اللعنة على الحرب، فلا أحد منتصر، والكل يتجرع مرارة الآثار الناجمة عن الحرب، وكلما طال آمد الحرب، زادت المعاناة، والتشرد، والدولة التى يحدث بها الحرب تدمر، والدول المجاورة تتأثر، وإذا كانت الدولة تشكل موردا للسلع الغذائية، فالعالم يتأثر ونحن نشاهد منذ شهور الحرب فى السودان، وما أصاب الإخوة الأشقاء من معاناة، وتشرد هرباً من الحرب، والتدمير، فالأرواح تقصف، والممتلكات تدمر، وحتى بعد انتهاء الحرب، سنوات طويلة من إعادة الإعمار، والتى تتطلب استقراراً سياسياً، وهذا لن يأتى بسهولة بعد الحرب.
سوريا واليمن وليبيا والسودان تعانى من الحرب الأهلية، والتدمير والتخريب، والذى يتجرع مرارة الحرب هو المواطن، الذى لا يكاد يجد طعامه اليومي، فالحياة تتوقف لسنوات طويلة، حتى يختفى غبار الحرب، ويتحقق الاستقرار السياسى.
لهذا يريدون أن تتحول المنطقة العربية إلى قطعة من الفوضى، يأكل مواطنوها بعضهم بعضاً، وتختفى أى مظاهر للقوة، والتقدم فى هذه المنطقة، يريدونها هشة وضعيفة، سهلة المضغ وسريعة الهضم، بلا عظام.
ومن لم تصل إليه هذه الرسالة فيجب أن يراجع نفسه، لأنه قادم لا محال، لهذا يجب أن تشد الدول العربية بعضها بعضاً، من أجل مواجهة الفوضى والتخريب، والعبث الخارجى والداخلى بمقدرات الشعوب، فما يحدث حولنا ليس فزاعة حتى تستمر قيادات الدول العربية فى أماكنها وسلطانها وإنما هو واقع ملموس على أرض الواقع، فما أن نكون أغبياء وندفن رءوسنا فى الرمال، وإما أن نكون على يقظة دائماً بكل الخطط والمحاولات التى تدمر دولنا العربية، وبالتبعية الشعوب.
فالمأساة تتزايد وخذ مثالاً على السودان، الأمم المتحدة، توقعت وصول ما يزيد على 1.8 مليون شخص من السودان إلى خمس دول مجاورة بحلول نهاية 2023 وطالبت جمع مليار دولار لتقديم المساعدات إليهم، وسط تقارير تفيد بارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض، وزيادة الوفيات.
وأعلن البنك الدولى مؤخراً تقديم منحة لتشاد بقيمة 340 مليون دولار، لمساعدته على مواجهة عدة أزمات، حيث سيتم تخصيص 90 مليون دولار من هذا التمويل للتصدى لأزمة تدفق اللاجئين الفارين من الصراع فى السودان المجاور. يأتى التمويل إضافة إلى تمويل جار تزيد قيمته على 235 مليون دولار من أجل توفير الدعم للاجئين والمجتمعات التى تستضيفهم فى تشاد.
والأرقام كثيرة والمأساة أكبر وعلى الجميع، مواطناً وقيادة تحمل المسئولية الكاملة عن حماية الدولة التى نعيش فيها، ويكون حذراً حتى لا يساهم دون أن يدرى فى نشر الفوضى، وما يضر باستقرار وسلامة الوطن حفظ الله الدول العربية وشعوبها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمد عادل الاخر الآثار الناجمة السودان
إقرأ أيضاً:
موسم التشرذم السياسي في السودان
موسم التشرذم السياسي في السودان
فيصل محمد صالح
تعاني الأحزاب والتيارات السياسية في السودان من حالة تشرذم عامة منذ زمن طويل، لكن وصلت هذه الحالة الآن إلى حدها الأقصى، حتى لم يبقَ حزب على حاله، وتمزقت بعض الأحزاب والكتل إلى مجموعات صغيرة يصعب تجميعها، ثم ساهمت الحرب الدائرة منذ ما يقرب من عامين في زيادة حدة التمزق وتوسيع مداه، وذلك بسبب اختلاف المواقف التي، في كثير من الأحيان، لا تتم على أساس القراءات والتحليلات السياسية المختلفة، ولكن على أسس جهوية وعرقية واجتماعية.
آخر هذه الانشقاقات التي خرجت للعلن كان في حزب الأمة القومي الذي قررت بعض أجهزته عزل رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة ناصر، في حين قام الرئيس من جانبه بحل الأجهزة التي أعلنت عزله، وانقسم الحزب إلى ثلاث مجموعات تتصارع حول الشرعية. مسببات الانشقاق عديدة، كان أحدها الصراع داخل أسرة زعيم الحزب الراحل الإمام الصادق المهدي حول خلافته، ثم انتقل الصراع لمرحلة جديدة بسبب الحرب؛ إذ تباينت المواقف بين قيادات الحزب، ثم تفجر الصراع بعد توقيع رئيس الحزب على التحالف مع «قوات الدعم السريع» والقوى السياسية والحركات المسلحة التي اجتمعت في نيروبي وكوّنت «تحالف تأسيس»، والذي أعلن نيته تكوين حكومة لتنازع حكومة الفريق البرهان حول الشرعية.
هذه الحال تنطبق تقريباً على معظم الأحزاب السياسية السودانية، بلا استثناء، مع اختلاف درجة التشرذم ونوعه؛ فقد وجدت الحرب الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو أحد الحزبين الكبيرين في البلاد، في حالة يُرثى لها؛ فقد تمزق إلى أشلاء حتى لم يعد ممكناً حصر الأحزاب التي تحمل اسم الحزب مع إضافة صغيرة للتمييز. ووصل الشقاق إلى بيت زعيم طائفة الختمية وزعيم الحزب السيد محمد عثمان الميرغني، فتقاسم الشقيقان جعفر والحسن ما تبقى من الحزب، وذهب أحد أبناء البيت الختمي الكبير، إبراهيم الميرغني، ليوقع على ميثاق نيروبي وينضم إلى «تحالف تأسيس».
ويعاني الحزب الشيوعي السوداني، والذي كان في مقام أكبر أحزاب اليسار في المنطقة، من أزمة صامتة بين تيارين داخله، يبحث أحدهما عن تحالف واسع للحزب مع القوى السياسية التي تقف ضد الحروب وتأمل عودة الحكم المدني، وتيار آخر متشدد يقوده السكرتير العام محمد مختار الخطيب، ينطلق من موقف تخوين كل القوى السياسية التي كانت حليفة له ويرفض التحالف معها. وقد ظهرت كتابات ناقدة من بعض عضوية الحزب لتيار السكرتير العام، لكن التزم الطرف الآخر الصمت ورفض الدخول في مناقشة عامة، حسب تقاليد الحزب.
وانقسمت الحركة الإسلامية من قبل إلى حزبين؛ المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، ثم انقسم كل حزب منهما إلى قسمين. وتعاني أحزاب اليسار الأخرى من التشتت ذاته؛ فقد انقسم حزب البعث إلى ثلاثة أحزاب، وانقسم الناصريون لحزبين، وضعفت أو اختفت تنظيمات يسارية أخرى كانت ناشطة في فترة الثورة.
تتشابه الأمراض التي تفتك بالأحزاب السياسية السودانية القديمة، والتي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، ولم تستطع أن تجدد دماءها وبرامجها. ويكفي أن الأحزاب الأربعة الكبرى، بما فيها الحركة الإسلامية والحزب الشيوعي، تربع على زعامتها رؤساء امتدت فترتهم بين الأربعين والخمسين عاماً.
عجزت الأحزاب عن استقطاب الشباب لعدم قدرتها على تحديث خطابها، كما أن معظمها ليس لديه برنامج معروف يستقطب به العضوية؛ لأنها تعتمد على الانتماءات الجهوية والطائفية والعرقية، أو على شعارات آيديولوجية قديمة لم يتم تحديثها ومواءمتها مع الواقع السوداني. وتكتسب بعض الأحزاب عضويتها بالوراثة؛ فالانتماء للحزب الذي يُفترض أنه تكوين حديث قائم على البرنامج، يتم في واقع الأمر بناء على انتماء الأسرة أو القبيلة. وتفتقد معظم الأحزاب الديمقراطية الداخلية؛ فهي إما أنها لا تعقد مؤتمراتها بانتظام لانتخاب القيادات ومناقشة البرامج الحزبية، أو تعقد مؤتمرات شكلية لإضفاء الطابع الديمقراطي، في حين يتم توزيع المناصب وحسم التحالفات خارج المؤتمر.
من المؤكد أن فترة ما بعد الحرب، متى ما توقفت، ستشهد هزة كبيرة في الواقع السياسي السوداني، وإعادة ترسيم للمشهد بطريقة تشهد تصدع الولاءات القديمة، واختفاء أحزاب كبيرة، وظهور أخرى، وبالذات الأحزاب والحركات المناطقية والجهوية التي تكاثرت في فترة الحرب. إنه طوفان قادم لن يبقى فيه حياً إلا من استعد بالتحديث والتجديد، وتطوير البرامج، والقدرة على التعامل مع الواقع الجديد والمعقد.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومأحزاب اليسار الحركة الإسلامية الحزب الاتحادي الأصل الحزب الشيوعي السوداني السودان القوى السياسية المؤتمر الشعبي المؤتمر الوطني حزب الأمة القومي حزب البعث فيصل محمد صالح