رابطة الجامعات الإسلامية تناقش تحديات الذكاء الاصطناعي وسبل توظيفه لخدمة الدعوة الدينية
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
قال الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية الدكتور سامي الشريف إن التكنولوجيا الحديثة بأخطارها لم تحظ باهتمام مبالغ فيه مثلما حظيت تكنولوجيا "الذكاء الاصطناعي"، فمنذ ظهورها احتلت مساحات واسعة من النقاشات المجتمعية.
جاء ذلك خلال ترؤس الأمين العام للرابطة، للجلسة العلمية السادسة بعنوان (الرؤية الإعلامية للتعامل مع الفضاء الإلكتروني)، وذلك ضمن المؤتمر الرابع والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، حيث تم استعراض ورقة العمل التي تقدم بها للمؤتمر.
وأضاف الشريف أنه إذا كانت تلك التحذيرات تنطلق من منطلقات علمية تتعلق بمخاطر الذكاء الاصطناعي بمجالات الطب والصناعة والأسلحة التي يمكنها أن تخرج من نطاق سيطرة الإنسان الذي اخترعها، فإن الأخطر هو أن تلك المخاطر أضحت قريبة إلى حد كبير من دائرة الأخلاقيات وأصولها والأديان.
وأوضح أن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت قد شددت - في سبتمبر2021 - على ضرورة وقف بيع واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل خطرًا جسيمًا يهدد حقوق الإنسان، كما دعت لحظر تطبيقات الذكاء الاصطناعي وضبط ممارساتها وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وتطرقت ورقة العمل لعلاقة الذكاء الصناعي بالأيدولوجيا، فهناك علاقة ارتباطية بين الإنجازات المبهرة التي تحدث بمجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والخطاب الأخلاقي والقيمي، فكلما زادت نجاحات وإنجازات البحث العلمي تطور الجانب الأخلاقي لتحديد مواقف المجتمعات المختلفة منها.
وفي مراحل الازدهار العلمي والبحثي يزداد الحضور القوي للخطاب الأخلاقي والقيمي؛ لتحديد مدى التزام البحث العلمي بالمعايير الأخلاقية، لذا فقد اهتمت منظمة اليونسكو بأهمية وضع خطوط واضحة حول الحدود الإنسانية والأخلاقية التى يجب أن تحكم تطبيق تلك التقنيات واستخداماتها.
وحول علاقة الذكاء الاصطناعي بالأديان، أوضح الأمين العام للرابطة أنه في عام 2022 اقتحمت تقنيات الذكاء الاصطناعي دور العبادة وتواترت الأحاديث عن إمكانية استبدال الروبوتات الصناعية برجال الدين بالمسيحية واليهودية أسوة بما تم فب الديانة البوذية.
وأضاف أن رجال الدين في أوروبا قد أثاروا موجة من الاعتراضات على قيام الروبوتات بأدوارهم التقليدية، حيث يتم التخزين في ذاكرتها كل ما يلزم من معلومات لوعظ المؤمنين والإجابة على جميع تساؤلاتهم وتوجيههم للقيام بكل الطقوس والعبادات، وإن كانت تلك الروبوتات تخلو من الروح والمشاعر.
وأشار إلى أن المطورين بمجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يسعوا أيضا لإنتاج روبوتات ذات طبيعة دينية تؤمن بنفس ديانة منشئها، وذلك يطرح تساؤلًا كبيرًا مفاده: هل يشهد المستقبل القريب رقمنة كاملة للدين؟!.
وأكد أهمية التركير على كيفية تأثير الذكاء الاصطناعى على التحيز ضد الإسلام، حيث قدمت التقنيات الحديثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعى وما قبله من اختراعات العديد من الألعاب الإلكترونية التي تكشف بلا مواربة حدة العداء الذى يكنه الغرب للإسلام والمسلمين، والذي تتواصل حلقاته كل يوم بدءًا من كتابات المستشرقين ومرورًا بالرسوم المسيئة للرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ووصولًا لحرق نسخ من المصحف الشريف بعواصم أوروبية عديدة بما يخالف كل الدساتير والقوانين ويؤجج مشاعر المسلمين والإنسانية في كل مكان.
وقال: "إن هناك عشرات الألعاب الإلكترونية مثل لعبة Call Duty، ولعبة Fortnite ولعبة Resident Evil وغيرها من الألعاب التي تستهدف الإساءة لصورة الإسلام والمسلمين والتي تلقى انتشارا واسعا في أوساط الأطفال والشباب بمختلف دول العالم، وتمثل نموذجا فاضحا للحض على الكراهية وازدراء الدين الإسلامي ومقدسات المسلمين".
وأضاف: "أن هذه الألعاب تعد انتهاكا لكل المواثيق والشرائع، حيث تهئ الأطفال منذ الصغر للتطرف والعنف والكراهية، فالكثير من أطفالنا في الدول العربية والإسلامية يقبلون على تلك الألعاب دون فهم أو إدراك لخطورتها بما تتضمنه من إساءات للدين الإسلامي ولنبيه عليه أفضل الصلاة والسلام".
وتابع: "لسنا مع أولئك الذين ينادون بمقاطعة كل منجزات العصر واختراعاته لما تمثله من اعتداء صارخ على العقائد والقيم والأعراف السائدة والمتوارثة، حيث أن مثل تلك الدعوات تعني انقطاعًا عن الواقع وانسحابا من الحياة المعاصرة".
ولفت إلى أن التكنولوجيا ليست شرا كلها كما أنها ليست خيرا كلها، فكيف يمكننا أن نستفيد منها ونوظفها لخدمة الإنسانية ولخير البشر، منوها بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي عمل بشري قُصد منه محاكاة ذكاء الإنسان وسلوكياته؛ لتسهيل حياة البشر، وإذا كانت بعض الدول الغربية والجماعات الإرهابية المتطرفة قد وظفتها لخدمة أهدافها الشريرة والتي كان من بينها نشر الإسلاموفوبيا والترويج لقيم الكراهية والتطرف والإقصاء.
وأشار إلى أنه علينا كمسلمين بذل المزيد من الجهود المخلصة لدحض تلك الادعاءات والعمل الجاد على الإسهام بصناعة تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوطينها في بلداننا، وإثراء مجال الذكاء الاصطناعي بمحتوى صحيح فاعل يقدم الصورة الحقيقية للإسلام الوسطي الداعي للانفتاح على مختلف الثقافات والحضارات من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وأوضح أنه إذا كانت كل المؤسسات المجتمعية والعلمية مطالبة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والإفادة منها، فإن المؤسسات الدعوية في أمس الحاجة لامتلاك تلك التقنيات وتوظيفها لخدمة الدعوة الإسلامية بأساليب عصرية وهو ما استهدفه مؤتمرنا هذا.
واستطرد الأمين العام: "أرى أن هناك بعض الأفكار التي يمكن من خلالها التوظيف الأمثل للذكاء الاصطناعي وتجنب مخاطره، وهي سعي المؤسسات الدعوية لتدريب العاملين فيها من الدعاة والواعظات على كل فنون التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ومن بينها تطبيقات الذكاء الاصطناعي واتقان توظيفها لخدمة الدعوة الإسلامية وتحقيق سبل الانتشار والتأثير.
ولفت إلى أنه على الدول الإسلامية العمل بجدية على التواجد الفاعل في الفضاء الإلكتروني من خلال الاستغلال الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الإلكترونية وتزويدها بمحتوى دعوى راق وعصري، ولا يزال المحتوى العربي بالفضاء الإلكتروني ضعيفًا ولا يتناسب مع مكانة الدول العربية والإسلامية.
ودعا إلى بناء قاعدة معرفية عربية وإسلامية تتضمن المصادر والمراجع الرصينة التى تعرض للتعريف بمبادئ الإسلام ووسطيته والرد على كل الإساءات والاتهامات التى يروجها أعداؤه وكارهوه.
وطالب بالمشاركة الفاعلة في إجراء حوار عالمى مع الدول والمؤسسات الدولية المختلفة حول أخلاقيات البحث العلمي بصفة عامة وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي بصفة خاصة، من خلال ما دعا إليه نداء روما الذي دعت إليه الفاتيكان - The Rome Call - عام 2020، وما أعقبه بقمة روما عام 2023 والتي شارك فيها ممثلون عن الإسلام والمسيحية واليهودية واقترحت بعض المبادئ التي يجب على مصممي الذكاء الاصطناعي الالتزام بها ومن أهمها، أن تكون تطبيقاتها شاملة وقابلة للتفسير وغير متحيزة وقابلة للتكرار ولا تسعى إلى ترسيخ فكرة الانفصال بين الإنسان وأخيه الإنسان أو الانفصال بين الإنسان وخالقه.
ولفت إلى مواجهة الدول والمؤسسات والشركات العالمية التي تصدر تقنيات الذكاء الاصطناعي وتقدم محتوى متحيزا ضد الأديان بصفة عامة والدين الإسلامي بصفة خاصة من خلال حوار فاعل ومتمدن بعيدًا عن سلاح المقاطعة والاحتجاجات والمظاهرات وحرق أعلام الدول أو الاعتداء على سفاراتها، مما يُظهرنا فى كثير من الأحيان رافضين لحرية الرأى والتعبير.
وقال: "إنه يجب ألا ننتظر من الدول والمؤسسات والشركات الغربية تجريم الاعتداء على المقدسات الدينية انطلاقًا من دوافع دينية بحتة، بل ينبغى أن نربط تلك الممارسات بتصادمها مع حقوق الإنسان ومع دساتير وقوانين تلك الدول نفسها، واعتبارها شكل من أشكال الحض على الكراهية والتمييز والإقصاء، مع توضيح مدى تأثيرها على مصالح تلك الدول والمؤسسات وصورتها لدى الدول والشعوب الإسلامية والدول والشعوب المحبة للسلام".
وأكد ضرورة الإسهام بشكل فاعل في تطوير التشريعات والقوانين التي تضبط أداء الفضاء السيبراني؛ انطلاقًا من مبادئ وأخلاقيات إنسانية، واتساقًا مع القوانين والدساتير الوطنية، مع وضع الخطط العاجلة لتفعيل دور الذكاء الاصطناعي بمجالات خدمة القضايا الإنسانية وتشجيع العمل التطوعي والاستجابة لحالات الطوارئ التي يتعرض لها المواطنون ورعاية الأطفال والمشردين وذوي الاحتياجات الخاصة.
وطالب بدعوة المؤسسات التعليمية للاهتمام بتطوير العملية التعليمية من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في برامجها التدريسية والتدريبية، وإدخال مقررات تُعنى بتدريس تلك التقنيات وآداب التعامل معها والضوابط الأخلاقية التي يجب مراعاتها في استخدامها.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي أحد أهم منجزات البشرية في القرن الحادي والعشرين، وأساس التكنولوجية الرابعة التي سوف تغير من مسار البشرية ومستقبلها في السنوات القادمة، وأنه لا سبيل لنا سوى التعامل مع منجزات تلك الثورة وتوظيفها لخدمة الإنسانية والارتقاء بكل مجالات حياتنا وفي مقدمتها الدعوة إلى الله والالتزام بأحكامه وشريعته والأخذ بكل المستحدثات والمبتكرات، ما لم تتجاوز أو تتعارض مع الضوابط الشرعية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: تقنیات الذکاء الاصطناعی الأمین العام من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
حماس: بين تحديات الإدارة الداخلية وضغوط الصراع الخارجي
في الآونة الأخيرة، تصدرت مقاطع فيديو مسربة، قيل إنها تُظهر مشاهد لانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز في قطاع غزة، عناوين الأخبار وأثارت جدلًا واسعًا على المستويين المحلي والدولي. الفيديوهات، التي ذكر الجيش الإسرائيلي أنه حصل عليها خلال عمليته العسكرية في مخيم جباليا للاجئين، قدمت مشاهد تُظهر معتقلين يُزعم أنهم تعرضوا لمعاملة قاسية تضمنت الضرب المبرح، التقييد في أوضاع مؤلمة، وحتى الصعق الكهربائي.
هذه المشاهد تسلط الضوء على تحديات كبيرة تواجه الإدارة الداخلية في القطاع وتثير تساؤلات حول احترام حقوق الإنسان في بيئة تعاني أصلًا من أزمات متعددة.
وفقًا للتقارير المصاحبة لهذه التسجيلات، التي يُعتقد أنها تعود إلى الفترة بين عامي 2018 و2020، تشير المزاعم إلى استخدام الحركة لأساليب قسرية للتعامل مع أفراد متهمين بالمعارضة أو ارتكاب جرائم اجتماعية وقانونية.
من بين المعتقلين الذين شملتهم التسجيلات، أفراد من مجتمع المثليين، وآخرون اُتهموا بالتعاون مع إسرائيل أو ارتكاب جرائم.
تظهر الفيديوهات معتقلين معصوبي الأعين ومقيدين في أوضاع مهينة، بينما يتعرضون للضرب المبرح على أيدي الحراس، الذين يظهرون في المشاهد دون إبداء أي تعاطف مع معاناة المعتقلين.
شهادة حمزة الهويدي، وهو أحد الناجين من الاحتجاز لدى حماس، تقدم صورة قاسية عن واقع هذه الممارسات، ويروي الهويدي أن فترة الاحتجاز تركت آثارًا عميقة على حياته النفسية والاجتماعية، وأن بعض المعتقلين الآخرين الذين عايشوا ظروفًا مماثلة لم يتمكنوا من التعافي منها حتى اليوم.
هذه المزاعم تأتي في ظل وضع معقد يعيشه قطاع غزة، حيث تتداخل التحديات الداخلية مع تبعات الصراعات العسكرية المستمرة. الحرب الأخيرة، التي شهدها القطاع، خلفت دمارًا واسعًا طال البنية التحتية، وأثقل كاهل المواطنين الذين يعانون أصلًا من أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة. الأوضاع المتردية تجعل الحياة اليومية لأغلب سكان القطاع أشبه بصراع مستمر من أجل البقاء، في ظل محدودية الموارد وغياب الأفق السياسي لحل يخفف من هذه المعاناة.
ما يزيد الوضع تعقيدًا هو الانقسام السياسي الفلسطيني المستمر، الذي يضعف من قدرة المؤسسات الوطنية على تقديم حلول فعّالة لمعاناة السكان. في ظل غياب قيادة موحدة، يجد سكان غزة أنفسهم محاصرين بين قمع داخلي وضغوط خارجية متزايدة، ما يتركهم عرضة للمزيد من الأزمات دون أفق واضح للخروج منها.
في الوقت الذي تثير فيه هذه التقارير انتقادات واسعة لحركة حماس، يظل المجتمع الدولي عاجزًا عن اتخاذ خطوات ملموسة لحماية المدنيين في القطاع. الدعوات إلى تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات تواجه عقبات سياسية وإقليمية، حيث تتشابك المصالح الدولية مع واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. مع ذلك، فإن تعزيز حقوق الإنسان داخل غزة يتطلب جهودًا مضاعفة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الأطراف الفلسطينية نفسها، لتجاوز الخلافات السياسية وتقديم مصلحة السكان كأولوية قصوى.
تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن الداخلي وضمان الحريات الأساسية لسكان القطاع يشكل تحديًا حقيقيًا أمام حركة حماس كجهة مسيطرة على القطاع. مع استمرار توثيق هذه الانتهاكات، تبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات جذرية في أسلوب إدارة القطاع، بما يضمن احترام حقوق الإنسان وتخفيف المعاناة عن السكان.
على الصعيد الدولي، يجب أن تتضافر الجهود لضمان حماية المدنيين الفلسطينيين وتعزيز سيادة القانون في غزة، بعيدًا عن النزاعات السياسية والعسكرية. توفير دعم إنساني وتنموي مباشر للسكان يمكن أن يخفف من معاناتهم ويمنحهم فرصة لبناء حياة أفضل في بيئة أكثر استقرارًا.
هذا الواقع المعقد يتطلب من الجميع إعادة التفكير في الأولويات ووضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار. فالقطاع الذي يعاني من أزمات متراكمة يحتاج إلى قيادة حكيمة وسياسات تضع الإنسان في المقام الأول، بعيدًا عن حسابات القوة والسيطرة التي أثبتت فشلها في تحقيق الاستقرار أو التخفيف من معاناة الناس.