ألفونس مورا يكتب: معركة النفوذ.. العلاقات الفرنسية - الأمريكية فى مواجهة الانقلاب بالنيجر
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
لا تلتقى واشنطن وباريس فى أفريقيا حيث تتصادم رؤيتان ونهجان مختلفان وتثير الأزمة فى النيجر تساؤلات تتجاوز حدود القارة الأفريقية وفى الحقيقة، معركة النفوذ بين أختين غير شقيقتين تؤجج المشاعر وتفتح الباب أمام سوء الفهم كما أن الأمور اليقينية التى كنا نعلمها بالأمس تتغير ولكن دون أن تختفى.
حب قديم
إن الرومانسية بين فرنسا وأمريكا ليست بجديدة.
فرنسا وأفريقيا
فى الحقيقة، يعمل الانقلاب فى النيجر الذى أعقبه الآن انقلاب آخر فى الجابون وذلك لأن الأمور تتحرك سريعا فى أفريقيا السوداء على تآكل العلاقات الفرنسية الأميركية وأدانت فرنسا الانقلاب وكذلك فعلت الولايات المتحدة، لكن أوجه التشابه تنتهى عند هذا الحد؛ ففى حين تأمل فرنسا، من الناحية المثالية، العودة إلى الوضع الذى كان قائمًا من قبل، فإن الولايات المتحدة تتحدث بشكل واقعى مع المجلس العسكرى. فالبرودة الأمريكية تزعج الدبلوماسيين الفرنسيين وتزيد من انعدام الثقة بين البلدين ولا ننسى أيضا أن فرنسا، كما كانت الحال فى القرن الماضى، تضع ثقة عمياء فى المنظمات الدولية، وهذه المرة فى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس». ويمكن للمنظمة المذكورة أن تتدخل عسكريا لمحاولة وقف المجلس العسكرى بقيادة عبد الرحمن تشيانى.
وقال إيمانويل ماكرون إنه مستعد للنظر فى طلب المساعدة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا للتدخل فى النيجر. لقد كانت الولايات المتحدة أكثر مراوغة بشأن هذه القضية ويبدوأنها تخجل من مثل هذا الاحتمال. أدت زيارة فيكتوريا نولاند للبلاد إلى محاولة لتهدئة الأمور، حيث يريد الأمريكيون العمل كوسطاء بين المجلس العسكرى والرئيس السابق. وفى واقع الأمر، فإن الأمريكان أكثر قلقًا بشأن نموالنفوذ الصينى أوالروسى فى المنطقة أكثر من إهتمامهم بعودة الحال كما كان عليه وهوأمر غير محتمل ويجب أن نتذكر أن الأمريكيين عمومًا يتمتعون بسمعة طيبة فى أفريقيا.. ومما لا شك فيه أنها تتمتع بسمعة أفضل من القوى الاستعمارية السابقة بما فى ذلك فرنسا. وفى منطقة الساحل ليس الأمر ضد «الأشخاص البيض»، بل هوضد الاستعمار الجديد كما أن الولايات المتحدة، منذ استقلالها، كانت تبتعد دائمًا عن أوروبا وخطاياها وكثيرًا ما تلعب الدبلوماسية الأميركية بهذه الورقة: «نحن لسنا أوروبيين».
قطعة من أفريقيا مقابل قطعة من أوروبا
نحن نعيش فى كوكب متصل بشكل متزايد. ومن الناحية الجيوسياسية، فإن الأزمات مرتبطة ببعضها البعض على الرغم من تباعدها الظاهرى. ويتعين على فرنسا أن تتعامل مع الأمر من بدايته، وقد فعلت ذلك. استخدم ماكرون حق الفيتو(بشكل غير رسمى بالطبع، هذا البند غير موجود رسميًا) – أمام فيونا سكوت مورتون. وسوف يتولى الاقتصادى الأمريكى رئاسة الإدارة العامة للمنافسة فى الاتحاد الأوروبى.
بالنسبة للعديد من أنصار الأطلسى، أظهرت فرنسا مرة أخرى كبرياءها وتجاوزاتها، فهى لا تفهم أنها لم تعد أمة عظيمة وأنه يجب عليها الامتثال لأوامر واشنطن. تعزيز العلاقات عبر الأطلسي؟ لم لا؟ ولكن لماذا دائما على حساب جانب واحد من المحيط الأطلسى ولصالح الجانب الآخر؟ سؤال لا تتم الإجابة عليه غالبًا.
هاجمت سكوت مورتون فرنسا فى مقابلة مع صحيفة التلجراف. ووفقا للسيدة، فقد قالت إنه من المحزن أن المجتمع الفرنسى يخشى السماح لأمريكى بالعمل فى الاتحاد الأوروبى. إن عصيان فرنسا للأوامر غير مفهوم على الإطلاق، والأسوأ من ذلك أنه غير مقبول. ربما لا تعلم السيدة سكوت مورتون ذلك، لكن الأمريكيين احتفظوا بسفارتهم فى فيشى وهناك ثوابت فى التاريخ.
ولكن فى وزارة الخارجية الفرنسية على الرغم من التحول الأميركى طيلة عقدين من الزمن يدرك أفضل الدبلوماسيين أن مكانة فرنسا ليست على المحك لا فى فلاندرز ولا فى منطقة الساحل. إن فرنسا تبدوكقوة متوازنة، إن فرنسا تبدومتحالفة ولكنها غير منحازة، إنها فرنسا التى تلهم العالم وتوجهه. وتستطيع فرنسا أن تعقد مؤتمرًا دوليًا كبيرًا مع البرازيل والهند والصين وتوقف القتل فى الشرق، فهى الوحيدة فى العالم التى تستطيع فعل ذلك. وإذا صح الأمر بأنها لا تزال حاسمة فى عام ٢٠٢٣، فليس من المؤكد أنها ستكون كذلك فى عام ٢٠٣٣.
موسكو والحرب ضد الإمبريالية
من دونباس إلى الساحل، هناك خطوة واحدة فقط. وبطبيعة الحال، تستغل روسيا المشاعر المعادية لفرنسا فى المنطقة. ولكن سيكون من الخطأ تمامًا القول أنها فعلت ذلك. لقد دافعت روسيا خلال الحرب الباردة عن تحرير أفريقيا ضد المستعمر، وهذا ما يتذكره الأفارقة. ومع ذلك، لم تكن الوحيدة. فقد فعلت أمريكا الشيء نفسه: فقد وجدت فى البرتغال السالزارية حليفًا ضروريًا ولكنه مرهق. وحاولت واشنطن إقناع لشبونة بضرورة التخلى عن المقاطعات الأفريقية ولكن دون جدوى.
ومع ذلك، لعب الأمريكيون على جميع الجبهات. ففى أنجولا، على سبيل المثال، قاموا بتسليح وتمويل UNITA على الرغم من تحالفهم مع البرتغاليين، لمواجهة الحركة الشعبية لتحرير أنجولا، المدعومة من موسكو. ولا جديد تحت الشمس هنا. فيواصل الروس الدفاع عن مصالحهم والأمر نفسه ينطبق على الأميركيين. فماذا عن الفرنسيين؟ هل لا زال لديهم اهتمامات أم أنها مجرد مثاليات ؟.. ويبين لنا مثلث بروكسل-نيامي- دونيتسك مدى تعقيد العالم الذى نحاول تبسيطه فى كثير من الأحيان. وفى أوروبا وأماكن أخرى، يشعر الناس بالتعطش لفرنسا.. ويبقى على فرنسا أن تفهم هذا وأن تفهم نفسها ولا تتوقف أبدا عن الوصول لما تريد أن تكون عليه.. وفى الحقيقة، يعتمد استقرار العالم على هذا المبدأ.
معلومات عن الكاتب:
ألفونس مورا.. خبير فى القضايا الاستراتيجية والجيوسياسية، وقبل كل شىء عالم سياسة برتغالى ومؤرخ يتابع بجدية السياسة الفرنسية والأوروبية وتطور العالم متعدد الأقطاب فى مواجهة العولمة الغربية.. يكتب تحليلًا حول تعارض المصالح بين واشنطن وباريس فى القارة الأفريقية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: واشنطن أفريقيا الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
خاص لـ عربي21 هذا هدف الغارات الأمريكية البريطانية وسط اليمن
أسفرت غارات جوية شنتها طائرات يعتقد أنها أمريكية، الثلاثاء، عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف جماعة "أنصار الله" الحوثيين في محافظة البيضاء، وسط اليمن.
وأفاد مصدر يمني مطلع أن طائرات من دون طيار استهدفت مركبتين تابعتين لجماعة الحوثيين في محافظة البيضاء 276 كلم جنوب شرق صنعاء، أوقعت قتلى وجرحى في صفوف مسؤولين عسكريين في إطلاق الصواريخ.
وقال المصدر لـ"عربي21" مفضلا عدم ذكر اسمه، إن إحدى الغارات استهدفت مركبة تقل عناصر حوثيين مختصين في إطلاق الصواريخ في مديرية الصومعة، الواقعة إلى الجنوب من مدينة البيضاء ( المركز الإداري للمحافظة ذات الاسم نفسه).
وأسفرت الضربة وفقا للمصدر عن إصابة من كانوا فيها وعددهم خمسة أشخاص، الذين ترجلوا من المركبة قبل الاستهداف، مضيفا أنه تم نقلهم إلى مركز المحافظة للعلاج بعد الإصابة.
فيما ذكرت قناة المسيرة التابعة للحوثيين أن غارة للعدوان الأمريكي البريطاني استهدفت سيارة مدنية في مديرية الصومعة بمحافظة البيضاء ( وسط البلاد).
وحصلت" عربي21" على صورة المركبة المستهدفة والنيران تلتهمها بعد استهدافها بالغارة الأمريكية.
أما الغارة الثانية، فأشار المصدر اليمني المطلع إلى أنها استهدفت مركبة أخرى في مديرية ذي ناعم، غربي البيضاء، أدت إلى مقتل من كانوا فيها.
ولم يتسن لـ"عربي21" الحصول على تعليق فوري من قيادات في جماعة الحوثيين حول ما أورده المصدر، لكن جرت العادة أن تتكتم الجماعة عن التعليق عن هكذا تفاصيل.
ومحافظة البيضاء، لم تكن بمنأئ عن الضربات الجوية لتحالف "حارس الازدهار" الذي تقوده واشنطن، بل سبق أن تعرضت مناطق عدة فيها لعشرات الضربات، وكان أهمها الغارات التي استهدفت موقعا عسكريا قرب المعهد المهني والصناعي (تعليمي حكومي) في مديرية الصومعة، في يونيو/ حزيران الماضي.
وقد أدت تلك الغارات عن مقتل أربعة عناصر من الحوثيين بينهم قيادي يدعى "عبدالله الكحلاني" المكنى بـ"أبو علي"، حسبما ذكره مصدر حينئذ لـ"عربي21".
وتضامنا مع غزة التي تتعرض لحرب إبادة إسرائيلية بدعم أمريكي، يستهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، كما ينفذون هجمات بصواريخ ومسيّرات على الأراضي المحتلة، بينها عمليات استهدفت تل أبيب.
ومنذ مطلع العام الجاري، يشن تحالف تقوده الولايات المتحدة غارات يقول إنها تستهدف "مواقع للحوثيين" في مناطق مختلفة من اليمن، ردا على هجماتها البحرية، وهو ما قوبل برد من الجماعة من حين لآخر.
ومع تدخل واشنطن ولندن واتخاذ التوتر منحى تصعيديا في كانون الثاني/ يناير، أعلنت جماعة الحوثي أنها باتت تعدّ السفن الأمريكية والبريطانية كافة ضمن أهدافها العسكرية.