5 إيرانيات يكتبن من السجن ويبعثن الأمل لبلادهن
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
كشفت صحيفتا "تريبيون" و"لو موند" الفرنسيَتان، عن 5 نصوص نشرتها في مقال واحد، كانت قد تلقتها من 5 نساء إيرانيات مُعتقلات على عدّة فترات، ونقلها سرّاً نشطاء حقوق الإنسان الإيرانيون من سجن إيفين شمال طهران، والذي بات يعجّ بالمئات من المؤيدين للحركة الاحتجاجية التي أعقبت وفاة مهسا أميني في 16 سبتمبر(أيلول) 2022.
وفي حين أنّ المعارضة الإيرانية في الخارج منقسمة ومن دون مشروع سياسي واضح أو موحّد، فإنّ رسائل هؤلاء النساء تجلب الأمل للشعب في بلادهن، وتُظهر أنّ الطريق إلى إيران ديمقراطية لن يأتي من الخارج، بل من داخل البلاد، وذلك وفقاً لما رأته الصحافة الفرنسية التي نبّهت إلى أنّ الجمهورية الإسلامية، لا تزال تواصل اليوم في جميع أنحاء أراضيها، شنّ حملة اعتقالات بين الناشطين السياسيين وعائلات ضحايا القمع في ذات الوقت، وذلك من أجل إجبارهم على الصمت ومنع موجة جديدة متوقعة من الاحتجاجات.
اعتقالات جديدة في #إيران قبل ذكرى وفاة #مهسا_أميني https://t.co/YMaJMM19Zb
— 24.ae (@20fourMedia) September 9, 2023وعادة ما يُطلق المعارضون الإيرانيون على هذا السجن اسم "جامعة إيفين"، حيث شهد، منذ عشرات السنين، اعتقال العديد من المثقفين والكتاب والممثلين والمخرجين والطلاب والنقابيين والمحامين والناشطين السياسيين. وتقع إيفين في شمال العاصمة الإيرانية، وهي شاهدة على عقود من النضال من أجل الديمقراطية من قبل الإيرانيين من مختلف الفئات الاجتماعية والثقافية والطبقات الاقتصادية.
وحذّرت يومية "لو موند" من أنّ الوضع الاقتصادي في إيران صعب للغاية، فالتضخم الذي يقترب من 60% سنوياً يُحطّم الأرقام القياسية في ارتفاع الأسعار وسوء المعيشة. كما ولا تبدو الحكومة مُستعدّة للتخلي عن التضييق على الحريات الفردية، بما في ذلك إلزام النساء بارتداء الحجاب، مما يزيد من سخط السكان بشكل عام. وفي هذا السياق المتقلب والمُتفجّر، فإنّ خطر حدوث حركة احتجاجية جديدة ليس ضئيلاً، وفقاً للصحيفة الفرنسية.
ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للحركة الاحتجاجية التي اندلعت بعد وفاة الشابة مهسا أميني، أثناء احتجازها لدى الشرطة الإيرانية، نشرت كل من "لو موند" و"تريبيون" رسائل 5 ناشطات سياسيات من سجينات إيفين، وصلتها بعد رحلة طويلة على الرغم من كافة المخاطر التي تتهدّد ناقليها.
وتشهد هذه الرسائل على الطابع غير المسبوق، في مدى انتشارها واستمراريتها والعنف الذي رافقها، للانتفاضة التي سرعان ما أصبح شعارها "المرأة، الحياة، الحرية"، والتي لا زالت مُستمرّة بأشكال جديدة، بعد أن تسببت في سقوط نحو 500 ضحية، واعتقال عشرات الآلاف من المتظاهرين، لا يزال العديد منهم خلف القضبان.
وبحسب النشطاء الإيرانيين والغربيين، فقد خلّفت الحملة القمعية على مدى عدّة شهور مئات القتلى وبأرقام تفوق المُعلن عنها رسمياً بكثير. وتتهم منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، الحكومة الإيرانية بممارسة القمع المُتزايد قبل ذكرى وفاة مهسا أميني.
‼️ Our crime is that we want to live ‼️
The message from five women political prisoners, Narges Mohammadi, Sepideh Qolian, Niloufar Bayani, Golrokh Iraei and Zainab Jalalian, published by Le Monde newspaper:#سالگرد_ژینا #WomanLifeFreedom
Jina #MahsaAmini https://t.co/36E23L7dhy pic.twitter.com/AX7wNZC7aR
يُشار إلى أنّ النصوص المذكورة التي تمّ تسريبها من سجن إيفين، قد وقّعتها كل من الناشطات زينب جلاليان، والباحثة نيلوفر بياني، والكاتبة غولروخ ابراهيمي ايرايي، والصحفيتان نرجس محمدي، وسبيده قليان.
وكتبت جلاليان (41 عاماً)، وهي أقدم سجينة في إيران والمُعتقلة السياسية الوحيدة المحكوم عليها بالسجن المؤبد: "خلف هذه الجدران، أعيش في انتظار اليوم الذي سآتي فيه إليك، وذراعاي مملوءتان بالورود" وتابعت تقول "نحن مذنبون بالرغبة في الحياة".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني إيران مهسا أميني مهسا أمینی
إقرأ أيضاً:
في أعماق غزة… تراجيديا الجوع تحت وطأة الاعتقال الكبير
يمانيون ـ تقرير
في عمق المعاناة، تمتد غزة كالمعتقل الكبير، حيث تُمارس الآلة الصهيونية أبشع جرائم الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع العالم. قنابل العدو تتساقط بلا هوادة، وقصف متواصل يقض مضاجع الأبرياء، وعمليات مداهمة واعتقالات لا تتوقف لحظة. تئن شوارع المخيمات تحت وطأة المجازر التي تُرتكب بين الفينة والأخرى، بينما تباد مئات الأسر بدون رقيب أو حسيب.
في هذا الضياع المظلم، تعكس الأجواء الشتائية القاسية صورة الوطن الذي يصارع البقاء؛ الأطفال والنساء والمسنون يعانون من قسوة الطقس وصعوبة الحياة. وحده الألم هو من يستمر، ولكن هناك جانب آخر لهذا الواقع المر، إذ تتزايد الاعتداءات على نقاط وشاحنات نقل المساعدات الإنسانية، حيث يتعرض السائقون للسرقة والابتزاز والتهديد من قِبَل قطاع طرق ولصوص يرسلهم العدو، ما يجعل الحصول على العون الغذائي والدوائي أشبه بمعجزة.
في هذا السياق البائس من فقدان الأمل في عالم فقد الإحساس بكل معاني ودلالات المسؤولية ليلوذ إلى الصمت، تُسرد حكايات تراجيديا الجوع في سجن كبير اسمه غزة لسجان متوحش اسمه الكيان المؤقت، لتعكس الصمود أمام قسوة الظروف، وتظهر العزيمة التي تتحدى المحن. إن هذه الدراما التراجيدية المتشابكة بين الألم والأمل، تجسد واقعًا متناقضًا لا ينفصل عن حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يواصلون الكفاح من أجل البقاء في مواجهة ظلم بلا حدود.
ماذا في المعتقل الكبير (غزة)؟
تحت سماء مشحونة بالغيوم الثقيلة، تسود أجواء من الكآبة بين أنقاض مخيم جباليا، حيث تتجلى مأساة الإنسان بكافة أبعادها، فغزة تبدو كالمعتقل الكبير الذي يسجن فيه الأمل، والأرواح يصطدم حلمها بالواقع المرير.
في كل صباح، يخرج هؤلاء الآباء، متسلحين بالإرادة والأمل، نحو الأراضي المفتوحة شرق المخيم. هناك، حيث يكمن الأمل الوحيد في الحصول على القليل من نبات “الخبيزة”، الذي أصبح سلاحهم في مواجهة الجوع القاتل. لكنهم مدركون تمامًا أن هذه المغامرة ليست خالية من المخاطر، فالجنود المجهزين بكل وسائل القتل يترصدونهم، في انتظار أي حركة مشبوهة.
مع كل خطوة يخطوها الأب، يخالج قلبه خوف مقلق؛ هل سيرى عائلته مجددًا، أو سيلتحق بركب الشهداء في تلك المنطقة المنكوبة؟ لكن الجوع ليس خيارًا، ومواجهة الموت من أجل إطعام الأحبة تبدو هي الخيار الوحيد. ويعود الأب إلى خيمته، حيث تجمع العائلة حول موقد يشعل فيه الحطب، لتبدأ عملية طهي “الخبيزة”، ليس فقط كوجبة، بل كرمز للأمل والمقاومة في زمن اليأس.
تتجلى العلاقة الإنسانية في هذه اللحظات البسيطة؛ أطفال يلتفون حول أمهاتهم، ينظرون إلى تلك الأكلة الشعبية البسيطة وكأنها كنز لا يُقدّر بثمن. يبتسمون رغم كل شيء، ومازال هناك جزء من براءتهم غير ملوث بالواقع المر، لكن قلوب الأمهات محروقة، فهن يتساءلن مع أنفسهن كل يوم: “كيف يُمكننا إطعامكم في الأيام القادمة؟“
سنبقى أحياءً لنروي قصة مقاومتنا للأجيال القادمة
تبدو أسواق المدينة أشبه بالأعجاز الخاوية، حيث تختفي مواد الغذاء من الرفوف والأسعار تحلق بعيدًا بعيداً في ظل انقطاع مصادر الرزق، إلا أن “الخبيزة” ما زالت تنمو في جوانب خلواته أراض الأمل، تُجسد صمود الشعب الفلسطيني في وجه آلة القتل المتوحشة. تمتزج رائحة الحب والصبر بكل ما يتداول في أركان المخيمات، بينما تنبعث من زوايا الإعياء الطاقة المتبقية في الإنسان الفلسطيني الذي لا يُقهر.
ومع شدة البرودة التي تخيم على غزة، تزداد معاناة الأسر، فالأطفال والمسنون يتحملون قسوة الشتاء القارص، مع انعدام وسائل التدفئة، وبينما تسقط الثلوج خارج الخيمة، تتدافع الأفكار في أذهان الأمهات: كيف ستجعل هؤلاء الأطفال يشعرون بدفء الأمن؟.
ومع ضيق ذات اليد، يتحول أصدقاء الجوع إلى أسرة واحدة، تتوزع حصص الألم بالتزامن مع صرخات الإرادة من خلف الجدران المنهارة: “لن نموت جوعًا، سنبقى أحياءً لنروي قصة مقاومتنا للأجيال القادمة.”
هكذا، تصبح قصة الجوع في غزة تراجيديا تحتوي على ألم الإنسان ونجاحه في البقاء، إذ يظل الشعب الفلسطيني عنوانًا للصمود والمقاومة في وجه الاستبداد، وأُسر تواصل النضال بكل الوسائل الممكنة. وفي النهاية، تبقى “الخبيزة” أكثر من مجرد غذاء؛ فهي رمز الأرواح الحرة التي ترفض أن تفقد الأمل في ظل الظلام الذي يحيط بها.
مواجهة الموت.. لحظات من الألم والأمل في غزة
ماجد، رجل في الأربعين من عمره، يشق طريقه عبر زقاق المخيم، عينيه مليئة بالتعب، وقلبه مثقل بالألم. كل صباحٍ، يقف على عتبته، مستمعًا إلى أصوات أطفاله الناعمة، الذين يتجمعون مع أقرانهم، حالمين بما قد تحمل لهم الايدي من أرغفة لسد جوعهم. لكن، مع كل لحظة تمر، يتلاشى الأمل شيئًا فشيئًا.
الظروف القاسية عكست صورة قاتمة عن الحياة في شمال غزة، فكل عائلة تعاني مثل الأخرى، الغالبية تحت وقع المجاعة التي تضرب المنطقة بلا هوادة. منذ انطلاق الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، تحوّلت الحياة إلى كابوس مستمر نتيجة سياسات الاحتلال، التي تقضي بمنع إدخال الطعام حتى للعينات القليلة.
تدور في أذهان الكثيرين الأرقام المروعة؛ ثمانية حالات وفاة في منطقة الشمال بسبب المجاعة وسوء التغذية كما ذكر إسماعيل الثوابتة. يتذكر ماجد واحدة من تلك الحالات، والتي لم تكن سوى جاره، أبو سامي، الذي توفي بعد أيام من المعاناة بسبب الجوع، تاركًا وراءه عائلة ممزقة.
يقول ماجد: “لا أستطيع استيعاب كيف يمكن للعالم أن يشاهد كل هذا ويسكت”. الضحايا هنا هم من الأطفال وكبار السن، ومن لا حول لهم ولا قوة، ما يجعل الوضع أكثر مأساوية. لا يقتصر الأمر على الجوع فقط، بل هناك حوالي 60 ألف سيدة حامل لا يجدن الرعاية الصحية اللازمة، والذي قد يؤدي إلى جيل بلا ملامح مستقبلية.
في ظل هذه الأوضاع، ترددت أنباء الصعوبات التي تواجهها الأسر. رائد النمس، المتحدث الرسمي لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أشار إلى حالات الوفاة الناتجة عن الجوع، مؤكدًا على الارتفاع الملحوظ في إصابات فقر الدم بين الأطفال وكبار السن. يشير إلى أن العائلات تضطر إلى تناول غذاء فاسد يسبب التسمم بسبب انعدام الخيارات النظيفة، ووضع المستعمرات الإسرائيلية التي تعترض القوافل الغذائية.
ومع كل ذلك، يبقى ماجد يبحث عن أي فرصة لتمكين أسرته من تجاوز هذه المحنة. يجذب الأطفال، ويقول لهم بلهجة مليئة بالأمل: “الأيام الصعبة ستنتهي، وسنجد الطعام قريبًا”. لكن قلبه في عمق المعاناة يستغيث: “كيف نأكل، ونحن لا نجد ما يباع في الأسواق حتى القليل من الحبوب التي تقدم للحيوانات؟“.
الأمل لا يكفي
في تلك اللحظات العصيبة، تنتشر قصص الصمود والأمل بين الجدران المتصدعة، قصص عن أطفال لا يزالون يحلمون بسماع هذه الكلمات: “الغد أفضل”. لكن، الواقع يؤكد أن الأمل لا يكفي وحده، وأن الحاجة إلى الغذاء والدواء باتت أكثر إلحاحًا مع كل دقيقة تمر. يتأمل ماجد في وجوه أطفاله، فيعتصر في دواخله الصراع المحتدم ما بين الأمل واليأس.
مع شدة الألم، يتذكر ماجد الأيام التي كان فيها أطفال الحي يتشاركون الضحك على ألعابهم البسيطة، بينما الآن، الحياة لم تعد قادرة على إخفاء القسوة المفروضة عليهم. يبقى الحلم حيًا، لكنه كبيت من زجاج متهشم يوشك على الانهيار بتأثير الواقع.
في غزة، الحكايات تتكرّر، والمآسي لا تعود إلى الوراء بل تتزايد في التعداد، ومع كل حالة وفاة جديدة، تزيد الجراح عمقًا، لكن الأمل يبقى نابتًا في قلوب الغزاويين، يرفض الزوال مهما طالت يد وطأة التوحش الصهيوني والمجاعة. وفي خضم كل هذا، يبقى ماجد وأمثاله، ومن زوايا الظلام، يقفون في صفوف المقاومة، في إصرار أذهل العالم يتطلعون إلى غدٍ يحمل بوارق الأمل كاملة في حتمية الانتصار.