باعث نهضة الموسيقي تمنى أن يصبح مقاول بناء
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
خلّدت تجربة فنان الشعب سيد درويش اسمه رغم مرور قرن على رحيله، وقِصَر عمره الذى لم يتجاوز 31 عاماً. ووفقاً للدكتور جمال عبدالحى، عضو هيئة التدريس السابق بأكاديمية الفنون، فإن العمر الفنى لـ«درويش» لا يتجاوز 6 سنوات منذ مجيئه للقاهرة عام 1917، وخلال تلك السنوات القليلة استطاع أن يقدم رصيداً فنياً لا يتوافر لمبدعين عاشوا عشرات السنين، مضيفاً أنه استخدم أسلوباً متميزاً فى التناول الموسيقى يعبّر عن جيله الذى يسبقه، فتح باباً لتمصير الموسيقى من خلال أسلوب تعبيرى فى الغناء والتلحين، وأنتج كل القوالب، ثم اتضحت شخصيته الفنية بشكل يميزه عن الآخرين ليتمكن من إرساء قواعده الفنية.
وتابع «عبدالحى»: «سبق إنتاجه الفنى مرحلة التكوين التى تأثرت بمولده ونشأته فى الإسكندرية بحى كوم الدكة الفقير فى مارس عام 1892، وهى الفترة الزمنية التى تلت أحداث ثورة عرابى بنحو 10 سنوات». وتطرّق إلى حياة فنان الشعب ونشأته وروافده الثقافية وأبرز المحطات فى مسيرته الفنية، قائلاً: «تأثر سيد درويش بالفئات الشعبية وبكل ما يدور فى المجتمع المصرى فى الإسكندرية والقاهرة، وهى من أبرز الروافد لشخصيته، حيث كان يتعامل مع مختلف الفئات، وهو ما ظهر فى أعماله الفنية، فجاءت أعماله من النوع السهل الممتنع، وهو ما جعله صاحب شخصية متفردة كملحن».
وفى كتاب «سيد درويش.. المؤسس»، الصادر عن دار ريشة للنشر والتوزيع، أبرز مؤلفه «فيكتور سحاب» جوانب تفصيلية من حياة فنان الشعب، إذ ذكر أن سيد درويش وُلد لأب فقير هو درويش البحر، وأم قديرة على فقرها اسمها «ملوك»، بعد ثلاث بنات، تزوجت اثنتان من شقيقاته قبل ولادته، ومات والده وهو فى التاسعة، بعدما أدخله مدرسة الحى، وابتغت له أمه العلم والمرتبة الاجتماعية فأرسلته إلى كُتاب «حسن حلاوة» ليتعلم فن تجويد القرآن، وتابع الكتاب: «ارتاد مدرسة سامى أفندى وكان يحب الأناشيد الحماسية فى حقبة سياسية مهمة أجّجت المشاعر الوطنية، وأذن الشيخ سيد فى مسجد الشوربجى وهو لم يزل يافعاً».
وحسب كتاب «سيد درويش والموسيقى العربية الجديدة» للكاتب إدوارد لويس، فإن سيد درويش بدأ كسب المال فى سن الرابعة، نظير تسلية المدعوين فى الاجتماعات الشعبية بالحى، بإلقاء القصائد وترتيل القرآن، ثم يتعرض الشيخ سيد للطرد من المعهد الأزهرى بحجة عدم مثابرته، بأن تزوج وهو فى السادسة عشرة من عمره ليصبح مسئولاً عن زوجة ما لبثت أن حملت منه.
وتناول كتاب مسيرة المسرح فى مصر (1900- 1930) تأليف الدكتور سيد على، حواراً أجراه سيد درويش فى مجلة «ألف صنف وصنف» بتاريخ 29 ديسمبر 1925، إذ قال درويش مُتحدثاً عن نفسه: «وُلدت لأبوين فقيرين فى مدينة الإسكندرية عام 1892، وكان والدى نجاراً بسيطاً يكسب لقمته بعرق جبينه، كما كان كثير التقوى زاهداً قنوعاً فى الحياة، وكان يعاقبنى منذ نعومة أظافرى على ترك الصلاة، وكان لا يلذ له شىء أكثر من أن يرانى حافظاً لكتاب الله الكريم، ولهذا ما كدت أبلغ التاسعة من عمرى حتى أدخلنى أحد الكتاتيب، وهناك ظللت أواصل حفظ القرآن وتجويده».
وتابع «درويش»: «ولما بلغت غايتى من ذلك توجهت إلى دراسة شىء قليل من أصول الموسيقى، وتمييز النغمات الأوّلية بعضها عن بعض، وخطر لى أن أحترف مهنة غير مهنة الفقهاء أضمن من ورائها القوت لنفسى، وكان لوالدى صديق من خيرة أصدقائه، يحكى عن نفسه أنه بدأ الحياة بنّاءً بسيطاً ككل البنائين، وأراد الله الخير له فأصبح فى يوم من الأيام مقاولاً لا بأس بثروته، وهنا وضعت كل آمالى فى معونة ذلك المقاول، وظللت ألح عليه الرجاء حتى أسلمنى إلى رجاله، مُوصياً بتدريبى، وكم كان شوقى شديداً لليوم الذى أتخرج فيه على أيديهم بنّاءً حاذقاً، ولكن القدر أراد لى خلاف ما ابتغيت لنفسى».
وحسب كتاب مسيرة المسرح، كان سيد درويش يغنى على السقالات ليُسلى نفسه، فإذا بوكيل الورشة يلاحظ زيادة فى إنتاج العمال، الذين كانوا يزدادون نشاطاً عند سماع ألحانه الموقعة، وانتهى الأمر بهذا الوكيل بأن أعفاه من الأعمال اليدوية شرط أن يداوم على الغناء، وفى هذه الفترة، وبالقرب من مكان العمل، كان يجلس على المقهى المقابل للورشة أخوان من عائلة عطا الله، أحدهما كان ممثلاً والآخر مدير مسرح، يُعجبان به، وكانا يستعدان للسفر إلى الشام ليلحق بهما فى مطلع عام 1909، وفيما كان سيد مُبحراً وُلد له ابنه الأول محمد البحر فى أول أيام السنة، وكان سيد فى السابعة عشرة لم يكملها.
بداية رحلة التألق: سافر إلى الشام للعمل بالمسارح وعاد للإسكندرية للغناء فى المقاهى بعد حفظ التواشيحوتابع سيد على فى كتابه الذى تناول حياة سيد درويش: فى الرحلة الأولى إلى الشام، كُلف بالغناء بين الفصول لتسلية الجمهور لقاء أجر ضئيل فى أول الأمر، وكانت بدايته لعالم المسارح والملاهى، والذى يصبح عالمه المفضل فيما بعد، لكن يتعرض الأخوان عطا الله للإفلاس ويعود سيد درويش إلى الإسكندرية، ليعود للغناء فى المقاهى على قناة المحمودية، لكن رحلة الشام الأولى علمته الكثير، فقد قال لزكى طليمات المسرحى الذى عمل معه ومع نجيب الريحانى فيما بعد: «حفظت التواشيح والضروب الموسيقية القديمة ثم أناشيد الكنائس».
واستطرد: «ثم أمضى سنتين فى الإسكندرية، مراوحاً بين الفن والوظيفة، قبل أن يرحل رحلته الثانية مع أمين عطا الله إلى الشام، حيث أصاب شهرة ونجاحاً، وعاد إلى مصر قبل نشوب الحرب العالمية الأولى متمكناً من فنه، وبدأت شهرته تتسرب إلى النواحى المصرية، وبالأخص القاهرة، التى أخذ يغنى فى مسارحها فيما بعد».
ويرى المايسترو فيكتور سحاب فى كتابه «الذكرى المئوية لميلاد سيد درويش»، أن من أهم المحطات فى حياة سيد درويش ذهابه إلى المشرق العربى (بر الشام)، حيث حفظ على يد معلمه الحلبى عثمان الموصلى كل التراث الغنائى المشرقى غيباً، وهكذا رجع إلى مصر جامعاً الموسيقى العربية من أطرافها: «موسيقى المشرق وموسيقى المغرب، فكان أول موسيقى عربى شمولى من ناحية معرفته بالمدارس الموسيقية المهمة خارج مصر»، وأضاف «سحاب»: «عاد سيد إلى بلاده وقد اعتورها التبدل، وكان فى الثانية والعشرين من عمره، وكانت الحرب العالمية الأولى على الأبواب، وفى سنة 1914 كان قد أصبح فناناً كبيراً، وأضحى سيد درويش فى مصاف فنانى القاهرة، كاللاوندية، وأسماء القمسارية وإبراهيم القبانى».
وحسب كتاب «الذكرى المئوية لميلاد سيد درويش»، قدّم فنان الشعب على مدار 6 سنوات فى القاهرة عشرات المسرحيات والألحان مع أغلب الفرق المسرحية مثل فرقة الريحانى وأمين عطا الله وغيرهما، وأسس فرقته المسرحية، وشهدت سنة 1919 ذروة نشاطه الفنى، وتجاوز عدد أعماله المسرحية 31 عملاً، أبرزها «شهرزاد، والعشرة الطيبة، والباروكة»، وفى العام 1923 قصد سيد درويش الإسكندرية استعداداً للإبحار إلى إيطاليا ليتعلم هناك فنون المسرح الغنائى، لكن القدر لم يمهله ليرحل فى 15 سبتمبر 1923، وبحسب فيكتور سحاب: «لم يترك الشيخ سيد أموالاً سوى (الحاجة) أى عصاه والعود ورزمة من الأوراق التى دوّن عليها أغنياته، وولدين هما محمد البحر (من زوجته الأولى)، وحسن درويش ابنه الذى وُلد فى 29 نوفمبر 1921 من زوجته الرابعة التى مات عنها وهى دون العشرين، فبقيت مخلصة له طوال حياتها، وفيما بين زيجته الأولى من أم محمد البحر، وزيجته الرابعة من أم حسن، اتخذ ابنة عمه زوجة، ثم طلقها وهو فى الإسكندرية فماتت».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سيد درويش كوم الدكة فنان الشعب نادي الاتحاد السكندري فى الإسکندریة فنان الشعب إلى الشام سید درویش عطا الله
إقرأ أيضاً:
"على هذه الأرض ما يستحق الحياة".. محمود درويش يُزين ختام القاهرة السينمائي
حرصت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، على الاستعانة بكلمات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، في ختام فعالياته اليوم الجمعة، بجانب فرقة "وطن للفنون" الفلسطينية من غزة، في إطار إظهار الدعم للقضية الفلسطينية.
ووجه الفنان حسين فهمي، في كلمته بحفل الختام، الشكر لفرقة "وطن للفنون"، لافتاً إلى أن جميع أعضائها من غزة، وأنه شرف له حضورهم حفل ختام المهرجان.
وأضاف حسين فهمي: "على هذه الأرض ما یستحق الحیاة، الفن القادر على التعبير عن مشاعر الإنسان بصدق یستحق الحیاة".
من جانبه، قال وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو، إن مهرجان القاهرة السينمائي قوة إقليمية وفنية كبيرة لمصر، مشيراً إلى أن أهمية المهرجان تنبع من مكانة مصر، ويعكس الصوت المصري عربياً ودولياً.
وحرص عدد كبير من نجوم الفن المصريين والعرب، على حضور حفل الختام، منهم الفنان المصري أحمد حلمي، والفنانة يسرا، والفنانة دُرة، والسورية سلاف فواخرجي، والتونسية عائشة بن أحمد، والفنان سيد رجب، والفنانة نبيلة عبيد، والفنان أشرف عبدالباقي ونجلته، وكندة علوش، والفنان عمرو سعد.
هذا بجانب محمد رياض وزوجته، وأحمد عز، وخالد يوسف وزوجته، وداليا مصطفى، وجنات، والإعلامي تامر أمين، والمخرج أشرف فايق، وهاجر الشرنوبي، وسمية الألفي، والمذيعة جاسمين طه، والفنان محمود حميدة ونجله، والفنان أحمد عبدالعزيز، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، وإلهام شاهين.
كما حرص على المشاركة، الفنانة رانيا يوسف، والإعلامي عمرو الليثي، وصبري فواز، وهاني عادل وزوجته، ومريهان حسين، ولقاء الخميس، والفنان خالد الصاوي، وليلى علوي.
يُشار إلى أن فعاليات المهرجان انطلقت في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري وتستمر حتى اليوم الجمعة 22 نوفمبر (تشرين الثاني).
وشارك في المهرجان 194 فيلماً من 72 دولة، وتشمل الفعاليات 16 عرضاً على السجادة الحمراء، و37 عرضاً عالمياً أول، و8 عروض دولية أولى، بالإضافة إلى 119 عرضاً خاصاً بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.