شاهدت دون قصد فيلما تسجيليا عن قرية أوروبية تسمي "بارلي" تتداخل فيها الحدود بين دولتين أوربيتين؛ إحداهما تضع قدماً في دولة والثانية تضع قدمها في الدولة الأخرى!..

ولقد رأيت من السلاسة والمرونة في تعامل الدولتين (بلجيكا، هولندا) ومعهما المؤسسات المحلية إضافة للسكان في التعاطي مع واقعٍ غير مألوف، حتى صارت القرية مَعلما سياحيا يقصده السياح ليشاهدوا روعة الاتفاق البشري في واقع لا تتوفر فيه غير عناصر الاختلاف!.

.

وتتداخل المناطق بين الدولتين المتجاورتين، وتسمى الأجزاء البلجيكية بـ"بارلي هيرتوج" وتسمى الأجزاء الهولندية من القرية بـ"بارلي ناسو"، هذا ولم يكتمل ترسيم الحدود بين الدولتين قبل عام 1995 على الرغم من استقلال بلجيكا عن هولندا عام 1831.

ويبلغ عدد سكان البلدتين 9000 نسمة، ولهم الحرية في تسجيل أسمائهم وبياناتهم في أي بلدية من البلديتين، بالإضافة لوجود مركزي شرطة ومكتبي بريد ومركزي إطفاء..إلخ، ولربما شاهدت موظفي البلدتين من رجال الشرطة ومصلحة استخراج الأوراق وغيرهم يعملون في مكتب واحد؛ كلٌ يتبع دولته ويعمل تحت علم بلاده!..

ولكل شطر من القرية عمدة تابع لبلاده، ولربما استخدم سكان أحد البلدتين المتداخلتين الرقم الدولي بينهما في إجراء المكالمات رغم وجود كل منهما ربما في في شارع واحد، فالاختلافات في القرية الصغيرة حاضرة إلا في أمر واحد فقط؛ غرف الصرف الصحي والتي لا تخضع لأي حدود سيادية هنا أو هناك!

ومن أعجب ما تراه في قرية بارلى هو وجود الخطوط الفاصلة في شوارع القرية لإعلامك كزائر أو مقيم بأنك في سبيلك للعبور بين حدود الدولتين! ولربما جلست تحتسي القهوة على إحدى مقاهي البلدة لتشاهد الشريط الحدودي يمر بين كراسي وطاولات المقهى! بل وهناك ما هو أشد غرابة من ذلك حينما تطالع أحد المنازل وقد دُوَّن عليها رقمين مختلفين أحدهما تابع لبروكسل والثاني تابع لأمستردام، وليس ذلك وحسب، بل ويوجد لبعض المنازل بابين تدخل من أحدهما داخل الدولة البجيكية وتخرج من الباب الآخر تحت إدارة الدولة الهولندية!

يحدث كل ذلك دون صدام أبله أو تصعيد ساذج أو كمائن للتفتيش، ولو حدث لهرب السكان ولما حضر السائحون ولما تسامع بها العالم بما يحدث خلال يوميات القرية.

وقد انصرفت بمخيلتي -كعادتي- تلكم التي لا تسمح لي بأن أهنأ بلحظات الإستمتاع وأنا أُنْصتُ بشغف أثناء متابعتي للفيلم التسجيلي، فجاءتني -مخيلتي- مسرعة بلا شفقة! بالصورة الكئيبة لواقعنا العربي السخيف في التعامل مع ملفات الحدود.

ويكفي القارئ مراجعة أي من الأزمات الحدودية داخل وطننا العربي، ليرى كمّ الجمود والتخلف بل والتنشج في التصعيد غير المبرر، وكأنها من الثوابت المستقرة لدينا حيال النزاعات البينية بيننا! ولسوف توقن -أو تكاد- بعد مشاهدة متأنية بأن تلك الأزمات قد صُنعت لتبقى بين الأشقاء!..

وسنأخذ مثالا نتحدث عنه مثل "أزمة الصحراء الغربية" بين الشقيقتين الجزائر والمغرب، نموذجا صارخاً لضيق الأفق عند العرب، ولدى القائمين على صناعة سياستنا الخارجية، ولن يسعفنا المقال للحديث عن بقية الأزمات الحدودية مثل: أزمة الحدود السعودية اليمينة، والحدود البحرية المصرية الليبية، والحدود البرية المصرية السودانية، وكذلك أزمة الحدود البحرينية القطرية، فأزماتنا كثيرة لكنك ستتفق معي أنها تُدار من غرفة عمليات واحدة!

أزمة الحدود البرية بين الجزائر والمغرب.. نموذج على سخافة الخلافات العربية العربية!

سنجد في هذه الأزمة، مع ما بين الشقيقتين من قواسم مشتركة كاللغة والدين والثقافة، في ظل سيطرة الخلافات المصطنعة -أحيانا- ربما للتحالفات الدولية الخاصة بكل دولة على حدة، أو للحسابات السياسية التي لا تلتفت إلا لمصلحة القُطر الواحد، بعض المسارات التي تنتهي بالحرمان من أي فرصة للتوافق والتعاون كما كان في الماضي؛ حينما اشتركت الدولتان في النضال ضد المستعمر الفرنسي، ولربما استفاد المستعمر من الماضي!

النشأة: كانت عام 1963م، حدثت ساعتها مواجهات عسكرية سميت بـ"حرب الرمال" والسبب: محاولات المملكة استرجاع منطقتي تندوف وبشار من الجزائر..

محطات:

- قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في آب/ أغسطس 2021، متهمة الرباط بـ"أعمال عدائية"، وهو ما أزعج المغرب..

- الجزائر توقف تدفق أنابيب الغاز المتجه إلى إسبانيا براً مرورا بالمغرب والاكتفاء بالأنبوب البحري لمدريد!..

- تصاعد التوتر بين الدولتين حينما اتجهت المملكة إلى التطبيع مع الصهاينة في مقابل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية! وقد ترافق ذلك مع إعلان إسبانيا دعمها لخطط المغرب الرامية إلى بسط سيادتها على الإقليم المتنازع عليه..

- وفي المقابل قدمت الجزائر دعمها لـ"جبهة البوليساريو" التي تعمل على استقلال الصحراء الغربية وعدم تمكين المغرب من إرجاعها إليه..

وهكذا دواليك!

ملاحظة: الغياب التام لأي محاولات صادقة لرأب الصدع في ظل حالة من الجمود في الرأي والتنشج في المواقف، وهو إعلان متكرر عن فشل الجامعة العربية على كافة الأصعدة!

خاتمة: سامح الله مخيلتي فقد صرفتني من حالة الاستمتاع بالفيلم التسجيلي عن "بارلي" لتذكرني بالصورة الكئيبة لسخافة الخلافات العربية العربية!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحدود الجزائر الخلافات المغرب المغرب الجزائر العالم العربي حدود خلافات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

استئناف العدوان على غزة يُجدّد الخلافات داخل دولة الاحتلال

فيما يزعم جيش الاحتلال أن أهداف العدوان المُتجدّد في غزة بأنها ضغط عسكري مصمم لإعادة حماس لطاولة المفاوضات، يتحدث وزير الحرب عما أسماه الاستيلاء على الأراضي دون حد زمني، مما أثار مزيدا من القلق في أوساط عائلات الأسرى، ويستمر عدد المدنيين الفلسطينيين الشهداء في الارتفاع.

أمير بار شالوم المراسل العسكري لموقع زمان إسرائيل، كشف أن "الرقابة العسكرية حظرت نشر طبيعة ومكان توسع عمليات الجيش في غزة، فيما سمع مستوطنون الجنوب والوسط بوضوح أصداء الانفجارات التي ذكّرتهم بواحدة من أعنف ليالي العدوان على غزة، كما امتنع المتحدث باسم الجيش عن الخوض في التفاصيل، وقال إن "أمن قواتنا" هو السبب وراء هذا الصمت، وقد ظل هذا صحيحا حتى الساعة 6:26 مساء، حين أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مقطع فيديو أعلن فيه الاستيلاء على محور موراج، وإخضاع مدينة رفح". 

وأضاف في تقرير ترجمته "عربي21" أنه "من المشكوك فيه إلى حدّ كبير ما إذا كان إعلان نتنياهو تم تنسيقه مع المتحدث باسم الجيش أو الرقابة العسكرية، رغم حرص الجيش على استخدام مصطلح الغموض، وأكد رئيس الأركان إيال زمير على ذلك خلال وصوله برفقة رئيس الشاباك رونين بار إلى حي تل السلطان برفح، لكن يبدو أن هذه الرسالة توقفت في طريقها لمكتب رئيس الوزراء". 

وأشار أن "استيلاء الجيش على محور موراج، فيما كان يعرف سابقاً بجنوب مستوطنة غوش قطيف، من شأنه أن يخلق فعلياً جيباً معزولاً حول رفح، بهدف تطويق لواء رفح التابع لحماس، وتدميره، وقد يكون اختيار هذه المنطقة بعد التأكد من عدم وجود أي مختطفين فيها، فيما أكد مسؤولو الجيش أن جميع أنشطته الحالية تجري بالتنسيق الكامل مع مسؤول ملف الأسرى، الجنرال نيتسان ألون، وجهاز الشاباك، والجهات ذات الصلة في مديرية الاستخبارات". 

وأوضح أن "هذا الخطاب لا يطمئن أهالي المخطوفين إطلاقاً، خاصة بعد الشهادات التي وردت خلال الأسابيع الأخيرة من المفرج عنهم، ويبقى السؤال عن الهدف العسكري من العملية، فيما يعلن الجيش رسمياً أن الهدف هو إعادة حماس لطاولة المفاوضات من خلال الضغط العسكري".

وأشار أن "وزير الحرب يسرائيل كاتس اختار أن يُعرّف الأمور بشكل مختلف بعض الشيء، مُتحدّثا عن الاستيلاء على الأراضي، زاعما أن هدف العملية الاستيلاء على مساحات واسعة سيتم إضافتها للمناطق الأمنية العازل لحماية الجيش والمستوطنات، في إشارة واضحة للاستيلاء على الأراضي لأجل غير مسمى، مع أن هذا لم يتم ذكره في إحاطات الجيش في وقت لاحق من اليوم". 

وأوضح أن "قطاع غزة يعمل فيه اليوم ثلاثة فرق عسكرية، ويبدو أن الاحتلال يسعى للاستفادة من الدعم الذي يقدمه الرئيس دونالد ترامب، والذهاب لأبعد مدى ممكن بالضغط على حماس، دون أن يحثه أحد على استئناف إمدادات الغذاء المتقطعة، مما يكشف عن الدليل الأقوى على الضوء الأخضر الأمريكي، وفي هذه الأثناء، يبلغ الفلسطينيون عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين في الهجمات الأخيرة، فيما لا يزال الضغط الدولي ضئيلاً، مما يمنح الاحتلال مجالاً أكبر للمناورة، لكنه أيضاً أكثر خطورة". 

وأكد أن "دولة الاحتلال تدخل حالياً مرحلة معروفة لها مسبقاً في العدوان في غزة، وتراهن مرة أخرى على الضغط العسكري الثقيل لإبعاد حماس عن مواقفها المتشددة، وفي المرة الأخيرة التي حدث فيها هذا، في نوفمبر 2023، استغرق الأمر أكثر من عام لتنفيذ صفقة تبادل أخرى، وحتى ذلك الحين تم فرضها على رئيس الوزراء من قبل المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، مما يطرح السؤال عما سيكون مختلفا هذه المرة، لكن الأكيد أننا أمام سلوك خطير بالنسبة للمختطفين".


مقالات مشابهة

  • مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 7 أبريل 2025 في المدن والعواصم العربية
  • “سيلين العربية” نبتة نادرة تُزهر في منطقة الحدود الشمالية
  • تحركات مشبوهة للجيش الجزائري قرب الحدود مع المغرب
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • الرئيس اللبناني يبحث مع نائبة المبعوث الأمريكي التصعيد الإسرائيلي والتطورات الحدودية
  • مواقيت الصلاة اليوم السبت 5 أبريل 2025 في المدن والعواصم العربية
  • سفيرا بلجيكا وهولندا يزوران منطقة حفريات دير البرشا بملوي في المنيا.. صور
  • "البيجيدي" يطلب وزير التجارة إلى البرلمان بهدف تحديد تأثير رسوم ترامب التي بقيت في حدها الأدنى على صادرات المغرب
  • استئناف العدوان على غزة يُجدّد الخلافات داخل دولة الاحتلال
  • مقبرة جماعية شاهدة على مأساة قرية ود النورة بالسودان