أمريكا وصفقة القرن 2 هبوط بسقف المطالب وإنقاذ إسرائيل
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
أمريكا و"صفقة القرن 2" هبوط بسقف المطالب وإنقاذ "إسرائيل"
دعم "إسرائيل" وضمان تفوقها مهمة يتهافت عليها ساكن البيض الأبيض طواعية.
بعض دول مسار اتفاق إبراهام تتحرك في السر والعلن لمد "يد العون" لـ"إسرائيل" وإنقاذها من نفسها!
حين كانت الإدارات الأميركية تعجز عن ممارسة ضغط ذي جدوى على الفلسطينيين، كانت تلجأ إلى حلفائها العرب الذين يملكون "دالّة" و"تأثيراً".
لا العنصرية الفاشية في "إسرائيل" مقتصرة على رجلين تتبدد برحيلهما، ولا سلطة رام الله قادرة على اختزال المشهد الفلسطيني المقاوم لهذه المشاريع الأمريكية.
واشنطن توشك دخول مزاج انتخابي و"عدم الاستعجال" التي تميز الموقف السعودي بهذه المرحلة مما يوجب عدم الوقوع في شرك التهوين من المخاطر أو التهويل بها.
* * *
ليس ثمة وقت مناسب وآخر غير مناسب عندما يتعلق الأمر بسعي واشنطن لمد يد العون لـ"إسرائيل". هذه مهمة "مقدسة" وعابرة للإدارات والحزبين الرئيسين. الوقت مناسب دائماً لفعل ذلك، وبكل حماسة واقتدار، فحتى في ذروة انهماكها بحروب باردة وساخنة ضد روسيا في أوكرانيا وسوريا وأفريقيا أو ضد الصين في بحر تايوان، وفي مختلف ساحات التجارة والمال والأعمال، ثمة متسع من الوقت لتقديم خدمات استراتيجية للحليفة المدللة.
ولعل ما يجري اليوم من انهماك إدارة بايدن، وبايدن شخصياً، في السعي لإتمام صفقة تطبيع بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية هو أحدث تجليات هذا "البعد الاستراتيجي" في السياسة الأميركية، برغم ما قيل ويقال عن "توتر" أو "فتور" بين الإدارة الديمقراطية وأكثر حكومات "إسرائيل" عنصرية وفاشية على الإطلاق، رحب به البعض، وظن مدفوعاً بمقالة لتوماس فريدمان أن واشنطن بصدد مراجعة علاقتها بـ"تل أبيب"، وأن ما مضى لـ"إسرائيل" من دلال ومحاباة لن يبقى.
المراقب للسياسة الأميركية يلحظ كثافة في تحركات كبار مسؤولي البيت الأبيض، وتحديداً صوب عواصم المنطقة، مصحوبةً بسيل من الاتصالات لا ينقطع مع قادة الإقليم، ويتمحور في مجمله حول نقطة واحدة: إتمام صفقة تطبيع بين الرياض و"تل أبيب"، توصف إعلامياً بأنها "صفقة القرن 2"... ترغب الإدارة الأميركية، وبايدن شخصياً، في إتمامها قبل نهاية العام الجاري، وفي أحسن الأحوال مع مطلع العام المقبل، لعلّه بذلك يضرب 3 عصافير بحجر واحد:
الأول: انتزاع ورقة "الرئيس الذي قدم أفضل الخدمات لإسرائيل" من يدي غريمه ومنافسه المرجح في الانتخابات المقبلة دونالد ترامب، فتلكم ورقة يمكن أن تستجر مزيداً من أوراق الاقتراع في صناديق بايدن والحزب الديمقراطي الانتخابية.
الثاني: تحصين مكانة "إسرائيل" في معركة "نزع الشرعية" عن الاحتلال والاستيطان والعنصرية والفاشية، ولا سيما مع تزايد الأصوات، الغربية والإسرائيلية، التي باتت تصف حكومة "إسرائيل" وقادتها من دون حرج بهذه الصفات التي تكفي كل واحدة منها للأخذ بهم إلى "لاهاي" بوصفهم مجرمي حرب ومقترفي جرائم ضد الإنسانية، وهل ثمة ما هو أفضل من التطبيع مع "رأس العالمين العربي والإسلامي" لتحقيق هذا الغرض؟
الثالث: دق إسفين في العلاقات الناشئة بين السعودية وكل من روسيا والصين، وإيران استتباعاً، وضمان ابتعاد الرياض، الحليف التقليدي والتاريخي، عن أهم مصدري تهديد للأمن القومي الأميركي، كما جرى تصنيف كل من موسكو وبكين في الاستراتيجية الكونية لواشنطن.
دعم "إسرائيل" وضمان تفوقها مهمة يتهافت عليها ساكنو البيض الأبيض طواعية، فما بالكم حين ترتبط هذه المهمة بمهمة استعادة الرياض ومنع انجرارها شرقاً وتوسيع شقة الخلاف وانعدام الثقة على ضفتي الخليج؟
الرزمة الشاملة
بتنا نعرف اليوم، وبقدر كبير من التفصيل، ما الذي تريده السعودية لإتمام التطبيع مع "إسرائيل"، وما مصالحها في الرزمة الشاملة التي تتفاوض بشأنها مع واشنطن، والتي من المتوقع أن تكون موضع بحث في لقاء بايدن – ابن سلمان في جاكرتا على هامش قمة العشرين المقبلة. ويبدو أن البيت الأبيض أدرك أن الشق الفلسطيني في المطالب/الشروط السعودية لإتمام الصفقة ربما يكون أصعب من الشق الثنائي/الأميركي من هذه المطالب على صعوبته.
"إسرائيل" محكومة بائتلاف يميني - فاشي - عنصري يؤمن بـ"إسرائيل الكبرى" من البحر إلى النهر، ويسعى لتدمير أي فرصة لقيام كيان فلسطيني، وأولويته الأولى ابتلاع الضفة الغربية ("يهودا والسامرة") وتسريع خطوات أسرلة القدس وتهويدها وطمس معالمها الفلسطينية – العربية – الإسلامية والمسيحية، وهيهات أن تجنح حكومة بن غفير – سموتريتش للقبول بالحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين التي ستدمجها المملكة في "الرزمة الشاملة" مع واشنطن و"تل أبيب"، رغم أن هذه المطالب جرى تقزيمها إلى ما دون الحد الأدنى للمشروع الوطني الفلسطيني، وما دون الحد الأدنى للاتفاقات والتفاهمات التي جرى إبرامها في سياق مسار أوسلو بمختلف محطاته.
جل ما يريده الفلسطينيون، كما يبدو، هو إعادة الاعتبار إلى المنطقتين "أ" و"ب" بموجب تصنيفات أوسلو، وضم مناطق من "ج" إليها، ووقف الاقتحامات المتكررة لقصبات المدن والمخيمات، على أن تتولى السلطة استعادة زمام السيطرة وبسط الأمن، بما هو مطاردة عناصر المقاومة وظاهراتها الجديدة، حرية أكبر للحركة على المعابر، والعودة لفكرة المطار والميناء في غزة، إشراك واشنطن وعمان والقاهرة في الرقابة على الترتيبات الأمنية التي تصر "تل أبيب" على أن يبقى زمامها بيدها، دعم مالي أميركي–سعودي مصحوباً بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس.
والمطلب الأهم من بين هذه المطالب الفلسطينية هو رفع الفيتو الأميركي على الاعتراف بدولة فلسطين لتصبح عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، واستئناف السعودية ضخ أموال المساعدات المتوقفة كلياً منذ 3 سنوات إلى صناديق السلطة الخاوية.
جملة المطالب الفلسطينية لا تتخطى بعمومها ما سبق الاتفاق عليه أو التفاهم بشأنه مع الجانب الإسرائيلي في سياق المفاوضات التي امتدت إلى 3 عقود تقريباً، وتعاقبت عليها حكومات عدة من اليمين واليسار والوسط.
واشنطن، قبل "تل أبيب"، رأت أن سقف المطالبات الفلسطينية مرتفع للغاية، وأنها تتخطى السقوف التي تدور تحتها التحركات الأميركية منذ مجيء إدارة بايدن. لذلك، تكثف واشنطن ضغوطها على السلطة للهبوط بهذا المطالب، ودائماً بذريعة أن الوضع في "إسرائيل" لا يحتمل خطوات بهذا الحجم و"الطموح".
باربرا ليف تحدثت بذلك مع "الترويكا الفلسطينية": حسين الشيخ وماجد فرج ومجدي الخالدي في عمان، وماكغورك طارد الثلاثي الفلسطيني إلى الرياض، فيما بادر بلينكن إلى مهاتفة عباس في السياق ذاته وللغرض ذاته، وما بطن من الاتصالات (الضغوط) الأميركية المباشرة وغير المباشرة مع رام الله تستهدف تذليل ما يوصف بـ"العقبة الفلسطينية" حتى لا تفقد إدارة بايدن وحكومة نتنياهو الفرصة الذهبية السانحة للتطبيع مع ولي العهد السعودي.
في الحقيقة، ليس في السلوك الأميركي ما يدعو إلى الدهشة والاستغراب، ومن يراجع مسلسل المفاوضات الفلسطينية–الإسرائيلية لا شك في أنه يلحظ أن الإدارات الأميركية تستسهل الضغط على الطرف الفلسطيني الأضعف دائماً عند وقوع خلاف مع الجانب الإسرائيلي، ولطالما وجدت واشنطن الأعذار للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لفعل ذلك.
وحين كانت الإدارات الأميركية تعجز عن ممارسة ضغط ذي جدوى على الفلسطينيين، كانت تلجأ إلى حلفائها العرب الذين يملكون "دالّة" و "تأثيراً" على السلطة في رام الله أكثر مما يتوفر لدى واشنطن، فبعض هؤلاء لديه من أوراق القوة التي لا يتورع عن استخدامها، برغم طابعها اللاإنساني واللاأخلاقي، ما ليس في حوزة واشنطن ذاتها.
أما المسار الثاني الذي تسلكه واشنطن، فيتعلق بـ"إسرائيل". وهنا يمكن القول إن أفضل سيناريو لإدارة بايدن هو استحداث "تعديل وزاري" على حكومة نتنياهو، فلا إسقاط هذه الحكومة يبدو أمراً ممكناً، ولا نتائج انتخابات مبكرة سادسة يمكن أن تكون مغايرة لنتائج 5 جولات انتخابية في 3 سنوات، فيما ساعة الرمل تكاد تفرغ ما في جوفها، إيذاناً ببدء الماراثون الانتخابي في الولايات المتحدة.
جُل ما تبتغيه إدارة بايدن هو إخراج وزيرين من حكومة نتنياهو (سموتريتش وبن غفير) والمجيء بمثلهما من "المعسكر الوطني": حزب الجنرالات ورؤساء الأركان؛ "أبطال" جرائم الحروب الإسرائيلية على غزة، حتى وإن اقتضى الأمر ممارسة ضغوط على غانتس - لبيد للهبوط عن أعلى قمة شجرة المعارضة لنتنياهو شخصياً وانقلابه القضائي.
وفي هذا السياق، لا يبدو أنَّ نتنياهو متمسك بالفيتو على خيار كهذا، شرط حصوله على ضمانات بخروج معافى من ملفات ملاحقاته القضائية. وسبق للرجل أن وجه رسائل مغلقة ومفتوحة إلى غانتس للالتحاق بركب حكومته المكلفة جداً من كيس "إسرائيل" وسمعتها الدولية...
وفي السياق ذاته، ليست واشنطن وحدها من يسعى للوصول إلى نتيجة كهذه، فبعض دول مسار اتفاق إبراهام تتحرك في السر والعلن لمد "يد العون" لـ"إسرائيل" وإنقاذها من نفسها.
الحركة كثيفة على هذين المحورين: الهبوط بسقف المطالب والتوقعات الفلسطينية، واستحداث تعديل على حكومة نتنياهو، بحيث تصبح قادرة على ملاقاة المطالب الفلسطينية بعد خفضها، في نقطة ما، لعلّ هذا الحراك يتوج بتصاعد الدخان الأبيض من مدخنة "صفقة القرن 2".
لكن مع ذلك، ليس ثمة يقين بأنّ هذا الحراك سينتهي إلى خواتيم تشتهيها أمريكا بالضرورة، فلا العنصرية – الفاشية في "إسرائيل" مقتصرة على رجلين لتتبدد برحيلهما، ولا السلطة في رام الله قادرة على اختزال المشهد الفلسطيني المقاوم لهذه المشاريع.
دع عنك تعقيدات الوضع في واشنطن المترتبة على دخول بلاد العم سام في مزاج انتخابي، وحالة "عدم الاستعجال" التي تميز الموقف السعودي في هذه المرحلة، الأمر الذي يوجب تفادي الوقوع في شرك التهوين من المخاطر أو التهويل بها.
*عريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات السياسية
المصدر | الميادين21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا بايدن إسرائيل الفاشية صفقة القرن 2 فلسطين المحتلة الإدارة الديمقراطية السعودية حکومة نتنیاهو إدارة بایدن صفقة القرن 2 رام الله تل أبیب
إقرأ أيضاً:
كيف تستغل إسرائيل اللغة العربية من أجل طمس الهوية الفلسطينية؟
اعترفت قوانين الانتداب البريطاني على فلسطين المحتلة، باللغة العربية إلى جانب العبرية والانجليزية كلغات رسمية منذ عام 1922، وهو ما استمر لدى الاحتلال الإسرائيلي من بعدها لفترة طويلة.
ورغم أن دولة الاحتلال أقرت في تموز/ يوليو 2018 قانون أساس: "إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي أحدث تغييرات واسعة ومنها اعتبار اللغة العبرية الرسمية والوحيدة، بينما تراجعت العبرية من رسمية إلى "لغة بمكانة خاصة".
ولم يأتِ تبني "إسرائيل" للقوانين البريطانية المتعلقة باستخدام اللغة العربية "احتراما" للسكان الفلسطينيين الأصليين المتبقين داخل الأراضي المحتلة عام 1948 جراء أحداث النكبة، إنما على ما يبدو من أجل استكمال مهمة التهجير وطمس آثارها، بحسب ما جاء في دراسة لمركز "أركان للدراسات والأبحاث".
جاءت قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية بالاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية إلى جانب العبرية والإنجليزية لتعمل على ترسيخ استخدام العربية وضرورة وجودها في الحيز العام، وظهر ذلك بشكل واضع عام 2012، عندما جرى إلزام بلدية تل أبيب بوضع أسماء الشوارع والمناطق والمرافق العامة باللغة العربية إلى جانب العبرية والإنجليزية.
وبات قرار المحكمة العليا ملزما لجميع مؤسسات "إسرائيل" الرسمية والبلديات وكل ما يتبع لها، وذلك بنشر اللفتات العامة مثلا باللغات الثلاثة.
ومع حلول عام 2018 وإقرار قانون القومية، لم يعد إلزاميا وضع اللغة العربية في الأماكن العامة على اللافتات، إلا أن "إسرائيل" واصلت وضعها لأهداف أخرى، لعل أهمها هو "عبرنة" الأسماء العربية، من خلال كتابة لفظها واسمعا العبري بحروف عربية.
الفظ العبري
تغيرت لافتات الشوارع التي تشير إلى الاتجاهات إلى مدينة عكا التاريخية إلى اسم "عكو أو "أكو"، وهو اللفظ والاسم الذي أقرته "إسرائيل" للمدينة بعد احتلالها وتهجير غالبية سكانها عام 1948.
ووضعت على اللافتات اسم "يافو"، مكان اسم يافا، و"لود" مكان اسم مدينة اللد، وذلك بهدف طبع هذه الأسماء في أذهان الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، الذين يمرون يوميًا على العشرات منها، وكذلك أمام السياح الأجانب وكل من يرى هذه اللافتات، بحسب ما ذكرت الدراسة.
وفي القدس، تقوم لجنة التسميات التابعة لبلدية الاحتلال في القدس بوضع الأسماء العبرية والتوراتية للمناطق، مثل "شمعون هتسديك" مكان الشيخ جراح، و"هجفورا" مكان طريق الواد التاريخي، كما حولت اللافتات الإرشادية لمدينة القدس من القدس إلى "أورشليم".
View this post on Instagram A post shared by Kharita ™ | خــــريـــــطة (@mykharita)
ورغم ذلك، بقيت مثلا قرية بذات الاسم رغم محاولات "إسرائيل" لتحويل اسمها لـ "تسيبوري"، وبقي الأسم الفلسطيني الأصلي على اللافتات الإرشادية بدل الاسم واللفظ العبري.
أصل المخطط
منذ أواخر القرن التاسع عشر، شرع "صندوق استكشاف فلسطين" بعملية مسح للأرض، وجمع خلالها أسماء عربية للمواقع، ثم ربطها بأسماء توراتية لتأكيد علاقة اليهود بالأرض، وأكد مسؤولون في هذا الصندوق أنهم "أعادوا البلاد إلى العالم" عبر الخرائط التي ربطت فلسطين بالتوراة، بحسب ما جاء في دراسة لمركز "بيت المقدس للدراسات التوثيقية".
وأوضحت الدراسة أنه قبل قيام "إسرائيل"، اعتُبرت "الهوية اليهودية" لفلسطين من المسلمات في الفكر الصهيوني الرافض لوجود شعب فلسطيني، وسط مزاعم أن العرب هم مهاجرون حديثون من الدول المجاورة.
وأكدت أن "الدعاية الصهيونية وسعت إلى تكريس فلسطين كأرض بلا شعب، وجعلت "إيرتس يسرائيل" (أرض إسرائيل) الاسم البديل لفلسطين.
وبعد النكبة مباشرة، جرى تأسيس "اللجنة الحكومية للأسماء" لتبديل الأسماء العربية بأخرى عبرية، ولا تزال فاعلة حتى الآن، وعملت على فرض الأسماء العبرية في المناهج التعليمية، وإجبار المعلمين والتلاميذ العرب على استخدامها.
وعملت اللجنة على إصدار خرائط جديدة باللغة العبرية تشمل تسميات جديدة، واستبعاد التسميات العربية من الخرائط البريطانية القديمة.
وأكدت الدراسة أن تغيير الأسماء يُعدّ جزءاً من استراتيجية "التشريش" (زرع الجذور) لإضفاء شرعية على الوجود الصهيوني، إذ تعمل "إسرائيل" على خلق هوية عبريّة جديدة تستمد شرعيتها من نصوص العهد القديم والتلمود، في تجاهل تام للهوية الفلسطينية.
ويظهر ذلك أيضا في مذكرات رئيس الوزراء التاريخي للاحتلال دافيد بن غوريون، التي قال فيها إنه خلال جولة إلى منطقة سدوم في النقب ثم إلى إيلات جنوبا، صادف أن كل الأسماء للحيز المكاني كانت عربية.
وأضاف بن غوريون: "اتجهت إلى إيلات بتاريخ 11 حزيران/ يونيو 1949 في يوم السبت، مررنا في منطقة العارابا، وصلنا إلى عين حاسوب، ثم إلى عين وهنة، لذا من الضروري إكساب هذه الأماكن أسماء عبرية قديمة، وإذا لم تتوفر أسماء كهذه، فلتعط أسماء جديدة".
المواجهة
وتُبذل في فلسطين جهود متعددة من قِبَل مؤسسات ومبادرات تهدف إلى الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز الهوية الثقافية الفلسطينية، خاصة في مواجهة التحديات التي تفرضها السياسات الإسرائيلية.
وفي 2021، جرى تأسيس جمعية حماية اللغة العربية في فلسطين "ضاد" بمبادرة من أدباء ونقّاد وأكاديميين فلسطينيين، وتهدف إلى أن تكون حلقة وصل بين المؤسسات والهيئات المختلفة، بالإضافة إلى كونها ملتقى للأفراد المهتمين باللغة العربية.
وتسعى الجمعية إلى تعزيز البحث والدراسة في مجال اللغة، وتشجيع النقاد والمجددين على إغناء المكتبة الفلسطينية والعربية، وإيصال الجهود إلى المتلقين والمعنيين بوسائل وآليات فعّالة.
وفي داخل الأراضي المحتلة عام 1948، جرة إطلاق "مبادرة اللغة العربية في يافا" وهي برنامج شاملًا لتعليم اللغة العربية يستهدف الأطفال والشباب في المدينة، يهدف البرنامج إلى تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ على اللغة كجزء من التراث الفلسطيني.
وجرى إطلاق أيضا مبادرة من قبل جمعية الثقافة العربية في مدارس الداخل الفلسطيني بهدف تعزيز استخدام اللغة العربية كلغة هوية في المدارس، خاصةً في ظل مناهج التعليم الإسرائيلية التي لا تتعامل مع العربية على هذا الأساس.
وتسعى المبادرة إلى تعريف الجيل الشاب بالأدب الفلسطيني وباللغة العربية كجزء من هويتهم الثقافية.