الوطن:
2024-12-23@20:28:05 GMT

موسيقار القرن.. «نهر لن ينضب»

تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT

موسيقار القرن.. «نهر لن ينضب»

لا شىء يضاهى أن تسلم أذنيك لصوت سيد درويش، وتترك روحك تحلق فى رحاب موسيقاه، وتقاوم رغبتك فى مشاركته الغناء، وتمنع عقلك من التفكير فى سر عبقريته، وقتها ستدرك بقلبك أن هذا الرجل سيظل خالد الذكر.. حتى بعد 100 عام من رحيله.

استقبل المصريون القرن العشرين بمظاهر الحزن على رحيل رموز نهضتهم التى لم تكتمل، ودّعوا فى عامه الأول عبده الحامولى، المطرب الذى كانوا يعولون عليه لكسر احتكار الموسيقى داخل قصور الأثرياء، وغيّب الموت الإمام محمد عبده فى 1905 لتُطوى صفحة صاحب مشروع تجديد الخطاب الدينى، وفى عام 1908 فقدوا حماس وحيوية الزعيم السياسى الشاب مصطفى كامل، ولحقه رائد التنوير قاسم أمين.

لكن القدر كان رحيماً وكريماً حين أهدى المصريين سيد درويش، ومنحه موهبة استثنائية وتجارب حياتية تؤهل صاحبها لأن يكون أكبر من مجرد موسيقىٍّ عظيم ذاع صيته واتسع تأثيره، وأصبحت قصة حياته وأعماله منهجاً ينهل منه الباحثون عن تراث الشرق.

وُلد صاحب الموهبة الموسيقية الاستثنائية فى حى فقير، لكنه ينتمى لمدينة ثرية، وكأن القدر اختار لهذا الوليد أن يعيش بين عالمين، وأتاح له التنقل بينهما بخفة ومتعة، ليُمكِّنه من صناعة عالمه الخاص.

نشأ فى «كوم الدكة»، حى الحرفيين، المقام على أنقاض ربوة عالية تطل على أحياء الأغنياء من سكان المدينة الصاخبة بمظاهر الرقى والثراء فى الطبقات والثقافات.

ذهب الوليد وعمره 5 سنوات إلى مكتب تحفيظ القرآن الكريم، لكن مع رحيل الأب بعد عامين، قررت الأم أن ترسله إلى مدرسة ليستكمل تعليمه.

جاءت سنوات المراهقة لتُثقل كاهل «درويش» بالتزامات عائلية، زواج مبكر ومسئوليات تحد من طموحه وتطلعاته الفنية، كان مطالباً بالإنفاق على أسرته، وعلى شغفه ورغبته فى دراسة الموسيقى بإحدى المدارس الإيطالية، لكن دخله المحدود من إحياء ليالى القرآن والإنشاد والغناء فى أفراح ومناسبات الحرفيين لم يحقق له ما أراد، فاضطر إلى العمل فى عدة حرف يدوية.. منها أعمال البناء.

استمتع «درويش» بمهمته الجديدة، وجعل من ساحات الحرفيين مسرحاً لتنمية مهارته وقدرته على حفظ التراث، وجمع المقاطع الغنائية الدارجة على الألسنة.. ليعيد صياغتها فى قالب موسيقى جديد، وجاءت الصدفة التى كان يشتاق إليها موسيقىُّ المهمشين، حين استمع لصوته الأخوان أمين وسليم عطا الله، الفنانان الشهيران فى المجتمع السكندرى، وكان لديهما فرقة تمثيلية تستعد للسفر إلى لبنان.

سافر «درويش» إلى لبنان مرتين، وكلتا الرحلتين كانت من تدبير الأخوين «عطالله»، الأولى استمرت 9 شهور ولم تأتِ بنجاح مادى، ولكن الموسيقىَّ الشاب حوَّلها بدأب لمنحة دراسية اطلع خلالها على مختلف ألوان الموسيقى، والرحلة الثانية استمرت عاماً كاملاً، وحققت نجاحاً مادياً لم يُثنِ الشاب الموهوب عن الاستزادة من نهر العلوم الفنية، وتلقفته أيدى أساتذة الموشحات ومختلف ألوان الموسيقى الشرقية المعجبين بموهبته.

عاد «درويش» إلى الإسكندرية بعد أن تشبَّع بتراث الموسيقى الشرقية، وأدرك مواطن ثرائها وقدرتها على الاستقلال عن الموسيقى التركية، بل ومنافسة الأغانى الغربية، فقرر أن يبدأ رحلة التمرد ليصدح بأول مؤلفاته «يا فؤادى ليه بتعشق»، وصادفت النغمة التحررية فى أعماله هوى المصريين المتعطشين للاستقلال، والمثقفين المهمومين بالبحث عن هوية مصرية فى الغناء، والبسطاء الباحثين عن أغانٍ لم يستعملها الأغنياء قبلهم، والمهمشين الذى لم يسبق أن اهتم بهم أهل المغنى، وكل هؤلاء تحولوا إلى جمهور يمهد الطريق لميلاد ملحن ومطرب من طراز فريد.

أصبح «درويش» بطلاً لكل الفرق الموجودة على الساحة الفنية فى الفترة من 1917 إلى 1923، وظلت أعماله تنساب ويتردد صداها على المقاهى وداخل البيوت، وأصبح الناس يغنون له فى كل وقت (هز الهلال يا سيد) (الحلوة دى قامت تعجن فى البدرية).. وغيرها الكثير من الأوبريتات التى تعظِّم من ميراث هذا الشعب الحضارى، وتحفزه على الالتفاف حول هويته ووطنه.

يحلو للمؤرخين وصف «درويش» بأنه الشيخ المجدد وباعث نهضة الموسيقى العربية، وهذا التوصيف غير منصف، لكنه يبرّر عدم الاحتفاء به إلا بعد 23 يوليو من عام 1952، فهذه الثورة وجدت فى أعماله ما يعبّر عن أهدافها وطموحات هذا الشعب.

الآن وبعد 100 عام مرت على رحيل سيد درويش، ما زلنا نتذكر الرجل الذى صنع نشيداً وطنياً لا نزال نردده إلى الآن (بلادى بلادى لك حبى وفؤادى)، ونفخ فى الموسيقى من روحه فأصبحت ألحاناً تداوى القلوب والعقول، وتلهب حماس المحبطين، وتنتصر لمن تحاصرهم الهموم، وتجمع الفُرقاء على مائدة حب الحياة والوطن.

عاش «درويش» طويلاً رغم عمره القصير، فقد توقف سيل إبداعه صباح 10 سبتمبر من عام 1923 حين كان ملايين المصريين يستعدون لاستقبال سعد زغلول ورفاقه، بينما كان الدرويش يغادر الحياة فى هدوء فرضته قوات الاحتلال الإنجليزى، وكأن القدر يمنحه مشهداً أخيراً يضيف لقصة هذا البطل صاحب السيرة التى تستحق أن تُروى.

رحل الدرويش بعد أن أصبح له ملايين المريدين المفتونين بمعجزاته الفنية، رحل وترك لهم حصاد 12 سنة من الإبداع تفرّغ خلالها لنشر الوعى قبل الفنون، وتجديد الموسيقى الشرقية لتستعيد بريقها وحيويتها.

شعراء عن درويش

هو القديم يا قوم

يقوم فى ليلة ويوم

هو بصل أو توم ولا بلح أبريم؟!

ده فنه لو ينذاع وف تسجيلات يتباع

لتصبحوا جياع ما تكسبوش مليم

و«أنا عشقت» بكام و«أنا هويت» يا سلام

ومنيتى دى غرام أروح معاها غريم

قولوا تخمنا السوق.. حتى صبح مخنوق

بفننا المسروق.. من إرث كل يتيم

بيرم التونسى

-------------------------------------------

 عرب التفت فى هيئة الفنان

فى عروته الوردة اللى بتفتّح

قال كان بودى ألحن الجرنان

أخبار تجينا الصبح وتفرّح

عرب اللى دايب من أمل وحنان

كل الشوارع تعرفه والدور

ألفين سلام مطرح ما عينه تدور

مشى فى الجنينة اتقطفت له الزهور

قال كلنا نحب الوطن يا ولادى

أنا كنت باحلم بالنهارده الليلة دى

صبحت بلادى بلادى

وانتو المغنيين وأنا الجمهور

فؤاد حداد

-------------------------------------------- 

 غنينا يا سيدى حاجات سيد درويش

معلهش ما أهو أنت برضه كنت هناك

انت تمللى معانا وحوالينا وبينا

موت مين ده يا أبوحجاج اللى يخبيك منا

يعنى كان خبا الشيخ سيد؟ ما هو زى الجن

ولا لحظة بيهمد ولا بيون

فى المسرح فى الغيط فى المدرسة فى السجن

ده وتر مشدود يابا

لمسوه من كام ألف سنة ولساه بيزن

وكلام بيرن

صلاح جاهين

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: سيد درويش صلاح جاهين سید درویش

إقرأ أيضاً:

التخاذل الأمريكي لحظة مفتاحية في القرن 21

من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند يوم 28 سبتمبر 2015: أرى أن بعض الأطراف (قاصدا بوتين) تبذل كل مساعيها الدبلوماسية لإدخال بشار الأسد طرفا في مسار التفاوض السياسي حول مستقبل سوريا. إلا أنه لا يمكن أن يكون ثمة تعامل وتعاون بين الضحايا والجلاد. الأسد هو أصل المشكلة، ولا يمكنه أن يكون طرفا في الحل. ثم قال في مؤتمر صحافي في اليوم ذاته: لا بد أن يرحل الأسد حتى تتمكن المعارضة وأجهزة النظام من التوصل للتوافق اللازم، ولا بد أن تتوقف فورا أعمال القصف التي يمارسها نظام بشار الأسد اليوم في ظروف بالغة الفظاعة.

صحيح أن العرب درجوا على الاستخفاف بمثل هذه المواقف الغربية وحسبانها مجرد كلام. ولكن الحقيقة أن أولاند كان جادا في إرادة إسقاط النظام الأسدي في أعقاب استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري. والدليل أن أولاند اتفق مع أوباما يوم الجمعة 23 أغسطس 2013 على شن غارات جوية على المواقع الاستراتيجية للنظام بهدف إسقاطه. وكان القرار أن تبدأ العملية في الواحدة من فجر الأحد. وفعلا أصدر أولاند الأمر لسلاح الجو الفرنسي بالاستعداد لشن الغارات في الموعد المحدد. إلا أنه فوجئ بأوباما يهاتفه يوم السبت قائلا: لقد فكرت في الأمر مليا وارتأيت آخر الأمر أن من الأفضل أن أطلب موافقة الكونغرس. عندها أجاب أولاند: هذا قرارك السيادي، ولكنك إذا عرضت الأمر على الكونغرس فهذا يعني أن العملية لن تقع!

ولهذا قالت الصحافة الفرنسية آنذاك إن أوباما خذل أولاند. إلا أن الأمر أخطر من مجرد خذلان رجل لرجل. إنه خيانة للعهد الذي قطعه على نفسه رئيس القوة العسكرية العظمى. فقد التزم أوباما بقَسَم سياسي لما توعّد سفاح دمشق بأن استخدام السلاح الكيميائي خط أحمر وبأن تجاوزه سوف يعرضه للعقاب العسكري. ولكن الرئيس الأمريكي نكص على عقبيه ونكث بقسمه السياسي. والغريب أن أوباما ظل في الأعوام التالية يعلن بملء فيه أنه «لا يجوز دعم طغاة من أمثال الأسد بذريعة أن البديل سيكون أسوأ»! أما الأغرب فهو أن أوباما قرر، مختارا، الحد من سلطاته وتعطيل قدرته على الفعل بينما يجمع المراقبون على أن كل الرؤساء الأمريكيين بلا استثناء قد عملوا، على مدى العقود الستة الماضية، على توسيع سلطاتهم على حساب الكونغرس.

وفي التعليق على ما حدث عام 2013، قال أولاند قبل أيام إن عدول أوباما عن شن العمليات العسكرية في سوريا لم يتح إطالة عمر نظام بشار فحسب، بل إنه مهد الطريق أيضا لتدخل روسيا وتمكنها في سوريا. ثم أصدر أولاند هذا الحكم: إن قرار أوباما عدم التدخل العسكري في سوريا إنما يمثل «لحظة مفتاحية في تاريخ القرن الحادي والعشرين، ذلك أن ثمة أحداثا لا نستطيع قياس أثرها عند حدوثها». فقد كان لهذا القرار، أو بالأحرى اللاّ-قرار، نتائج مشهودة في المنطقة مثلما نرى اليوم، ولكن كان له نتيجة أخرى هي أنه كشف لبوتين أن أمريكا، والدول الغربية عموما، لا عزم لها على التدخل في الخارج. ولهذا أقدم بعد شهور من ذلك على مهاجمة أوكرانيا والاستحواذ على جزيرة القرم والسيطرة غير المباشرة على منطقة دونباس.

ويقتضي الإنصاف القول إن أولاند كان أكثر من ساركوزي وماكرون ثباتا على المبدأ بشأن وجوب الحزم في التعامل مع كل من بشار وبوتين. صحيح أن الأحداث بدت كما لو أنها تفند موقفه، حيث بقي بشار في الحكم زمنا إضافيا بسبب القرار الروسي بتعويمه فوق بحر الدماء السورية التي أراقها وهو يقهقه بكل سماجة، ولكن سقوط النظام أثبت أن أولاند كان على صواب، وأن موقفه كان سائرا في الاتجاه الصحيح للتاريخ، بينما كان موقف أوباما المتخاذل منافيا للمبدأ الأخلاقي والمنطق التاريخي.

هذا، ورغم أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان وزعيم اليسار الراديكالي جان-لوك ميلنشون على طرفي نقيض، فإنهما كانا متحديْن في تأييد الطاغية وفي انتقاد موقف أولاند المناهض له. لوبان كانت تعدّه حصنا ضد «الجهاديين» وميلنشون كان معجبا بـ«علمانيته» ومناديا بضرورة التفاوض معه. ولكن الحقيقة هي أن لوبان ثابتة منذ القديم على تأييد الطغاة في كل مكان. أما ميلنشون، الألمعي التقدمي، فإن كراهيته المرَضية لكل ما هو أمريكي هي التي أعمته عن رؤية الآيات البيّنات.

(القدس العربي)

مقالات مشابهة

  • عمره 500 عام.. اكتشاف أول قبقاب من خشب البتولا في هولندا
  • فرقة الموسيقى للتراث تنتهي من البروفات النهائية استعدادا لحفل غدا
  • مصر والصومال تبحثان الأوضاع في القرن الأفريقي
  • كيف تعيد الموسيقى صياغة الماضي إلى أذهاننا؟ دراسة حديثة تجيب
  • نعم للإصلاح الامني والعسكري ولكن
  • وكيل تعليم أسوان يكرم الفائزين في مسابقات الموسيقى على مستوى الجمهورية
  • افتتاح «خليجي 26».. «الخامس جماهيرياً» في القرن الحالي!
  • مسرح المدينة يحيي اللقاءات الثقافية بعد الحرب: الموسيقى تولّد الأمل
  • "محسن حيدر درويش" تستضيف النسخة الثانية من "جيب جامبوري" في بدية
  • التخاذل الأمريكي لحظة مفتاحية في القرن 21