جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-23@18:29:06 GMT

الازدواجية وغياب المركزيَّة!

تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT

الازدواجية وغياب المركزيَّة!

 

د. صالح الفهدي

أسفتُ وأنا أتصفَّحُ ملفَّ المشروع السياحي الذي بعثهُ لي أَحد الذين استقطبوا مستثمرين لإِقامته في أحد المواقع المعروفةِ وغير المستغلَّة سياحيًّا واقتصاديًا، وسبَبُ ذلك الأَسفُ الذي خالجني هو توقفُّ المشروع بسبب الإِزدواجية في موافقات الجهات الحكومية على مثل هذه المشاريع؛ حيثُ يبدو الأَمر أشبهُ بأَنفاقٍ ما إِن يخرج صاحبُ المشروع من أحدها حتى يتفاجأْ بالآخر أشدَّ ظلمةً ومعاناة!

طالعتُ الملف ومحتوياته، وقرأتُ إضافاته المتوقعة للسياحة والاقتصاد، فإذا به يوفِّر نحو 10 آلاف وظيفة لأبناءِ البلد، وبه الكثير مما يجذبُ السيَّاح من أصقاعِ العالم من مدن الألعاب، وفنادق، ومتاجر ومقاهٍ عالمية، ووسائل الترفيه، والاسترخاء، بطريقة حديثة، لا تنقصها الأناقة ولا حداثة المعمار، علاوةً على ذلك إنشاء المستثمر لكليةٍ يقدِّمها هديَّةً منه! فإِذا بهذا كلُّه يضيعُ بجرَّة قلمٍ تقول "لا" فتهدِّم مشروعًا عملاقًا، وتنسف جهودًا دؤوبةً، طويلة الأمد، وتلغي طموحاتٍ، وتضيِّع فرصًا.

الإِزدواجية بين الجهات الحكومية في إصدار التراخيص هي ازدواجية في أصلها راجعةٌ إلى أساس هيكلي؛ فالرؤية التي يترسَّمها الوطنُ واضحة الاتجاه، إنما الإِستراتيجية العملية رهن تفسيرات وتأويلات وقرارات لا تتوائم مع أُسس المنهجية العملية الواضحة التي تنصُّ عليها الرؤية وإلَّا ما معنى أن تعطي وزارة مسؤولة كوزارة السياحة الموافقات على إِقامة مشروع ثم تأتي وزارة أُخرى لتعترض على ذلك بعد صدور الموافقات ودراسات الجدوى؟! كيف تصدرُ الموافقات وهي منقوصة إذن، ولماذا يُعْهَدُ على المستثمر أن يجري وحده من أجل إنهاء إجراءاته؟ ألا يجب أن نقولَ للمستثمر: استرح أنتَ ونحن سنأتيك بكل ما تحتاجُ إليه من موافقات وتراخيص؟ ألسنا نحنُ من يحتاج إلى المشاريع الاستثمارية التي ترفدُ الاقتصاد، وتعزِّز السياحة، وتوفِّر فرص العمل لأبناء البلد؟ إذن أين الجهة التي تعدُّ مرجعًا لهذا كلُّه، وتمتلك الصلاحيات النافذة، والقرارات العملية فلا يعترضُ عليها معترض، ولا يوقف تراخيصها أحد؟

المشروع الكبير الذي اطلعتُ عليه رُصدت له ميزانية ضخمة تفوق الثمانية مليارات دولار أمريكي! فهل يتم التفريط بمشروع بهذه الموازنة الضخمة؟! ومثله العديد من المشاريع التي ضاعت وتضيعُ يومًا بعد يوم؛ لأَن الجهة التي تتولاها ليست مركزية، فهي لا تملك كافة الصلاحيات التي تخوِّلها من إصدار التراخيص النهائية لهذه المشاريع، وإنما تتنصَّل منها وتطلب من المستثمرين أن يواجهوا هذه الإزدواجيات بأنفسهم حتى يدب اليأَس في قلوبهم، وتخور هممهم فيقرروا الرحيل تاركين وراءهم ملفات مشاريع كانت ستضيف إلى الوطن مكتسبات لا حصر لها.

أُذكِّر هُنا بأمرين؛ الأَوَّل: أَن جلالة السلطان المفدى- حفظه الله- قد أصدر مرسومين مهمَّين يعالجان عِلَّة "الإِزدواجية" بين المؤسسات الحكومية، وذلك منذ ما يقارب العامين، قضى المرسوم الأول بإنشاء وحدة مستقلة تتبع جلالة السلطان لقياس أداء المؤسسات الحكومية وضمان استمرارية تقييمها واقتراح آليات رفع كفاءتها، مع قياس جودة الخدمات ورضا المستفيدين منها. بينما قضى المرسوم الثاني بإنشاء هيئة عليا مهمتها مراقبة تحقيق الأهداف والإستراتيجيات الوطنية في الجهات الحكومية، لكنَّ هاتين المؤسستين لم تظهرا للنور بعد، ولا شكَّ أنه سيكون لهما- عند عملهما- دورٌ كبير في تنظيم العمل الحكومي، وتوحيد الإجراءات، ومعالجة الإزدواجيات، والتخلص من البيروقراطية المتجذِّرة.

أما الأمر الآخر فيتمثل في المبادرة الرائدة "استثمر في عُمان"؛ وهي عبارةٌ عن صالةٍ، حديثة الطراز، تستقبلُ المستثمرين في محطةٍ واحدةٍ لإنجاز ما يتعلَّق باستثماراتهم، وإنني إذ أُعوِّل عليها لتكون حلَّا للإزدواجية بميزتها المركزية؛ فإِنني أدعو إلى أن تُمنح الصلاحيات الواسعة، والقرارات النافذة في تسريع الإجراءات، وتخليص التراخيص، ودفع الإستثمارات نحو الإنجاز بأسرعِ ما يمكن.

أعودُ إلى مشاعر الأَسف التي شعرتُ بها أثناء تصفُّحي لملف المشروع، فأقول إن الأمرَ نابع من حبي لهذا الوطن، وحرصي على أن لا يُضيِّعَ أيّة فرصة سانحة في سبيل نمائه وتطوره واستثمار ما وهبه الله من مقدرات ومكتسبات وطبيعة.

إِنَّ الطريق الأَصوب إلى كسبَ المشاريع الإستثمارية هو "مركزية القرار" بحيث تكون هناك مؤسسة نافذة (على سبيل المثال: المكتب الإستراتيجي في المملكة العربية السعودية، والمكتب التنفيذي في إمارة دُبي) تملك صلاحيات عُليا باعتبارها المسؤولة الشاملة عن المشاريع الاستثمارية، فإِنْ وافقت على مشروعٍ من المشاريع لا يحق لأية جهةٍ أن تعترضَ عليها، فالمؤسسات الأُخرى (الوزارات والهيئات وغيرها) هي جهات تنفيذية، وبهذه المركزية تختفي معضلة الإِزدواجية، وتتلاشى التعقيدات، ويجذبُ الوطن الإستثمارات، ويصنعُ الوظائف لأبنائه، ويحرِّك عجلة الاقتصاد.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الإمارات نموذج للكفاءة الحكومية

منذ بزوغ فجرها الساطع في سبعينيات القرن الماضي على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، انطلقت دولة الإمارات في رحلة استثنائية نحو التميز والريادة، لتصبح في غضون وقت قصير واحدة من أبرز النماذج الرائدة في الحوكمة الرشيدة والإدارة الحكومية الفعالة، ومثالاً يُحتذى به في بناء مؤسسات حكومية تتمتع بالكفاءة والقدرة على تحقيق التميز في شتى المجالات، لينعكس أثر ذلك، بفضل الله تعالى، على كل مناحي الحياة.

وليلقي التطور الشامل بثيابه الخضراء الناصعة على كل ربوع هذه الدولة المباركة، وليعم الازدهار كافة المجالات العمرانية والاقتصادية والصحية والتعليمية وغيرها، حتى أضحت دولة الإمارات منبع سعادة وواحة استقطاب وجذب لمختلف الجنسيات من شتى أنحاء العالم.
وهذه الإنجازات الاستثنائية لم تكن لتتحقق بعد فضل الله تعالى إلا برؤية قيادة حكيمة وضعت سعادة الإنسان في صميم أولوياتها، وسخرت جميع الموارد والمؤسسات لتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين.
وتبنت أفضل الممارسات العالمية في العمل الحكومي، واستشرفت المستقبل بعيون خبيرة، إيماناً منها بأن بناء الإنسان وإسعاده هو الركيزة الأساسية لأي تنمية مستدامة.
وقد تميزت مسيرة دولة الإمارات في تحقيق الكفاءة الحكومية بنهج تطويري طموح ومتجدد، تجلى ذلك في محطات عديدة، من أبرزها مبادرة «الحكومة الذكية» التي أطلقتها دولة الإمارات في عام 2013، وأحدثت نقلة نوعية في الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور.
والتي تستمر على مدار الساعة ومن أي مكان، دون أن تعرف حدوداً زمانية أو مكانية، وحدد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ملامح حكومة المستقبل الذكية آنذاك، لتكون حكومة لا تنام، تعمل 24 ساعة في اليوم، 365 يوماً في السنة، سريعة قوية تسهل حياة الناس وتحقق سعادتهم.
وهكذا أصبحت التكنولوجيا أداة فاعلة في تعزيز الكفاءة الحكومية وتحسين جودة الحياة، واستطاعت الدولة أن تحقق قفزات نوعية في تقديم خدمات مبتكرة وسريعة، ما جعلها نموذجاً عالمياً في التحول الرقمي، وبفضل هذا الإنجاز بات بإمكان أي شخص إتمام معاملاته والحصول على الوثائق الرسمية التي يريد بضغطة زر وهو قابع في منزله أو في أي مكان كان، وقد ساهم ذلك في تعزيز كفاءة المؤسسات الحكومية، وخاصة في إدارة الأزمات ومواجهة التحديات، وكانت جائحة كوفيد - 19 نموذجاً على ذلك.
حيث أثبتت هذه المؤسسات الصحية والاقتصادية والتعليمية وغيرها قدرتها على التعامل مع الأزمة بكفاءة عالية، ونجحت في احتوائها والتغلب عليها بكل تميز واقتدار، فاستمر العمل والتعليم والخدمات إلى أن انقشعت هذه الغمة بفضل الله تعالى.
ومن أسباب نجاح التجربة الإماراتية الحكومية في مواجهة هذا التحدي ما تميزت به المؤسسات الحكومية من التنسيق الفعّال فيما بينها، ما عزز العمل بروح الفريق الواحد، وفق نهج تكاملي، ساهمت فيه كل مؤسسة من خلال القيام بدورها بالشكل الأمثل جنباً إلى جنب مع نظيراتها من المؤسسات الأخرى، برؤية واحدة واستراتيجية مشتركة.
واستمراراً على هذا النهج الرائد عملت دولة الإمارات على خلق بيئة تنافسية بين المؤسسات لرفع الكفاءة الحكومية فيها، وأطلقت في سبيل ذلك العديد من البرامج والمبادرات.
ومن أبرزها «برنامج الشيخ خليفة للتميز الحكومي»، الذي أُسس عام 2006 بهدف الارتقاء بالأداء الحكومي وتعزيز ثقافة التميز داخل الجهات الحكومية، وتطوير مهارات الموظفين الحكوميين، لضمان تحقيق أفضل النتائج.
ولم تتوقف قاطرة التطوير في محطة معينة، بل واصلت طريقها عبر محطات عديدة شملت مبادرات متنوعة، ومن أحدثها برنامج تصفير البيروقراطية الحكومية الذي أطلقته دولة الإمارات في نوفمبر 2023، لتعزيز سلاسة الإجراءات وتقليصها وتسريعها وإلغاء الإجراءات والاشتراطات غير الضرورية، ما يساهم في تحسين الخدمات وسرعة إنجازها وتوفير الوقت والجهد والموارد، والارتقاء بتنافسية القطاعات وبيئة الأعمال في الدولة.
وامتدت جهود دولة الإمارات إلى استضافة القمم العالمية للحكومات بشكل دوري، بمشاركات واسعة على مستوى القادة والخبراء وغيرهم، لتكون بذلك جسراً عالمياً يهدف إلى تعزيز دور الحكومات في إسعاد الشعوب ورفاهيتها، وهكذا تمضي دولة الإمارات في مسيرتها المشرقة، لتكون منارة ملهمة في الكفاءة الحكومية التي تعود على مجتمعها والبشرية بالخير والرقي والازدهار.

مقالات مشابهة

  • تخريج 126 مهندسًا من برنامج إمكان 2 لتعزيز الكفاءات في المشاريع الحكومية
  • «حزب صوت الشعب» يطالب بالتحقيق بتقرير محكمة أوروبية حول «المشاريع في ليبيا»
  • «مهرجان الفرجان».. بوابة فرص لأصحاب المشاريع الصغيرة من المواطنين
  • “مهرجان الفرجان”.. بوابة فرص لأصحاب المشاريع الصغيرة من المواطنين
  • الوفد الإعلامي الدولي يتعرف على المشاريع التنموية في البريمي
  • افتتاح عدد من المشاريع في جامعة إب
  • تواجد فالفيردي وغياب وحيد.. قائمة ريال مدريد لمواجهة جيرونا بالدوري الإسباني
  • الانسحاب وغياب التعادل السلبي يزينان نتائج الأهلي والزمالك في آخر 5 مواسم بالدوري
  • الإمارات نموذج للكفاءة الحكومية
  • وزير النقل ومحافظ حلب يبحثان التعاون في المشاريع الاستراتيجية