حميد عنايت يكتب: دولة الملالى.. تصاعد الاحتجاجات ضد فصل الأكاديميين فى إيران
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
لا شك إن تزامن فصل أساتذة الجامعات واعتقال الطلاب وطردهم وإرهابهم وتلك الإجراءات القمعية والأمنية التى تمت داخل الجامعات الإيرانية عشية بدء العام الدراسى الجديد بالتزامن مع ذكرى انتفاضة ٢٠٢٢ لأمر يعكس تخوف نظام الملالى من احتمال حدوث انتفاضة ويكشف ضعفه فى مواجهة الجامعات. وقد تم طرد عدد كبير من الأساتذة من الجامعات فى الأشهر الأخيرة، ويرى الطلبة أن الأجهزة الأمنية تلعب دورًا محوريًا فيما يخص القرارات المتعلقة بالجامعة، وقد حاصرت القوات القمعية الحرم الجامعى.
وفى خضم عمليات التطهير تلك التى أثارت احتجاجات عديدة؛ حاول الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى تبريرها. وفى تقرير أذاعه التليفزيون الرسمى فى ٢٩ أغسطس أعلن رئيسى: «إذا كان بعض الأفراد يعتزمون خرق القانون فإن الجامعة لن تسمح بذلك (!) فهناك من يعمل على دخول الجامعة بقصد خرق القانون والإخلال بالنظام. حسنًا فالجامعات تعمل وفقا لأطر وعندما يتعلق الأمر بالجامعات يجب التأكيد باستمرار على أهمية احترام القانون والالتزام بالانضباط».
وتتم عمليات التطهير وطرد الأساتذة بناء على أوامر من على خامنئى المرشد الأعلى للنظام. ومن بين الوثائق السرية التى صدرت مؤخرًا عن النظام تلك الوثيقة المؤرخة فى ١٠ يناير ٢٠٢٣، وقد وجه فيها أحمد وحيدى وزير الداخلية رسالة إلى رئيسى بعنوان «ملاحظات حول ضرورة اعتماد نهج خاص يتعلق بتعيين أعضاء هيئة التدريس والتصديق على ٥ نقاط صادرة عن اجتماع مجلس الأمن القومى».
وكتب وحيدى فيه: «تعلمنا من الاضطرابات الأخيرة ما يلى: لعب بعض الأساتذة دورًا استفزازيًا بالتحريض على أعمال الاحتجاج وتعطيل الهياكل الطلابية والمشاركة فى أعمال الشغب الجامعية وهو ما كان السبب الرئيسى للأزمة. ففى الجامعات التى تواجد فيها أساتذة مخلصون وثوريون كانت الإدارة أكثر فاعلية. بينما ساد الاضطراب في الجامعات التى لم تكن هيئة التدريس فيها على وفاق مع النظام».
كما يعرض القسم الخامس من هذه الوثيقة النقاط الخمس التى صدق عليها مجلس الأمن فى البلاد فيما يخص الإشراف على الكليات الأكاديمية داخل الجامعات: «٥-١ – سلطة خاصة بالتوظيف لتعيين ٥٠٠٠ عضو فى هيئة تدريس جامعية من قبل وزارة الصحة، و١٠٠٠٠ شخص من قبل وزارة العلوم قبل نهاية ولاية الحكومة الحالية». وكان الهدف هو وضع عدد معين من أعضاء الباسداران وميليشيا الباسيج تحت قبة الجامعات تحت ستار الأساتذة.
فى ٢٨ أغسطس كتب حسين شريعتمدار ممثل خامنئى فى صحيفة كيهان اليومية: «إن هناك عددًا من الأساتذة لم يكتفوا بدعم مثيرى الشغب خلال الاضطرابات فى الخريف الماضى فحسب بل تعاونوا معهم ومع المجرمين أثناء هذه الأحداث أيضًا». و«قد تم طرد هؤلاء مثيرى الشغب بسبب ارتكابهم جرائم ضد العزل بالجامعة. ولاشك أن هذا شكلًا بسيطًا من أشكال العقاب بسبب سلوكهم المستهجن واللا إنساني».
وفى تقرير لتليفزيون النظام قبل هذا الحادث ألقى حسين سلامى قائد فيلق الحرس الثورى الإيرانى، كلمة أمام جمع من قادة الباسيج فى الأول من أغسطس، قائلًا: «إن العدو يهدف بالتأكيد إلى إثارة الاضطرابات مرة أخرى مع ذكرى الثورة». وكما حدث فى الاضطرابات الماضية فى بعض الأحيان يمكن اختراق حاجز كبير عن طريق صدع بسيط. علينا تطوير الأنشطة الاستخباراتية والتعرف على قادة هذه التيارات واحتواء نشاطهم». وقد أكدت السيدة مريم رجوى زعيمة المعارضة الإيرانية أن النظام المريض واللا إنسانى للملالى لن يحقق أهدافه من خلال قمع الطلاب وتطهير أساتذة الجامعات، كما نددت بأساليبهم لقمع الانتفاضات من خلال الاعتقالات واسعة النطاق إذ إن الحملة لن تحميهم من غضب الشباب والطلاب الإيرانيين. وطالبت مريم رجوى الاتحادات الطلابية ونقابات الأساتذة والمثقفين فى جميع أنحاء العالم بإدانة الإجراءات القمعية التى يمارسها النظام ضد الجامعات وحثتهم على التضامن مع الطلاب والأساتذة الإيرانيين.
معلومات عن الكاتب:
حميد عنايت.. عالم سياسى، متخصص فى القضايا الإيرانية، يدعم المعارضة الإيرانية الديمقراطية«NCRI».. يعرض فى مقاله، ما يعانيه أساتذة الجامعات والطلاب فى إيران والتدخلات الأمنية الفجة لتعيين عناصر تابعة لأجهزة الأمن ضمن هيئات التدريس الجامعية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أساتذة الجامعات الإيرانية
إقرأ أيضاً:
تامر أفندي يكتب: نجم البشرية يأفل.. تاريخ بلحية وعالم جديد بلا أثر ولا آثار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لما خلق الله آدم كانت محاجاة الملائكة فى قوله تعالى: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"، وكانت كلمات الملائكة مبنية على ما شاهدوه من خلق قبل بنى الإنسان، ومن ثم سينتهج البشر نهج من قبلهم، وهنا كان التكليف الإلهى فى جعل الإنسان خليفة يحمل أمانة الإعمار، وتحقق ذلك عبر قرون عاشتها البشرية ووصل الإنسان إلى أسرار الكون واستطاع فك شفراته فأنشأ حضارات وتقدم فى شتى صنوف العلم بعدما كان بدائيًا يحيا حياة الغابات.
لكن ما لبث ذلك الإنسان إلا وانقلب على عقبيه وبات يدمر ما بناه من حضارات ويمحى ما تركه من أثر وأثار ليضل من بعده قلا يجد أثرًا يقتفيه ولا آثارًا يهتدى بها لعلم من سبقه فيبنى عليه علومه مستقبله.
فهل بدأ نجم البشرية فى الأفول وأصبح الإنسان عدو نفسه؟
غريبة بعض الشئ تلك المعضلة إذ كيف للعقل الذى بنى أن يهدم إلا إذا تم العبث بثوابته وبات العقل بلا عقل، ففى مناقشة على صفحات التواصل الاجتماعى بين بعضًا من بنى البشر عن ضرورة الحفاظ على آثار سوريا وعدم تعرضها لما آلت إليه الأمور من قبل فى العراق، كانت التعليقات تؤكد أننا على مقربة من الطوفان وأن أفول البشرية قادم لا محالة، فقد كتب أحدهم يقول: "إن ما تدعونه آثارًا ما هى إلا أصنامًا لم تستفد منها البشرية فى شئ وإلا لكان الخليل ترك تلك الأصنام فى معبد النمرود وقال إنما هى آثار".. لم تقف "شطحات رواد فضاء "الفيس" عند هذا الحد لكن زاد أحدهم كما نقول "الطين بلة" وقال: "نحن ننتهج نهج النبى فى فتح مكة، فنهدم اللات والعزى".. هنا قد وصلنا.. لم نكتف بهدم الآثار بل حرفنا حتى الدين على هوانا.
من الممكن استيعاب فكرة أن العالم الجديد يُقدم على فكرة طمس معالم الحضارات القديمة أو السرقة منها لنسب علمها إليه أو لإدعاء أن دوله ذات جينات تاريخية، كما يفعل الأمريكان فى الكثير من الدول وكما يفعل غيرهما من البلاد المُسجلة حديثًا فى قسائم الميلاد التاريخية، لكن أن يحرق الابن شهادة نسبه لكى لا يتصل بالماضى فهذا الأمر يحتاج إلى تحليل.. وحدها "مصر" التى تعى وتقدر قيمة آثارها وتنوعها وإن كنا لم نستفد علميًا بهذا الزخم على القدر الذى استفدنا به مكانة سياحية وترويجية وهذا لا يجعلنا نغفل أن هناك بعض العبث بتلك الآثار لكنها تصرفات فردية لا تصل إلى وصفها "تدمير".
والتدمير لا تصنعه فقط الحروب بل إنه يبدأ من تجريف العقول.. ومن ثم فالنتيجة واحدة سواء لحرب أو إرهاب أو تشدد دينى أو جهل.. نهاية واحدة وهى تلاشى أمم ومن يسقط من صفحات التاريخ لا يعود ولا يُمكن تذكره.
وإذ نناشد أنفسنا والشعوب بحماية آثارهم ومعرفة قيمتها التاريخية ولست أجد هنا أبلغ مما قاله كارستن نيبور، إذ يقول: "من يعيد الأشياء المطمورة إلى الوجود ينعم وكأنه خَلَق"، هذا عن إعادة إكتشافها فما بالك بمن صنع تلك الحضارات؟!.
قبل ٧ سنوات صدر كتاب مُهم للدكتور خالد عزب، بعنوان «الآثار... شفرة الماضي... اللغز والحل»، وفيه يقدم تأريخًا لعلم الآثار وارتباطه بصناعة التاريخ البشري، مبينًا فى مقدمته أن هذا العلم يهدف إلى الحفاظ على المكتشفات التى تعود إلى الماضى السحيق، وكذلك الماضى القريب بالكشف عنها وحفظها، لكن حدوده لا تقف عند ذلك، بل تتجاوزه إلى محاولة فهم المعرفة الإنسانية وتطورها، فالمواد التى يعثر عليها علماء الآثار لا تخبرنا بمفردها بكل شيء، وعالم الآثار يضع افتراضات وتساؤلات ليصل إلى رؤية لما تم الكشف عنه؟
من هنا تأتى الإثارة الناتجة من هذا العلم... كيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟ بين هذين التساؤلين مساحة واسعة، سواء من حيث الزمن، أو المعرفة، أو التطور الذى عرفته الإنسانية، ويكمن دور علم الآثار فى سد الفجوة بين التساؤلين السابقين، ليس هذا فحسب بل إن علماء الآثار من خلال قراءتهم للنقوش وعثورهم على قطع أثرية وحفريات بوسعهم أن يدلوا بدلوهم حيال العديد من الروايات الدينية التاريخية التى يرددها الناس باعتبارها حقائق لا تقبل النقد ولا النقض، ولا يصبح من المستساغ أن تظل هذه الروايات متداولة رغم أن الأثريين برهنوا على عدم صحتها، أو على الأقل هزوا ثباتها، أو على الأقل جعلوها موضع مساءلة أمام أفهام المعاصرين.
فى النهاية يا عزيزى ما تهدمه ليس حجرًا ولكنه جزء منك ومن البشرية.. أثرك الذى بدونه لن يكون لك مستقبلك.. خطوات أجدادك التى إن محوتها لن يكون لك نسبًا ولا وزنًا.. فأوراق الشجر لا تنبت بدون جذع.. إنها بقايا مدن اندثرت كانت فيها حضارات وشعوب وأشخاص، كل معلم من المعالم الأثرية يفتح نافذة على حقبة تاريخية انقضت ويفتح نافذة لحقبة تاريخية تبدأ.. فلا غدٍ بدون أمس يا أيها "اليوم".