مُمثِّلًا لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه اللهُ ورعاه- ترأس صاحبُ السُّمو السّيد أسعد بن طارق آل سعيد نائبُ رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثلُ الخاص لجلالةِ السُّلطان وفد سلطنة عُمان في أعمال الجلسة الختامية للقمة الـ18 لمجموعة العشرين التي عُقدت في العاصمة الهندية نيودلهي.

وقد ألقى سُموّه كلمة في الجلسة الختامية للقمة الـ18 لمجموعة العشرين تطرق فيها إلى تأكيد سلطنة عُمان على الأھمیة القصوى للعمل المشترك واتفاقها مع رؤية الرئاسة الھندیة لبناء "مستقبل واحد" للحضارة البشرية خاصة في ظل التحديات المُتوقع مواجهتها خلال الأعوام القادمة.

وقال سُموّه: إن سلطنة عُمان تثمّن الموضوعات التي تمت مناقشتها وتركّزت على تمويل مدن المستقبل، وتُشارك رؤية الرئاسة الهندية في حق الجهات المختصة، وخاصة جھات التمويل الدولية بوضع ھذه المساعي في الحُسبان عند تخطيط البُنى الأساسية وتمویلھا.

وعبّر سُموّه عن ترحيب سلطنة عُمان بالجھود الملحوظة خلال العديد من المسارات التي تسعى لتحديد خارطة المھارات العالمیة وتقلیص الفجوة الكامنة بینھا وبين متطلبات سوق العمل.

ولفت سُموّه إلى أن البُنى الأساسية الرقمية، وتكریسھا لخدمة الجمیع، سیكون له دور مھم في تحقیق النمو الاقتصادي المُستدام، وهذا يتوافق مع مساعي سلطنة عُمان التي ترحّب بالمبادرات التي تجعل سُبل المعرفة مُتاحة للجمیع، وتتفق مع دول المجموعة لبناء مبادئ آمنة وموثوق بها وراسخة للاقتصاد الرقمي.

ووضّح سُموّه أن رؤية عُمان 2040 تولي التعليم والبحث العلمي والابتكار أھمیة بالغة دعمًا لأھداف سلطنة عُمان التنمویة، والتأكيد على التمویل المستدام لھذه القطاعات المحوریة، والاستثمار في الموارد البشریة في سبیل بناء اقتصاد معرفي متنوع یواكب متطلبات العصر وریادة الأعمال، وقادر على مواجھة التحدیات وتجاوزھا.

وثمّن سُموّه دعوة جمهورية الهند سلطنة عُمان للمشاركة في القمة الـ18 لمجموعة العشرين وهي دلالة على عمق العلاقات التي تجمع بين البلدين الصدیقین مهنئا جمهورية الهند الصديقة على الھبوط الناجح على سطح القمر، والذي یمثل إنجازا كبيرا ونقطة تحوّل نحو مستقبل واعد.

كما هنّأ سُموّه الاتحاد الأفريقي على انضمامه عضوًا لمجموعة العشرين، مُعربا في ختام كلمته عن أطيب تمنّيات سلطنة عُمان لحكومة البرازيل الصديقة على تولّيها رئاسة الدورة القادمة لاجتماعات مجموعة العشرين.

وقبيل عقد الجلسة الختامية، زار صاحبُ السُّمو السّيد أسعد بن طارق آل سعيد نائبُ رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثلُ الخاصّ لجلالةِ السُّلطان وبقية رؤساء الوفود المشاركة في القمة النصب التذكاري للمهاتما غاندي في العاصمة الهندية نيودلهي ووضعوا باقة من الزهور على النصب.

وحملت القمة الـ18 لمجموعة العشرين شعار "أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد" وركزت على موضوع التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تدابير لنشر النمو الاقتصادي بشكل أكثر توازنا بين البلدان المتقدمة والنامية.

وناقشت القمة العديد من القضايا المهمة، من بينها سبل تعزيز التنمية الخضراء وتمويل خطط مواجهة تأثيرات التغيرات المناخية وبرنامج الاتحاد الأوروبي للبيئة والعمل المناخي، وتعزيز النمو الاقتصادي القوي والمستدام والتقدم الذي حدث في جهود تنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والتحول التكنولوجي والبنية الأساسية الرقمية وجهود المؤسسات الدولية في تعزيز التنمية.

كما ركزت على موضوعات متنوعة كالقروض المقدمة للدول النامية وهيكلة الديون وتنظيم العملات المشفرة والتوترات الجيوسياسية.

جدير بالذكر، أن مشاركة سلطنة عُمان في الدورة الـ١٨ لمجموعة العشرين جاءت بدعوة خاصة من جمهورية الهند الصديقة، لتؤكد على عمق العلاقات بين البلدين، وترسيخا لمكانة سلطنة عُمان باعتبارها أحد الشركاء الفاعلين على الصعيدين الإقليمي والدولي.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«الحماية الاجتماعية» سلطنة عمان .. فصاحة سياسية وجماليات المواطنة

فـي عام 1791م صدر «قانون لو شابيلييه» والذي يحظر عمل التجمعات المهنية النشطة من أجل توفـير الحقوق الاجتماعية للعمال، لكن رغم ذلك وبعيدا عن أعين السلطات نشأ ما يسمى بجمعيات المساعدة المتبادلة والتي كان غرضها مساندة من يفقدون وظائفهم أو يتعرضون لإصابة عمل، وهكذا ظل الأمر فـي توتر بين القوى المهنية والسلطات، ما اضطر عُمَّال فرنسا الانتظار حتى 1898م حيث صدر «ميثاق التعاونية». والجمهورية رائدة فـي مجال الحماية الاجتماعية وقد صاغت تصورا فلسفـيا فـي 1945م، تصورٌ يستجيب للخصائص الثقافـية، ما جعل مظلتها الاجتماعية مُشبعة بالكثير من الالتزامات الأخلاقية تجاه الشرائح الأضعف.

والواقع أن تعبير «حماية» يحمل دلالات واسعة تستند على مفهوم أنْسنَة أساليب الحكم والإدارة، كَوْن الحماية الاجتماعية شكلٌ من أشكال التَّضَامُن يبني قيما مشتركة فـي المجتمعات، ويكرس مفاهيم المساواة والحرية.

ويقف ضد مفهوم « السِّعْر» كمعنى اقتصادي متجذر فـي الدولة الحديثة يحدد علاقتها بمواطنيها، وهنا فالقيمة المركزية المُحَرِّكة للسلطة قيمة أخلاقية متعددة الجوانب، فـ «الخير والعدالة» بل حتى جماليات القانون، وهذه كلها سيعاد ترتيبها فـي سياق أكثر إنسانية يرتفع بفكرة الدولة من مجرد آلية تنفـيذية إلى فضاء سياسي يعتمد فـي أشغاله توفـير الحقوق وتسنيدها إلى جملة مظاهر التمثيلات الاجتماعية للفردي والجماعي فـي المجال العام. وفـي لغتنا تكتسب لفظة «حماية» معنى أكثر بلاغة، فالحماية هي «الوقاية» وحمَى الشَّيءَ من النَّاس: منعه عنهم، والحقيقة أنه جَرَتِ العادة أن تقوم الدول بصياغة قوانين لحماية مجالها الاقتصادي ما يدفعها أحيانا إلى التدخل فـي توجيهه لتحقيق أهداف ربحية من الأساس، ومن ذلك تشجيعها الصناعات المحلية وفرض رسوم جمركية على بعض الواردات، كل هذا مفهوم ومعلوم، لكن تتجلى إنسانية حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه، فـي رؤية عميقة للسياق الاجتماعي لشعبه فإصداره المرسوم السلطاني الخاص بالحماية الاجتماعية فـي عام 2023م، يكشف عن امتلاكه فلسفة اجتماعية متقدمة بمعايير وطننا العربي، فلسفة قِيَم أهمها قيِّم المواطنة والتَّضمين الإيجابي، وهو اعتراف بليغ بأن المجتمع يشكل مرجعية وأنه مرآة ترى فـيها السلطة نفسها أكثر. فالشرائح التي يخدمها هذا القانون هي: (كبار السن، الأطفال، ذوو الإعاقة، الأيتام والأرامل، الأسر المتعففة).

ويكشف هذا التقسيم استناده إلى نظرية اجتماعية مرتبطة بأبعاد أخلاقية، أما ومن هذه الشرائح كبار السِّن وهي فئة مهملة فـي منطقتنا العربية، ومن مظاهر هذا الإهمال أنهم وبعد حياة حافلة بالعطاء والنشاط يُحْتَبَسُونَ فـي فضاء محدود، ليعيشوا حالات من العزلة الشعورية بسبب تباين نشاطهم الاجتماعي وبقية الشرائح الأخرى، وما زلت أذكر جَدَّي وهو يُودّع حياته المهنية وكيف تبدلت أحواله النفسية وتغيرت طبائع سلوكه، فالرجل اختار مكانا خاصا فـي الدار كإعلان عن عزلة إجبارية مظهرها الأجلى فقدانه دوره القديم فـي رعاية الأسرة، ما انتهى إلى ابتعاده تدريجيا عن الجميع، والمُشرق فعلا فـي هذا القانون أنه يشمل النساء ممن بلغن الستين، والحق أنها التفاتة مشبعة بقيمة العدالة الاجتماعية، فهذه الشريحة من أمهاتنا وجدَّاتنَا يعيشون على الهامش الاجتماعي، ليأتي هذا القانون حماية لهن وبموجبه لن يكون من المحتمل أصلاً التفكير فـي مؤسسات لرعايتهن فـي حال تسربت مستقبلا فكرة دار للعجزة، فالتعبير السابق «عَجزة» يرتبط أكثر بعدم القدرة على الإنتاج فـي نواح عديدة، ولابد من إشارة أن هذا الفعل يضع سجال النسوية فـي مأزق، ويُغَيِّر فـي طبيعته بجعله نابعا من سياقه الخاص وليس مجرد صدى لما يبيعه لنا الوعي الغربي، وهنا تكمن صلاحية هذا الفعل بصورة لا مثيل لها، وبالتالي يعالج جملة مشكلات بطريقة استشرافـية متينة التركيب لأن إيلاء الاهتمام بهذه الفئة من المجتمع يعزز عمليات التضمين فـيها هذا خلاف أنه اعتراف وتكريم مستحق ويمدها بالقدرة على الإسهام فـي العطاء ويُحَسّن من سلامها النفسي، ومن المكاسب الخفـية أن ديمومة القدرة المالية لهذه الفئة يشكل حافزا لها للانخراط أكثر فـي المجال الأسري والعام ما يُقْوِي من عمليات التمثيل الاجتماعي المتوازن.

أما الأكثر بلاغة فـي هذا القانون اهتمامه بشريحة الأطفال، والواقع أن هذا أمر غير مسبوق، ولكن ما يلفت أكثر، ليس فقط الجانب المادي من المنفعة، بل الفصاحة السياسية المؤنسِنة لِقيم الحداثة، ويضيف هذا القانون بعدا جديدا فـي مفهوم المواطنة، ذلك أنه قد استقر مفهوم «الحقوق والواجبات» كثنائية جوهرية فـيها، لكن هذا القانون يخترق الإطار بحيث يقدم الحق على الواجب بهدف تمكين الأطفال من بناء هويتهم المالية، ولا يكفـي النظر إلى هذه المسألة كآلية من آليات تحسين دخل الأسرة فقط، بل إن الجانب الأقوى فـيها تعميره الرابطة التي ستنشأ بين أجيال من الأطفال ووطنهم الأم، فهذه المنفعة تقدم دعما ماليا شهريا لهم من الولادة وحتى سن 18 عاما، وهذه رؤية واعية بأهمية ربط السياسة بالاجتماعي قبل الإجرائي، وما تعالجه هذه المنفعة شيء آخر شديد الأهمية وهو زيادة الوعي بالسياسة المالية للطفل، فللأسف يتأخر أطفالنا فـي تقدير جهد معيليهم وتنمو حاستهم تجاه هذه الرعاية بصورة اعتمادية ما يكرس فـيهم أبوية خالدة تنتقل من الأسرة إلى الدولة، أما الآن فإنهم يزدادون وعيا بأهمية الثقافة الادخارية، وسبل كسب العيش ما يقف بقوة ضد أي تفلتات اجتماعية قد يتسبب فـيها الفقر، وفـي هذا وعي عظيم بضرورة ترابط البنى وأهمية الحفاظ على التوازن الخادم لفكرة السلام الاجتماعي، هذا من جانب، والجانب الآخر أن فكرة الوطن ستتعمق فـي وعيهم بقوة، ما يحفز فـيهم الانتماء الفَعَّال ليس فقط لحصولهم على المال بل الأمر يتعلق بتوطيد الصلة العقلية والوجدانية مع وطنٍ يَعتبر أطفاله مواطنين كاملي الأهلية حتى وإن لم ينخرطوا بَعْد فـي السياقات التقليدية لخدمة أوطانهم.

ينبغي الكشف أكثر عن الجوانب الاجتماعية فـي قانون الحماية الاجتماعية، وضرورة قياس الأثر والعمل على تأسيس «مختبر» يعمل على مراقبة هذه العلاقات التي تقوم بين عناصر التكوين الاجتماعي طمعا فـي تطويرها وتلافـي أي قصور قد يعتريها، وستظل الفائدة الأكبر هي الحفاظ على التماسك الجمعي للشعب، وحماية أفراده من أي توترات قد تتغذى على عناصر غير مراقبة فـي الظاهرة، وما يُسْتَخلص من قانون الحماية الاجتماعية فـي سلطنة عمان أنه يؤسس لمعنى جديد فـي الحكم والسلطة، معنى يستند على المواطنة الجمالية فـي أكثر تجلياتها إنسانية.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

مقالات مشابهة

  • سلطنة عُمان تؤكد موقفها الراسخ من القضية الفلسطينية.. و"قمة القاهرة" تنعقد في مرحلة مفصلية
  • وزير الصناعة التقى سفير سلطنة عمان.. هذا ما تمّ بحثه
  • ختام فعاليات التدريب المصرى الهندى المشترك «إعصار- 3».. صور
  • صور.. ختام فعاليات التدريب المصري الهندي المشترك (إعصار- 3)
  • ختام فعاليات التدريب المصرى الهندي المشترك إعصار- 3
  • مي كساب تؤكد ضرورة الاهتمام بتنمية العقول وتعزيز الفكر الإبداعي لدى الشباب
  • المهرجانات.. رافد اقتصادي وسياحي يدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
  • مفوضية الاتحاد الأوروبي تؤكد أهمية تعزيز التعاون التجاري والاستثماري مع مصر
  • تداعيات بقاء إيران في القائمة السوداء لمجموعة فاتف
  • «الحماية الاجتماعية» سلطنة عمان .. فصاحة سياسية وجماليات المواطنة