الرقابة تعزز الإدارة الرشيدة للمال العام
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
تُعدُّ الرقابة الماليَّة والإداريَّة ركيزة أساسيَّة من ركائز التخطيط والتنظيم في الدوَل الحديثة، وتَعُودُ نشأة الرقابة الماليَّة إلى نشأة الدوَل وملكيَّتها للمال العامِّ وإدارته بطريقة رشيدة وأيضًا تطوُّر السُّلطات إلى قضائيَّة وتنفيذيَّة وتشريعيَّة. ومع ازدياد حجم المال العامِّ وتطوُّر مسؤوليَّات الدولة إلى إقامة العدل وحماية المال العامِّ وصون مقَدَّرات الوطن أدَّى إلى مفهوم الرقابة الماليَّة والإداريَّة الذي يُعدُّ بوصلة للاتِّجاه الفعلي لتحقيق التنمية المستدامة لمؤسَّسات الدوَلة؛ كونها المحرِّك الأساس لدعم الجهود الرقابيَّة لحماية الأموال العامَّة، وتعزيز الشفافيَّة من خلال أداء الدَّوْر الحازم لمختلف الأجهزة العُليا، ولتفعيل المحاسبة الماليَّة والتدقيق.
تُعدُّ الرقابة الماليَّة والإداريَّة من أُسُس النظام الديموقراطي الحديث، وهي منهج علمي متكامل يقوم على الإشراف والمراجعة والمتابعة من قِبل جهة مستقلَّة بطُرقٍ شفَّافة لمعرفة سَير العمل داخل الوحدة، والتأكُّد من حُسن إدارة الأموال العامَّة وفق الأغراض المخصَّصة له، وأنَّ جميع الموارد المتاحة تصرف وتحصل حسب ما تقرُّه القوانين والنُّظم وإجراء فحوصات موضوعيَّة مستقلَّة قائمة على أساس اقتفاء أثَر المعطيات والمعلومات في دَوْرة سَير العمليَّات الماليَّة بالجهات المشمولة بالرقابة، كما أنَّ الرقابة الإداريَّة من الممارسات المتَّبعة للتأكُّد من احترام القانون وتسهيل وتيسير الأعمال والخدمات للمستفيدين مِنْها لمختلف شرائح المُجتمع.
ينظر المتابع إلى دَوْر جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة في الفترة الأخيرة بأنَّ دَوْره أصبح يتجاوز رقابة الأعمال القائمة على كشف التجاوزات والأخطاء، بل امتدَّت إلى تحسين مستوى العمل والقضاء على الفجوات، وتصحيح ومعالجة الانحرافات التي تؤثِّر على الأداء؛ بطريقة فعَّالة في إطار مؤسَّسي مبنيٍّ على القوانين والشراكة مع الجهات الخاضعة لرقابته، وكذلك الشراكة مع المُجتمع من خلال نشر مُلخَّص المُجتمع بنتائج ما تضمنته التقارير السنويَّة للجهاز، وأيضًا من خلال تأطير المسير وتوجيهه، كما أنَّ عمل جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة يعتمد على مدى الصلاحيَّات الممنوحة له كجهة مستقلَّة للقيام بدَوْره على أكمل وجْهٍ، لِيكُونَ صمام الأمان الذي ينبِّه القيادة العُليا من وجود هدر أو إسراف أو تلاعب بأيِّ شكلٍ من الأشكال الماليَّة أو الإداريَّة.
وقَدْ شهد جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدَّولة تطوُّرًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، ويُعتقَد أنَّ ذلك يَعُودُ للقيادة الجديدة والتغييرات التي أُجريت في منهجيَّة عمله في العديد من الجوانب ذات الصِّلة بالعمل الرقابي، والتركيز على الوعي المُجتمعي من خلال الندوات والبرامج المختلفة والشراكة مع جميع الأطراف، والعمل على التعريف بالجهاز وأعماله، بالإضافة إلى التزامه بالتعاون والتنسيق مع المنظَّمات العالَميَّة ذات الصِّلة وأهمُّها (الأنتوساي، والأسوساي، والأرابوساي) وكذلك التعاون مع الأجهزة النظيرة الشَّقيقة والصَّديقة تماشيًا مع التوجُّه العالَمي من قِبل الكثير من الدوَل التي تضع حفظ وحماية المال العامِّ ركيزة أساسيَّة للتنمية المستدامة ولضمان سلامة النشاط المالي والإداري. إلَّا أنَّ دَوْر جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدوَلة يُعدُّ مرآة عاكسة لكفاءة الجهاز الإداري للدَّولة، والتأكُّد من أنَّ الأموال تصرف وفقًا لخطَّة الدَّولة السنويَّة والموازنة العامَّة، وفي الحدود المرسومة لها. كما أنَّه الضمان الوحيد لسلامة الأنشطة من أيِّ فساد أو اختراقات ماليَّة والحدِّ من الإسراف الذي لا مبرِّر له، والكشف عن مَواطن الإهمال أو التقصير في أداء واجبات الوظيفة العامَّة لمحاولة النهوض بها وإصلاحها وترشيدها إلى ما يخدم المصلحة العامَّة، ويضْمَن أنَّ الاعتمادات الماليَّة صُرفت في الأغراض المخصَّصة من أجْلِها، وأنَّ الإيرادات قَدْ تمَّ تحصيلها وفقًا للقوانين والأنظمة السَّارية. كما يهدف إلى تخفيض تكاليف الأداء في الأعمال الحكوميَّة، وضمان الاستغلال الأمثل للاعتمادات الماليَّة للجهات المشمولة برقابته.
وإيمانًا ويقينًا من المقام السَّامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بأهمِّية دعم الجهود نَحْوَ التنمية المستدامة، والمحافظة على المال العامِّ، أوْلَى عنايته الحكيمة بالأجهزة الرقابيَّة، ولا سِيَّما أنَّ تبعيَّتها تَعُودُ مباشرةً لجلالته، كما أنَّ الرقابة الماليَّة والإداريَّة حظِيَتْ باهتمام المشرِّع العُماني حيث صدر المرسوم السُّلطاني رقم (111/2011) بإصدار قانون الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدوَلة، كما صدر المرسوم السُّلطاني رقم (112/2011) بإصدار قانون حماية المال العامِّ وتجنُّب تضارب المصالح، وذلك من أجْلِ تبنِّي مسارات تنمويَّة في الإدارة الماليَّة الفاعلة والتي بدأت بالتخطيط الاستراتيجي لتحقيق قِطاع حكومي فعَّال لأداء خدمات حكوميَّة بجودة عالية في التخطيط والتنظيم والمتابعة والتقويم، وأيضًا للموازنة بَيْنَ المسؤوليَّات التنمويَّة والتشغيليَّة لاستغلال موارد الدَّولة، وذلك فق أساليب رقابيَّة ومعايير تُسهم في تحقيق التنمية المنشودة من توظيف الميزانيَّات الحكوميَّة، هذا بالإضافة إلى عمليَّات الرقابة على الأداء من أجْلِ بيئة ملائمة من المؤسَّسات الشفَّافة والفعَّالة والتي تخضع للمساءلة، ولا سِيَّما في توجُّه سلطنة عُمان لتحقيق رؤية عُمان 2040 بتطبيق الحوكمة لتعزيز دَوْر الإدارة الرشيدة ودعم الإصلاح الإداري والمالي والارتقاء بالوطن إلى مصاف الدوَل الكبرى، والمحافظة على الشفافيَّة والنزاهة والحياديَّة.
إلى جانب تبنِّي خطَّة وطنيَّة لتعزيز النزاهة والتي تُعدُّ بمثابة الأداة المرجعيَّة للعمل الوطني والتكامل المؤسَّسي في مجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، ويأتي إعداد الخطَّة في إطار حرص سلطنة عُمان على تبنِّي أفضل الممارسات الدوَليَّة إلى جانب التزامها بالمتطلبات الواردة في اتفاقيَّة الأُمم المُتَّحدة لمكافحة الفساد، وذلك بهدف تعزيز التدابير الرامية لمكافحة الفساد، وتعزيز الكفاءة في استخدام الموارد، وتجسيد قِيَم العمل المؤسَّسي لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة.
د. رقية بنت إسماعيل الظاهرية
طبيبة وكاتبة عمانية
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: المال العام ة والإداری من خلال الدو ل کما أن
إقرأ أيضاً:
632.3 مليون درهم إيرادات «دبي المالي» خلال 2024
دبي (الاتحاد)
أعلنت شركة سوق دبي المالي عن نتائجها الموحدة للسنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2024، حيث سجل السوق زيادة بنسبة632.3 مليون درهم إيرادات «دبي المالي» خلال 2024 مقارنة مع 329.6 مليون درهم في عام 2023.
وأعلنت الشركة عن تحقيق إجمالي إيرادات قدره 632.3 مليون درهم لكامل السنة المالية 2024، بنمو بلغ 15.5% مقارنة مع العام السابق.
وجاء هذا النمو مدفوعاً بأحجام التداول القوية وتدفقات رؤوس المال الوفيرة والزيادة اللافتة في نشاط المستثمرين من شريحتي الأفراد والمؤسسات، والأداء المستقر للسوق وكذلك تحسن عوائد الاستثمارات.
وحقق سوق دبي المالي نتائج قوية للفترة المنتهية في 31 ديسمبر 2024، مرسخاً مكانته باعتباره السوق المالي الرائد في المنطقة.
وشهد السوق خلال العام ثلاثة اكتتابات عامة أولية، بما في ذلك إدراج شركة «طلبات» الذي احتل المرتبة الأولى كأكبر طرح عام أولي للتكنولوجيا في العالم لهذا العام.
وحقق مؤشر سوق دبي المالي قفزة قوية بواقع 27.1%، مغلقاً عند مستوى 5,158.67 نقطة في نهاية العام، وهو المستوى الأعلى له منذ سبتمبر 2014، فيما شكّل إنجازاً بارزاً لفترة العقد الماضي.
كما حافظت دبي على مكانتها المتميزة كأفضل الأسواق أداءً في دول مجلس التعاون الخليجي للعام الثاني على التوالي، ويُعتبر هذا النمو اللافت للمؤشر أكبر مكسب سنوي خلال ثلاث سنوات ويعزز مسار سوق دبي المالي التصاعدي للعام الرابع على التوالي.
وارتفعت القيمة السوقية للشركات المدرجة في سوق دبي المالي خلال عام 2024 إلى 907 مليارات درهم، بزيادة بنسبة 32% مقارنة مع 688 مليار درهم في عام 2023.
وارتفع متوسط قيمة التداول اليومي بنسبة 5%، ليصل إلى 423 مليون درهم، في حين نما إجمالي قيمة التداول بنسبة 5.5% ليصل إلى 107 مليارات درهم.
وخلال اجتماع مجلس إدارة الشركة الخميس، تمت مناقشة النتائج السنوية وتم اعتمادها تمهيداً لعرضها خلال اجتماع الجمعية العمومية السنوية القادم، وأوصى مجلس الإدارة بتوزيع أرباح نقدية على المساهمين بقيمة 256 مليون درهم، وبنسبة 3.2% من رأس المال، و97% من إجمالي الأرباح المحتجزة القابلة للتوزيع.
وقال معالي هلال سعيد المري، رئيس مجلس إدارة سوق دبي المالي إن النتائج القوية التي حققها سوق دبي المالي تعد إنجازاً مهماً سيعزز مكانة دبي كوجهة رائدة تستقطب المستثمرين العالميين، بما يتماشى مع تطلعات القيادة الرشيدة لترسيخ مكانة الإمارة مركزاً مالياً عالمياً رائداً، حيث عزز سوق دبي المالي موقعه باعتباره السوق المالي الأفضل أداءً على مستوى المنطقة، مواصلاً تحقيق المزيد من النمو، بما يعكس رؤية دبي الطموحة، وبنيتها التحتية العالمية المستوى، إلى جانب التزامها الثابت بتوفير فرص جديدة للشركات والأفراد على حد سواء.
وقال حامد علي، الرئيس التنفيذي لسوق دبي المالي وناسداك دبي إن هذا العام شكل نقطة تحول مفصلية لأعمالنا، حيث وسعنا محفظتنا وأتحنا المزيد من الفرص لمجموعة متنوعة من المستثمرين والجهات المصدرة على حد سواء، ونجحنا من خلال البنية التحتية المبتكرة لسوق دبي المالي ومبادراتنا المتنوعة، في ترسيخ مكانة السوق الرائدة في طليعة الأسواق المالية، ما عزز الدور الريادي لمدينة دبي كوجهة عالمية رئيسة للنشاط المالي.
وأضاف أن إنجازات عام 2024 تعكس مستوى التطوّر والنمو في الأسواق المالية بدبي، ويسهم نجاح الاكتتابات البارزة التي شهدناها في عام 2024، إلى جانب زيادة نشاط التداول ومشاركة المستثمرين الأجانب، في تعزيز جاذبية دبي كوجهة مفضلة للشركات والمستثمرين من كافة أنحاء العالم.
واستقطب السوق خلال عام 138,262 مستثمراً جديداً، ما شكّل زيادة قوية بنسبة 120.5% مقارنة مع 62,676 مستثمراً جديداً في عام 2023، مع الإشارة إلى أن 85% من المستثمرين الجدد هم من الأجانب، حيث ساهم المستثمرون الأجانب بنشبة 50% من إجمالي قيمة التداول في عام 2024 مقارنة مع 47% في عام 2023 ، بحصة رأسمال بلغت 21% من إجمالي القيمة السوقية عند إغلاق السوق بنهاية العام.
وشهد السوق زيادة ملحوظة في إقبال المستثمرين من شريحة المؤسسات، حيث ارتفعت حصتهم في قيمة التداول ارتفاعاً كبيراً إلى 65% مقارنة مع 58% في عام 2023، وهو ما يعكس جاذبية السوق العالية بالنسبة لقاعدة متنوعة ومتنامية من المستثمرين. كما شهد سوق دبي المالي عاماً قوياً من الاكتتابات العامة الأولية، مسجلاً ثلاث عمليات إدراج ناجحة، تنوّعت بين الشركات العائلية وشركات القطاع الخاص والجهات الحكومية.
وأسهمت هذه الاكتتابات في تعزيز نشاط السوق بشكل كبير، حيث جمعت شركات باركن وسبينس وطلبات من خلال اكتتاباتها عوائد إجمالية بقيمة 10.48 مليار درهم، وهو ما شكل زيادة كبيرة مقارنة مع عوائد الاكتتابات العامة الأولية في عام 2023 والبالغة 1.97 مليار درهم.