تتبنى دولة الإمارات نهجاً علمياً قائماً على الابتكار لاستحداث حلول قابلة للتطبيق لمواجهة تحديات شح الموارد المائية ونقص إمداداتها، حيث تعتبر هذه القضية إحدى التداعيات الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي التي يشهدها العالم حالياً.

وحققت دولة الإمارات تقدماً في معالجة قضية نقص الموارد المائية عبر الاعتماد على تقنيات الاستمطار، والتي بدأت عملياتها في الدولة عام 1990، وتم تطويرها بالتعاون مع عدد من المنظمات العالمية مثل المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في كولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية، ووكالة الفضاء الأمريكية ناسا.

وتعمل دولة الإمارات على دعم الجهود الدولية المبذولة في هذا المجال وتوفير الدعم اللازم للبحوث والتطوير والابتكار، بهدف استكشاف جميع الخيارات المتاحة لتعزيز استدامة المياه والمساهمة بالحد من تداعيات قضية ندرة المياه.

وتنسجم جهود دولة الإمارات في نشر تقنيات الاستمطار مع محور “الأثر” ضمن حملة “استدامة وطنية” التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28 الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي، والذي يستعرض النتائج والتأثيرات الإيجابية لمبادرات الاستدامة الإماراتية على مختلف المجالات.

 

كبح الاحتباس الحراري

وتسعى عملية تلقيح الغيوم من أجل استمطارها إلى الحد من التأثير الناجم عن الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى رفع معدلات تبخر المياه والجفاف وبالتالي زيادة معدلات التصحر.

وتستخدم تقنية الاستمطار من أجل تحسين العمليات الفيزيائية الدقيقة التي تحدث في السحاب، من أجل استخراج المزيد من المياه وزيادة كميات هطول المطر.

ويستهدف الاستمطار الاصطناعي الحد من تأثير التداعيات طويلة الأمد لتغير المناخ على الأجيال القادمة، حيث تشمل الآثار المستقبلية المحتملة لتغير المناخ العالمي فترات أطول من الجفاف في بعض المناطق وزيادة في عدد العواصف الاستوائية في مناطق أخرى.

وتبنت دولة الإمارات أحدث تقنيات الاستمطار بهدف المساهمة في التخفيف من الآثار الناجمة عن نقص موارد المياه الطبيعية من خلال تعزيز هطول الأمطار وذلك للتكيف مع التحديات التي يفرضها الجفاف في شبه الجزيرة العربية، والمناطق الجافة وشبه الجافة على نطاق عالمي.

ويرسخ تلقيح السحب استدامة البيئة، حيث يساهم في تحقيق الأمن الغذائي واستدامته، كما يُسهم في مساعدة الدول على زراعة أراضٍ كانت تعاني من ندرة المياه أو الجفاف الشديد، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية. كما تحد تقنيات الاستمطار من التصحر، وتعمل على زيادة الرقعة الخضراء، وتؤمن مصادر مياه جديدة، حيث تساعد على زيادة مخزون المياه الذي يستخدم في العديد من الأغراض مثل: الزراعة، وملء السدود، وزيادة مخزون المياه الجوفية، يضاف إلى ذلك الحد من تأثير التغيرات المناخية، كما يساعد تلقيح الغيوم على الحد من حدوث العواصف والأعاصير الناتجة عن الهطول المبكر للأمطار، وتحسين الأحوال الجوية عبر تبريد الهواء وتخفيض حرارة الشمس من خلال زيادة كتلة السحب.

 

تقنيات صديقة للبيئة

تُعتبر دولة الإمارات رائدة في استخدام تقنيات متطورة وصديقة للبيئة في مجال تلقيح الغيوم. وتتنوع هذه التقنيات بين استعمال شعلات ملحية جاذبة للماء واستخدام جزيئات الملح النانوية، وهو نهج حديث يُعزز من عملية التكثيف ويُولّد قطيرات ماء كافية لتكوين الأمطار. وتنفذ هذه العمليات طائرات صغيرة تطلق هذه التقنيات داخل السحب، مع مراعاة تقليل الأثر البيئي.

يتم التنسيق والإشراف على هذه المهام من قبل المركز الوطني للأرصاد، الذي يتميز ببنية تحتية متقدمة وفريق من الخبراء المتخصصين. يمتلك المركز موارد رصد جوي تضم أكثر من 100 محطة وشبكة رادارات شاملة، بالإضافة إلى طائرات مُخصصة لعمليات الاستمطار ومصنع يُنتج شعلات تلقيح سحب عالية الجودة.

 

برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار

وفي إطار تشجيع البحوث في هذا المجال، أطلقت دولة الإمارات في 2015 برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار بهدف الإشراف على منح بحثية من شأنها تحفيز العلماء والباحثين من حول العالم لتطوير أفكار مبتكرة لتقنيات وعلوم الاستمطار. وتكمن أهداف البرنامج في تطوير تقنيات تحسن من كفاءة وقدرات التوقع الخاصة بعمليات تلقيح السحب.

ويعتبر برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار مشروعاً طموحاً يعد بفتح آفاق جديدة في مجال الاستمطار، وذلك من خلال تشجيعه على البحث العلمي المؤدي إلى تطوير الحلول التقنية والمستدامة بهدف ضمان الأمن المائي ومعالجة تحديات شح المياه في الإمارات والعالم.

وبحسب توقعات الأمم المتحدة، سيؤدي تسارع ظاهرة التغير المناخي إلى تزايد الضغط على مصادر المياه بحلول عام 2030، بما قد يهدد حوالي نصف سكان العالم بمخاطر شح المياه.

وقد حذر تقرير أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة من أن ارتفاع الانبعاثات الكربونية قد يؤدي إلى خفض المصادر المتجددة للمياه السطحية والجوفية بشكل كبير في المناطق شبه الاستوائية الجافة.

ويتوقع أن تشهد الدول النامية النسبة الأكبر من ارتفاع عدد السكان الإجمالي الذي يتوقع أن يصل إلى 3 مليارات نسمة خلال العقود الثلاثة المقبلة، الأمر الذي يشكل ضغطاً كبيراً على الإمدادات المحدودة لمياه الشرب.

ويستهدف برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار العثور على حلول للتحديات التي تواجه فرص انتشار تقنيات تلقيح السحب، التي تلعب دوراً مهماً في تحقيق أهداف استدامة المياه، حيث يسعى البرنامج بشكل مباشر إلى المساهمة في زيادة معدلات كميات الأمطار محلياً وتعزيز إمدادات المياه العذبة، وإحراز نتائج من شأنها أن تكون قابلة للتطبيق بشكل واسع في دول يمكنها الاستفادة من التطورات الحاصلة في تقنيات تعزيز الاستمطار.

ويسعى البرنامج إلى المساهمة في وضع حلول ناجحة للتحديات التي تعرقل انتشار تطبيقات الاستمطار، والتي حددها المختصون في علوم الاستمطار في ثلاثة تحديات رئيسية تتمثل في .. أولاً: جمع وتحليل البيانات الخاصة بتشكل الغيوم، إذ إن هناك حاجة ماسة لتحسين عملية جمع البيانات حول السحب في ما يخص أوقات الاستجابة والتغطية الجغرافية، وثانياً: اختيار وتطبيق المواد الخاصة بتلقيح السحب، حيث يحتاج انتشار هذه التقنيات إلى إجراء بحوث جديدة لاختبار فعالية مواد التلقيح وكيف يمكن تطبيقها بشكل أكثر فعالية، وأخيراً عملية تحديد وتعقب الغيوم المناسبة للتلقيح والتي تتطلب تحسين البنى التحتية الخاصة بالمراقبة والتي يمكن أن تزود الدول بمعلومات واقعية ومباشرة.

وتمكن برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار في غضون أعوام قليلة من ترسيخ مكانته كمنصة دولية رائدة وكمظلة حاضنة لأكثر الأبحاث العلمية تطوراً والمستندة إلى إيجاد تطبيقات وتقنيات جديدة لعمليات الاستمطار، حيث يواصل البرنامج مساهماته في تحقيق رؤية دولة الإمارات الطموحة وترسيخ مكانتها الرائدة في الاقتصاد المعرفي العالمي، وبما يتوافق مع حرصها على دعمها للجهود الدولية لتعزيز الأمن المائي عبر ترسيخ أفضل الممارسات العلمية والتعاون في مجال أبحاث علوم وعمليات الاستمطار.

وطورت المشاريع الحاصلة على منحة البرنامج تكنولوجيات جديدة في هذا المجال من ضمنها استخدام المواد النانوية، والطائرات من دون طيار، وتصميم غرفة محاكاة السحب، ونظام المحرك النفاث لتكوين التيارات الصاعدة للسحب، وغيرها من المشاريع التي ستعمل على نشر تقنيات الاستمطار عالمياً.

 

الملتقى الدولي للاستمطار

ولم تتوقف جهود دولة الإمارات لنشر تقنيات الاستمطار حول العالم على إطلاق برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، بل دعمت الجهود الدولية في هذا القطاع بإطلاق الملتقى الدولي للاستمطار الذي ينظمه المركز الوطني للأرصاد كل عامين في العاصمة أبوظبي، والذي يعتبر منصة عالمية تجمع تحت مظلتها نخبة من الخبراء والباحثين والعلماء وذوي العلاقة المحليين والدوليين من أجل مناقشة أحدث التطورات العلمية والتكنولوجية في مجال بحوث الاستمطار.

وباعتباره الحدث الأول من نوعه في معالجة القضايا الرئيسية الأكثر إلحاحاً في مجال المياه والاستدامة المائية على مستوى العالم، وفر الملتقى الدولي للاستمطار أمام المجتمع العلمي منصة فريدة لمناقشة الجهود المبذولة لإيجاد حلول مبتكرة للأمن المائي من خلال تبادل المعرفة والخبرة وتعزيز الفهم العلمي في مجال الاستمطار.

ويركز الملتقى الذي عقدت منه 6 نسخ حتى الآن على 5 محاور رئيسية تشمل: التعاون، والابتكار، وبناء القدرات، والذكاء الاصطناعي، والأبحاث التطبيقية. ويوفر الحدث لطلاب الجامعات فرصة لعرض مشاريعهم البحثية المبتكرة في مجالات تعديل الطقس والاستمطار على كوكبة من العلماء البارزين من مختلف أنحاء العالم.

ويتناول الملتقى التقدم المحرز على مسار تنفيذ المشاريع الحائزة على منحة البرنامج، إلى جانب مناقشة تحديات الأمن المائي على ضوء تغير المناخ العالمي، والفرص المتاحة لتنفيذ نماذج وتقنيات جديدة في مجال الاستمطار.وام

 


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

فيديوهات جديدة “للمقاتل الأنيق” الذي خطف الأنظار في غزة

#سواليف

#هاشم_حمزة_عامر، المعروف على منصات التواصل الاجتماعي بلقب ” #المقاتل_الأنيق “، لفت الأنظار بظهوره اللافت في مقطع فيديو انتشر نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.

ظهر عامر، وهو مقاتل في صفوف #كتائب عز الدين #القسام، الجناح العسكري لحركة #حماس، مرتدياً معطفاً أسود طويلاً وحذاءً رياضياً أبيض، أثناء توجهه لتنفيذ #عملية ضد #آلية_عسكرية تابعة لقوات #الاحتلال الإسرائيلي في منطقة #خان_يونس بقطاع #غزة.

المقطع الذي وثّق تلك اللحظة انتشر كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي، حاصداً إعجاباً واسعاً وتعاطفاً مع شجاعة المقاتل. وبعد أشهر من تداول الفيديو، كشفت مصادر صحفية من غزة عن استشهاد هاشم حمزة عامر، كما نشرت صورته وهويّته لأول مرة لتخليد ذكراه.

مقالات ذات صلة الأورومتوسطي.. تدمير مخيمات اللاجئين وتهجير سكانها فصل خطير من فصول النكبة المستمرة 2025/02/25

مشاهد تنشر لأول مرة للشهيد القائد المقاتل الأنيق : حمزة هشام عامر " أبو هشام "
تقبله الله تعالى
وهو يرابط في انتظار آليات اليهود وجنودهم في حي الأمل بخانيونس.. pic.twitter.com/USv847b1OV

— النائب محمد ناصر الحزمي الإدريسي (@Mp_M_Alhazmi) February 24, 2025

أمس الاثنين، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو جديد يُظهر “المقاتل الأنيق” أثناء رباطه في حي الأمل بخان يونس، مترقّباً الآليات الإسرائيلية المتوغلة لاستهدافها.

المقاتل الأنيق حمزة عامر
كان يُقاتلُ وهو مُصاب
ولقيَ الله مقبلاً غير مدبرٍ وهو مُصاب
رجالٌ من خارج هذا الزمان! ???? pic.twitter.com/UOhMFlTTJL

— أدهم شرقاوي (@adhamsharkawi) February 24, 2025

وقد أعاد هذا المقطع تسليط الضوء على تضحيات المقاومة الفلسطينية وأبطالها الذين واجهوا الاحتلال الإسرائيلي بكل شجاعة وإصرار وصمود وتضحيات لا تُنسى.

وتفاعل المغرّدون مع المقطع الجديد مشيدين بشجاعة عامر وزملائه من المقاتلين، الذين جسّدوا أعظم معاني الصمود في وجه آلة الحرب الإسرائيلية التي لا تفرّق بين صغير وكبير.

هل تذكرون المقاتل الأنيق حمزة هشام عامر رحمه الله؟

شاهدوا هذا الفيديو له، والذي يُنشر لأول مرة. pic.twitter.com/4LeKW66lGy

— Haytham Alneder???????? (@Hetham1993) February 24, 2025

وأشار بعض النشطاء إلى الخسائر الفادحة التي تكبّدها الاحتلال نتيجة تصدي هؤلاء المقاومين لمحاولات التوغل العسكري في غزة، مشيرين إلى أن عامر وزملاءه نجحوا في إلحاق خسائر كبيرة بصفوف الاحتلال قبل أن يرتقوا شهداء.

وكشف المغردون عن تفاصيل حول الخلفية العائلية لهاشم عامر، حيث تبيّن أن والده هو القائد في كتائب القسام، هشام حسني عامر. كان الوالد من الرعيل الأول للمقاومة وتلميذاً للقيادي يحيى السنوار، زعيم حركة حماس في غزة.

وقد استشهد هشام حسني عامر خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1992، أثناء تنفيذ هجوم مسلح على مركز شرطة خان يونس الذي كانت تتمركز فيه قوات الاحتلال. يُعتبر إرث عامر الأب والابن مثالاً حيّاً للتضحيات الباسلة التي يُقدّمها الفلسطينيون في سبيل الدفاع عن أرضهم وحقوقه

مشاهد جديدة للشهيد القسامي الأنيق "هشام حمزة عامر" pic.twitter.com/f9iKWTjFMF

— الرادع المغربي ???????????????????? (@Rd_fas1) February 24, 2025

مقالات مشابهة

  • تفاصيل دعم التعيينات في «التعليم والصحة» وتوفير وظائف جديدة للشباب
  • «نماء» تعزز التنوع وتبرز دور المرأة شريكاً فاعلاً محلياً وعالمياً
  • صقر غباش: الدبلوماسية البرلمانية تعزز الحوار والتفاهم
  • هزاع أبو الريش لـ24: الإمارات تعزز قيمة الإبداع
  • تفاصيل جديدة: ما الذي دفع الفنانة وعد إلى ارتداء الحجاب بعد سنوات من الشهرة؟
  • فيديوهات جديدة “للمقاتل الأنيق” الذي خطف الأنظار في غزة
  • خلافات التمويل تسيطر على انطلاق مؤتمر التنوع البيولوجي بروما
  • افتتاح سد وادي الجفنين للمساهمة في الحد من مخاطر الفيضانات وتوفير المياه الجوفية
  • أبوظبي تعزز الشراكة الاقتصادية مع الصين باتفاقيات جديدة
  • “بيغ 5 كونستركت” بالسعودية يكشف تقنيات جديدة ويشهد توقيع اتفاقيات