة وصلت إلينا، حيث كُتبت الحروف المسمارية على ألواح طينية
أقدم الأدلة المكتوبة
أقدم لغة مكتوبة موثقة هي الكتابة المسمارية، حيث كُتبت الحروف المسمارية على ألواح طينية ناعمة. وأقدم النصوص المسمارية المعروفة جاءتنا من السومريين في بلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات)، في الألفية الرابعة قبل الميلاد. وهناك نصوص وصلت إلينا تعود إلى العام 3200 قبل الميلاد. ومن أشهر الأعمال باللغة السومرية ملحمة جلجامش. ولعبت اللغات المسمارية دورا حاسما في التطور اللاحق للكتابة الأوروبية.
كما أن الكتابة الهيروغليفية المصرية قديمة مثلها أيضا، كتلك الرسوم المنحوتة في قبر الفرعون ست - بر إب سن (2775-2650 قبل الميلاد)، وبالتالي حُفظت للأجيال القادمة. العبارة الموجودة هناك هي: "لقد وحّد البلدين من أجل ابنه، الملك المزدوج بر إب سن". وهذه يعتبرها الخبراء أقدم جملة مكتملة مكتوبة.
ورغم أنه تم الحفاظ على الكتابة، إلا أنه لا يسعنا سوى تخمين كيف تنطق الحروف والكلمات في أقدم اللغات المكتوبة، أي السومرية والأكادية والمصرية القديمة. وذلك لأن تلك اللغات الثلاث انقرضت؛ أي تعد مستخدمة وليس لها "أحفاد" أحياء.
التنوع اللغوي العالمي
هناك اليوم 7100 لغة حول العالم، 40 بالمئة منها مهددة بالانقراض. وبعض اللغات لا يتحدث بها سوى أقل من 1000 شخص، وهناك خطر من اختفائها خلال بضعة أجيال؛ ما يعني فقدان جزء أساسي من الهوية الثقافية.
وبالمقابل هناك 23 لغة يستخدمها أكثر من نصف سكان العالم. اللغات العشر الأوسع انتشارا في العالم هي الصينية (الماندرين)، والإسبانية، والإنجليزية، والهندية، والعربية، والبرتغالية، والبنغالية، والروسية، واليابانية، والبنجابية. وبالمناسبة، تحتل اللغة الألمانية المركز الحادي عشر.
ناجحة منذ آلاف السنين
وبينما انقرضت أقدم اللغات المكتوبة، إلا أن بعض اللغات القديمة لا تزال حية إلى اليوم، كاللغة التاميلية، التي يعتبرها الكثير من اللغويين أقدم لغة لا تزال قيد الاستخدام. التاميلية هي إحدى اللغات الرسمية الـ 22 في الهند، ويتحدث بها ما يقرب من 85 مليون شخص في جنوب الهند وسريلانكا. يرجع تاريخ أقدم الكتابات التاميلية إلى القرن الخامس قبل الميلاد. ولكن تحليل "تولكابيام"، وهو نص نحوي باللغة التاميلية، يشير إلى أن عمر اللغة التاميلة يجب أن لا يقل عن 5000 عام.
اللغة السنسكريتية قديمة كذلك، وتعود لأكثر من 3000 عام، ولكن نادرا ما يتم التحدث بها اليوم. أقدم السجلات المكتوبة باللغة السنسكريتية هي النصوص الهندوسية، التي يعود تاريخها إلى ما بين 1500 و1200 قبل الميلاد. وعرفت تلك الكتابات باسم الفيدا، وهي مجموعة من النصوص الدينية. وكانت السنسكريتية لغة علمية في المقام الأول، وتستخدم في النصوص الهندية القديمة، والكتب الدينية المقدسة، والأعمال الأدبية. ورغم ندرة استخدامها حاليا، إلا أن السنسكريتية هي اللغة الأصلية للعديد من اللغات الهندية الحديثة واللهجات المحلية.
تعد اللغة الصينية واحدة من أقدم اللغات المستخدمة حتى الآن، ويتحدث بها اليوم أكثر من مليار شخص. وقد تعود جذور اللغة الصينية إلى آلاف السنين. وربما نشأت اللغة الصينية قبل حوالي 4500 عام، مشتقةً من اللغة الصينية التبتية البدائية، والتي تعتبر أيضا أصل اللغتين البورمية والتبتية. وتعد أقدم الاكتشافات للكتابة الصينية نقوش حفرت على أصداف السلاحف وعظام الحيوانات، والتي ترجع إلى حوالي 3300 عام.
كما تعتبر العبرية والعربية أيضا من أقدم اللغات التي لا تزال مستخدمة. وقد تعود الجذور اللغوية لهاتين اللغتين الأفرو آسيويتين إلى ما بين 10 آلاف و20 ألف سنة، ولكن أقدم السجلات المكتوبة عن اللغتين تعود إلى حوالي 3000 سنة "فقط".
تعدد اللغات كعقاب؟ تذكر الروايات الدينية أن الله أوقف بناء برج بابل من خلال تفريق اللغات
هل كانت هناك لغة أصلية مشتركة؟
وحتى لو لم يتم العثور على أدلة مكتوبة، فقد كان لدى البشر أنظمة تواصل معقدة يستخدمونها منذ آلاف السنين. وهناك العديد من النظريات اللغوية حول أصول اللغة البشرية، ولكن لم يتم الوصول إلى دليل كامل لأي من تلك النظريات.
قد تكون اللغة البشرية قد تطورت من خلال مجموعة من العوامل، كتطور الأدمغة المعقدة، والتفاعل الاجتماعي، والحاجة للتعاون عند الصيد وجمع الطعام. وربما تطورت اللغة بمرور الوقت من خلال مزيج من إيماءات اليد وحركات الجسم.
وهناك أيضا نظرية تقول إنه كان هناك في السابق ما يُعرف باسم "اللغة البدائية"، وهي لغة مشتركة قديمة اشتق منها مع الوقت كل اللغات الحديثة. بيد أنه ليس هناك أدلة كافية على وجود مثل هذه اللغة العالمية المشتركة.
التنوع من خلال العزلة والهجرة
من المرجح أنه كان هناك الكثير من اللغات واللهجات الإقليمية المختلفة في مجتمعات ما قبل التاريخ، في وضع مشابه لحالنا اليوم. وهكذا تنوعت اللغات البشرية مع مرور الوقت، من خلال العزلة الجغرافية والتبادل الثقافي والهجرة.
فعندما انفصلت مجموعتين من الناس عن بعضهما وواجهتا عوامل مختلفة في البيئة المحيطة، تطورت اللغة لدى كل منهما بشكل مستقل عن الأخرى. وهكذا ظهرت اللغات المتعددة التي (لا تزال) موجودة لدينا حتى اليوم.
ألكسندر فرويند/ف.ي
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: السومرية اللغة الهيروغليفية اللغة العربية اللغة الصينية الفراعنة السومرية اللغة الهيروغليفية اللغة العربية اللغة الصينية الفراعنة اللغة الصینیة آلاف السنین قبل المیلاد فی العالم لا تزال من خلال لم یتم
إقرأ أيضاً:
“مبادرات محمد بن راشد” تثمن دعوة الجامعة العربية لاعتماد “تحدي القراءة” منهجاً تعليمياً في العالم العربي
ثمنت مؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية” دعوة جامعة الدول العربية الوزارات المعنية بالتعليم في الدول العربية لاعتماد مبادرة تحدي القراءة العربي منهجاً تعليمياً، باعتبارها مشروعاً معرفياً وثقافياً رائداً يساهم في تعزيز اللغة العربية.
وتأتي هذه الدعوة بناء على القرار الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أحد مؤسسات جامعة الدول العربية، في دورته العادية 114 على المستوى الوزاري، والذي أعلنت عنه السفيرة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية بالجامعة خلال احتفالية نظمت في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة أمس الأربعاء بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 ديسمبر من كل عام.
وأكد سعادة سعيد العطر الأمين العام المساعد لمؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية” أن مبادرة تحدي القراءة العربي تترجم رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، في نشر ثقافة القراءة باللغة العربية لدى الطلاب والطالبات، ومساعدتهم للتمكن من علومها وتذوق جمالياتها، وإدراك ثرائها غير المحدود وقدرتها على استيعاب مختلف العلوم والمعارف، وإعلاء شأنها كهوية وانتماء حضاري.
وقال سعادته إن دعوة جامعة الدول العربية لاعتماد مبادرة تحدي القراءة العربي منهجاً تعليمياً في العالم العربي تكتسب أهمية كبرى في هذا التوقيت حيث يحتفل العالم باللغة العربية، كلغة شعر وفن وإبداع، لغة فكر وعلم وابتكار، لغة هوية وثقافة وحضارة، شكلت عبر العصور جسراً معرفياً بين مختلف الشعوب والحضارات.
وأضاف سعادة سعيد العطر أن دولة الإمارات جعلت اللغة العربية جزءاً لا يتجزأ من هويتها الثقافية من خلال العديد من المشاريع والمبادرات المعرفية التي تخدم أبناء الضاد أينما كانوا، لعلّ أهمها “تحدي القراءة العربي”، المبادرة الأكبر من نوعها عربياً لغرس ثقافة القراءة باللغة العربية لدى النشء، حيث شارك فيها على مدى ثماني دورات أكثر من 131 مليون طالب وطالبة، وهؤلاء سيكونون حرّاس اللغة العربية في المستقبل، مواصلين تكريس مكانتها العالمية كلغة علم وأدب وفن وجمال.
وأشار إلى أن مؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية”، ستبقى ملتزمة بتطوير خططها ورؤاها لخدمة اللغة العربية، وتسخير خبراتها وإمكاناتها لنشر ثقافة القراءة لدى الأجيال العربية الصاعدة.
ويهدف تحدي القراءة العربي، والذي أطلق في دورته الأولى في العام الدراسي 2015 – 2016 بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، وتنظّمه مؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية” إلى تعزيز أهمية القراءة لدى الطلبة المشاركين على مستوى الوطن العربي والعالم، وتطوير آليات الاستيعاب والتعبير عن الذات بلغة عربية سليمة، وتنمية مهارات التفكير الإبداعي، وصولاً إلى إثراء المحتوى المعرفي المتوفر باللغة العربية وتعزيز مكانتها لغة للفكر والعلم والبحث والإبداع.
ويسعى التحدي إلى ترسيخ حب لغة الضاد في نفوس الأجيال الصاعدة وتشجيعهم على استخدامها في تعاملاتهم اليومية، وتعزيز قيم التواصل والتعارف والحوار والانفتاح على الثقافات المختلفة، وهو ما يرسخ مبادئ التسامح والتعايش وقبول الآخر.
وسجل تحدي القراءة العربي معدلات نمو هائلة في حجم المشاركة بداية من الدورة الأولى التي استقطبت 3.6 مليون طالب وطالبة وصولاً إلى الدورة الثامنة التي حققت أرقاماً غير مسبوقة حيث وصل عدد المشاركين في تصفياتها إلى أكثر من 28.2 مليون طالب وطالبة بارتفاع قدره 683% عن الدورة الأولى ليبلغ إجمالي عدد الطلبة المشاركين في ثماني دورات أكثر من 131 مليون طالبة وطالبة.
كما سجل تحدي القراءة العربي عبر ثمانية مواسم 795 ألف مشاركة للمدارس العربية، وبدأت الدورة الأولى بمشاركة 30 ألف مدرسة ليصل العدد في الدورة الثامنة، إلى أكثر من 229 ألف مدرسة، وصعد عدد المشرفين من 60 ألفاً في الدورة الأولى إلى أكثر من 154 ألفاً في الدورة الثامنة وبإجمالي 716 ألف مشرف ومشرفة عبر ثمانية مواسم من عمر تحدي القراءة العربي.
يذكر أن اليوم العالمي للغة العربية، أقرته الأمم المتحدة عام 1973، في خطوة تهدف إلى ترسيخ مكانة اللغة العربية كلغة عالمية ضمن لغات العمل الرسمية في المنظمة الدولية، حيث تعتبر من أكثر اللغات تحدثاً ضمن مجموعة اللغات السامية وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم حيث يتحدثها نحو 450 مليون نسمة يتوزعون بشكل أساسي في الوطن العربي إضافة إلى العديد من المناطق الجغرافية المجاورة.
وتكتسب اللغة العربية أهميتها من كونها لغة القرآن الكريم وقد أثر انتشار الإسلام وتأسيسه دولاً خارج الجزيرة العربية في ارتفاع مكانتها حيث أصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون.
وأثرت اللغة العربية تأثيراً مباشراً على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي كالتركية والفارسية والأمازيغية والكردية والأردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الأفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحلية وبعض اللغات الأوروبية، خاصة المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.
وتعتبر اللغة العربية من أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية فعلى سبيل المثال يحوي معجم لسان العرب لابن منظور من القرن الثالث عشر أكثر من 80 ألف كلمة، بينما في اللغة الإنجليزية فإن قاموس صموئيل جونسون وهو من أوائل من وضع قاموساً إنجليزياً من القرن الثامن عشر يحتوي على 42 ألف كلمة.وام