شهر أيلول يختصر قصة الصراع في اليمن
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
شهر أيلول/ سبتمبر استثنائي في التاريخ المعاصر لليمن، ففي 26 أيلول من عام 1962، تمكنت ثلةٌ من العسكريين والسياسيين اليمنيين وبمساعدة مصرية سخية، من الإطاحة بالإمام الزيدي محمد البدر، ثالث الأئمة الذين حكموا شمال اليمن بعد نهاية حكم الدولة العثمانية إثر هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ولم تستمر فترة حكمهم أكثر من 44 عاماً، بقي فيه هذا الجزء من البلاد في عهدهم غارقاً في الظلام والجهل والتخلف والمرض، محكوماً بأنانية سلطوية كانت تنزع إلى الاستئثار بكل شيء، وإلى ممارسة ما يشبه العقاب الجماعي على شعب لم تكن تراه النخبة الإمامية السلالية جديراً بالحياة وبإنجازات العصر التي كانت شعوب المنطقة والعالم تتمتع بها.
بعد ستة عشر يوماً من الآن ستحل الذكرى الـ61 لثورة أيلول/ سبتمبر، التي أنتجت فيما بعد ثورة 14 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1963 ضد الاستعمار البريطاني في عدن وانتهت باستقلال جنوب البلاد في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967. ولهذا يشار إلى هذه المناسبات الثلاث بـ: أعياد الثورة اليمنية الخالدة، وهي كذلك بالفعل لأن التحول الذي شهدته البلاد بعد هذه المحطات التاريخية الفاصلة كان في غاية الأهمية، لأنه ببساطة أعاد فرض اليمن على الخارطة الدولية وأعاد وصل اليمنيين بالعالم وجعلهم على تماس بالحضارة الإنسانية، وبمظاهر لطالما افتقدوها، عدا ما كانت تنعم بها مستعمرة عدن البريطانية، بصفتها أكثر مدن شبه الجزيرة العربية تحضراً وازدهاراً في منتصف القرن الماضي.
كم في صنعاء نخبةٌ طائفيةٌ مسكونةٌ بإعادة بعث الإمامة الزيدية الشيعية، بأي ثمن، وتعتقد أن لديها فرصة مواتية، مع أنها تدرك أنه ما من قابلية لدى الشعب اليمني لإعادة التعاطي مع هذا المشروع السياسي الكهنوتي البائد، لذا لجأت إلى سلاح أسلافها المعهود المتمثل في العنف وسفك الدماء، ودورات التجريف الطائفية لتأمين حاضنة شعبية
اليوم تتحكم في صنعاء نخبةٌ طائفيةٌ مسكونةٌ بإعادة بعث الإمامة الزيدية الشيعية، بأي ثمن، وتعتقد أن لديها فرصة مواتية، مع أنها تدرك أنه ما من قابلية لدى الشعب اليمني لإعادة التعاطي مع هذا المشروع السياسي الكهنوتي البائد، لذا لجأت إلى سلاح أسلافها المعهود المتمثل في العنف وسفك الدماء، ودورات التجريف الطائفية لتأمين حاضنة شعبية مفترضة، وهي مهمة تُوَاجَهُ بتحدٍ كبير.
وهذه الجماعة تتكئ في طموحتها على المؤامرة الإقليمية والدولية التي تتعمد التعامل معها كجماعة سياسية وطنية، والاستمرار في عرض مروحة سخية من الخيارات السيئة بالنسبة لليمنيين، والتي تبدأ بفرض شراكة مع هذه الجماعة، وتصل إلى حد التفاوض على فرضها كسلطة أحادية.
تتظاهر هذه الجماعة الطائفية الموتورة باحترام رموز النظام الجمهوري، بدءاً بالشعار والعلم وانتهاء بمنظومة القوانين المعبر عن جوهر هذا النظام الذي لا يزال ممتداً اسمياً في شكل السلطة المفروضة بقوة السلاح في صنعاء، غير أن الممارسات اليومية لقيادات الجماعة تُظهر حقداً كبيراً على النظام الجمهوري والإساءة لرجاله ومناضليه.
وقد تعمدت تحوير الرمزية الوطنية والنضالية والتاريخية للنصب التذكاري لشهداء الثورة والجمهورية الموجود في ميدان السبعين بوسط العاصمة صنعاء، ليصبح قبراً لأحد قادة الجماعة ومزاراً يُذَكِّرُ اليمنيين بالانتكاسة الكبرى التي تسبب بها علي عبد الله صالح ومنظومته السلطوية العسكرية والمدنية والقبائلية، وتذكِّرهم أيضاً بالخيانة التي مارسها عبد ربه منصور هادي، الرئيس المنتخب بعد ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011.
لقد سخّرت دول الإقليم إمكانياتها الهائلة لدعم وصول جماعة الحوثي وانتصار مشروعها الطائفي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فقد اختلطت أجنداتها على الساحة اليمنية منذ حرب صيف 94، بدوافع ثأرية وكيدية وبمنطق تصفية الحسابات البينية.
ذلك أن إغراءات ضعف ووهن الدولة اليمنية، ربما دفع بعض جيرانها إلى الاستثمار في تهيئة الأرضية لتصادم طويل الأجل بين التركة الإمامية الشيعية وبين النظام السياسي الجمهوري المعاصر الذي يؤمن به اليمنيون، رغم الثمن الفوري الذي دفعه هذا البعض، بذلك الانكشاف الخطير في عمقه الاستراتيجي، أمام معركة متعددة الأطراف إقليمياً ومتضادة الأهداف جيوسياسياً، تدور على الساحة اليمنية أو تتوسلها.
يعيدنا شهر أيلول/ سبتمبر إلى جوهر الأزمة والحرب في اليمن، فالحرب لا يمكن أن تُحسم بتسوية تقليدية تعيد وضع السلطة بين يدي الجميع، لأن الديمقراطية وصندوق الاقتراع وإرادة الناخبين، لن تكون ضمن مصفوفة الحل ولا وسيلته لبلوغ مرحلة السلام، ما دام أن هذه التسوية ستتعاطى مع الحقائق العسكرية والسياسية الراهنة كنتائج مقبولة للحرب، لأن من شأن ذلك هيمنة المشروع الطائفي لجماعة الحوثي
على أن الجريمة التي ارتكبها قادةٌ أبرزهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح ومن سكت من رجال عهده الذين حكموا معظم العهد الجمهوري، هي في تقديري الجريمة الكبرى التي فتحت المجال للتغول الخارجي، وساهمت في إعادة وضع اليمنيين أمام تحدي المواجهة المكلفة جداً مع المشروع الإمامي الشيعي، فقد قام صالح ورجاله بخديعة اليمنيين، عندما أقنعهم بأن الحوثيين مجرد "قفاز" وواجهة لإعادة استعادة السلطة لا أكثر.
أما الرئيس هادي ورجاله فقد تصرفوا إزاء التحديات التي طاولت الدولة اليمنية الواقفين في هرمها، بعقلية "النازح المحايد" من حرب 13 كانون الثاني/ يناير1986، بخذلان مقصود وخيانة صريحة، أو بأنانية العاجز الذي تمنى أن لو انتهى الأمرُ بهزيمة الجميع، بما يسمح بالعبور الآمن فوق حقول ألغام السلطة التي تسلموها في صنعاء واكتفوا بالتصرف الشخصي بعوائدها المالية دون إبداء أي استعداد للتصرف كقادة وطنيين.
يعيدنا شهر أيلول/ سبتمبر إلى جوهر الأزمة والحرب في اليمن، فالحرب لا يمكن أن تُحسم بتسوية تقليدية تعيد وضع السلطة بين يدي الجميع، لأن الديمقراطية وصندوق الاقتراع وإرادة الناخبين، لن تكون ضمن مصفوفة الحل ولا وسيلته لبلوغ مرحلة السلام، ما دام أن هذه التسوية ستتعاطى مع الحقائق العسكرية والسياسية الراهنة كنتائج مقبولة للحرب، لأن من شأن ذلك هيمنة المشروع الطائفي لجماعة الحوثي الذي لا يقبل القسمة مع أحد، وهي وصفة كارثية ومدخلاً لدورات من العنف، لا يمكن أن يبقي معها جيران اليمن سعداءَ بسيل الدماء دون أن تكتسح آثارُها حدودَهم، وما أيسر ذلك.
twitter.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمنيين الإمامية الثورة الطائفية الحوثيين اليمن الحوثيين الثورة الطائفية الإمامية مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شهر أیلول فی صنعاء
إقرأ أيضاً:
اختراق الإخوان للحركة الطلابية.. تاريخ من استغلال قضية فلسطين واللعب على المشاعر الدينية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نظرت جماعة الإخوان الإرهابية بحقد شديد للكتلة الطلابية فى الجامعة المصرية، وتربصت بها فى وقت مبكر، لما لهؤلاء الطلاب من أهمية كبيرة، فهم وقود الثورات، والمحزون النشط لأي حزب سياسي قوي، والرقم الأصعب فى أى معادلة سياسية.
وبحسب وصف الراحل فكرى أباظة فإن التنظيمات الطلابية كانت جيش الوفد، لذا أرادت الجماعة الوليدة آنذاك أن تدخل عالم الجامعة وتخترق صفوف الطلبة وتسحبهم إلى عالمها لينقضوا على حزب الوفد، الحزب الشعبى الأقوى أمام الملك وضد الإنجليز.
فكرى أباظةوحول ظروف نشأة جماعة الإخوان، رأى المفكر الراحل طلعت رضوان، أن الجماعة تمثل بامتياز نموذجا للوعي الزائف والحل السحري لعودة المحتل الأجنبي، ويعتقد "رضوان" أن نمو الوعي القومي في أعقاب ثورة المصريين 1919 شكلَّ خطرًا كبيرا على الوجود الإنجليزي في مصر، ما دفع المحتل للبحث عن حلول سحرية لمواجهة مثل هذا الوعي بوعي بديل زائف يمكن تغذيته لضمان وجودهم وشعورهم بالأمان، فكان الحل في دعم جماعة الإخوان لتمكين شعارات الانتماء للدين بدلا من الانتماء للوطن الذي يسهل معه الجمع بين كل طوائف الشعب في هدف واحد.
طلعت رضوانكرست جماعة الإخوان الإرهابية بمساعدة بقية التيارات المتطرفة دورها فى اختراق الجامعات وإفراغ الحركة الطلابية من دورها الوطنى، واستغلت التجمعات الطلابية لبث أفكارها، وتجنيد الطلاب الذين جاءوا للجامعة من مناطق بعيدة، لضمان انتشار أفكارهم لكل مكان في ربوع الوطن، خاصة وأن هؤلاء الطلبة هم الذين يتولون الوظائف والمناصب في الدولة.
وفى الوقت الذى نادى فيه طلاب حزب الوفد مثلا بالعودة لدستور ١٩٢٣ ورفض دستور ١٩٣٠، فإن أعضاء الجماعة يتظاهرون أنه لا دستور إلا القرآن، وهى محاولة لضرب الحركة الوطنية التى تحرز مكتسبات وترفض التفريط فيها، لصالح نقل المعركة إلى ساحة أخرى وأن تكون المعركة حول القرآن فتضيع المكتسبات، وتخطو الحركة الوطنية مع الجماعة آلاف الخطوات إلى الوراء.
وفى اللحظة التى يهتف فيها الطلبة للوفد أو للحياة النيابية بتنوعها نلاحظ طلاب الإخوان يرفعون شعار حسن البنا المؤسس والمرشد الأول للجماعة وهو «لا للحزبية»، وهو شعار يروجه لضرب الحياة الحزبية وقطع الطريق أمام أى مكتسبات ديمقراطية لتكون فى صالح الحزب الواحد.
والملاحظ لتاريخ الجماعة، فإن مرشدها الأول نادى بحل الأحزاب، وهي المتنفس الصحي للمشاركة في الحياة السياسية في الأنظمة الديمقراطية، إنما نادى بحلها لصالح الحزب الواحد، والملاحظ أيضا حاليا أن الجماعة انقلبت على أفكار مؤسسها، وأصبح للجماعة حزب أو أكثر في كل دولة، وهو المنطق النفعي الذي تعمل به الجماعة الإرهابية دائما.
استغلال القضية الفلسطينية
ويستطيع المراقب لنشاط وتاريخ الجماعة أن يلمس انتهازيتها ببساطة وطريقها لتخريب الجامعات وتفريغها من دورها العلمى والوطنى وإبطال مفعولها وتحويل طلابها لكتائب غاضبة وحاقدة مستعدة للمشاركة فى المظاهرات وتنفيذ مطالب الجماعة لاستغلالهم فى الصفقات السياسية، وللمزيد من الأضواء حول طريق جماعة الإخوان فى اللعب بمشاعر الطلبة وتحويل قضاياهم لقضايا شكلية، ومن معركة حول تحرير الوطن والنهوض به إلى معركة حول استعادة الخلافة ونصرة الإسلام، والتكريس فى ذهن الجموع باستمرار أن هناك قوى تتربص باستمرار بالإسلام لتقضى عليه مما تجعله مستعدا ومتحمسا للمشاركة فى الجهاد والدفاع عن الإسلام ونصرته، فى تجاهل تام للأوطان التى تسقط سريعا بمثل هذه الأفكار فى يد هذه الجماعات المتطرفة والعميلة.
فى كتابه «الإخوان أحداث صنعت التاريخ»، يعترف مؤرخ جماعة الإخوان محمود عبد الحليم أن تأثيرهم فى طلاب الجامعة كان محدودا للغاية وغير مقنع، فالطلبة لم يستجيبوا للشعارات الكاذبة التى أطلقتها الجماعة حول ما أسموه بـ«الفكرة الإسلامية» وهو مصطلح يحبذون استخدامه للتعبير عن مجمل أفكار ومشروع الجماعات الإسلاموية.
يحكى عبدالحليم، أنه بمشاركة آخرين توجهوا لإدارة كلية الزراعة وكان طالبا بها، للمطالبة بتجديد فرش المُصلى للطلبة لما بها من حصير متهالك.
كما طالبوا بإنشاء مساجد فى الكليات وأولها كلية الآداب، وغير المطالبة بالمساجد تمسك الإخوان بالحديث باستمرار عن القضية الفلسطينية فوجدوا التفاتا شديدا من الطلبة وغير مسبوق مما دفعهم إلى الإطالة والتمسك بموضوع فلسطين لما وجدوه فيها من حيلة وخدعة تنطلى على الطلبة، وهو ما يلفت إليه مؤرخ الإخوان محمود عبدالحليم بقوله إن الإخوان اختصروا كثيرا من الوقت لمجرد أن رددوا هتافات من أجل فلسطين، ولم تختصر فى رأيه الزمن لانتشار الإخوان داخل الجامعة فحسب بل وفرت عليهم الكثير من الخطب والمحاضرات التعريفية.
وقال: «لو ١٠٠ خطيب راح يشرح معانى الفكرة الإسلامية والإخاء والجهاد للناس لما كان له تأثير مثل خطب الجمعة عن بيع فلسطين وواجب إنقاذها وجمع التبرعات لها».
وقفزا إلى الأمام، تاركين مرحلة التأسيس مع حسن البنا وطلاب الجامعة فى مرحلة مبكرة، لنلاحظ بعض الأمور التى استقرت وتكرست بشدة فى ذهن أعضاء الجماعة وهى سحب بساط الطلبة من تحت أقدام أى فكر وطنى أو قومى لصالح فكر يبحث عن القضايا التى لا طائل منها، وهى حماسية وتلعب على المشاعر وليست حقيقية أبدا، فلقد عملت على المطالبة بإنشاء أماكن للصلاة وهتفت فى قضية فلسطين لأنها اكتشفت أن مثل هذه الأمور تزيد من التفاف الطلاب حولها وتختصر لها الوقت اختصارا.
استغلال الطلبة في الصراعات والمؤامرات
حاولت جماعة الإخوان أن تحرج الرئيس جمال عبدالناصر بإطلاق الشائعات وبثها بين الطلبة وبين الفئات الشعبية المحبة للزعيم ناصر، فقالت إنه جعل الإنجليز يحتفظون بقاعدة عسكرية في السويس لضمان عودتهم، ووقفوا يبثون الشائعات ضده أثناء المفاوضات مع الإنجليز، فكانوا ضد الجلاء، وادعوا أنهم يفضلون الكفاح المسلح.
ثورة 30 يونيو ساهمت في تخليص مصر من اختراق الإرهابية للجامعات
ووسط الصراع الدائر بين الجماعة من ناحية وبين الضباط الأحرار من ناحية، جرى تجنيد واستغلال الطلبة ضد المشروع الناصري آنذاك، ولم يشغلهم أن يطلقوا المزيد من الأكاذيب والشائعات لضمان إحراج ناصر أو الوصول إلى السلطة.
شرح علي عشماوي، قائد التنظيم الخاص والمنشق عن الجماعة لاحقا، في كتابه "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين" كيفية استغلال الجماعة لمفاوضات الجلاء من أجل إحراج ناصر، قائلا: "الواقع أن اختلاف الإخوان في هذا الأمر (يقصد الجلاء) كان نابعًا من إحساسهم بخروج عبدالناصر ومن معه على قيادتهم، وقد تم اختيار هذا الموضوع ليكون سببا للصدام لما له من ثقل وطني في حس الناس، مما يعطي للإخوان تأييدًا شعبيًا في صدامهم مع رجال الثورة".
وأضاف: "بدأت المنشورات توزع على الإخوان في الشُعب وفي أماكن تجمعهم تشرح الخلاف من وجهة نظر الإخوان، فقد كانوا يرون أن احتفاظ الإنجليز بقاعدة قناة السويس هو بيع للقضية وأن الإخوان يفضلون الكفاح المسلح".
في مذكرات عشماوي، يلاحظ القارئ الشائعات التي أطلقتها الجماعة بعد مظاهرات عابدين فبراير 1954، منها أن الحكومة تنوي اغتيال المرشد العام، فوضعت الجماعة حراسة له.
المفكر طلعت رضوان: الجماعة نموذج للوعي الزائف والحل السحري لعودة المحتل الأجنبي
تحدث عشماوي تفصيليا عن خطة الصدام ومؤامرة الإخوان لتنفيذ انقلاب دموي يطيح بمجلس القيادة يتمثل في: أولا، تأمين الجيش عن طريق بعض الإخوان الذين كانوا في الخدمة ولا يعلم بهم عبدالناصر، وكان على هؤلاء واجب تحييد الجيش فقط والتأكد من عدم تحرك وحدات أخرى لقمع الحركة الشعبية المخططة. ثانيا، القبض على بعض الشخصيات المهمة والتي لها ثقل عند الصدام، وإذا لم يتمكن من القبض عليهم هناك خطة بديلة لاغتيالهم. ثالثا، قيام جميع الإخوان على مستوى الجمهورية بالاستيلاء على أقسام البوليس والمباني المهمة كلٌ في حدوده مستعينا بأقل عدد من الإخوان المدربين. رابعا، تقوم المجموعات الوافدة إلى القاهرة بالانضمام إلى إخوان القاهرة في عملية الاستيلاء على المباني الحكومية ذات التأثير مثل مبنى الإذاعة، أقسام البوليس، قطع الطرق المؤدية من ثكنات الجيش إلى داخل القاهرة، قطع الطرق الداخلة إلى القاهرة من جهة الإسماعيلية. خامسًا، حصار الطلبة بعد مظاهرات مسلحة للقصر الجمهوري والاستيلاء عليه.
وفي النقطة الأخيرة تجدر الإشارة لانتفاخ الجماعة بعد المظاهرات التي وقفت أمام قصر عابدين ولم تهدأ إلا بعد استعانة الرئيس محمد نجيب بعبدالقادر عودة، أحد قيادات الجماعة، الذي لمحه في الصفوف يلوح بقميص ملوث بالدماء، هذه الحادثة أشاعت وسط الإخوان أن هذه اللحظة كانت فرصة للانقضاض على القصر وإلقاء القبض على مجلس قيادة الثورة، ومن ثم الانفراد بالسلطة، ما سيجعلهم يفكرون بجدية في استعادة هذه الفرصة مجددا.
توحش طلبة الإخوان
وبالقفز إلى مرحلة السبعينيات نلاحظ فى كتاب «عبد المنعم أبو الفتوح شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر» لمؤلفه حسام تمام، فإن أبو الفتوح يحقد لكون الجامعة فى هذه الفترة كانت مليئة بالتيارات القومية والناصرية واليسارية، هى التى تسيطر على الجامعات واتحادات الطلاب فيها وكانت أفكار هذه التيارات خاصة اليسارية بمثابة الصدمة لى ولأمثالى من الشباب البسيط المتدين.
ويروج أبو الفتوح فى شهادته لهذه الصدمة، ويزعم أن هذه التيارات كانت تتعمد العداء للإسلام والسخرية منه وسبه ومثل هذه التهم التى هى من عادة جماعة الإخوان أن تلصقها بأى تيار مخالف لها مهما كان موقفه من الدين، فيقول إن "مجلات الحائط التى يعلقها اتحاد الطلاب تنتقد الإسلام وتخوض فيه بجرأة". وهذا الزعم أيضا يؤيد فكرة تجييش الشباب لما يسمونه بنصرة الإسلام وما هو إلا هجوم على أحزاب مخالفة أو عقد صفقات سياسية.
ويعترف أبو الفتوح أن اللقاء بين تيار الإسلاميين فى الجامعة وشباب التيارات الأخرى ينتهى بفوز الشباب، فيوضح: «كان أن تصادمنا مع اليساريين والشيوعيين فى حوارات كنا الذين ننال الهزيمة فيها غالبا نظرا لثقافتنا القليلة السطحية وعدم خبرتنا بالحوار والجدل النظرى فلم تكن لدينا القدرة على الرد أمام القضايا التى يثيرها هؤلاء الطلاب المثقفون المدربون جيدا على مثل هذه المناقشات».
من ضمن اعترافات أبو الفتوح، ما قاله عن اللجنة الفنية: «هدفنا من الترشح للجنة الفنية والفوز بها هو إيقاف المنكر والانحلال الذى تبثه بين الطلاب ومن ثم عطلنا عملها بمجرد أن فزنا بها، ولا أتذكر لها نشاطا يذكر لسنوات حتى بدأنا وقتها بالأناشيد الثورية والجهادية».
وهكذا فقد كرست جماعة الإخوان الإرهابية بمساعدة بقية التيارات المتطرفة دورها فى اختراق الجامعات وإفراغ الحركة الطلابية من دورها الوطنى والعلمى لصالح الجماعة التى انطلقت لتمكين مشروعها التدميرى لا فى الجامعة فحسب، بل فى الوطن ككل وفى كامل المنطقة، وهو ما استطاعت مصر أن تتخلص منه مع ثورة الثلاثين من يونيو فى العام ٢٠١٣، كى تستعيد عافيتها مجددا بعيدا عن فصيل متواطئ لا يرضى بغير الخراب والتدمير.