جابر حسين العماني
jaber.alomani14@gmail.com
المُتأمل في حياة العظماء والناجحين والمبدعين، في شتى المجالات الاجتماعية والأسرية المختلفة، يرى أنَّ حقيقة نجاحهم وتألقهم وإبداعهم، تكمن في استثمارهم للفرص الذهبية، واستغلالها الاستغلال الأمثل والأكمل والأجمل، على عكس الفاشلين في الحياة، فهم لا يستثمرون الفرص الذهبية ولا يغتنمونها، مما يسبب لهم مزيداً من التخلف والجهل والفشل في حياتهم.
عندما يقتنص الإنسان الفرص الذهبية، فهو يستطيع الوصول إلى النجاح والإبداع، وتحقيق الإنجازات في شتى المجالات الحياتية، خصوصًا إذا أصبح الإنسان قادرًا على معرفة أسرار النجاح وكيفية التفوق، ومن تلك الأسرار الثمينة والعظيمة: استثمار الفرص الذهبية التي تمر في الحياة، والتي باستثمارها يصبح الإنسان قادرًا وبشكل أفضل وأكمل وأجمل على خدمة نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه.
وقد روي عن أمير المؤمنين ومولى الموحدين وسيد المتحدثين الإمام علي بن أبي طالب قال: «وَاَلْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ اَلسَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ اَلْخَيْرِ» وقال في مكان آخر: «مَاضِي يَوْمِكَ فَائِتٌ، وَآتِيهِ مُتَّهَمٌ، وَوَقْتُكَ مُغْتَنَمٌ، فَبَادِرْ فُرْصَةَ اَلْإِمْكَانِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَثِقَ بِالزَّمَانِ»، وهنا حث واضح وصريح من خليفة المسلمين العادل، على أهمية الاهتمام ببناء المستقبل وعدم الالتفات إلى الماضي، وكما قال أجدادنا الكرام: انظر إلى أمامك ولا تنظر إلى أقدامك، لذا ينبغي على الإنسان أن يعيش أيامه مستثمرا للفرص الذهبية التي تمر به ليستطيع بناء حاضره ومستقبله.
التقيت ذات مرة بأحد التجار المؤمنين الصالحين من الناجحين والمتفوقين في عالم التجارة، ومن يمتلكون اليوم الكثير من المحلات التجارية المعروفة والتي يشار لها بالبنان، سألته سؤالا صريحا، وكان الهدف من السؤال الاستفادة من تجربته والاستشارة في مجال التجارة وكيف يستطيع الإنسان جمع المال الحلال الخالي من الحرام، وانطلاقا من الوصايا النبوية كما قال الإمام علي عليه السلام: "سُئِلَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْمِ، قَالَ: مُشَاوَرَةُ أهْلِ الرَّأْي، ثُمَّ اِتِّبَاعُهُمْ". وبما أنَّ التاجر من أهل الرأي والتجارب الناجحة كان سؤالي له الآتي: يا عم؛ كيف استطعت جمع الأموال الطائلة التي تمتلكها الآن؟ أخبرني عن تجربتك؟ ابتسم لي ابتسامة عريضة، ثم أجاب قائلا: (أولا): بالتوكل على الله و(ثانيا): بالصدقة للفقراء والمساكين، و(ثالثا): باغتنام الفرص الذهبية في الأسواق وعدم تفويتها واقتناصها بقدر الاستطاعة، وهذا كله جعلني بحمدالله تعالى من المتفوقين والناجحين في عالم التجارة بفضل من الله تعالى.
إن الاسلام العظيم، وجهنا إلى الكثير من الفرص والمنح والهبات، ليستطيع الإنسان من خلالها الدخول إلى الجنة، ولكن مشكلة البعض الكسل والتسويف والتردد عن الإمساك بتلك الفرص، ومن المؤسف أن البعض يظن أن الله تعالى أعطاه العمر المديد، وأن الوقت لا زال متاحا له لاستثمار الفرص في المستقبل، وهنا يقع الإنسان في فخ الشيطان الرجيم الذي يبعده ويغويه عن فعل الخيرات واستثمارها بالشكل المطلوب.
وأهم رصيد يمتلكه الإنسان في عالم الحياة هو شبابه، لذا ينبغي عليه استغلال فرصة مرحلة الشباب في اقتناص الفرص الذهبية في الحياة، وهنا نستحضر الوصايا الخمسة الرائعة التي صرح بها سيد الأكوان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي من الوصايا المحمدية الخالدة التي أوصى بها أبي ذر رضوان الله عليه فقال: "يَا أَبَا ذَرٍّ! اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ؛ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتكَ قَبْلَ سقْمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتكَ قَبْلَ مَوْتِكَ".
فعلى الإنسان أن يعلم أن مرحلة الشباب قبل الهرم، والصحة قبل السقم، والغنى قبل الفقر، والفراغ قبل الشغل، والحياة قبل الموت، كلها فرص ذهبية أوصى بها إسلامنا المحمدي الحنيف، لذا يجب استغلالها واستثمارها الاستثمار الحقيقي الذي من خلاله يستطيع الإنسان الوصول إلى الحياة السعيدة والهادئة، بعيدا عن المنغصات الحياتية التي قد تصيب الإنسان في أي لحظة لا سمح الله.
وينبغي للإنسان أن يكون يقظًا ومنتبهًا ومتأملًا، وأن يسأل ضميره في كل يوم، يا ترى ما الذي ميز العلماء أمثال إنشتايين وإسحاق نيوتن، واللاعبين المشهورين في الملاعب العالمية أمثال كرستيانو وميسي ونيمار؟ وما الذي ميّز أساتذة الجامعات والمفكرين وأصحاب الهمم في العالم من الناجحين والمتفوقين من أهل الإبداع؟ إن الذي ميزهم هو حرصهم على استغلال الفرص الذهبية واستثمارها في الحياة بالإرادة والشغف والسعي لتحقيق الأهداف.
وأخيرًا.. يقول الله تعالى في سورة النجم: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41)" صدق الله العلي العظيم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وصفة إلهية لتحقيق النجاح والطمأنينة في الحياة.. لا تفوتها
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إن قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} يُجسد المعنى الحقيقي للتوكل على الله، موضحًا أن التوكل يعني أن يعتمد الإنسان في كل شؤونه على الله سبحانه وتعالى، إيمانًا بأنه لا حول ولا قوة إلا به، وأنه القادر على تحقيق المقاصد وتلبية المطالب.
وأكد جمعة أن النبي ﷺ كان النموذج الأسمى في التوكل على الله، حيث كان يقول دائمًا: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ»، مشيرًا إلى أن هذا يُعلمنا أهمية استشعار قرب الله في كل أمور حياتنا، وأن نطلب ما نريد من الله وحده، لأن الاعتماد على غيره يُخرج الإنسان من دائرة التوكل الحق.
طلب الحاجات باسم اللهوأشار جمعة إلى أن طلب الحاجات باسم الله أمر عظيم، مستشهدًا بموقف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كان إذا طُلب منه أمر باستخدام عبارة "بالله عليك"، كان يفعله تعظيمًا لاسم الله، حتى لو حاول البعض خداعه بهذه الطريقة. وكان يقول رضي الله عنه: "مرحبًا بمن خدعني في الله".
وأضاف جمعة أن الدعاء بالله، سواء كان مباشرة من الله أو باستخدام اسمه مع البشر، يعكس إخلاص العبد في توجهه إلى الله، وهو ما تشرحه الآية الكريمة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، مؤكدًا أن هذا الإخلاص يحتاج إلى تدريب النفس وتهذيبها للوصول إلى هذا المستوى من التوكل والإيمان.
أثر الدعاء على الإيمانوأوضح جمعة أن الدعاء باب عظيم لزيادة الإيمان، لأن استجابة الله للدعاء تجعل العبد يشعر بلذة القرب من الله وثباته في الإيمان، وقال: "عندما ندعو الله ونرى استجابته، نتأكد من وجوده سبحانه وتعالى، ونزداد تمسكًا بالإيمان".
وأضاف أن المؤمن يتميز عن غيره بأنه يُجرب لذة الإيمان يوميًا من خلال الصلاة، الذكر، والدعاء، مؤكدًا أن قوله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} دليل واضح على الراحة والطمأنينة التي يجدها المؤمن في ذكر الله.
علاقة الذاكرين باللهوتابع جمعة أن حالة الذاكرين الذين يعيشون معاني الإخلاص لله، تجلب لهم عناية إلهية خاصة، مشيرًا إلى الحديث القدسي: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أحسن ما أعطي السائلين». وأوضح أن هذه الحالة تتحقق بإخلاص العبادة لله والتوكل الكامل عليه.
واختتم جمعة حديثه بالتأكيد على أن التوكل على الله ليس مجرد كلمات، بل هو منهج حياة يحتاج إلى تربية دائمة للنفس، مشيرًا إلى أن قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} يعني أن الله سبحانه وتعالى هو الكافي لعباده، وهو الذي يحقق لهم ما يطلبون إذا صدقوا في توكلهم عليه.