زلزال المغرب.. كيف تحركت الأرض بقوة 6.8 درجات بعد 399 عاما؟
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
بعد نحو 399 عاما على زلزال 11 مايو/أيار 1624 -الذي ضرب مدينة فاس، والذي وصفته دراسة نشرت في العام 2017 بأنه "من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ المغرب"- تعرضت البلاد مساء الجمعة 9 سبتمبر/أيلول 2023 لهزة أرضية مماثلة.
وضرب زلزال بشدة 6.8 درجات على بعد حوالي 70 كيلومترا جنوب غربي مراكش في الساعة الحادية عشرة و11 دقيقة مساء بالتوقيت المحلي، وشعرت به مناطق واسعة بالشمال والشمال الشرقي للمغرب، وامتد الشعور به إلى مناطق في الجزائر وإسبانيا والبرتغال.
ووفق مقاييس قوة الزلازل، فإن هزة أرضية بقوة 6.8 درجات تعد من الزلازل القوية، لكن حتى الزلازل المعتدلة القوة قادرة على التسبب في أضرار جسيمة بهذه المنطقة، فعلى بعد حوالي 140 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من منطقة الزلزال الأخير قتل زلزال بقوة 5.8 درجات في عام 1960 بين 12 ألفا و15 ألف شخص.
ويطلق الزلزال بقوة 5.8 درجات طاقة أقل بمقدار 10 مرات تقريبا من زلزال بقوة 6.8 كالذي حدث مساء الجمعة (الواحد الصحيح في مقاييس الزلازل يعني زيادة 10 أضعاف)، ومع ذلك فإن الدمار الكارثي في زلزال العام 1960 يرجع جزئيا إلى المباني التي شيدت بالطين المضغوط والرمل والحصى المدكوك لتشكيل الجدران والهياكل، وقد انهارت هذه المباني بالكامل، حيث عادة ما يكون البناء غير الملائم هو المساهم الأكبر في كوارث الزلازل.
ورغم أن زلزال العام 1960 أدى إلى تغييرات في قواعد البناء في المغرب فإن العديد من المباني -خاصة المنازل الريفية- لم تراع تلك القواعد، وهو ما يرجعه بيل ماكغواير أستاذ المخاطر الجيوفيزيائية والمناخية في جامعة كوليدج لندن إلى ندرة حدوث الزلازل الكبيرة في المغرب.
ويقول ماكغواير في تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس الأميركية إن "المشكلة هي أنه عندما تكون الزلازل المدمرة نادرة فإن المباني ببساطة لا يتم تشييدها بقوة كافية للتعامل مع الهزات الأرضية القوية، مما يؤدي إلى انهيار الكثير منها وسقوط عدد كبير من الضحايا".
واستنادا إلى قوة الزلزال وضعف المباني المحلية توقع نظام التقييم الفوري للزلازل العالمية (بي إيه جي إي آر) التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية وقوع وفيات كبيرة، لكن الهيئة الأميركية أكدت أن هذه التقديرات غير مؤكدة، وذلك لعدم وقوع زلازل مماثلة في هذا الجزء من المغرب بالقدر الكافي لتدريب نظامهم الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي على استخلاص توقع دقيق.
كما أثرت ندرة وقوع الزلازل في قدرة نظام التقييم الفوري للزلازل العالمية في وضع تقديرات مؤكدة للخسائر وحدّت من قدرة الباحثين على وضع تصور دقيق للأسباب التي أدت إلى تحرك الأرض بقوة 6.8 درجات في منطقة مختلفة عن زلزال 11 مايو/أيار 1624.
ووفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأميركي، فإن الزلازل بقوة 6 درجات أو أقوى ليست شائعة في هذه المنطقة، فمنذ عام 1900 لم يقع أي زلزال بقوة 6 أو أقوى ضمن مسافة 500 كيلومتر من هذا الزلزال، ولم تقع سوى 9 هزات بقوة 5 درجات أو أقوى، ومعظم هذه الهزات كانت قد وقعت إلى الشرق من زلزال 8 سبتمبر/أيلول 2023.
يقول زكريا هميمي نائب رئيس الاتحاد الدولي لأخلاقيات علوم الأرض للجزيرة نت إن "هناك صعوبة كبيرة في فهم ما حدث في المغرب، فإلى جانب ندرة وقوع الزلازل كبيرة الحجم في الماضي والتي تساعدنا على فهم ما حدث في 8 سبتمبر/ أيلول 2023 فإن موقع المغرب معقد للغاية".
ويوضح "يقع المغرب على طول حدود صفيحة تكتونية غير مفهومة وبطيئة الحركة تفصل بين شمال أفريقيا (الصفيحة النوبية أو ما يطلق عليها الأفريقية) وأوروبا (الصفيحة الأوراسية)، وتتحرك الصفيحة الأوراسية جنوبا وشرقا بالنسبة للصفيحة النوبية بمعدل 4 مليمترات فقط في السنة".
والصفائح التكتونية هي كتل صخرية تتحرك ببطء شديد بالنسبة إلى بعضها البعض، وعادة ما تكون بضعة سنتيمترات في العام، ويسبب هذا التحرك ولو كان بطيئا قدرا هائلا من الصدوع عند حدود الصفائح، مما يسبب بدوره حدوث زلازل.
ويضيف هميمي أن "منطقة حدود الصفائح في المغرب معقدة للغاية، حيث توجد مناطق متعددة من الصدوع النشطة بدلا من صدع واحد محدد جيدا، ونظرا لأن الحركات النسبية بطيئة فمن الصعب استخدام أدوات الجيوديسيا (علم يبحث في الموضوعات التي تتصل بحجم الأرض وشكلها وأبعادها وباطنها ومجالها المغناطيسي وحرارة باطنها) لتحديد الصدوع النشطة ومدى سرعة تحركها فعليا".
ونتيجة لهذا الوضع المعقد الذي شرحه هميمي فإن هيئة المسح الجيولوجي الأميركي لم تقطع بتحديد الصدع الذي تمزق وتسبب في الزلزال، ووضعت بعض الاحتمالات استنادا إلى ما تعرف بـ"الآلية البؤرية"، وهي دراسات تصف التشوه في منطقة المصدر الذي يولد الموجات الزلزالية، وتشير إلى اتجاه مستوى الصدع الذي انزلق.
ويقول رئيس قسم الزلازل في المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر شريف الهادي في تصريحات هاتفية للجزيرة نت إنه "وفقا لدراسات الآلية البؤرية فإن هناك احتمالين، أحدهما صدع دفعي مائل على صدع منخفض الزاوية ينحدر نحو الجنوب الغربي أو صدع انزلاقي مائل على صدع شديد الانحدار ينحدر نحو الشمال الغربي".
ويضيف أن الهيئة الأميركية تقترح أن "المرشح الرئيسي للصدع الذي استضاف التمزق هو على الأرجح صدع الأطلس الشمالي، وهو صدع دفعي مائل ينحدر جنوبا ويتبع الحافة الشمالية لسلسلة جبال الأطلس".
ويشير الهادي إلى أن حالة عدم اليقين الواضحة في تفسير زلزال المغرب تؤكد على أهمية إعطاء مزيد من الاهتمام لدراسات الزلازل في المغرب، لأنها قليلة جدا قياسا بالوضع المعقد لموقع المغرب، إذ لا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه عن المخاطر التي تشكلها الصدوع في المنطقة.
ولا تمتد حالة عدم اليقين هذه إلى الإجابة عن سؤال مهم بشأن احتمالية وقوع هزات ارتدادية، ذلك لأن جميع الزلازل الكبيرة كالتي حدثت في المغرب تبعتها هزات ارتدادية.
والهزات الارتدادية -كما يعرّفها الهادي- هي الزلازل المرتبطة بتغيرات الضغط الناجمة عن زلزال سابق أكبر، ويقول إن "المغرب سجل بالفعل هزة ارتدادية بقوة 4.9 درجات، ومما لا شك فيه أن عددا من الهزات الأصغر قد حدثت أيضا".
وفي بعض الحالات الأقل شيوعا يمكن أن يؤدي الزلزال إلى حدوث آخر بنفس الحجم أو أكبر كما حدث في زلزال تركيا وشمال سوريا في فبراير/شباط الماضي، لكن زكريا هميمي يستبعد إمكانية حدوث ذلك في المغرب، ويقول "الزلزال الأول في تركيا حدث في صدع شرق الأناضول، والآخر الذي كان قريبا منه في القوة حدث بصدع شمال الأناضول، وهذه صدوع مقترنة، لكن الصدوع في المغرب ليست مقترنة، وبالتالي ليس من المرجح أن تتولد هزات ارتدادية بنفس حجم الزلازل الأول أو أكبر".
لكنه يشدد على أن الهزات الارتدادية البسيطة تمثل خطرا كبيرا على المنطقة، ولا ينبغي للناس أن يعودوا إلى منازلهم التي ربما تكون قد تضررت في الزلزال الأولي، لأن الهزات الارتدادية يمكن أن تتسبب في انهيار الهياكل الضعيفة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الهزات الارتدادیة هزات ارتدادیة زلزال بقوة فی المغرب بقوة 6 8 حدث فی
إقرأ أيضاً:
بعد مرور عامين على الزلزال المدمر.. معاناة الناجين تتواصل بلا انقطاع
ورغم مرور عامين، لا تزال أصداء الزلزال المدمر تطارد عمر أيدين، كهربائي يبلغ من العمر 51 عاما، نجا مع والدته المسنة وأطفاله من الكارثة التي دمرت منزله في مدينة إسكندرون الساحلية، ضمن مقاطعة هاتاي الأكثر تضررا.
بعد عامين على الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا، لا تزال تداعياته تثقل كاهل عمر أيدين والعديد من الناجين. ففي شتائه الثالث، يجد الأب الوحيد لثلاثة أطفال نفسه عالقا بين جدران وحدة سكنية مؤقتة أشبه بحاوية شحن، يصارع ليس فقط آثار الكارثة، بل أيضا وطأة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تضغط على البلاد بأسرها.
في السادس من فبراير 2023، ضرب زلزال مدمر بقوة 7.8 درجة جنوب وجنوب شرق تركيا، أعقبه زلزال قوي آخر بعد ساعات، ما أسفر عن دمار هائل طال مئات الآلاف من المباني وأودى بحياة أكثر من 53,000 شخص. كما لقي 6,000 آخرون مصرعهم في المناطق الشمالية من سوريا المجاورة.
ورغم مرور عامين، لا تزال أصداء الزلزال المدمر تطارد عمر أيدين، كهربائي يبلغ من العمر 51 عاما، نجا مع والدته المسنة وأطفاله من الكارثة التي دمرت منزله في مدينة إسكندرون الساحلية، ضمن مقاطعة هاتاي الأكثر تضررا.
ويقول أيدين، الذي يعيش الآن في وحدة سكنية مؤقتة ضمن "مدينة الحاويات"، إن أصوات المنازل المنهارة وصرخات الاستغاثة لا تزال تتردد في ذهنه. وأضاف في حديثه لوكالة "أسوشيتد برس"، "ما زلت أرتجف عندما تخطر ببالي تلك اللحظات".
بعد انهيار منزله إلى قسمين، اضطر أيدين وأسرته إلى الاحتماء في خيمة بدائية صنعها من صفائح بلاستيكية وقطع خشب، وقضوا فيها أربعة أيام قاسية تحت وطأة البرد. واليوم، يواصل الأب الوحيد كفاحه لتأمين احتياجات أسرته، معتمدا على معاش الدولة الضئيل، الذي بالكاد يغطي نفقاتهم.
ورغم خبرته ككهربائي، إلا أن فرص العمل في إسكندرون نادرة، مما يزيد من معاناته، خاصة مع احتياجات ابنه الأكبر، البالغ من العمر 26 عاما، الذي يخضع لعلاج السرطان، ويضطر إلى السفر بانتظام إلى مستشفى في أضنة، على بعد 135 كيلومترا.
أما ابنته الصغرى، فهي لا تزال في المدرسة، في حين ينتظر ابنه الأوسط بدء خدمته العسكرية وهو حاليا عاطل عن العمل.
"الحياة في مدينة الحاويات صعبة، والظروف الصحية قد تكون سيئة"، يقول أيدين، الذي تأهل للحصول على أحد المنازل الحكومية الجديدة قيد الإنشاء، لكنه يساوره القلق بشأن تأثيثه وتحمل تكاليف المعيشة فيه. وأضاف بأسى: "لا أملك حتى دبوس، فكيف سأتمكن من تدبر أموري عندما يحين وقت الانتقال؟"
أفادت وكالة الأناضول الحكومية يوم الخميس أن صلوات خاصة أقيمت في المساجد لتكريم الموتى، فيما زار الناجون المقابر للصلاة لأحبائهم، وتركوا القرنفل على قبورهم، وقدموا تعازيهم لزملائهم الزوار.
Relatedشاهد: عام على زلزال تركيا المدمر.. المنكوبون يكافحون من أجل إعادة بناء سبل بيوتهم وحياتهم"لو عظمة منهم على الأقل".. بعد عام على زلزال تركيا المروع.. عائلات لا تزال تبحث عن رفات ذويهاوقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا، إنه تم الانتهاء من 45% من المساكن المتضررة من الزلزال بحلول نهاية عام 2024. وتهدف الحكومة إلى تسليم ما مجموعه 452,983 وحدة سكنية وتجارية ومساحات عمل أخرى بحلول نهاية عام 2025.
وقال جيسي تومسون، رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في تركيا، إن ما يقرب من نصف مليون شخص ما زالوا في مدن الحاويات المؤقتة بعد عامين من وقوع الزلزال.
وأضاف تومسون: "لا يزال مئات الآلاف يواجهون تحديات هائلة في تأمين الدخول المستدامة، مع ارتفاع الاكتئاب واليأس"، وتابع "إن الطريق إلى التعافي طويل وشاق، ويتطلب الدعم المستمر والتضامن".
وأوضح أيدين لـوكالة "أسوشيتد برس"، أنه عندما يضع رأسه على الوسادة، يصلي ألا يستيقظ ليواجه يوما آخر.
وتابع الرجل المثقل بالهموم قائلا: "أقسم، كل يوم عندما أذهب إلى الفراش وأضع رأسي على الوسادة، أدعو الله ألا يوقظني في الصباح."
أما سونغول إرول، الأم لطفلتين تبلغان من العمر 7 و3 سنوات، فهي تعيد بناء حياتها ببطء في سامنداغ، إحدى البلدات الأخرى في محافظة هاتاي، بعد أن قضت أشهرا في الخيام والمساكن المؤقتة.
بمساعدة الأموال التي قدمها الهلال الأحمر التركي لدعم الشركات الصغيرة، تمكنت من استئجار متجر وإعادة فتح عملها في بيع معدات الصيد مثل الطعم والشباك والسكاكين. كما حولت غرفة في الجزء الخلفي من المتجر إلى مساحة معيشية لها ولابنتيها، اللتين تأثرت صحتهما بشدة جراء الظروف الصعبة في الخيام ومنزل الحاويات.
وفي مكالمة فيديو مع وكالة "أسوشيتد برس"، قالت سونغول، التي لا تزال تطاردها صور المباني المنهارة في سامنداغ: "كل ما أحلم به هو الانتقال إلى منزل من طابق واحد، بعيدا عن الأبنية السكنية."
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية زلزال بقوة 6.4 درجة يهز جنوب تايوان ويخلف 27 إصابة زلزال بقوة 5.4 درجة يضرب باتانغاس في الفلبين الشرع يدعو أردوغان لزيارة سوريا في أقرب وقت ويقول "الدم السوري اختلط بالدم التركي في معارك التحرير" رجب طيب إردوغانضحايازلزال تركيا وسوريا زلزال