جريدة الوطن:
2025-03-04@17:22:15 GMT

الرقابة تعزز الإدارة الرشيدة للمال العام

تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT

الرقابة تعزز الإدارة الرشيدة للمال العام

تُعدُّ الرقابة الماليَّة والإداريَّة ركيزة أساسيَّة من ركائز التخطيط والتنظيم في الدوَل الحديثة، وتَعُودُ نشأة الرقابة الماليَّة إلى نشأة الدوَل وملكيَّتها للمال العامِّ وإدارته بطريقة رشيدة وأيضًا تطوُّر السُّلطات إلى قضائيَّة وتنفيذيَّة وتشريعيَّة. ومع ازدياد حجم المال العامِّ وتطوُّر مسؤوليَّات الدولة إلى إقامة العدل وحماية المال العامِّ وصون مقَدَّرات الوطن أدَّى إلى مفهوم الرقابة الماليَّة والإداريَّة الذي يُعدُّ بوصلة للاتِّجاه الفعلي لتحقيق التنمية المستدامة لمؤسَّسات الدوَلة؛ كونها المحرِّك الأساس لدعم الجهود الرقابيَّة لحماية الأموال العامَّة، وتعزيز الشفافيَّة من خلال أداء الدَّوْر الحازم لمختلف الأجهزة العُليا، ولتفعيل المحاسبة الماليَّة والتدقيق.


تُعدُّ الرقابة الماليَّة والإداريَّة من أُسُس النظام الديموقراطي الحديث، وهي منهج علمي متكامل يقوم على الإشراف والمراجعة والمتابعة من قِبل جهة مستقلَّة بطُرقٍ شفَّافة لمعرفة سَير العمل داخل الوحدة، والتأكُّد من حُسن إدارة الأموال العامَّة وفق الأغراض المخصَّصة له، وأنَّ جميع الموارد المتاحة تصرف وتحصل حسب ما تقرُّه القوانين والنُّظم وإجراء فحوصات موضوعيَّة مستقلَّة قائمة على أساس اقتفاء أثَر المعطيات والمعلومات في دَوْرة سَير العمليَّات الماليَّة بالجهات المشمولة بالرقابة، كما أنَّ الرقابة الإداريَّة من الممارسات المتَّبعة للتأكُّد من احترام القانون وتسهيل وتيسير الأعمال والخدمات للمستفيدين مِنْها لمختلف شرائح المُجتمع.
ينظر المتابع إلى دَوْر جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة في الفترة الأخيرة بأنَّ دَوْره أصبح يتجاوز رقابة الأعمال القائمة على كشف التجاوزات والأخطاء، بل امتدَّت إلى تحسين مستوى العمل والقضاء على الفجوات، وتصحيح ومعالجة الانحرافات التي تؤثِّر على الأداء؛ بطريقة فعَّالة في إطار مؤسَّسي مبنيٍّ على القوانين والشراكة مع الجهات الخاضعة لرقابته، وكذلك الشراكة مع المُجتمع من خلال نشر مُلخَّص المُجتمع بنتائج ما تضمنته التقارير السنويَّة للجهاز، وأيضًا من خلال تأطير المسير وتوجيهه، كما أنَّ عمل جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة يعتمد على مدى الصلاحيَّات الممنوحة له كجهة مستقلَّة للقيام بدَوْره على أكمل وجْهٍ، لِيكُونَ صمام الأمان الذي ينبِّه القيادة العُليا من وجود هدر أو إسراف أو تلاعب بأيِّ شكلٍ من الأشكال الماليَّة أو الإداريَّة.
وقَدْ شهد جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة تطوُّرًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، ويُعتقَد أنَّ ذلك يَعُودُ للقيادة الجديدة والتغييرات التي أُجريت في منهجيَّة عمله في العديد من الجوانب ذات الصِّلة بالعمل الرقابي، والتركيز على الوعي المُجتمعي من خلال الندوات والبرامج المختلفة والشراكة مع جميع الأطراف، والعمل على التعريف بالجهاز وأعماله، بالإضافة إلى التزامه بالتعاون والتنسيق مع المنظَّمات العالَميَّة ذات الصِّلة وأهمُّها (الأنتوساي، والأسوساي، والأرابوساي) وكذلك التعاون مع الأجهزة النظيرة الشَّقيقة والصَّديقة تماشيًا مع التوجُّه العالَمي من قِبل الكثير من الدوَل التي تضع حفظ وحماية المال العامِّ ركيزة أساسيَّة للتنمية المستدامة ولضمان سلامة النشاط المالي والإداري. إلَّا أنَّ دَوْر جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدوَلة يُعدُّ مرآة عاكسة لكفاءة الجهاز الإداري للدَّولة، والتأكُّد من أنَّ الأموال تصرف وفقًا لخطَّة الدَّولة السنويَّة والموازنة العامَّة، وفي الحدود المرسومة لها. كما أنَّه الضمان الوحيد لسلامة الأنشطة من أيِّ فساد أو اختراقات ماليَّة والحدِّ من الإسراف الذي لا مبرِّر له، والكشف عن مَواطن الإهمال أو التقصير في أداء واجبات الوظيفة العامَّة لمحاولة النهوض بها وإصلاحها وترشيدها إلى ما يخدم المصلحة العامَّة، ويضْمَن أنَّ الاعتمادات الماليَّة صُرفت في الأغراض المخصَّصة من أجْلِها، وأنَّ الإيرادات قَدْ تمَّ تحصيلها وفقًا للقوانين والأنظمة السَّارية. كما يهدف إلى تخفيض تكاليف الأداء في الأعمال الحكوميَّة، وضمان الاستغلال الأمثل للاعتمادات الماليَّة للجهات المشمولة برقابته.
وإيمانًا ويقينًا من المقام السَّامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بأهمِّية دعم الجهود نَحْوَ التنمية المستدامة، والمحافظة على المال العامِّ، أوْلَى عنايته الحكيمة بالأجهزة الرقابيَّة، ولا سِيَّما أنَّ تبعيَّتها تَعُودُ مباشرةً لجلالته، كما أنَّ الرقابة الماليَّة والإداريَّة حظِيَتْ باهتمام المشرِّع العُماني حيث صدر المرسوم السُّلطاني رقم (111/2011) بإصدار قانون الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدوَلة، كما صدر المرسوم السُّلطاني رقم (112/2011) بإصدار قانون حماية المال العامِّ وتجنُّب تضارب المصالح، وذلك من أجْلِ تبنِّي مسارات تنمويَّة في الإدارة الماليَّة الفاعلة والتي بدأت بالتخطيط الاستراتيجي لتحقيق قِطاع حكومي فعَّال لأداء خدمات حكوميَّة بجودة عالية في التخطيط والتنظيم والمتابعة والتقويم، وأيضًا للموازنة بَيْنَ المسؤوليَّات التنمويَّة والتشغيليَّة لاستغلال موارد الدَّولة، وذلك فق أساليب رقابيَّة ومعايير تُسهم في تحقيق التنمية المنشودة من توظيف الميزانيَّات الحكوميَّة، هذا بالإضافة إلى عمليَّات الرقابة على الأداء من أجْلِ بيئة ملائمة من المؤسَّسات الشفَّافة والفعَّالة والتي تخضع للمساءلة، ولا سِيَّما في توجُّه سلطنة عُمان لتحقيق رؤية عُمان 2040 بتطبيق الحوكمة لتعزيز دَوْر الإدارة الرشيدة ودعم الإصلاح الإداري والمالي والارتقاء بالوطن إلى مصاف الدوَل الكبرى، والمحافظة على الشفافيَّة والنزاهة والحياديَّة.
إلى جانب تبنِّي خطَّة وطنيَّة لتعزيز النزاهة والتي تُعدُّ بمثابة الأداة المرجعيَّة للعمل الوطني والتكامل المؤسَّسي في مجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، ويأتي إعداد الخطَّة في إطار حرص سلطنة عُمان على تبنِّي أفضل الممارسات الدوَليَّة إلى جانب التزامها بالمتطلبات الواردة في اتفاقيَّة الأُمم المُتَّحدة لمكافحة الفساد، وذلك بهدف تعزيز التدابير الرامية لمكافحة الفساد، وتعزيز الكفاءة في استخدام الموارد، وتجسيد قِيَم العمل المؤسَّسي لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة.

د. رقية بنت إسماعيل الظاهرية
طبيبة وكاتبة عمانية

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: المال العام ة والإداری من خلال الدو ل کما أن

إقرأ أيضاً:

بعد فضيحة الفساد المالي في صندوق صيانة الطرق بعدن.. مطالبات بمحاسبة وإقالة القيادة

تصاعدت فضيحة الفساد المالي في صندوق صيانة الطرق والجسور بعدن، لتكشف عن عجز مالي ضخم تجاوز نصف مليار ريال يمني، وسط اتهامات لمسؤولين بارزين بالتورط في عمليات فساد مالي ممنهج، تأتي هذه التطورات في ظل وضع متدهور لشبكة الطرق، حيث تزداد الحوادث الناتجة عن غياب أعمال الصيانة وتأخر تنفيذ المشاريع الحيوية.

 

ما يميز هذه القضية أن الفساد لم يكن نتيجة نقص التمويل، بل بسبب تجاوزات إدارية ومالية خطيرة تورطت فيها قيادات داخل الصندوق، حيث تم تمرير عمليات صرف دون مستندات رسمية، ورغم صدور توجيهات باستعادة مبالغ ضخمة، إلا أنها لم تُنفذ حتى الآن، مما يثير تساؤلات حول نفوذ المتورطين، وقدرتهم على الإفلات من المساءلة.

 

في مواجهة هذه الانتهاكات، صعّد موظفو الصندوق من تحركاتهم، مطالبين بإقالة القيادات المتورطة وفتح تحقيق شفاف لاستعادة الأموال المنهوبة، ومع تزايد الضغوط الإعلامية والمطالبات بالمحاسبة، يبرز السؤال الأهم: هل ستتخذ الجهات المختصة إجراءات فعلية هذه المرة، أم أن القضية ستُدفن كما حدث في فضائح سابقة؟

 

عجز مالي ضخم وإهدار غير مبرر للأموال

 

تشير الوثائق الرسمية إلى اختلالات مالية جسيمة داخل صندوق صيانة الطرق، حيث تم صرف عشرات الملايين من الريالات دون أي مستندات قانونية، إضافة إلى عدم استرداد 60 مليون ريال سعودي رغم صدور توجيهات رسمية بذلك، ما أدى إلى عجز مالي يزيد عن نصف مليار ريال يمني.

 

المثير في القضية أن هذا العجز لم يكن بسبب نقص التمويل، بل نتيجة عمليات صرف غير قانونية تجاوزت القوانين المالية، مما يطرح تساؤلات خطيرة حول طبيعة الإدارة المالية للصندوق، وكيفية تمرير هذه التجاوزات دون أي رقابة حقيقية.

 

يؤكد خبراء اقتصاديون أن هذه التجاوزات تمثل نموذجًا صارخًا لإهدار المال العام، ما يفاقم الأزمات الخدمية، ويؤثر على تنفيذ مشاريع البنية التحتية، ويزيد من الأعباء المالية على الدولة.

 

تورط مسؤولين كبار في عمليات الفساد

 

لم تقتصر الاتهامات على رئيس مجلس إدارة الصندوق معين الماس، بل شملت عددًا من كبار المسؤولين، منهم:

مدير الشؤون القانونية مدير الحسابات مدير الدراسات مدير عام الإشراف مدير محطات الوزن المحوري مدير التخطيط والنظم والمعلومات

 

وتظهر الوثائق المسربة أن هؤلاء المسؤولين تورطوا في تمرير عمليات صرف غير قانونية، والتلاعب بالحسابات المالية، وعرقلة أي جهود لمراجعة الميزانيات وكشف التجاوزات، مما يشير إلى وجود شبكة فساد مترابطة داخل الصندوق، تعمل دون رقابة أو محاسبة فعلية.

 

تداعيات غياب الرقابة والمساءلة

 

تكشف هذه القضية عن أزمة أعمق تتعلق بضعف الرقابة المؤسسية وانعدام آليات المساءلة داخل المؤسسات الحكومية في المحافظات المحررة ،  فكيف يمكن لعجز مالي بهذا الحجم أن يمر دون محاسبة؟ وأين دور الجهات الرقابية من هذه التجاوزات المستمرة؟

 

هذه الأسئلة تفتح الباب أمام تساؤلات أوسع حول مدى انتشار الفساد داخل المؤسسات الحكومية، خصوصًا تلك المسؤولة عن تقديم خدمات مباشرة للمواطنين، ويشير محللون إلى أن غياب الرقابة والمحاسبة يؤدي إلى انهيار قطاعات حيوية مثل الطرق والصحة والتعليم، مما يزيد من معاناة المواطنين الذين يدفعون ثمن الفساد وسوء الإدارة.

 

تصعيد الموظفين: مطالبات بالإقالة والمحاسبة

 

في ظل استمرار الفساد داخل الصندوق، قرر الموظفون كسر حاجز الصمت، وأعلنوا عن تنظيم احتجاجات واسعة للمطالبة بـ إقالة رئيس مجلس الإدارة وكافة المسؤولين المتورطين، ومن المقرر أن تنطلق الوقفات الاحتجاجية أمام مقر الصندوق في مدينة إنماء، حيث يؤكد الموظفون أن تحركاتهم جاءت بعد تراكم الأدلة على الفساد، واستمرار الإدارة في تجاهل المطالبات بمراجعة الحسابات وكشف أوجه الصرف.

 

تصعيد الموظفين يعكس تنامي الوعي الداخلي بأهمية وقف الفساد، ورفض الاستمرار في التستر عليه، فاستمرار الإدارة الحالية يعني المزيد من تدهور قطاع الطرق والجسور، مما يشكل خطرًا مباشرًا على حياة المواطنين الذين يواجهون يوميًا مخاطر الطرق المتهالكة والحوادث المتكررة بسبب غياب أعمال الصيانة الدورية.

 

هل تتحرك السلطات لمحاسبة الفاسدين؟

 

في ظل تصاعد الضغوط الإعلامية واحتجاجات الموظفين، يبرز تساؤل رئيسي: هل ستتحرك السلطات المختصة لفتح تحقيق جاد في هذه الفضيحة، أم أن القضية ستُطوى كما طُويت قضايا فساد سابقة دون أي محاسبة؟

 

حتى الآن، لم تصدر الجهات الرقابية أي تصريحات رسمية بشأن القضية، ولم يتم الإعلان عن أي خطوات ملموسة لمحاسبة المسؤولين المتورطين، رغم توفر الوثائق التي تثبت وجود مخالفات مالية واضحة.

 

ومع ذلك، فإن تصاعد الحراك الشعبي والإعلامي قد يجعل من الصعب على الجهات المختصة تجاهل هذه الفضيحة، خاصة وأنها تتعلق بمؤسسة مسؤولة عن قطاع حيوي يعاني من مشكلات متفاقمة.

 

الفساد يهدد مستقبل مشاريع البنية التحتية

 

ما يحدث في صندوق صيانة الطرق ليس مجرد قضية فساد مالي عابرة، بل يعكس نمطًا ممنهجًا من الفساد الإداري والمالي، حيث تتحول الأموال المخصصة لمشاريع البنية التحتية إلى جيوب الفاسدين، بينما تبقى الطرق متهالكة والمشاريع متعثرة.

 

هذه الفضيحة تضع الحكومة أمام اختبار حقيقي:

 

إما اتخاذ إجراءات حازمة لمحاسبة الفاسدين، وضمان شفافية إدارة المشاريع الخدمية. أو الاستمرار في تجاهل هذه القضايا، ما يعني مزيدًا من الفساد، ومزيدًا من الأزمات التي يدفع المواطن ثمنها.

 

في النهاية، تبقى المساءلة والشفافية هما السبيل الوحيد لضمان عدم تكرار مثل هذه الفضائح، فهل ستكون هذه القضية نقطة تحول في ملف مكافحة الفساد، أم أنها مجرد رقم جديد يُضاف إلى قائمة الفضائح التي طُويت دون حساب؟

 


مقالات مشابهة

  • بتوجيهات محمد بن راشد.. دبي تواصل تبنّي خطط تنمويّة تعزز ريادتها العالمية
  • المشاط: نتوقع نمو الاقتصاد المصري بنسبة 4% بنهاية يونيو 2025 و4.5% في العام المالي المقبل
  • «خليفة التربوية» تبدأ مرحلة التقييم الميداني لأعمال المرشحين للدورة الـ 18
  • إبعاد سودانية ويمني خارج مصر لهذا السبب المهم.. تفاصيل
  • رئيس اللجنة المالية النيابية: الوضع المالي والاقتصادي في البلد جيد
  • البورصة توقع بروتوكول تعاون مع الجامعة المصرية الروسية لتعزيز الوعي المالي
  • بعد فضيحة الفساد المالي في صندوق صيانة الطرق بعدن.. مطالبات بمحاسبة وإقالة القيادة
  • سلامةالغذاء: تكثيف الرقابة على المصانع والمنشآت الغذائية
  • 434 حادث دهس خلال عام.. والشرطة تعزز الرقابة والتوعية المرورية
  • وزير قطاع الأعمال: الشراكة مع المطورين والشركاء الدوليين تعزز الاستثمار