لست ناقدا فنيا ولن أكون. لكن ما قاله الفنان مصطفى قمر تعليقا على نقد فنى طرحه طارق الشناوى بشأن الجزء الثانى من فيلم «حريم كريم» أحزننى.
صحيح أن مصطفى قمر فنان جميل له نجاحاته التى لا تُنكر، لكنه لم يحتمل أن يصف ناقد فني عمله الأخير بأنه سيئ، وبه نقائص، ولا يُمثل إضافة.
وقطعا لست طرفا للحكم على العمل الفنى، ولست طرفا فى التعليق على أسلوب الزميل طارق الشناوى فى طرح أفكاره، لكن أوجعنى أن يسب مصطفى قمر ناقده بهذه الوصلة المثيرة للاشمئزاز التى لا تناسب شخصا يفترض أنه مبدع.
وفى الحقيقة فقد أزاح الموقف عن عينى ستارا كبيرا حول سمات محزنة تغلغت على مدى نصف القرن الأخير إلى داخل الشخصية المصرية، ودفعتها دفعا إلى الثورة والغضب تجاه كل مَن يوجه لها نقدا. فالآن لم يعد هناك أحد يحتمل أن يقول له آخر أخطأت. وإذا كان فولتير يقول فى زمنه إنه على استعداد أن يدفع رأسه ثمنا لرأى الذين يخالفونه، فإن منطق أحوالنا يقول إن لدينا مَن هو مستعد أن يدفع رأسه ثمنا لكبت آراء مخالفيه.
وحسبنا أن نرى كم مسئولا فى بلادنا يُكشر عن أنيابه، ويُحمّر وجنتيه، ويقطب حاجبيه غضبا لرأى مُخالف أو ناقد. وربما صار شائعا أن يصم أى شخص يتعرض للانتقاد، جموع ناقديه بالتآمر، ليس ضده، وإنما ضد الوطن كله.
ولا عجب فى ذلك، فجميعنا تربى فى المدرسة ذاتها. مدرسة 23 يوليو، العظيمة فى شعاراتها، الضئيلة فى مُنجزاتها الحضارية. كان الرأى واحدا، والصوت واحدا، والسياسة واحدة، وكلها نابعة من جهة وحيدة هى السلطة، وربما نابعة من مركز وحيد داخل السلطة وهو الحاكم، فما يراه وحده هو الصواب، ولا يجوز ولا يليق ولا يمكن لإنسان أن ينقده.
من هُنا انزوى النقد فى بلادنا، وخمد وهجه. اعتدنا الطاعة والفُرجة، وهجرنا التدبر، وعادينا تشغيل العقل. لم يقتصر الأمر على السياسة، وإنما امتد إلى كل مناحى الحياة، فتضاءلت حركة النقد الأدبى حتى تلاشت وصارت فرعا هامشيا فى ربوع الأكاديمية. ضعفت حركة النقد الفنى إلى حد السكون، ما انعكس على السينما والدراما والفن التشكيلى. ثم تجمد النقد الفكرى، لتنمو طحالب التطرف والتعصب، وتجتاح جماعات التأسلم شوارعنا وأزقتنا وبيوتنا فتصطاد فى يُسر يسير أجيالا جديدة من البشر ليس لديها قدرة على النقد والتفكر وتشغيل الأدمغة.
يحزن المرء أن يرى وطنا مُشعا كان يوما صانعا لأعظم الحضارات فى العالم يضيق ذرعا بالنقد. ما أنبت هذا الوطن محمد عبده، طه حسين، لطفى السيد، محمدحسين هيكل، توفيق الحكيم، محمد عبدالوهاب، أم كلثوم، نجيب محفوظ، أحمد أمين بالصدفة.
لا توجد مصادفة كونية فى التاريخ يمكن أن تخرج لنا عباقرة فى عصر، وتمنعه عن آخر، وإنما هى أسباب تخص التنشئة والبيئة والمجتمع المحيط.
فى زمن الاحتلال البريطانى البغيض، وفى عصر الملكية الرجعية، وفى عهد الرأسماليين المتوحشين، تمتعت مصر بحرية تعبير، وتعددية سياسية، وحوارات فكرية، ومناقشات علمية أنتجت أفذاذا وصنعت سحرا وأسست لمجتمع متحضر صاعد نحو العُلا.
لكنه أسُقط من شاهق فى يوم وليلة. وحتى نسترده، فإن علينا مسئولية عمل طويل طويل يبدأ من بيوتنا، أولادنا، وتلامذتنا. علينا أن نعلمهم النقد.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الفنان مصطفى قمر حريم كريم
إقرأ أيضاً:
صندوق النقد يتفق مع مصر على صرف 1.2 مليار دولار ضمن اتفاق الإقراض
أعلن صندوق النقد الدولي -أمس الثلاثاء- أنه توصل إلى اتفاق مع مصر يتيح صرف شريحة بقيمة 1.2 مليار دولار للقاهرة.
وقالت إيفانا فلادكوفا هولار، التي ترأست وفد صندوق النقد الدولي للتفاوض مع السلطات المصرية، إن مصر واصلت "تنفيذ سياسات رئيسية تحافظ على استقرار الاقتصاد الكلي رغم التوترات الإقليمية المستمرة التي تتسبب بانخفاض حاد في إيرادات قناة السويس".
وأضافت، في بيان، "اتفق الموظفون والسلطات على الحاجة إلى تسريع الإصلاحات لتحسين بيئة الأعمال وضمان أن يصبح القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو. وفي هذا الصدد، ثمة حاجة إلى.. الحد من مشاركة الدولة في الاقتصاد، وزيادة ثقة القطاع الخاص لمساعدة مصر على جذب الاستثمار الأجنبي وتطوير إمكاناتها الاقتصادية الكاملة".
وتابعت: "مواصلة تنفيذ جهود ضبط الأوضاع المالية سيكون ضروريا للحفاظ على القدرة على تحمل الديون وخفض تكاليف الفوائد الكبيرة".
وقال الصندوق إن الجانبين توصلا إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الرابعة بموجب تسهيل الصندوق الممدد.
صندوق النقد الدولي أجاز على مستوى الخبراء صرف الشريحة الرابعة من القرض البالغ 8 مليارات دولار (رويترز) مزيد من الإصلاحاتوأشارت فلادكوفا هولار أيضا إلى أن خطط السلطات المصرية لتبسيط النظام الضريبي كانت جديرة بالثناء، ولكن "ستكون ثمة حاجة إلى مزيد من الإصلاحات لتعزيز جهود تعبئة الإيرادات المحلية".
إعلانوأضافت: "ثمة حاجة إلى حزمة إصلاحات شاملة لضمان قيام مصر بإعادة بناء الاحتياطات المالية للحد من نقاط الضعف المتعلقة بالديون، وإيجاد مساحة إضافية لزيادة الإنفاق الاجتماعي، وخاصة في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية".
ولا يزال الحصول على التمويل بالمراجعة الرابعة يحتاج إلى موافقة المجلس التنفيذي للصندوق.
وعُقدت المناقشات التي بلغت ذروتها بالإعلان عن الاتفاق، من السادس إلى 20 نوفمبر/تشرين الثاني شخصيا قبل أن يتم استكمالها افتراضيا.