عربي21:
2025-04-25@04:32:13 GMT

شهر أيلول يختصر قصة الصراع في اليمن

تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT

شهر أيلول/ سبتمبر استثنائي في التاريخ المعاصر لليمن، ففي 26 أيلول من عام 1962، تمكنت ثلةٌ من العسكريين والسياسيين اليمنيين وبمساعدة مصرية سخية، من الإطاحة بالإمام الزيدي محمد البدر، ثالث الأئمة الذين حكموا شمال اليمن بعد نهاية حكم الدولة العثمانية إثر هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ولم تستمر فترة حكمهم أكثر من 44 عاماً، بقي فيه هذا الجزء من البلاد في عهدهم غارقاً في الظلام والجهل والتخلف والمرض، محكوماً بأنانية سلطوية كانت تنزع إلى الاستئثار بكل شيء، وإلى ممارسة ما يشبه العقاب الجماعي على شعب لم تكن تراه النخبة الإمامية السلالية جديراً بالحياة وبإنجازات العصر التي كانت شعوب المنطقة والعالم تتمتع بها.



بعد ستة عشر يوماً من الآن ستحل الذكرى الـ61 لثورة أيلول/ سبتمبر، التي أنتجت فيما بعد ثورة 14 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1963 ضد الاستعمار البريطاني في عدن وانتهت باستقلال جنوب البلاد في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967. ولهذا يشار إلى هذه المناسبات الثلاث بـ: أعياد الثورة اليمنية الخالدة، وهي كذلك بالفعل لأن التحول الذي شهدته البلاد بعد هذه المحطات التاريخية الفاصلة كان في غاية الأهمية، لأنه ببساطة أعاد فرض اليمن على الخارطة الدولية وأعاد وصل اليمنيين بالعالم وجعلهم على تماس بالحضارة الإنسانية، وبمظاهر لطالما افتقدوها، عدا ما كانت تنعم بها مستعمرة عدن البريطانية، بصفتها أكثر مدن شبه الجزيرة العربية تحضراً وازدهاراً في منتصف القرن الماضي.

كم في صنعاء نخبةٌ طائفيةٌ مسكونةٌ بإعادة بعث الإمامة الزيدية الشيعية، بأي ثمن، وتعتقد أن لديها فرصة مواتية، مع أنها تدرك أنه ما من قابلية لدى الشعب اليمني لإعادة التعاطي مع هذا المشروع السياسي الكهنوتي البائد، لذا لجأت إلى سلاح أسلافها المعهود المتمثل في العنف وسفك الدماء، ودورات التجريف الطائفية لتأمين حاضنة شعبية
اليوم تتحكم في صنعاء نخبةٌ طائفيةٌ مسكونةٌ بإعادة بعث الإمامة الزيدية الشيعية، بأي ثمن، وتعتقد أن لديها فرصة مواتية، مع أنها تدرك أنه ما من قابلية لدى الشعب اليمني لإعادة التعاطي مع هذا المشروع السياسي الكهنوتي البائد، لذا لجأت إلى سلاح أسلافها المعهود المتمثل في العنف وسفك الدماء، ودورات التجريف الطائفية لتأمين حاضنة شعبية مفترضة، وهي مهمة تُوَاجَهُ بتحدٍ كبير.

وهذه الجماعة تتكئ في طموحتها على المؤامرة الإقليمية والدولية التي تتعمد التعامل معها كجماعة سياسية وطنية، والاستمرار في عرض مروحة سخية من الخيارات السيئة بالنسبة لليمنيين، والتي تبدأ بفرض شراكة مع هذه الجماعة، وتصل إلى حد التفاوض على فرضها كسلطة أحادية.

تتظاهر هذه الجماعة الطائفية الموتورة باحترام رموز النظام الجمهوري، بدءاً بالشعار والعلم وانتهاء بمنظومة القوانين المعبر عن جوهر هذا النظام الذي لا يزال ممتداً اسمياً في شكل السلطة المفروضة بقوة السلاح في صنعاء، غير أن الممارسات اليومية لقيادات الجماعة تُظهر حقداً كبيراً على النظام الجمهوري والإساءة لرجاله ومناضليه.

وقد تعمدت تحوير الرمزية الوطنية والنضالية والتاريخية للنصب التذكاري لشهداء الثورة والجمهورية الموجود في ميدان السبعين بوسط العاصمة صنعاء، ليصبح قبراً لأحد قادة الجماعة ومزاراً يُذَكِّرُ اليمنيين بالانتكاسة الكبرى التي تسبب بها علي عبد الله صالح ومنظومته السلطوية العسكرية والمدنية والقبائلية، وتذكِّرهم أيضاً بالخيانة التي مارسها عبد ربه منصور هادي، الرئيس المنتخب بعد ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011.

لقد سخّرت دول الإقليم إمكانياتها الهائلة لدعم وصول جماعة الحوثي وانتصار مشروعها الطائفي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فقد اختلطت أجنداتها على الساحة اليمنية منذ حرب صيف 94، بدوافع ثأرية وكيدية وبمنطق تصفية الحسابات البينية.

ذلك أن إغراءات ضعف ووهن الدولة اليمنية، ربما دفع بعض جيرانها إلى الاستثمار في تهيئة الأرضية لتصادم طويل الأجل بين التركة الإمامية الشيعية وبين النظام السياسي الجمهوري المعاصر الذي يؤمن به اليمنيون، رغم الثمن الفوري الذي دفعه هذا البعض، بذلك الانكشاف الخطير في عمقه الاستراتيجي، أمام معركة متعددة الأطراف إقليمياً ومتضادة الأهداف جيوسياسياً، تدور على الساحة اليمنية أو تتوسلها.

يعيدنا شهر أيلول/ سبتمبر إلى جوهر الأزمة والحرب في اليمن، فالحرب لا يمكن أن تُحسم بتسوية تقليدية تعيد وضع السلطة بين يدي الجميع، لأن الديمقراطية وصندوق الاقتراع وإرادة الناخبين، لن تكون ضمن مصفوفة الحل ولا وسيلته لبلوغ مرحلة السلام، ما دام أن هذه التسوية ستتعاطى مع الحقائق العسكرية والسياسية الراهنة كنتائج مقبولة للحرب، لأن من شأن ذلك هيمنة المشروع الطائفي لجماعة الحوثي
على أن الجريمة التي ارتكبها قادةٌ أبرزهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح ومن سكت من رجال عهده الذين حكموا معظم العهد الجمهوري، هي في تقديري الجريمة الكبرى التي فتحت المجال للتغول الخارجي، وساهمت في إعادة وضع اليمنيين أمام تحدي المواجهة المكلفة جداً مع المشروع الإمامي الشيعي، فقد قام صالح ورجاله بخديعة اليمنيين، عندما أقنعهم بأن الحوثيين مجرد "قفاز" وواجهة لإعادة استعادة السلطة لا أكثر.

أما الرئيس هادي ورجاله فقد تصرفوا إزاء التحديات التي طاولت الدولة اليمنية الواقفين في هرمها، بعقلية "النازح المحايد" من حرب 13 كانون الثاني/ يناير1986، بخذلان مقصود وخيانة صريحة، أو بأنانية العاجز الذي تمنى أن لو انتهى الأمرُ بهزيمة الجميع، بما يسمح بالعبور الآمن فوق حقول ألغام السلطة التي تسلموها في صنعاء واكتفوا بالتصرف الشخصي بعوائدها المالية دون إبداء أي استعداد للتصرف كقادة وطنيين.

يعيدنا شهر أيلول/ سبتمبر إلى جوهر الأزمة والحرب في اليمن، فالحرب لا يمكن أن تُحسم بتسوية تقليدية تعيد وضع السلطة بين يدي الجميع، لأن الديمقراطية وصندوق الاقتراع وإرادة الناخبين، لن تكون ضمن مصفوفة الحل ولا وسيلته لبلوغ مرحلة السلام، ما دام أن هذه التسوية ستتعاطى مع الحقائق العسكرية والسياسية الراهنة كنتائج مقبولة للحرب، لأن من شأن ذلك هيمنة المشروع الطائفي لجماعة الحوثي الذي لا يقبل القسمة مع أحد، وهي وصفة كارثية ومدخلاً لدورات من العنف، لا يمكن أن يبقي معها جيران اليمن سعداءَ بسيل الدماء دون أن تكتسح آثارُها حدودَهم، وما أيسر ذلك.

twitter.com/yaseentamimi68

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمنيين الإمامية الثورة الطائفية الحوثيين اليمن الحوثيين الثورة الطائفية الإمامية مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شهر أیلول فی صنعاء

إقرأ أيضاً:

عنقاء الحداثة

د. عصام عبدالفتاح

ثمة كتب ثورية حينما يقرؤها الإنسان فإنه لابد أن يخرج منها بحصيلة فكرية عميقة تزوّده بإضاءات لامعة فى تفكيك الإشكاليات الحضارية التى تعانى منها المجتمعات المتخلفة، أى التى لم تطرق بعد باب الحداثة رغم أنها تغترف من ثمارها بل ـ وهنا تبدو المفارقة ـ تتباهى بكونها جمعت بين الأصالة والحداثة!.

إن مؤلفات عالم النفس الاجتماعى مصطفى حجازى هى من هذا الطراز الفريد الذى يغير من فكر قارئه ويمتعه بتحليلاته للمجتمع العربى وإشكالياته الكأداء. فمثلا كتابه الشهير «التخلف الاجتماعى: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور» يعد من أهم الدراسات التحليلية فى علم النفس الاجتماعى «سيكولوجية الإنسان العربى المهدور». ففيه يتناول حجازى، بمنهجيته الاستقرائية الدقيقة، ظاهرة «العنف العربى» التى لم تتمكن المجتمعات العربية حتى يومنا هذا من الخلاص منها. لماذا؟ يجيبك حجازى بكلمة السر التى تتنوع مترادفاتها فى القاموس الدينى والسياسى والاجتماعى، بدءا من الطائفية والعصبية، مرورا بالتحزبية، وانتهاء بالأصولية والدوجمائية، فمثلا دولة كالسودان، منذ أبريل ٢٠٢٣، يعانى شعبها من حرب ضارية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع أدت إلى تفاقم الأزمات الطاحنة فى بلاده وأطاحت بكل استقرار سياسى فيها وأدخلتها فى دوامة لا نهاية لها من النوازل الاقتصادية والإنسانية. إن السودان يشكو حاليا من أزمة نزوح لا نظير له. فثلث سكانه نازحون مشردون فى العراء بلا غذاء ولا ماء ولا مأوى ولا رعاية طبية. امتدت عواقب هذا الصراع المروع بين المتحاربين إلى ما وراء حدود السودان. وحسب تقارير الأمم المتحدة سيرتفع عدد ضحايا الصراع العبثى إلى أكثر من مليون شخص فى عام ٢٠٢٥.

أطراف الصراع هم سودانيون!، إن تحليل حجازى لظاهرة العنف فى المجتمعات العربية ينطبق برمته على الحالة السودانية عندما يقول: «يعود العنف السياسى الاجتماعى فى المجتمعات العربية إلى تفشى العصبيات وترسخها جذريا فيه. فالأنظمة العربية الاستبدادية لم تبنِ مجتمعا مدنيا، إنما راهنت القيادات على العصبيات، والعصبيات فى طبيعتها تحتوى على مكوِّن العنف، وهذا العنف يتفجر من العصبيات التى تنمو فى أزمنة الصراع ولا تستطيع العيش من دون عدو. كما ليس بإمكان الأنظمة العرقية الاستمرار خارج نطاق الصراع وصناعة العدو المتخيل أو الفعلى، لكى تتمكن من الحفاظ على ثباتها الداخلى بقوة الجمهور». ولئن تركز تحليل حجازى على لبنان بوصفه عينة خصبة للطائفية وجزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع العربى فقد أراد به الكشف عن الداء العضال الذى لم يبرأ منه هذا المجتمع منذ قرون خلت فأعجزه تماما عن بلوغ الحداثة، إن هذا الداء هو نفسه «جرثومة التخلف» التى تحدث عنها د. مراد وهبة فى كتابه الشهير تحت هذا العنوان.

وفى مؤلفه الأخير «النقلات الحضارية الكبرى. أين نحن منها؟» يرى حجازى أن قوى التخلف أو حسب تعبيره «قوى العطالة فى مجتمعاتنا العربية» لا تتمثل فقط فى العصبيات وحدها وإنما هى تتجسد فى تحالف ثلاثى: العصبيات والفقه السلفى والاستبداد الظاهر منه والخفى. هذا التحالف يستخدم سلاحا خطيرا فى الإجهاز على أى محاولة تسعى إلى إيقاظ العقل العربى من سباته، آلية هذا السلاح هى: التأثيم والتحريم والتجريم. تكمن فاعليته فى أنه يشل طاقات الإنسان العقلية تماما ويدخله فى حالة من الانقياد والتبعية والجبرية وفقدان السيطرة على الذات والمصير!.

إن الحداثة التى يحلم بها المجتمع العربى أشبه بطائر العنقاء الذى لا وجود له فى الواقع، لأن متطلباتها لم تتوافر فيه بعد. وتتجلى ازدواجية المجتمع العربى، كما يقول حجازى، فى أنه يستورد كل منتجات الحداثة المادية والفكرية من الأمم المبدعة، لكنه لا يملك مشروعا إنتاجيا وطنيا خليقا بأن يحدث فيه نقلة نوعية تتحرر فيها طاقات العقل المبدع وينضج فيها وعيه السياسى. فتحت غطاء الدستور فى لبنان مثلا وحكم المؤسسات المقتبس من الغرب تتسم العملية السياسية فيه بالمحاصصة واقتسام النفوذ والغنائم على حساب البلد وكأننا بصدد شركة تجارية بين أطراف مؤسسين يسعى كل منهم إلى زيادة حصته من النفوذ والغنيمة وتحولت النيابة فيه إلى نوع من الوجاهة أكثر مما هى عملية تمثيل بالتفويض من قبل الشعب، فتحول الانتخاب فيه إلى نوع من المبايعة!.

نقلا عن المصري اليوم  

مقالات مشابهة

  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • زيلينسكي يختصر زيارته لجنوب أفريقيا بعد هجوم روسي على كييف
  • موقع عسكري: ما أنواع أهداف الضربات الأمريكية في اليمن التي تستخدم فيها صواريخ مضادة للإشعاع الثمينة؟
  • عنقاء الحداثة
  • الكشف عن تفاصيل جديدة في حرب اليمن ..بعد تعهّد ترمب بإسقاط الذراع الإيرانية في اليمن وموقف الشرعية من التدخل البري
  • ماذا وراء التصعيد في حضرموت شرقي اليمن؟.. احتقان ينذر بانفجار عسكري
  • اليمن وكسر الردع الأمريكي: البحر الأحمر نموذجًا لفشل الهيمنة
  • هكذا علقت إسرائيل على الغارات الأميركية التي تشنها على اليمن 
  • تقرير صيني يكشف الأمر الذي يُرعب أمريكا إن فكرت بحرب برية في اليمن
  • ما الأماكن التي استهدفتها الغارات الأميركية في اليمن؟