فى سبتمبر ٢٠١٤، كتب جون ميرشايمر، وهو أكاديمى بارز فيما يسمى بالمدرسة الأمريكية «الواقعية الهجومية» للعلاقات الدولية، وخبير مثالى فى الصراعات بين القوى العظمى، وعلى وجه الخصوص متخصص بلا منازع فى الحرب الباردة والعلاقات الروسية الأمريكية، فى مقال نشرته مجلة فورين أفيرز فى عام ٢٠١٥، تحت عنوان مثير للعواطف: «لماذا تعتبر الأزمة الأوكرانية خطأ الغرب؟ الأوهام الليبرالية التى أثارت بوتين».


ومن المؤكد أن هذا الأمر جدلى للغاية وكان أصل الجدل الوطنى، وأوضح الأكاديمى أن مقالته كان من الممكن أن تكون الدولة المسؤولة الأولى عن تطرف فلاديمير بوتين والحرب فى أوكرانيا، وكان الدافع وراء التدخل الروسى فى شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، بحسب قوله، هو «الأهداف الاستراتيجية غير المسؤولة لحلف شمال الأطلسى فى أوروبا الغربية والشرقية».
وفى الحقيقة، يشكل مد حلف الناتو والصواريخ الغربية المضادة للصواريخ إلى الشرق «تهديدًا وجوديًا» للروس، ويبدو الأمر «كما لو أن الروس أو الصينيين عقدوا تحالفًا عسكريًا فى شمال أمريكا مع كندا والمكسيك». ويضيف ميرشايمر أن «جذور المشكلة تكمن فى الاستراتيجية الغربية الهادفة إلى انتزاع أوكرانيا من روسيا، ودمجها فى مؤسسات وتحالفات الغرب كالجمر الذى ينتظر الاشتعال».
من جانبه، توقع الدبلوماسى الاستراتيجى الشهير هنرى كيسنجر، الذى كرر تصريحاته فى مناسبات عديدة فى مؤتمراته ومقابلاته ومقالاته وأعماله المنشورة منذ فبراير ٢٠٢٢، حول الحرب فى أوكرانيا نتيجة امتداد حلف شمال الأطلسى (الناتو) منذ عام ٢٠١٤، أنه «يجب على الغرب أن يفهم أنه بالنسبة لروسيا، لا يمكن لأوكرانيا أن تكون أبدًا مجرد دولة أجنبية.
بدأ تاريخ روسيا فى «روس- كييف».. ومن هناك انتشر التواجد الروسى. «كانت أوكرانيا جزءًا من روسيا لعدة قرون» ويتمركز أسطول البحر الأسود وهو الأسلوب الذى تستخدمه روسيا فى استعراض قوتها فى البحر المتوسط فى سيفاستوبول فى شبه جزيرة القرم بموجب عقد إيجار طويل الأجل.
أما الهدف النهائى الذى ينبغى تفضيله بهدف تحقيق الاستقرار، ويجب أن يكون جعل أوكرانيا «نوعًا من الدولة المحايدة.. ويجب ألا تنضم أوكرانيا أبدًا إلى حلف شمال الأطلسي».. على الرغم من هذا التنبيه، المعروف لدى جميع الاستراتيجيين وخاصةً وكالة المخابرات المركزية، وقعت الولايات المتحدة وأوكرانيا فى ١٠ نوفمبر ٢٠٢١، على «ميثاق الشراكة الاستراتيجية» الذى دعا أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسى، وأدان هذا الميثاق «العدوان الروسى المستمر» وأكد «الالتزام الثابت» بإعادة دمج شبه جزيرة القرم فى أوكرانيا.
لقد تم عرض العديد من مبررات الحرب فى موسكو كتحريض لضرب قوة كييف هذه المرة من أجل درء عضويتها المستقبلية فى الناتو والمخاطرة برؤية الأسطول الروسى من سيفاستوبول يُطرد من شبه جزيرة القرم المستقبلية التى ستصبح أوكرانية مرة أخرى والأطلسى، وبالتالى لا يتوافق مع الاتفاقية الروسية الأوكرانية القديمة بشأن الوجود العسكرى المشترك فى شبه الجزيرة.
«استراتيجية إراقة الدماء»
يذكر جون ميرشايمر فى كتاباته العديدة «استراتيجية النزيف» أو إراقة الدماء، التى وصفها فى كتابه بـ"مأساة سياسة القوى العظمى (٢٠٠١)، والتى تتمثل فى تحريض دولة منافسة على الدخول فى حرب استنزاف، حتى تنزف دمًا أبيض».. ومن هنا نستنتج أن الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وحلفاءهما الأكثر مناهضة لروسيا، وخاصة دول البلطيق وبولندا، قد دفعوا روسيا إلى الأسوأ من خلال «محاصرتها»، هناك خيار واحد فقط: خطوة وصفها البعض بتحليل «المؤامرة».
فقط التحقيقات المستقبلية والطويلة الأمد التى أصبحت ممكنة بفضل رفع السرية عن المذكرات السرية (كما فى الحالة العراقية) ستجعل من الممكن يومًا ما استخلاص استنتاجات حول أسباب الحرب فى أوكرانيا بخلاف الخطأ الذى لا يمكن إنكاره (المكملة أو السابقة) كان القرار الروسى بمهاجمة أوكرانيا وضم مناطق بأكملها من هذا البلد غير مقبول، رغم أن موسكو اعترفت بحدودها وسلامة أراضيها.
وفى تقرير صدر عام ٢٠١٩ تحت عنوان «توسيع روسيا»، اقترحت مؤسسة راند المرموقة (المقربة من البيت الأبيض) استراتيجية أمريكية لإضعاف روسيا، ولدفعها إلى التدخل فى أوكرانيا من أجل «استنزاف قواتها» وهكذا أوصى تقرير راند بفرض عقوبات اقتصادية هائلة؛ و«الانتشار المفرط فى العدوانية لحلف شمال الأطلسي"؛ وإلغاء مشروعى خط أنابيب الغاز نورد ستريم ١ و٢؛ وبيع الغاز الطبيعى المسال الأمريكى إلى العالم ونصح الحكومة الأمريكية بـ"إيقاع روسيا فى الفخ من خلال استدراجها إلى حرب على الأراضى الأوكرانية"!.
تشير هذه المقتطفات القليلة إلى السخرية الشديدة لبعض الاستراتيجيين الأمريكيين المقربين من السلطة: «منذ عام ٢٠١٤، فإن الجيش الأوكرانى ينزف بالفعل روسيا فى منطقة دونباس (والعكس صحيح). إن تقديم المزيد من المعدات العسكرية الأمريكية يمكن أن يدفع روسيا إلى زيادة مشاركتها المباشرة فى الصراع والثمن الذى تدفعه مقابل ذلك.
ويمكن أن ترد موسكو بشن هجوم جديد والاستيلاء على المزيد من الأراضى الأوكرانية» (الصفحة الخامسة عشرة). ولذلك، شجع التقرير الولايات المتحدة بشكل مباشر على بذل كل ما فى وسعها حتى تميل روسيا إلى توسيع نطاق تدخلها فى أوكرانيا من أجل محاصرتها هناك.
وحتى أبعد من ذلك، فمن الواضح أن الاقتراح الذى قدمه الغرب رسميًا لأوكرانيا، منذ عام ٢٠٠٨، للانضمام إلى حلف شمال الأطلسى (الناتو) فى يوم من الأيام، كان يُنظر إليه، صوابًا أو خطأً، باعتباره استفزازًا وتهديدًا وجوديًا من جانب روسيا، إلى درجة المخاطرة بإشعال شرارة التفجير.
حرب شديدة الحدة مع أوكرانيا ومع دول الناتو نفسها، وبالتالى مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة. دعونا نتذكر هنا بشكل عابر جميع التحذيرات التى صاغتها شخصيات سياسية أو فكرية أمريكية رفيعة المستوى فيما يتعلق بخطر الحرب بين الغرب وروسيا الناجم عن التوسع اللامتناهى لحلف شمال الأطلسى نحو الشرق:
- استذكر ويليام جيمس بيرى، وزير الدفاع فى عهد بيل كلينتون، فى مذكراته عام ٢٠١٥، التعليقات التى أدلى بها فى عام ١٩٩٦، والتى بموجبها كان توسع الناتو نحو الشرق مسئولًا عن «انهيار العلاقات مع روسيا». ثم احتج بشدة على خطة ضم دول جديدة إلى التحالف.
- فى عام ١٩٩٧، أعلن بول كيتنج، رئيس الوزراء الأسترالى السابق: «إن قرار توسيع الناتو من خلال دعوة بولندا والمجر وجمهورية التشيك للمشاركة واقتراح الشيء نفسه على الدول الأخرى - وبعبارة أخرى عن طريق نقل ترسيم الحدود العسكرية الأوروبية إلى حدود الاتحاد السوفييتى السابق – وهذا، فى رأيى، خطأ يمكن مقارنته فى نهاية المطاف بالحسابات الاستراتيجية السيئة التى منعت ألمانيا من دمج النظام الدولى، فى بداية القرن العشرين».
- فى العام نفسه، وجه خمسون خبيرًا فى العلاقات الدولية (أعضاء مجلس الشيوخ، الضباط، الدبلوماسيون) رسالة إلى الرئيس كلينتون لمعارضة توسيع الناتو: «نحن الموقعون أدناه، نعتقد أن المناورات الحالية للولايات المتحدة لتوسيع الناتو وهذا يشكل أحد أسوأ الأخطاء السياسية فى تاريخه وفى رأينا أن توسع حلف شمال الأطلسى سيكون له أثر فى تقليص أمن أعضائه وتعريض الاستقرار الأوروبى للخطر.
- لا يزال جاك ماتلوك جونيور، السفير الأمريكى لدى الاتحاد السوفييتى، يحذر خلال عام ١٩٩٧ من أنه «بعيدًا عن تحسين أمن الولايات المتحدة وحلفائها والدول التى ترغب فى الانضمام إلى التحالف؛ فإن توسع الناتو يهدد بالتسبب فى أخطر تهديد للأمن الأمريكى منذ تفكك الاتحاد السوفييتي».
- فى عام ١٩٩٨، بعد اتخاذ القرار بإطلاق توسيع جديد لحلف شمال الأطلسى، أعلن الخبير الاستراتيجى فى الاحتواء جورج كينان، وهو نفسه سفير الولايات المتحدة السابق فى موسكو: «هذه بداية حرب باردة جديدة. أعتقد أنه خطأ مأساوى. من الواضح أن رد فعل روسيا سيكون عدائيًا، وبعد ذلك سيقول [أنصار توسع الناتو] إنهم حذرونا دائمًا من الروس، وأنهم معادون بطبيعتهم - لكن هذا ببساطة «كاذب».
- فى عام ١٩٩٩، كتب الصحفى والسياسى الأمريكى بات بوكانان: «من خلال نقل حدود الناتو إلى عتبة روسيا، وضعنا المواجهة على أجندة القرن الحادى والعشرين. هل نحن مستعدون حقًا لاستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن أوروبا الشرقية؟
- فى عام ٢٠٠٨، حذر مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز من أن «عضوية أوكرانيا فى حلف شمال الأطلسى تشكل بالنسبة لروسيا حقيقة غير مقبولة على الإطلاق» وأن «وجود أوكرانيا داخل حلف شمال الأطلسى يمثل هجومًا مباشرًا على مصالح روسيا.
- فى عام ٢٠١٤، أعلن رئيس وزراء أستراليا، مالكولم فريزر، أن «توسيع التحالف نحو الشرق هو مناورة استفزازية ومتهورة، وترسل إشارة واضحة للغاية إلى روسيا وتؤدى المخاطر إلى مواجهة صعبة وخطيرة للغاية». 
 


- فى عام ٢٠١٥، كتب وزير دفاع الولايات المتحدة بوب جيتس فى مذكراته: «كان من الخطأ الاستعداد لدمج هذا العدد الكبير من الدول التى كانت خاضعة له فى السابق، بعد فترة وجيزة من سقوط الاتحاد السوفيتى. إن محاولة دمج جورجيا وأوكرانيا فى حلف شمال الأطلسى تجاوزت الحدود. تعود جذور الإمبراطورية الروسية إلى كييف فى القرن التاسع، لذلك كان هذا استفزازًا هائلًا بشكل خاص».
- فى عام ٢٠٢١، أعلن السير رودريك لين، السفير البريطانى السابق لدى روسيا، خلال قمة الناتو عام ٢٠٠٨ فى بوخارست: «لقد ارتكب الغرب خطأً فادحًا فى طرح فكرة دمج جورجيا وأوكرانيا. لقد كان غبيًا فى كل شيء وإذا أردنا أن نبدأ حربًا مع روسيا، فلن نتمكن من إيجاد طريقة أفضل للقيام بذلك».
- فى ٨ فبراير ٢٠٢٢، قبل أيام قليلة من إطلاق «العملية الخاصة» الروسية فى أوكرانيا، كتب الخبير الاقتصادى جيفرى ساكس: «يزعم حلفاء أوكرانيا الغربيون أنهم يحمونها من خلال الدفاع عن حقها فى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى (الناتو)، لكن العكس هو الصحيح».. ومن خلال الدفاع عن حق نظرى بحت، فإنهم يعرضون أمن أوكرانيا للخطر من خلال زيادة مخاطر الغزو الروسي». 
- فى عام ٢٠٢٢، كتب خبير السياسة الدولية تيد جالين كاربنتر: «لقد عرفنا منذ فترة طويلة أن توسع الناتو لا يمكن أن يؤدى إلا إلى مأساة. ونحن الآن نعانى من عواقب الغطرسة الأمريكية. »، وكرر نبوءته التى أطلقها عام ١٩٩٤ والتى بموجبها سيكون توسع الناتو بمثابة «استفزاز غير ضرورى لروسيا».
- بينو أرلاتشى، سياسى وعالم اجتماع إيطالى، وكيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة، أعلن فى عام ٢٠٢٢ أن «السبب الأساسى للأزمة الأوكرانية هو التوسع المستمر لحلف شمال الأطلسى. فى رأيى، الحل بسيط للغاية. ويعتمد الحل الأساسى على الدول الأوروبية، التى ينبغى لها أن تعلن أن حلف شمال الأطلسى لن يقبل أوكرانيا فى حظيرته».
وسواء كان ذلك رد فعل حتميًا على «الاستفزازات» الأنجلوسكسونية، أو على «فخ» أمريكي- كأطروحات هنرى كيسنجر أو جون ميرشايمر، أو ما إذا كان افتراسًا روسيًا متعمدًا يبحث عن ذريعة، فمن الواضح أنه وفقًا لعدد من الاستراتيجيين، فى فبراير ٢٠٢٢، بعد عقود من توسع الناتو وبعد أزمة ٢٠١٣-٢٠١٤ التى انتهت بتأسيس قوة موالية للغرب ومعادية لروسيا فى كييف.
هذه القوة كانت حريصة على جعل البلاد تنضم يومًا ما تابعة للاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى لذلك لم يكن لدى فلاديمير بوتين العديد من الخيارات الأخرى - من وجهة نظره، التى ليست وجهة نظر مؤلفى هذا الكتاب - سوى الهجوم أولًا، تحت طائلة التعرض لهزيمة قاتلة لسلطته الشخصية.. كان يتوجب عليه القيام بهذا التحرك فى مواجهة الهجوم الأوكرانى الوشيك على دونباس وشبه جزيرة القرم بفضل الدعم الغربى المتزايد للقوات المسلحة الأوكرانية.

معلومات عن الكاتب: 
ألكسندر ديل فال.. كاتب وصحفى ومحلل سياسى فرنسى. مدير تحرير موقع «أتالنتيكو». تركزت مجالات اهتمامه على التطرف الإسلامى، التهديدات الجيوسياسية الجديدة، الصراعات الحضارية، والإرهاب، بالإضافة إلى قضايا البحر المتوسط إلى جانب اهتمامه بالعلاقات الدولية.. يواصل دراسته المهمة حول الحرب الروسية الغربية، نشأة ودوافع ومخاطر الحرب فى أوكرانيا.


 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: المدرسة الأمريكية الأزمة الأوكرانية الحرب فى أوکرانیا الولایات المتحدة شبه جزیرة القرم إلى حلف شمال توسع الناتو أوکرانیا فى روسیا فى من خلال فى عام

إقرأ أيضاً:

البابا تواضروس الثاني يكتب: رسائل لـ "أصحاب القلوب الدافئة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق الطاعة الحقيقية تنبع من القلب لا من الإجبار.. هذه الطاعة القلبية تلهمنا أن نقبل المهام والمسئوليات بروح إيجابية دون تذمر.. ونتعلم الثقة بأن لله خطة أعظم من إدراكنا البشرىالرحمة هى التعبير العملى عن الحب والحكمة بالرحمة تجاه الآخرين.. تقدم لهم ما تحتاجه حياتهم بروح العطاء والمحبة.. "فالقلب الرحيم هو عرش الله»

 

أصحاب القلوب الدافئة لا يصنعون ضجيجًا حولهم.. بل يعملون فى هدوء وصمت.. مؤثرين فى محيطهم بأفعالهم لا بأقوالهم

 

أصحاب القلوب البسيطة يتميزون بالقدرة على المرور بالمشاكل دون أن يتأثروا بها.. إذ يلقون همومهم على الله الذى يحملها عنهم

 

ما أحوج عالم اليوم إلى هذه الصفات الثلاث.. فالصراع الدائر فى مناطق كثيرة يحتاج الحكمة.. والبشرية المشردة جراء الحروب تحتاج الرحمة

 

إن ميلاد المسيح يدعونا أن نفحص قلوبنا إذا كنا نحمل قلوبًا باردة.. فلنطلب من الرب أن يمنحنا نعمة التوبة

 

الرعاة كانوا يعيشون حياتهم اليومية فى الحقول.. بعيدًا عن صخب المدن.. يعملون فى رعاية أغنامهم بقلوب نقية وقانعة.

 

أهنئكم جميعًا بعيد الميلاد المجيد، وأصلى أن يملأ الله حياتكم بنعمته وسلامه، وأنتهز الفرصة لكى أهنئ كل الكنائس المسيحية التى تحتفل فى هذا اليوم، كما أهنئ جميع الإيبارشيات والكنائس والأديرة القبطية المنتشرة فى جميع قارات العالم، هذا اليوم الذى أضاء فيه نور السماء على الأرض، وتجلت محبة الله للبشر من خلال ميلاد السيد المسيح، ميلاده الذى صار نقطة تحول فى تاريخ الإنسانية، وفتح باب السماء أمام البشرية جمعاء، أنه يوم يذكّرنا بحقيقة الخلاص ويزرع فى قلوبنا الفرح والرجاء. 

إن قصة الميلاد ليست مجرد حدث تاريخى إنما يجب أن نقف أمام أحداث الميلاد لنستلهم منها دروسًا لحياتنا. فهى رسالة حية لكل واحد منا، فوسط البساطة التى أحاطت بميلاده، نتأمل حول طبيعة القلوب البشرية التى أحاطت الحدث، نجدهم أشخاصًا حملوا أنواع قلوب متنوعة بعضهم يحمل قلوبًا باردة لا تقبل كلمة الله ولا تحفظها، والآخر قلوبًا دافئة تفتح حياتها للإيمان وتثمر بوفرة، ولا أجد وصفا لنوعيات القلوب أفضل من مثل الزارع الذى قصه السيد المسيح على الشعب وفصل فيه القلوب كنوعيات من الأرض التى تسقط عليها البذور: 

١. أرض الطريق: كما قال السيد المسيح "كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَأْتِى الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِى قَلْبِهِ. هذَا هُوَ الْمَزْرُوعُ عَلَى الطَّرِيقِ" (متى ١٣: ١٩). هذه القلوب مغلقة، منشغلة بالعالم، لا تعطى فرصة للكلمة الإلهية أن تدخل أو تنمو. مثل هؤلاء كانوا موجودين فى أحداث الميلاد، كقلب هيرودس الذى امتلأ بالخوف والغيرة، فلم يرَ فى ميلاد المسيح إلا تهديدًا لسلطانه الأرضى.

٢. أرض الحجر: "وَالْمَزْرُوعُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ هُوَ الَّذِى يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُهَا حَالًا بِفَرَحٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِى نَفْسِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ" (متى ١٣: ٢٠-٢١). هذه القلوب تفرح بالكلمة مؤقتًا، لكنها تتراجع سريعًا عند مواجهة التجارب. مثل هؤلاء نراهم فى العالم اليوم حين يكون إيمانهم سطحيًا، لا يقوى على مواجهة الضغوط والتحديات.

٣. أرض الشوك: "وَالْمَزْرُوعُ بَيْنَ الشَّوْكِ هُوَ الَّذِى يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَهَمُّ هَذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ فَيَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ" (متى ١٣: ٢٢). هذه القلوب تختنق بالهموم والشهوات، فلا تدع الكلمة تنمو وتثمر. وهؤلاء يشبهون الكتبة والفريسيين فى قصة الميلاد، الذين عرفوا النبوات ولم يتحركوا للإيمان.

أما القلوب الدافئة، فهى التى تشعر بالإنسانية وتتجاوب معها، وتقبل الكلمة بفرح، وقد أشار السيد المسيح إلى ثلاث درجات من هذه الثمار:

١. الأرض التى أثمرت ثلاثين: تمثل النفوس التى تؤمن لكنها تحمل بعض الخوف أو الشك. ورغم ذلك، فهى تُثمر. يقول القديس يوحنا ذهبى الفم: "القلب الخائف يُثمر، لكنه يحتاج إلى النعمة ليزيل عنه الخوف ويمنحه جرأة الإيمان."يمكننا أن نرى هذا النوع فى حياة الرعاة. فقد كانوا فى البداية خائفين من رؤية الملاك، لكنهم تحركوا بإيمانهم البسيط، وجاءوا ليسجدوا للطفل الإلهى.

٢. الأرض التى أثمرت ستون: تمثل النفوس التى تعمل بدافع الأجر، لكنها ما زالت تحمل محبة لله. هى قلوب تجتهد وتثمر، لكنها تنتظر مكافأة سماوية. يقول القديس كيرلس الكبير: "النفوس التى تعمل برجاء الثواب هى فى طريقها للكمال، لأنها بدأت السير فى طريق المحبة».

يمكننا أن نجد هذا النوع فى المجوس، الذين قدموا هداياهم بسخاء وسجدوا للمسيح، مدفوعين برغبتهم فى لقاء الملك المخلص.

٣. الأرض التى أثمرت مائة: هذه القلوب تمثل النفوس التى تمتلئ بمحبة الله الكاملة، ولا تخاف ولا تنتظر أجرًا. هى النفوس التى تعطى كل ما لديها بدافع الحب الخالص. يقول القديس أغسطينوس: "القلب الذى يحب الله بلا حدود هو الأرض المثمرة التى تفرح السماء بثمرها. "هذا النوع من القلوب نجده فى العذراء مريم، التى قدمت ذاتها بالكامل لله، قائلة: "هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك" (لوقا ١: ٣٨).

إن ميلاد المسيح يدعونا أن نفحص قلوبنا إذا كنا نحمل قلوبًا باردة، فلنطلب من الرب أن يمنحنا نعمة التوبة، لأن الكلمة الإلهية تستطيع أن تحول أرضًا قاحلة إلى بستان مثمر. وإذا كنا نحمل قلوبًا دافئة، فلنجتهد لننتقل من ثمرة الثلاثين إلى المائة، لأن الله يدعونا دائمًا إلى الكمال. لنتأمل فى كلمات القديس يوحنا الرسول: "اَلْمَحَبَّةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ" (١ يوحنا ٤: ١٨). فإذا امتلأت قلوبنا بالمحبة، سنثمر كما أثمرت الأرض الجيدة.

إن ميلاد المسيح هو دعوة لكل واحد منا أن يجعل قلبه مذودًا يولد فيه. فإذا كانت قلوبنا تحمل الخوف، فليشرق عليها نور السماء كما أشرق على الرعاة. وإذا كنا نتعب ونعمل منتظرين أجرًا، فلنطلب من الله أن يملأ قلوبنا بالمحبة. وإذا كنا نحمل حبًا لله، فلنجعل هذا الحب بلا حدود، فنثمر مائة ونكون نورًا للعالم.

 ولكن ما صفات أصحاب القلوب الدافئة؟أولًا: الحياة البسيطة

أصحاب القلوب البسيطة يتميزون بالقدرة على المرور بالمشاكل دون أن يتأثروا بها، إذ يلقون همومهم على الله الذى يحملها عنهم. نقبل الأحداث بصدر رحب، دون أن نسمح للقلق أو التعقيد أن يسيطر علينا، معتمدين على الله فى كل خطوة. ويعلمنا السيد المسيح "سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا،" (مت ٦: ٢٢).

الرعاة كانوا يعيشون حياتهم اليومية فى الحقول، بعيدًا عن صخب المدن، يعملون فى رعاية أغنامهم بقلوب نقية وقانعة. هؤلاء البسطاء لم يكن لديهم الكثير، لكنهم كانوا أصحاب قلوب مفتوحة ومهيأة لسماع صوت الله. سهروا وكانوا يعملون بكل جدية وضمير صالح واجتهاد، وحينما ظهر لهم الملاك ببشارة الميلاد، لم يترددوا، بل أسرعوا ليجدوا الطفل الإلهى فى المذود. لذلك استحقوا أن يختبروا ويروا حضور الله. لقد كانت قلوبهم دافئة بالمشاعر رغم برودة الطقس وقتها.

 ثانيًا: الباحثون عن الحقيقة

القلوب الدافئة تبحث دائمًا عن الحقيقة ولا تنجرف وراء الترندات أو النميمة أو الأخبار الكاذبة أو الشائعات. هؤلاء لا يجدون راحتهم إلا فى اكتشاف الحقائق،. يدركون أهمية التوقف عن الانشغال بالأحداث بل البحث عن ما هو للبناء، ما هو للفائدة، ما هو للملكوت، والسعى لإيجاد الحقيقة والتمسك بها بشجاعة.

من الشرق البعيد، جاء المجوس، قادهم نجم سماوى ليصلوا إلى المسيح الوليد. كانت رحلتهم طويلة وشاقة، لكنها كانت مليئة بالإصرار والشوق لمعرفة الحق. عندما وجدوا الطفل يسوع، سجدوا له وقدّموا له الذهب واللبان والمر، رموز الإكرام والعبادة والفداء. إن المجوس يمثلون كل إنسان يبحث عن الحقيقة فى هذا العالم، ومنهم نرى أن البحث الجاد والإخلاص فى السعى يؤدى دائمًا إلى لقاء المسيح، الذى هو الطريق والحق والحياة، لقد كانت قلوبهم دافئة بالإصرار رغم مشقة الطريق وصعوبته.

ثالثًا: الصمت فى العمل

أصحاب القلوب الدافئة لا يصنعون ضجيجًا حولهم، بل يعملون فى هدوء وصمت، مؤثرين فى محيطهم بأفعالهم لا بأقوالهم. مبتعدين عن التفاخر أو البحث عن التقدير، وتركيزهم دائما على العمل الجاد والإخلاص بصمت.

يوسف النجار كان رجلًا صامتًا، لكنه مليء بالإيمان والعمل، فقبِل أن يكون حارسًا لسر التجسد من خلال رعايته للعذراء مريم وللطفل يسوع، فقد كان دائمًا يضحى براحته لأجل أمان عائلته المقدسة. لم يبحث يوسف عن مكانة أو مجد، بل كان همه الوحيد هو أن يتمم إرادة الله بأمانة وتفانٍ. القديس يوسف النجار يعلمنا أن الخدمة الحقيقية ليست فى الكلام الكثير، بل فى الأفعال الصادقة وفى الصمت المملوء بالإيمان، لقد كان ذو قلب دافئ يشعر بمسئوليته ويؤديها فى صمت. 

رابعًا: الطاعة القلبية

الطاعة الحقيقية تنبع من القلب، لا من الإجبار، هذه الطاعة القلبية تلهمنا أن نقبل المهام والمسئوليات بروح إيجابية دون تذمر، ونتعلم الثقة بأن لله خطة أعظم من إدراكنا البشرى.

العذراء مريم، تلك الفتاة النقية التى اختارها الله ليحلّ فى أحشائها كلمة الله المتجسد. حينما أُرسلت إليها البشارة، أجابت بتواضع: "هوذا أنا أمة الرب. ليكن لى كقولك». إن طاعة العذراء ليست مجرد طاعة ظاهرية، بل كانت طاعة نابعة من قلب نقى. علمتنا العذراء أن الطاعة لله تفتح أبواب النعمة، وأن الاتكال الكامل على الله هو مصدر القوة الحقيقية فى حياتنا، لقد كانت تحمل قلبا دافئا فاستحقت كل الإكرام والتطويب. 

خامسًا: العطاء البسيط

أصحاب القلوب الدافئة راضين بما لديهم، بل ويستخدمونه فى خدمة الآخرين بفرح، مدركين أن العطاء لا يُقاس بالكثرة بل بالقلب الذى يُقدَّم به، مهما كانت إمكانياتهم محدودة، فيبارك الله فى قليلهم. 

فوسط أحداث الميلاد، يظهر صاحب المذود، ذلك الشخص البسيط الذى أتاح مذوده ليولد فيه الطفل، الطفل يسوع. ربما لم يكن لديه الكثير ليقدمه، لكنه أعطى ما عنده بمحبة، فصار المذود رمزًا أبديًا لعمل الله فى البساطة. إن هذا الرجل يعلّمنا أن الله لا ينظر إلى حجم ما نقدمه، بل إلى المحبة التى تملأ قلوبنا عند العطاء.

حتى أبسط الإمكانيات يمكن أن تصبح عظيمة عندما نقدمها بصدق وإخلاص. ورغم أننا لا نعرفه إلا أنه بسبب قلبه الدافئ فإن الله يعرفه جيدًا.

وهكذا فإن صفات أصحاب القلوب الدافئة تظهر فى شخصيات الميلاد لكنهم جميعا يجمعهم ثلاث فضائل، ترتبط ببعضها ارتباطًا وثيقًا.

الحب

الحب هو الأساس الذى يجعل القلوب قادرة على استقبال النعمة الإلهية. الرعاة أحبوا الله ببساطتهم، فقبلوا البشارة بفرح وأسرعوا إلى المذود، المجوس أحبوا الحق، فبحثوا عنه وقدموا أغلى ما لديهم تعبيرًا عن حبهم، العذراء مريم، نموذج الحب الكامل، قدمت حياتها لله طاعةً وتسليمًا. وكما يقول الكتاب:

"اَللّٰهَ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتُ فِى الْمَحَبَّةِ يَثْبُتُ فِى اللّٰهِ، وَاللّٰهُ فِيهِ" (١ يوحنا ٤: ١٦).

الحكمة

هى التى تقود فى قراراتنا وأفعالنا، الحكمة هى التى تجعلنا نميز إرادة الله وننفذها، كما يقول الكتاب: "بِالْحِكْمَةِ يُبْنَى الْبَيْتُ، وَبِالْفَهْمِ يُثَبَّتُ" (أمثال ٢٤: ٣). المجوس يمثلون الحكمة فى بحثهم المستمر عن الحقيقة. قادهم النجم ليس فقط إلى طفل المذود، بل إلى ملك الملوك، يوسف النجار كان مثالًا للحكمة الهادئة، أطاع الملاك، وقاد العائلة المقدسة بحكمة وصبر بعيدًا عن الخطر، العذراء مريم كانت ممتلئة بالحكمة الإلهية، حيث قالت"تعظم نَفْسِى الرَّبَّ" (لوقا ١: ٤٦)، وهو ما ينم عن وعى عميق بخطه الله.

 

الرحمة

الرحمة هى التعبير العملى عن الحب والحكمة، بالرحمة تجاه الآخرين، تقدم لهم ما تحتاجه حياتهم بروح العطاء والمحبة. «فالقلب الرحيم هو عرش الله». صاحب المذود أظهر رحمة عندما قدم مكانًا بسيطًا للعائلة المقدسة فى ليلة الميلاد، الرعاة أظهروا رحمة بمشاركتهم البشارة وفرحهم مع الآخرين.

الله نفسه، الذى تجسد وحل بيننا، أظهر الرحمة العظمى عندما قدم خلاصه للعالم. وكما يقول الكتاب:"فَكُونُوا رُحَمَاءَ، كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ" (لوقا ٦: ٣٦).

إنها دعوة للبشرية أن تحمل قلوبا دافئة مملوءة بهذه الفضائل الثلاث. ليكن حبنا لله وللآخرين صادقًا، فى كل كلمة وفعل. لتكن حكمتنا قادرة على تمييز صوت الله وسط ضوضاء العالم. ولتكن رحمتنا تجسيدًا عمليًا لمحبتنا لله ولإخوتنا. لنجعل حياتنا انعكاسًا لهذه القلوب، فلنستقبل السيد المسيح، ليس فقط فى يوم ميلاده، بل فى كل يوم من أيام حياتنا.

ما أحوج عالم اليوم إلى هذه الصفات الثلاث، فالصراع الدائر فى مناطق كثيرة يحتاج الحكمة، والبشرية المشردة جراء الحروب تحتاج الرحمة، والعالم كله يحتاج الحب الذى يتناقص تدريجيا ليحل محله الأنانية والظلم، فيجد الإنسان نفسه فجأة بلا ملجأ بلا أمان، داخل حرب دائرة ليس له فيها يد أو قرار، إنها فرصة لنا جميعا فى بداية هذا العام أن نرفع قلوبنا إلى الله ليتدخل فى القلوب، ويزرع الحب فيها لتحصد البشرية الحكمة والرحمة، ويحرك قلوب المسئولين نحو السلام فى العالم كله، وكما أشرق نجم الميلاد فى سماء بيت لحم، نصلى أن يشرق النور الإلهى فى حياتنا، ويقودنا لنكون نورًا للعالم من حولنا.

ولا يفوتنى أخيرا أن أنتهز هذه الفرصة لكى أشكر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى على زيارته وتهنئته لجموع المصريين بهذا العيد المجيد، وأشكره على جهوده وجهود الدولة جميعا فى الوصول إلى حلول سلمية لسلام وأمن المنطقة ونصلى أن تتكلل هذه الجهود بالنجاح. 

كما نشكر كل رجال الدولة الذين قدموا لنا التهنئة بالحضور والمقابلات والمكالمات والرسائل ونصلى أن يديم الله المحبة والروابط العميقة التى تربط جميع المصريين، على أرض هذا الوطن العزيز، كل عام وأنتم بخير وعيد سعيد للجميع.

مقالات مشابهة

  • روسيا.. احتدام القتال في منطقة كورسك وموسكو تعلن سيطرتها على بلدة شرق أوكرانيا
  • ترامب يكشف موقفه من ضم أوكرانيا للناتو.. ويعلن رغبته لقاء بوتين
  • ترامب يعلن تفهمه لموقف روسيا الرافض لعضوية أوكرانيا في “الناتو”
  • عاجل - ترامب: موقف روسيا الرافض لانضمام أوكرانيا للناتو مفهوم بالنسبة لي
  • ترامب: النزاع في أوكرانيا فشل ذريع لبايدن
  • "ضربة دقيقة".. أوكرانيا تشن هجومًا جديدًا في كورسك الروسية
  • روسيا تعلن سيطرتها على مدينة كوراخوف شرقي أوكرانيا.. ماذا يعني ذلك؟
  • روسيا تعلن سيطرتها على مدينة كوراخوف شرقي أوكرانيا.. ما يعني ذلك؟
  • البابا تواضروس الثاني يكتب: رسائل لـ "أصحاب القلوب الدافئة"
  • لتسوية النزاع مع روسيا..ماكرون يدعو أوكرانيا إلى الواقعية