الموظفون ثلاثة أنواع
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
د. أحمد العمري
الوظيفة مُهمة يقوم بها شخص أو أشخاص اعتياديون مقابل أجر مُحدد يتقاضونه؛ سواءً في القطاع العام أو الخاص، وهي التزام ومسؤولية وأمانة وواجب وتضحية وفداء.. إنها تضحية بالوقت والجهد والعمل، وفداء لتأدية المهمة على أكمل وجه وبذل كل ما يُستطاع للوصول إلى الهدف المنشود.
لكن يبقى الأداء يختلف من شخص لآخر، وهذا يدخل فيه عدة عناصر منها الرغبة في العمل والمؤهل والكفاءة والخبرة والقدرة والإمكانيات والأمانة والصدق والإخلاص والنزاهة والحيادية والتجرد التام والالتزام.
النوع الأول: يُحب عمله مخلص وفي صادق أمين متفانٍ، يبذل قصارى جهده لإنجاح مهمته ولا يتوانى في ذلك أبدًا وعندما يأتيه المراجع أو متلقي الخدمة، يستقبله ببشاشة ورحابة صدر وابتسامة، ويبذل كل ما في وسعه لتحقيق متطلبات المراجعين أو متلقي الخدمة؛ بل ويسعى بكل السبل لتحقيق مقاصد المراجع ونيل ما أتى من أجله وهذا يتطلب منه طبعًا جهدًا إضافيًا وعملًا دؤوبًا ومستمرًا لا يعرف الكلل ولا الملل لأنَّ الوظيفة عنده رسالة لابُد أن يؤديها بأمانة وإخلاص وصدق وبراءة ذمة على أكمل وجه. ولهؤلاء نقول كثّر الله من أمثالكم.
النوع الثاني: وهو الذي يمشي بجانب الحيط ينفذ القوانين والأوامر بدون زيادة أو نقصان، وكأنه سلك كهربائي يوصل الشحنة من طرف للطرف الآخر، دون أن يبذل أي مجهود من جانبه، أو أي محاولة لتقديم الخدمة بصورة أفضل أو تجويدها، وهؤلاء هم قوم "خذوه فغلوه" ويتكلمون بالقانون وحافظين بنوده، وإن كانت البنود تتجاوز الألف بند! ولهؤلاء نقول "تيتي تيتي محل ما سرتي جيتي".
النوع الثالث: هؤلاء هم قوم "عبوسًا قمطريرًا"، لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، مكفهرين دائمًا لا ابتسامة ولا حسن استقبال ولا تعامل منطقي مع المراجعين، وعندما يفتح أحدهم أي معاملة يبحث جاهدًا فيها ويقلب وينقب على النقاط السلبية حتى يُعيدها للمراجع بأي شكل وأسرع وسيلة ويعقدها.
هؤلاء من ينقلون مشاكلهم الأسرية وحتى خلافاتهم العائلية ليرموها بوجوه المراجعين ومتلقي الخدمة، وكأنَّ الناس عندما يأتون إليهم في مؤسساتهم ومقار عملهم كأنما يأتون إلى بيوتهم الخاصة ويدقون أبوابهم!
هؤلاء يتنمرون؛ بل ويتآمرون على المراجعين، ولهؤلاء نقول "يجعلها ما تنجب غيركم".
وعليه فإننا نقدر وبكل أريحية أن نستنتج التالي: النوع الأول به تترقى الأمم وتتطور الشعوب، أما النوع الثاني فهو من يحافظ على مستواه، لكن دون أي تقدم ولا أي تطور. بينما النوع الثالث- والعياذ بالله- فهو النوع الذي يقهقر الشعوب ويؤخرها، ويظلم نفسه ويظلم المجتمع.
وحيث إننا نحيا في كنف ربوع النهضة المتجددة ومنذ بزوغ فجرها في عام 2020، اتجهنا للكفاءات والقدرات والمواصفات الحميدة؛ فالله تعالى نسأل أن يكون جميع موظفينا سواءً في القطاع العام أو الخاص من النوع الأول، حتى تتطور عمان وتنمو وتتقدم، في ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه.
حفظ الله عمان وسلطانها وشعبها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فصل فى «التناكة» و«التواضع»
كثيراً ما يضطرنى حظى التعس إلى أن أتعامل مع نوعية من الأشخاص سواء فى العمل أو الحياة الشخصية ممن يطلق عليهم لفظة «تِنِك»، حيث يتصف تعامله معك بالصلف والغرور المتناهيين، الذى إن بحثت وراء تفسير له فلن تجد له سوى «العدم».
نعم، «العدم» أو الفراغ هو بالتأكيد ما بداخل نفوس هؤلاء ممن يعتقدون أنهم بسبب «كرم ربنا لهم» بالمال أو المنصب أو حتى «العلم»، «يا ما هنا يا ما هناك»، فيمشى الواحد منهم فى الأرض «مرحاً» متبختراً نافخاً أوداجه كالبالون الذى يوشك على الانفجار ويكتسب صوته نبرة غريبة دلالة على الاعتزاز المغالى فيه بالنفس، بل وينظر لك نظرة ملؤها الاستخفاف أو لا ينظر لك من الأساس، فتمتلئ عجباً وتسأل نفسك: ماذا أصاب هؤلاء؟!!
وإزاء الحيرة والفضول اللذين ملآنى فى تفسير تلك الظاهرة، «التناكة»، وجدت نفسى أسعى لمعرفة أصل هذه الكلمة، لأعرف من أين جاءت وكيف غدت وصفاً لهؤلاء الأشخاص ممن يعتقدون أنهم سوف يخرقون الأرض ويمتلئون خيلاء وصلفاً فى التعامل مع الآخرين، فوجدت أن كلمة «تَنْك» تعنى «وعاء من الصّفيح يُحفظ فيه البنزين أو الزيت ونحوهما»، و«تَنَك» هو مَعْدِنٌ أبْيَضُ يُسْتَخْرَجُ مِنَ الحَدِيدِ الْمَمْزُوجِ بِالقَصْدِيرِ، ولا أدرى ما علاقة هذا بتلك الصفات التى يوصف بها مثل هؤلاء وقد يكون تشبيهاً لهم بأنهم مثل الوعاء الفارغ الجعجاع الذى يمتلئ بالهواء لا غير.
هذا على المستوى اللفظى المباشر للكلمة، أما بالنسبة للمستوى الأعمق لتفسير ظاهرة «التناكة»، فثمة مبرر ذو بعد نفسى أجده مقنعاً إلى حد كبير بأن تصرفات الشخص «التنك» بسبب شعوره بالنقص إزاء شىء ما داخل أعماقه سواء فى الشخصية أو النشأة وذلك الشعور بالنقص يلح عليه، فيحاول أن يعوضه بسلوكه هذا المفرط فى الصلف، وقد يكون هذا النقص بسبب فشله التعليمى مثلاً أو نشأته فى بيئة منحلة أخلاقياً أو فى أسرة غير مستقرة أو يكون شعوراً بالنقص صاحبه فى الطفولة بأن حُرم من شىء ما يتمثل فى الحنان الأسرى.. إلخ فيحاول تعويض هذا النقص بسلوكه هذا.
وصور «التناكة» عديدة لا تشمل الصلف فقط فى التعامل وإنما هناك ثمة أشخاص يصح أن نطلق عليهم «تنك» فى أمور «العلم» أيضاً أو حتى «الدين»، فتراه يحدثك بخيلاء ليست لها حدود فى أمر ما سواء فى اللغة أو السياسة أو الفلسفة فى قضية ما وما إن تدلى برأيك فى هذا الأمر حتى يسارع بشجب رأيك بل ويسفهه معتقداً أنه حاز من العلم ما لا يدركه أمثالك ولا يعترف بخطأ رأيه وإن كان الاعتراف بالحق فضيلة، ومثل هؤلاء موجودون أيضاً فى شتى المجالات، حتى فيما يختص بالأمور الدينية، فيعتقد هذا أو ذلك أن فهم الدين مقصور على أمثالهم فقط لمجرد أنه أطلق لحيته و«قراله حديثين» أو حفظ بضع سور من القرآن، فأصبح الدين وفهمه حكرًا عليه وكل من حوله لايفقهون شيئاً وغدا هو حامى الدين الأول!!
وعلى النقيض من هؤلاء الذين أصيبوا بمرض «التناكة»، أجد صنفاً آخر تعاملت معهم على المستوى الشخصى وضربوا أروع الأمثلة فى التواضع، رغم ما بلغوه من علم غزير أو مال وافر أو منصب ووجاهة، وأذكر أحد هؤلاء ممن أعطاه الله الكثير من المال والجاه فلم يزده ذلك إلا تواضعاً، فصوته خفيض راق محترم رغم كل ما بلغه من نِعَم إلا أن خلقه التواضع الجم وأذكر واقعة خلال تعاملى الشخصى معه أنه فى إحدى المرات تغيب ساعى الشركة التى يملكها هذا الشخص، ففوجئت به بين موظفيه يصنع بيده كوب الشاى رافضاً أن يساعده أحد الزملاء ضارباً لنا جميعاً مثالاً عظيماً فى التواضع، فهكذا يكون العظماء الناجحون، فمن تواضع لله رفعه، والأمثلة على ذلك كثيرة تجدها فى سِيَر الأنبياء والصالحين من كل حدب وصوب.. وعلى النقيض من هؤلاء تجد هؤلاء ممن أصابهم داء «التناكة» مصيرهم الفشل واللعنات إلى مزبلة التاريخ إلى حيث ألقت، والآن ماذا ستشعر به إن قابلت شخصاً «تِنك»، أعتقد أنك بالتأكيد ستشعر بالشفقة تجاهه لا أكثر!!