إفريقيا العربية
يواصل الروس والصينيون التوغل داخل الاقتصادات الإفريقية بعد قرون من الهيمنة الأوروبية التي خلفت وراءها كوارث بلا حصر.
تحاول دول أوروبا ومعها أمريكا تدارك الموقف لأن الصراع على إفريقيا وثرواتها الكبيرة هو الذي سيحدد أوزان عدد من الاقتصادات العالمية.
عربيًا تبدو أفريقيا العربية معنية بشكل مباشر بما يحدث من صراعات القوى الدولية على أرضها أو على حدودها المباشرة ومجالها الحيوي.
ما تأثير ما يحدث بأفريقيا على الواقع العربي والتغيرات السريعة التي تشهدها المنطقة وسط عاصفة من التسريبات والتكهنات والتأويلات والتنبؤات؟
استقرار إفريقيا وأمنها يضمن استقرار جزء كبير من البلاد العربية ويجب اعتبار الفوضى الزاحفة عليها تهديدا صريحا للمنطقة كلها من المحيط إلى الخليج.
انقلاب النيجر ثم انقلاب الغابون في قلب النفوذ الفرنسي يؤشران على تحول عميق في موازين القوى بأفريقيا التي تثير لعاب القوى الدولية القديمة والجديدة.
لا يمكن فصل إفريقيا جنوب الصحراء عن المنطقة العربية كساحة أساسية لصراع الأقطاب الجديدة كما ظهر بعد ثوة ليبيا وتمدد الميليشيات الأجنبية خاصة فاغنر بالسودان.
* * *
صحيح أن إفريقيا محسوبة على دول وسطها وجنوبها أو ما يسمى «القارة السمراء» رغم وجود جزء كبير منها مغطى بالكيانات العربية في الشمال وصولا إلى الصومال والسودان وموريتانيا.
لكن ما يهمنا هنا هو تأثير ما يحدث هناك على الواقع العربي وعلى التغيرات السريعة التي تشهدها المنطقة وسط عاصفة من التسريبات والتكهنات والتأويلات والتنبؤات.
انقلاب النيجر ثم انقلاب الغابون في قلب منطقة النفوذ الفرنسي يؤشران معا على تحول عميق في موازين القوى بالقارة التي تثير لعاب القوى الدولية القديمة والجديدة.
فالروس والصينيون يواصلون التوغل داخل الاقتصادات الإفريقية بعد قرون من الهيمنة الأوروبية التي خلفت وراءها كوارث لا يمكن حصرها.
من جهة أخرى تحاول الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة تدارك الموقف لأن الصراع على إفريقيا وثرواتها الكبيرة هو الذي سيحدد أوزان عدد من الاقتصادات العالمية.
من هذه الزاوية لا ينفصل الصراع في إفريقيا عنه في أوروبا الشرقية بين روسيا وأوكرانيا لكنه يمثل طورا جديدا من أطوار النزاع على مناطق النفوذ في العالم.
عربيا تبدو أفريقيا العربية معنية بشكل مباشر بما يحدث من صراعات القوى الدولية على أرضها أو على حدودها المباشرة ومجالها الحيوي.
فما حدث خلال الثورات الأخيرة من تدخل القوى الدولية كما هو الأمر في ليبيا وسوريا واليمن قد أكّد على أن هذه المنطقة لا تزال ترزح تحت التأثير المباشر للقوى الدولية المهيمنة عسكريا واقتصاديا.
لا يمكن إذن فصل المشهد في إفريقيا جنوب الصحراء عنه في المنطقة العربية كما أن هذه الدول تعتبر اليوم ساحة أساسية من ساحات الصراع بين الأقطاب الجديدة الأمر الذي ظهر جليا بعد الثوة الليبية وكذلك في السودان المجاور مع تمدد الميليشيات الأجنبية وخاصة ميليشيا فاغنر.
استقرار إفريقيا وأمنها هو الضامن لاستقرار جزء كبير من البلاد العربية ولا يمكن اعتبار الفوضى الزاحفة عليها إلا تهديدا صريحا للمنطقة كلها من المحيط إلى الخليج.
*د. محمد هنيد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس
المصدر | الوطنالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أفريقيا العرب الفوضى الروس الصينيون ميليشيا فاغنر أفريقيا العربية جنوب الصحراء انقلاب النيجر انقلاب الغابون النفوذ الفرنسي موازين القوى القوى الدولية القوى الدولیة لا یمکن ما یحدث
إقرأ أيضاً:
القوى المعارضة لـحزب الله… إضعافه هدف كاف!
تستمر القوى السياسية اللبنانية في عملية تفاوض حثيثة وقاسية من أجل الوصول الى تشكيل حكومة جديدة بعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتكليف القاضي نواف سلام لرئاسة للحكومة. وعليه فإنّ هذه القوى تسعى لتحسين واقعها وشروطها ومكاسبها في المرحلة المقبلة التي يمكن القول بأنها بدأت في الداخل اللبناني.لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة، ماذا ستحقق القوى السياسية في حال استطاعت ان تُحرز تقدّماً سياسياً على خصومها في الداخل اللبناني، وهل من الممكن فعلياً "تقريش" هذا التقدّم على المستويين الاقليمي أو الداخلي على المدى الطويل، سيّما وأن الحكومة الحالية لن يطول عمرها لأكثر من عام ونصف العام في حال تأليفها غداً.
الحكومة ليست معياراً للانتصار أو الخسارة، ورغم ذلك فإنّ القوى المُعارضة لحزب الله تعتقد أن تقدّمها داخل الحكومة وعزل "الحزب" أو إضعاف حصّته سيعني حتماً انعكاساً سياسياً مباشراً ومصلحة كاملة من التطورات الاقليمية، إذ إنّ هذه القوى لا يمكن لها الاستفادة من خسارة "حزب الله" الاقليمية والعسكرية الا في الواقع السياسي الداخلي.
في سياق متّصل فإنّ هذه القوى ستستفيد أيضاً على المدى الطويل، خصوصاً وأنها ستبني في المرحلة المقبلة تحالفات مع مختلف الطوائف اللبنانية وتبدأ بفتح معركتها في السّاحة الشيعية بهدف إضعاف "حزب الله" حتى وإن لم تنجح في ذلك الا أنّ تكتّلاتها قد تُفسح المجال أمامها للفوز في الانتخابات النيابية المقبلة والحفاظ على حضورها لاربع سنوات جديدة، وهذا الامر يبدو كافياً بالنسبة اليها في هذه المرحلة.
في المقابل فإنّ "حزب الله" لا يحتاج سوى الى تكريس حضوره الحالي، أي أنه ليس في وارد الطموح الى مستوى مرتفع جداً من التقدم السياسي، بل إنه بعد كل الضربات التي تلقّاها يبدو أن أقصى تطلّعاته هي الحفاظ على واقعه السياسي الحالي، وهذا بحدّ ذاته سيُعدّ انتصارًا يساهم في تعزيز قوّته بعد إعادة ترميمها وبدء مرحلة جديدة من أجل الوصول الى استعادة كامل قوّته السياسية ونفوذه في الداخل اللبناني.
المصدر: خاص لبنان24