جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-08@06:06:40 GMT

فرصة ذهبية

تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT

فرصة ذهبية

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

المُتأمل في حياة العظماء والناجحين والمبدعين، في شتى المجالات الاجتماعية والأسرية المختلفة، يرى أنَّ حقيقة نجاحهم وتألقهم وإبداعهم، تكمن في استثمارهم للفرص الذهبية، واستغلالها الاستغلال الأمثل والأكمل والأجمل، على عكس الفاشلين في الحياة، فهم لا يستثمرون الفرص الذهبية ولا يغتنمونها، مما يسبب لهم مزيداً من التخلف والجهل والفشل في حياتهم.

عندما يقتنص الإنسان الفرص الذهبية، فهو يستطيع الوصول إلى النجاح والإبداع، وتحقيق الإنجازات في شتى المجالات الحياتية، خصوصًا إذا أصبح الإنسان قادرًا على معرفة أسرار النجاح وكيفية التفوق، ومن تلك الأسرار الثمينة والعظيمة: استثمار الفرص الذهبية التي تمر في الحياة، والتي باستثمارها يصبح الإنسان قادرًا وبشكل أفضل وأكمل وأجمل على خدمة نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه.

وقد روي عن أمير المؤمنين ومولى الموحدين وسيد المتحدثين الإمام علي بن أبي طالب قال: «وَاَلْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ اَلسَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ اَلْخَيْرِ» وقال في مكان آخر: «مَاضِي يَوْمِكَ فَائِتٌ، وَآتِيهِ مُتَّهَمٌ، وَوَقْتُكَ مُغْتَنَمٌ، فَبَادِرْ فُرْصَةَ اَلْإِمْكَانِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَثِقَ بِالزَّمَانِ»، وهنا حث واضح وصريح من خليفة المسلمين العادل، على أهمية الاهتمام ببناء المستقبل وعدم الالتفات إلى الماضي، وكما قال أجدادنا الكرام: انظر إلى أمامك ولا تنظر إلى أقدامك، لذا ينبغي على الإنسان أن يعيش أيامه مستثمرا للفرص الذهبية التي تمر به ليستطيع بناء حاضره ومستقبله.

التقيت ذات مرة بأحد التجار المؤمنين الصالحين من الناجحين والمتفوقين في عالم التجارة، ومن يمتلكون اليوم الكثير من المحلات التجارية المعروفة والتي يشار لها بالبنان، سألته سؤالا صريحا، وكان الهدف من السؤال الاستفادة من تجربته والاستشارة في مجال التجارة وكيف يستطيع الإنسان جمع المال الحلال الخالي من الحرام، وانطلاقا من الوصايا النبوية كما قال الإمام علي عليه السلام: "سُئِلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْمِ، قَالَ: مُشَاوَرَةُ أهْلِ الرَّأْي، ثُمَّ اِتِّبَاعُهُمْ". وبما أنَّ التاجر من أهل الرأي والتجارب الناجحة كان سؤالي له الآتي: يا عم؛ كيف استطعت جمع الأموال الطائلة التي تمتلكها الآن؟ أخبرني عن تجربتك؟ ابتسم لي ابتسامة عريضة، ثم أجاب قائلا: (أولا): بالتوكل على الله و(ثانيا): بالصدقة للفقراء والمساكين، و(ثالثا): باغتنام الفرص الذهبية في الأسواق وعدم تفويتها واقتناصها بقدر الاستطاعة، وهذا كله جعلني بحمدالله تعالى من المتفوقين والناجحين في عالم التجارة بفضل من الله تعالى.

إن الاسلام العظيم، وجهنا إلى الكثير من الفرص والمنح والهبات، ليستطيع الإنسان من خلالها الدخول إلى الجنة، ولكن مشكلة البعض الكسل والتسويف والتردد عن الإمساك بتلك الفرص، ومن المؤسف أن البعض يظن أن الله تعالى أعطاه العمر المديد، وأن الوقت لا زال متاحا له لاستثمار الفرص في المستقبل، وهنا يقع الإنسان في فخ الشيطان الرجيم الذي يبعده ويغويه عن فعل الخيرات واستثمارها بالشكل المطلوب.

وأهم رصيد يمتلكه الإنسان في عالم الحياة هو شبابه، لذا ينبغي عليه استغلال فرصة مرحلة الشباب في اقتناص الفرص الذهبية في الحياة، وهنا نستحضر الوصايا الخمسة الرائعة التي صرح بها سيد الأكوان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي من الوصايا المحمدية الخالدة التي أوصى بها أبي ذر رضوان الله عليه فقال: "يَا أَبَا ذَرٍّ! اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ؛ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتكَ قَبْلَ سقْمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتكَ قَبْلَ مَوْتِكَ".

فعلى الإنسان أن يعلم أن مرحلة الشباب قبل الهرم، والصحة قبل السقم، والغنى قبل الفقر، والفراغ قبل الشغل، والحياة قبل الموت، كلها فرص ذهبية أوصى بها إسلامنا المحمدي الحنيف، لذا يجب استغلالها واستثمارها الاستثمار الحقيقي الذي من خلاله يستطيع الإنسان الوصول إلى الحياة السعيدة والهادئة، بعيدا عن المنغصات الحياتية التي قد تصيب الإنسان في أي لحظة لا سمح الله.

وينبغي للإنسان أن يكون يقظًا ومنتبهًا ومتأملًا، وأن يسأل ضميره في كل يوم، يا ترى ما الذي ميز العلماء أمثال إنشتايين وإسحاق نيوتن، واللاعبين المشهورين في الملاعب العالمية أمثال كرستيانو وميسي ونيمار؟ وما الذي ميّز أساتذة الجامعات والمفكرين وأصحاب الهمم في العالم من الناجحين والمتفوقين من أهل الإبداع؟ إن الذي ميزهم هو حرصهم على استغلال الفرص الذهبية واستثمارها في الحياة بالإرادة والشغف والسعي لتحقيق الأهداف.

وأخيرًا.. يقول الله تعالى في سورة النجم: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41)" صدق الله العلي العظيم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: التلاعب بالمسميات الجديدة من أسباب الفساد الذي ملأ الأرض

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل أراد من خلقه الامتثال إلى أوامره والابتعاد عن نواهيه، لما في هذه الأوامر من خير عميم يعود على العباد والبلاد، ولما في هذه النواهي من شر وبلاء يفسد الأرض، فالله ليس بحاجة لنا، فهو يأمرنا بما ينفعنا، وينهانا عما يضرنا.

فماذا أراد الله من عباده ؟ أراد منهم الخير والنفع لهم والصلاح والإصلاح، وتأكيدًا لهذا المعنى نبدأ الحديث في سلسلة تساهم في تشييد بناء الإنسان، ألا وهي سلسلة مراد الله من عباده، ولتكن أولى حلقات تلك السلسلة هي (عدم التلاعب بالألفاظ).

فلعل التلاعب باللغة وألفاظها من أهم أسباب الفساد الذي ملأ الأرض، وضج منه جميع الصالحون، بل والعقلاء من كل دين ومذهب، فإن التلاعب باللغة يفتح علينا أبواب شر كبيرة، حيث يُستحل الحرام، ويُحرم الحلال، ويُأمر بالمنكر ويُنهى عن المعروف، وذلك كله عكس مراد الله من خلقه، يقول النبي ﷺ: (إن ناسًا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) [أخرجه الحاكم في المستدرك].

فرسول الله ﷺ في ذلك البيان النبوي لا يريد أن يشير إلى تلك الكبيرة وهي شرب الخمر فحسب، بل إنه يتكلم عن تلك الصفة التي ستظهر في آخر الزمان وهي التلاعب بالألفاظ، والتي يترتب عليها تضييع الأحكام الشرعية، فيستحل الناس الذنوب والكبائر، فالخمر تسمى مشروبات روحية مثلاً، والزنا يسمى حرية الحياة الخاصة، أو حرية الممارسة الجنسية، ولذلك يظن الناس أن أحكام الله عز وجل لا تنطبق على تلك المسميات الجديدة، رغم أن الحقائق ثابتة.

إن الأساس الفكري الذي نؤكد عليه دائمًا هو ضرورة أن تقوم اللغة بوظائفها التي تبرر وجودها أصلا، فإن للغة ثلاث وظائف أساسية، أولى تلك الوظائف هي : "الوضع" بمعنى جعل الألفاظ بإزاء المعاني، فهو أمر لا بد منه حتى يتم التفاهم بين البشر.

وثاني تلك الوظائف هي "الاستعمال" : وذلك أن المتكلم يستخدم تلك الأصوات المشتملة على حروف لينقل المعاني التي قامت في ذهنه إلى السامع.

وهنا تأتي الوظيفة الثالثة والأخيرة وهي "الحمل" : والتي تعني حمل تلك الألفاظ على مقابلها من المعاني التي سبق للواضع أن تواضع عليها، وقد قرر العلماء عبارة موجزة توضح ما ذكرناه، فقالوا : (إن الاستعمال من صفات المتكلم، والحمل من صفات السامع، والوضع قبلهما).

وينبغي أن يسود ذلك الأساس الفكري في التعامل مع اللغة ليواجه أساسًا فكريًا آخر أصّل الفساد عن طريق التلاعب بالألفاظ، ولعل ما ظهر من مدارس ما بعد الحداثة الفكرية تأصيلاً لذلك الأساس الذي يقرر التلاعب بالألفاظ

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: التلاعب بالمسميات الجديدة من أسباب الفساد الذي ملأ الأرض
  • ما هو صاروخ "فاتح 110" الذي قصف به حزب الله تل أبيب؟
  • عبد الله بن زايد: رؤية الإمارات لمستقبل الإنسان هي رؤية طموحة مبنية على أسس التنمية وضمان الحياة الكريمة المستقرة والمستدامة
  • عبد الله بن زايد: رؤية الإمارات لمستقبل الإنسان مبنية على ضمان الحياة الكريمة
  • خالد الجندي: الحرية تكمن في الانقياد لله والتحلي بالقيم الأخلاقية التي تحمي المجتمع
  • القوى العاملة بالقليوبية تعلن توفير 225 فرصة عمل برواتب مجزية
  • وزير السياحة: المعرض السياحي في لندن فرصة ذهبية لتعزيز الاقتصاد الوطني
  • منير مراد.. من هو شهيد فلسطين الذي دعا لمصر قبل وفاته؟
  • نورهان حشاد تكتب: بالحب تزهو الحياة
  • بصواريخ نوعيّة... ما الهدق الإسرائيليّ الذي قصفه حزب الله؟