بعد قيام الميليشيات الحوثية بخطف وإخفاء الأمين العام لنادي المعلمين اليمنيين، هددت بمحاكمة رئيس اللجنة التحضيرية للنادي الذي أكد أن عائدات ضرائب الدجاج وحدها تكفي لصرف الرواتب، وذلك بالتزامن مع فشل الجماعة في كسر الإضراب الشامل الذي دخل شهره الثالث.

وفي حين يتهيأ أساتذة الجامعات وموظفوها في مناطق سيطرة الانقلاب الحوثي لإشهار كيان خاص بهم للمطالبة بالرواتب، أكد رئيس اللجنة التحضيرية لنادي المعلمين والمعلمات أبو زيد الكميم أن عائدات الضرائب التي فرضها الانقلابيون على الدجاج وحدها تكفي لتغطية صرف رواتب المعلمين وأساتذة الجامعات وموظفيها.

 

أوضح الكميم في تصريحات جديدة أنه يتم استهلاك 3 ملايين دجاجة في اليوم الواحد في مناطق سيطرة الحوثيين الذين يحصلون 300 ريال يمني (نحو نصف دولار) ضريبة على كل دجاجة وهو ما يساوي 900 مليون ريال في اليوم الواحد (نحو 1.5 مليون دولار)، مؤكدا أن ما يتم جمعه من هذه الضريبة خلال الشهر يصل إلى 21 مليار ريال يمني (نحو 40 مليون دولار) في حين أن رواتب قطاع التعليم العام والجامعي لا تزيد على 7 مليارات ريال في الشهر (نحو 13 مليون دولار).

وفي رده على حديث رئيس مجلس الحكم في مناطق سيطرة الانقلابيين مهدي المشاط الذي نفى قدرة حكومته على دفع الرواتب، أعاد الكميم تذكيره بتصريحات المشاط في عام 2018 والتي أعلن فيها تخصيص عائدات ميناء الحديدة لصرف الرواتب، وتأكيده أن تلك العائدات تورد إلى حساب خاص في فرع البنك المركزي، وتساءل رئيس نادي المعلمين اليمنيين عن سبب عدم صرف الرواتب ما دامت موجودة في ذلك الحساب البنكي.

الإضراب مستمر
رئيس اللجنة التحضيرية لنادي المعلمين والمعلمات في اليمن أكد المضي في الإضراب إلى حين صرف الرواتب لكل العاملين في قطاع التعليم، وأشار إلى أنه ومنذ سبع سنوات يتسلم أعضاء ما يسمى المجلس السياسي الحوثي والوزراء والنواب والشورى في سلطة الانقلاب رواتب وحوافز وبدل مظهر وبدل مواصلات، في حين توجه الاتهامات بالعمالة إلى المعلمين الذين لم يتسلموا مستحقاتهم طوال تلك السنوات، وقال إن الدور قد جاء لكي يتسلم المعلمون رواتبهم بدلا عن أولئك المسؤولين.

 


بدورها ذكرت اللجنة الإعلامية في نادي المعلمين أنه بعد نجاح الإضراب الكبير في أمانة العاصمة صنعاء فشل جدول الطوارئ الذي أرادت منه قيادة وزارة التربية في حكومة الانقلاب كسر الإضراب.

وذكرت اللجنة أن مدير مكتب التربية والتعليم الخاضع للميليشيات في العاصمة وجه مديري المناطق التعليمية بإلزام رؤساء مجالس الآباء في كل المدارس برفع تقارير ضد رئيس نادي المعلمين واتهامه بتعطيل العملية التعليمية خدمة لما يسمونه «العدوان» وهي خطوة ممهدة لاعتقال القيادي النقابي ومحاكمته كما حصل مع أمين عام النادي المعتقل منذ شهر.

واستنكرت اللجنة الإعلامية بنادي المعلمين هذا الأسلوب ووصفته بـ«العقيم» ورأت أنه يدل على عدم تقدير وضع المعلمين والمعلمات بعد صبر سبع سنوات عجاف، وحملت مدير التربية والتعليم بالعاصمة صنعاء المسؤولية عن سلامة رئيس النادي واعتبرت توجيهه لرؤساء مجالس الآباء «عملا غير تربوي وتحريضا مباشرا يعرض حياة رئيس النادي للخطر».

الجامعات تلتحق بالمعلمين
على خطى نادي المعلمين أعلن أساتذة في الجامعات الحكومية اليمنية تأسيس نادٍ مماثل لانتزاع مرتباتهم من حكومة الانقلاب بعد أن عجزت النقابات القائمة عن فعل ذلك، وفق ما أكده عبد السلام الكبسي الذي اختير رئيسا للنادي.

 


وذكر الكبسي أن المئات من أعضاء هيئة التدريس في جامعات صنعاء وذمار وإب والحديدة وعمران وصعدة وحجة والمحويت أسسوا ناديا للأكاديميين بهدف الدفاع عن حقوقهم، بعد أن عجزت النقابات الأخرى في الدفاع عن أساتذة الجامعات، وتقصيرها في واجبها منذ سنوات تجاه منتسبيها.

وتعهد الكبسي الذي كان إلى فترة قريبة من مؤيدي الانقلاب بأن يعمل النادي على الدفاع عن حقوق أساتذة الجامعات في ظل الظروف القاهرة وهم يؤدون واجبهم، وقال إن النادي أشعر حكومة الانقلاب في صنعاء بأنهم قد أدوا واجباتهم بصبر ومصابرة خلال سنوات مضت، وأنه آن الأوان لصرف المرتبات.

   

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: أساتذة الجامعات نادی المعلمین فی مناطق

إقرأ أيضاً:

الغرب والموقف من الانقلاب العسكري في الغابون

لقد مر عام على سقوط نظام الرئيس الغابوني علي بونغو أونديمبا الذي حكمت عائلته البلاد لـ56 عامًا، وذلك على يد الجنرال برايس كلوتير أوليغي نغيما ومجموعته العسكرية في 30 أغسطس/ آب 2023 – اليوم نفسه الذي أُعْلِن فيه عن فوز علي بونغو في الانتخابات التي أُجْرِيَت في 26 أغسطس/ آب 2023.

وفي أقل من أسبوع من الانقلاب العسكري أدى الجنرال نغيما اليمين الدستورية كرئيس انتقالي للغابون، وقال إن الجيش استولى على السلطة دون إراقة دماء؛ بهدف تحسين الظروف المعيشية للغابونيين الذين ظلوا فقراء خلال عقود من حكم أسرة بونغو أونديمبا. وأشار نغيما إلى أنه يريد ضمان عودة النظام إلى البلاد قبل تسليم السلطة للمدنيين. وقد اقترح في الأيام الأخيرة إصلاحات تشمل اعتماد دستور جديد وقوانين انتخابية وجنائية جديدة.

على أن توقيت حدوث الانقلاب في الغابون والحفاوة التي يحظى بها الجنرال نغيما في الغرب يثيران تساؤلات حول أسباب تخلي المؤسسة العسكرية الغابونية الآن عن أسرة بونغو بعد عقود من حمايتها والعمل معها، وخاصة أن معظم مبررات الانقلاب التي ذكرها الجيش الغابوني كانت موجودة إبان رئاسيات عامي 2009 و2016.

مصالح الغرب في الغابون

تقع الغابون في وسط أفريقيا، وتحتل موقعا إستراتيجيًا في خليج غينيا ممتلكةً واجهة بحرية على المحيط الأطلسي. وتحدها الكاميرون وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو، كما تُعَدّ واحدة من أكبر منتجي النفط في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي عضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، مع تمثيل النفط الخام والمكرر 80 في المائة من صادراتها وبلوغ احتياطياتها المؤكدة من النفط 2 مليار برميل.

ومن الموارد الإستراتيجية الأخرى التي تتمتع بها الغابون: المنغنيز وخام الحديد والذهب وعناصر الأرض النادرة الأخرى. ويركز قطاع التعدين في البلاد على استغلال المنغنيز (الذي يستخدم في صناعة الصلب والبطاريات)، وخاصة أن البلاد ثاني أكبر منتج لخام المنغنيز عالي الجودة في العالم (بعد جنوب أفريقيا). ولذلك كان قطاع التعدين في الغابون مهمًا لتأمين مستقبلها الاقتصادي وجهودها لتنويع مصادر الدخل في ظلّ انخفاض الطلب على صادراتها النفطية.

وتتركّز جلّ المصالح الغربية في الغابون في قطاعَي النفط والتعدين. وتعدّ فرنسا والولايات المتحدة الأميركية من الدول الغربية التي لها حضور قوي في البلاد. وتشمل الصادرات الأميركية إلى الغابون الآلات والمنتجات الزراعية والمركبات والأجهزة البصرية والطبية، وأبدت واشنطن منذ انقلاب أغسطس/ آب 2023 اهتمامها بتأمين سلاسل توريد المعادن الحرجة في البلاد، وتأمين النفوذ في موانئها لتحقيق الإستراتيجيات الأميركية في المحيط الأطلسي، وذلك عبر تعاونات أمنية واستثمارات كثيرة أشارت إليها واشنطن في بيانها بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2024، خلال زيارة قائد الانقلاب الجنرال نغيما إلى الولايات المتحدة.

وقد كان للاستعمار الفرنسي للغابون دور كبير في العلاقات والمصالح الفرنسية في البلاد؛ إذ لم تكن الغابون مجرد حليف تقليدي لباريس، بل احتلت أسرة بونغو مكانة إستراتيجية في السياسة الفرنسية تجاه أفريقيا.

ويوجد في الغابون مجتمع كبير من الفرنسيين المتجنّسين في البلاد. وتستضيف الغابون أيضًا عناصر عسكرية فرنسية (يقدّر عددهم بـ 350 جنديًا) تتمركز في البلاد منذ الاستقلال في عام 1960.

وتتمتع الشركات الفرنسية في الغابون بمصالح اقتصادية أكبر بكثير من أي دولة أجنبية أخرى، وتوجد نحو 80 شركة فرنسية مسجلة في البلاد، إلى جانب العشرات من الشركات الصغيرة والتجار والمطاعم والمحامين وشركات التأمين وشركات الخدمات المالية.

وما يؤشر على العلاقات الغابونية الفرنسية، أن الغابون في عام 2022 أكبر وجهة للصادرات الفرنسية بين الدول الست الأعضاء في الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا (التي تضم أيضًا الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية).

وكشفت تقارير عن بيع الشركات الفرنسية في الغابون ما قيمته 585 مليون دولار من المنتجات الزراعية والغذائية والسلع الرأسمالية والكهربائية والإلكترونية، ومعدات تكنولوجيا المعلومات ومنتجات صيدلانية وغيرها.

هذا إلى جانب الشركات الفرنسية الكبرى في الغابون، مثل شركة كوميلوج التابعة لمجموعة التعدين الفرنسية إيراميت، والتي تستخرج من مناجم مواندا (أكبر مناجم المنغنيز في العالم) 90 في المئة من المنغنيز بالغابون. وهناك شركة سيتراج (التابعة لإيراميت)، التي تدير ترانسغابونيس – خط السكة الحديدية الوحيد في الغابون.

وفي مجال النفط الغابوني تعمل شركة توتال إنرجيز منذ عام 1928، حيث تدير الشركة سبعة مواقع لاستخراج النفط في الغابون وعشرات من محطات الوقود، واستثمرت في عام 2022 في قطاع الغابات. وهناك شركة موريل آند بروم التي تنشط في استكشاف وإنتاج الهيدروكربونات، وشركة بيرينكو النفطية ومقرها في لندن وباريس.

وباعتبار العلاقات الاستثنائية بين أسرة بونغو وباريس والنخبة السياسية الفرنسية والتي ساهمت في كثرة الاستثمارات الفرنسية في قطاعات رئيسية في الغابون؛ فإن تراجع الدعم الفرنسي للرئيس علي بونغو، قد يكون نتيجة الأزمة السياسية التي سبّبها مرضه في عام 2018، والذي أثّر سلبًا في قدرته على ممارسة مهام سلطته، حيث اعتمد في حكمه على أفراد عائلته المقربين، وفشلت محاولة انقلاب في يناير/ كانون الثاني من عام 2019 أثناء فترة تعافيه في الخارج.

ويضاف إلى ما سبق أن تلك الفترة (أي عامي 2018 و2019) شهدت تزايد نسبة الغابونيين المستائين من حكومة الرئيس بونغو، مما أفقدها زخمها في الوقت الذي تحدث سلسلة من الانقلابات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بدءًا من مالي (في عامي 2020 و2021)، مرورًا بتشاد (في عام 2021)، وغينيا (في عام 2021)، وبوركينا فاسو (في انقلابين عام 2022)، والنيجر (في عام 2023)، والتي ألهمت الجنرال برايس نغيما بإمكانية تنفيذه انقلابًا ناجحًا في الغابون، وأعطته لمحة عن احتمال قبول تحرّكه من قبل المواطنين المستائين من بونغو، وذلك بدعم من الغرب الذي فقد معظم نفوذه في غرب أفريقيا والساحل ويرى في سيطرة شخص داخل القصر على مفاصل السلطة خطوةً استباقية وتأمينًا لمصالحه في المنطقة.

الغرب وانقلاب الغابون

لم يكن الجنرال نغيما دخيلًا على السياسة الغابونية أو وجهًا جديدًا في الصراع على السلطة في البلاد؛ إذ هو ابن عم الرئيس المخلوع علي بونغو، ومقرّب من الرئيس الراحل عمر بونغو (والد الرئيس المخلوع عليّ)، حيث شغل منصب حارسه الشخصي من عام 2005 حتى وفاته في إسبانيا عام 2009.

وأُبْعِد – أي الجنرال نغيما – من السلطة بعد انتخاب علي بونغو خليفة لوالده، ليعمل لمدة 10 سنوات كملحق عسكري في سفارتي الغابون في المغرب والسنغال. وعاد مرة أخرى إلى الواجهة السياسية الغابونية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018 ليحلّ محل فريدريك بونغو – الأخ غير الشقيق للرئيس علي بونغو، كرئيس استخبارات الحرس الجمهوري (وحدة عسكرية نخبوية)، وتمت ترقيته في أبريل/ نيسان 2019 إلى رتبة العميد.

ومما خاضه الجنرال نغيما من الصراعات مع الأسرة الحاكمة التوتر الذي وقع بينه وبين السيدة الأولى (سيلفيا بونغو أونديمبا زوجة الرئيس علي بونغو) الحاكمة ووريث الرئاسة المتوقع.

وعلى الخلفية السابقة تأتي الاستجابات الغربية تجاه سيطرة الجنرال نغيما على الحكم بطريقة غير دستورية؛ إذ إن ردود أفعال الغرب لم تكن تقليدية في مجملها، مقارنة باستجاباتها لمعظم الانقلابات العسكرية الأخيرة في الساحل وغرب أفريقيا، ومواقفها من جيوش قادة تلك الانقلابات.

ففي حين أن بياني المملكة المتحدة وكندا أدانا الاستيلاء العسكري غير الدستوري على السلطة في الغابون، ودعوَا إلى إعادة الحكومة الدستورية والحكم الديمقراطي بقيادة مدنية؛ فقد كان الموقف الأميركي مختلفًا. إذ لم تنتقد واشنطن الجيش الغابوني بلهجة قوية كما كانت معتادة في تصريحاتها القوية تجاه الدول الأخرى. بل استغرق من واشنطن وصف ما حدث في الغابون بانقلاب عسكري (وتعليق معظم مساعداتها إلى البلاد) شهرًا ونصف الشهر.

ويتضح الموقف الأميركي أيضًا في ترحيب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالجنرال نغيما في بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2024 باعتباره بطلًا للديمقراطية. والتقى به أنتوني بلينكين وزير الخارجية الأميركي، حيث اتفق الجانبان على اتخاذ خطوات ملموسة لتعميق العلاقات الثنائية على أساس الأولويات المشتركة، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والأمن البحري والحدودي، والحفاظ على البيئة والتعاون الأمني.

وفي تلك الزيارة استضافت غرفة التجارة الأميركية نغيما لحضور مائدة مستديرة للأعمال والتوقيع الرسمي على ست مذكرات تفاهم بين الشركات الأميركية والحكومة الغابونية، إلى جانب الكشف عن دليل الاستثمار لغرفة التجارة الأميركية الذي يسلط الضوء على الفرص التجارية في الغابون، والإصلاحات الجارية في البلاد لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

وفي نفس المنوال الأميركي سارت فرنسا والاتحاد الأوروبي، إذ في حين أنهما – أي فرنسا والاتحاد الأوروبي – طالبا بلهجة شديدة إعادة الرؤساء المخلوعين في انقلابات النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، إلا أنهما لم يفعلا ذلك في حالة الغابون. وكان أقصى درجات التصريحات من فرنسا بعد حدوث انقلاب الغابون ما قالته إليزابيث بورن رئيسة الوزراء الفرنسية إن فرنسا تراقب الوضع بأقصى قدر من الاهتمام.

وفي أواخر مايو الماضي (2024)، أي بعد سبعة أشهر فقط من الانقلاب الغابوني، قام الجنرال نغيما بزيارة رسمية إلى فرنسا، حيث اجتمع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإليزيه. وانعقد أيضًا أثناء الزيارة المنتدى الاقتصادي الفرنسي الغابوني الأول في باريس، والذي أسفر عن توقيع عدة اتفاقيات بقيمة تزيد عن 739 مليار فرنك أفريقي (أكثر من 1.100 مليار يورو)، إضافة إلى الكشف عن وثيقة الكتاب الأبيض لمنتدى الأعمال الغابوني الفرنسي التي توضح الفرص التجارية للشركات الفرنسية في الغابون.

استجابات الغرب المتناقضة: معايير مزدوجة؟

إن ما سبق عن المواقف الغربية يقوّي الشعور بازدواجية المعايير، حيث أصبح الكثيرون يشيرون إليها كدليل على نفاق الغرب في تعامله مع القيم التي يدّعيها عندما يرتبط الأمر بمصالحه، وأن الدافع الأساسي للغرب بشأن انقلاب الغابون لا يتعلق بالقضايا الديمقراطية والإنسانية، ولكن بالخوف من أن تتولى السلطة حكومة جديدة غير موالية للغرب، مما يؤثر على مصالحه الاقتصادية والعسكرية في البلاد.

فمن جانب، يُلاحظ دور المصالح الإستراتيجية في موقفي فرنسا والولايات المتحدة الأميركية من خلال انقلابي تشاد والنيجر الأخيرين. ففي حالة تشاد رأى جان إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسي، أن استيلاء الجيش على السلطة في تشاد ضروري لدواعٍ أمنية.

والمعلوم أن فرنسا تولي لتشاد مكانة إستراتيجية لكون نجامينا مركز القيادة المركزي لعملياتها المختلفة في غرب أفريقيا والساحل. وفي حالة النيجر واجه الدبلوماسيون الأميركيون صعوبة في وصف الإطاحة بالرئيس محمد بازوم بأنها انقلاب، وذلك لما تلعبه النيجر من دور إستراتيجي للأنشطة العسكرية الأميركية في الساحل، ولحقيقة أن البلاد كانت تستضيف قاعدة عسكرية أميركية.

وتتضح النقطة السابقة بشكل أكبر في أن الجنرال نغيما زعيم الانقلاب الغابوني دُعِيَ إلى واشنطن بعد إطاحته غير الدستورية بالحكومة المدنية، بينما لم يُدْعَ زعماء بوركينا فاسو، ومالي، وغينيا، والسودان إلى قمة زعماء الولايات المتحدة وأفريقيا لعام 2022؛ بدعوى أن هذه الدول تشهد تغييرات غير دستورية في الحكومة.

وفي المنوال نفسه، رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالجنرال نغيما في القمة الفرنكوفونية التاسعة عشرة في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وهي القمة التي حضرها زعماء بارزون من أفريقيا، بينما لم يُدْعَ إليها زعماء مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر رغم كون هذه الدول فرنكوفونية.

وقد رفضت السلطات الفرنسية اتهامها بالمعايير المزدوجة، قائلة إن موقفها المختلف من انقلاب الغابون كان نتيجة امتثال الجنرال نغيما للجدول الزمني للانتقال إلى حكومة مدنية، وأنه تعهّد بإجراء انتخابات حرة وشفافة وذات مصداقية، رغم أن الجنرال لم يحدد إلى اليوم مدة الفترة الانتقالية.

من جانب آخر؛ كان لموارد الغابون دور في التكالب الدولي عليها، وخاصة بين الصين، وروسيا، والولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وذلك لأن وقوع الغابون في قلب أفريقيا واستقرارها النسبي يجعلانها موقعًا مثاليًا للقوى الدولية التي تسعى وراء التحكم العسكري في المحيط الأطلسي، وبوابة مثالية لشركات تلك القوى للدخول إلى السوق الإقليمية الأفريقية التي تضم أكثر من 250 مليون مستهلك، رغم أن الغابون دولة ذات عدد سكان صغير (2.4 مليون نسمة فقط).

بل في سياق التنافسات الجيوسياسية والجيواقتصادية بين الغرب والصين في خليج غينيا؛ تعزّز الغابون في السنوات القليلة الماضية علاقاتها مع الصين، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 4.55 مليارات دولار في عام 2022. ورست سفن البحرية الصينية في الغابون في زيارات ودية في عامي 2018 و2023، وهناك تقارير من وسائل إعلام أميركية حول مساعٍ أميركية لمواجهة خطط الصين لإنشاء قاعدة عسكرية في الغابون.

وكل هذا يفسر سبب الدعم القوي من الغرب للجيش الغابوني؛ لأن وقوف الغرب ضد الانقلاب وقادته سيدفع القادة العسكريين الغابونيين للميل نحو الصين وروسيا، مما سيعطي الصين اليد العليا ويترك الغرب بلا بصمات إستراتيجية كبيرة في وسط أفريقيا وخليج غينيا.

وأخيرًا؛ تشير التحركات والتطورات في الغابون منذ انقلاب 2023 إلى أن قيادة الجنرال نغيما قد لا تكون مختلفة عن سابقتها. كما أن استعداد فرنسا والولايات المتحدة لقبول انقلاب القصر الذي نفّذه نغيما يُفضي إلى مجموعة من التساؤلات حول ما إذا كان الجنرال لن يترشّح للمنصب الرئاسي، وهو يقود انتقالًا إلى الحكم المدني، أو ما إذا كان سيصبح العضو التالي في عشيرة بونغو لحكم البلاد لسنوات أو عقود قادمة، وخاصة أن هناك انقسامًا بين النخبة السياسية في البلاد، بينما تأثير أحزاب المعارضة ضعيف، حيث كان الهدف الرئيسي لمعظم المعارضين السياسيين في الانتخابات على مدى السنوات الماضية، هو إزاحة الرئيس علي بونغو من السلطة، وهو ما تحقّق عبر الانقلاب العسكري.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أمريكا تدخل على خط عود البرلمان إلى عدن.. وتحركات لإنهاء الانقلاب الحوثي
  • إخلاء محيط الجامعات الأمريكية ببيروت بعد قصف إسرائيلي
  • حزب الله يخون وعد نصر الله ويترك غزة وحدها.. الإعلان عن وقف إطلاق النار في لبنان الليلة
  • رئيس الوزراء يترأس اجتماع اللجنة العليا لشؤون المشاركة
  • وزير الخارجية: ترك دول الجوار تتحمل وحدها عبء أزمة السودان أمر غير عادل
  • وفاة سجين في مركزي عمران بعد رفض المليشيات إسعافه.. والسجناء يعلنون التصعيد
  • الغرب والموقف من الانقلاب العسكري في الغابون
  • الأطباء الداخليون يواصلون احتجاجاتهم بخوض إضرابات متتالية هذا الأسبوع
  • رئيس جامعة القاهرة يستقبل سفير أوزباكستان لتعزيز أوجه التعاون
  • رئيس جامعة القاهرة يستقبل سفير أوزباكستان