حرب من هذه؟ وما هي أهدافها؟ (1)
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية د. الباقر العفيف
(١)
خراب سوبا
تدخل الحرب المدمرة شهرها الخامس، وقد أحالت سماء الخرطوم ومدن دارفور وكردفان إلى سحب من دخان وأرضها إلى ركام من حطام، وأهلها بين قتيل وجريح، وشريد ورهين. أما مشهد الخرطوم الآن فيُذكرنا بماضيها البعيد مما استقر في الذاكرة الجمعية لشعب السودان عن خراب سوبا، في العام ١٥٠٤، الذي اقترفته جحافل البدو من “عربان” العبدلاب “ورعاة” الفونج.
فمنذ ظهوره في ذلك الزمان المشؤوم لم يذق شعب السودان طعم العافية. إذ بدأ الترابي يمارس في الساحة السياسية السودانية ما كان يمارسه الملاكم محمد علي كلاي في حلبات الملاكمة، يرقص كالفراشة ويلسع كالنحلة. دخل الى المسرح السياسي، بلا أخلاق، وبضمير مَيِّتِ تماما، أدواته الالتواء والديماغوجية والكذب وبث الكراهية على مستوى الخطاب، والتآمر والابتزاز السياسي والديني، واثارة الفتن وإدخال العنف اللفظي والجسدي في العمل السياسي على مستوى الممارسة.
إن سجل الترابي في إلحاق الأذى بالشعب السوداني لسجل حافل وطويل.. سجل دامٍ، مليء بالجرائم والمخازي والتآمر. فالترابي يقدم لنا نموذجا فريدا لمبلغ الضرر الذي يمكن أن يلحقه فرد واحد شرير بشعب كامل طيب وكريم، مستغلا نقاط ضعفه، وعاطفته الدينية، وفقره وحرمانه، وانتشار الجهل والأمية وسط أفراده، وهشاشة هويته، وضعف أسس دولته، وجهل وجبن الكثير من متعلميه، وقابليتهم للإفساد، وانهزامهم أمام الابتزاز الديني والإرهاب الفكري.
أسس الترابي مشروعه على أعمدة الكذب والتضليل والفساد والإفساد، وأقام عليه أناسَا يشبهونه، ميتي الضمير، عديمي الأخلاق، لا إنسانيين، كذبة مضللين وفاسدين. فاجتذب إليه مجموعات كبيرة من المغامرين والانتهازيين والمرضى النفسانيين الذين يسعون للثراء الحرام، والتحكم على الرقاب، وإساءة استخدام السلطة، والعيش فوق القانون.
وقد أتقن تلاميذه أحابيله وبذوه فيها على طريقة رواية ستيفن كنج “” Apt Pupil، والتي يمكن أن تترجم ل “التلميذ النجيب” أو “التلميذ المناسب ذو القابلية للتعلم”. فالشخصية الرئيسية في الرواية هو الصبي تِود بودن Todd Bowden الذي بذَّ معلمه النازي العجوز آرثر دنكر Arthur Denker بعد أن علمه أحابيل النازية في ارتكاب الجرائم، وضمنها الابتزاز والقتل، وكيف يجد في قتل البشر إثارة ومتعة لا يجدها حتى في الجنس. فأصبح المعلم من ضحايا تلميذه، حيث طَبَّق تود تلك الأحابيل على معلمه وأولها ابتزازه بكشف هويته النازية إن لم يعلمه كل ما عنده من مهارات في الجريمة. وقد تحول التلميذ إلى سفاح و”كتَّال كُتَلَة” serial killer ينافس معلمه في القتل ويجد فيه متعة لا تعادلها متعة. وقد أودت هذه العلاقة بين التلميذ ومعلمه إلى موت المعلم منتحرا، عندما أدرك أن تلميذه سيسلمه للسلطات.
وبنفس القدر فقد غدر تلاميذ الترابي بمعلمهم الذي علمهم السحر، وأبعدوه وسجنوه وشنعوا به حتى مات في النهاية “ممغَوسَا”. هكذا ذهب الترابي ضحية العصابة التي كونها والتي ألحقت بالشعب السوداني أبلغ الأذى من نقص في الأنفس والثمرات وضياع أحلام أجيال من السودانيين ببناء دولة ناجحة، مزدهرة عادلة وديمقراطية. ذهب الترابي إلى ربه وفق سنن الحياة التي لا تتبدل، وظني أنه الآن يلقى جزاء ما اقترفت يداه، ولكنه ترك وراءه هذا التنظيم الإرهابي كأكبر “سيئاته الجارية” يديره الآلاف من الكيزان المجرمين الذين أمَاِّتوا ضمائرهم، وأراحوها من الوخز، وأصبحوا مثل الروبوتات التي لا تحس ولا تشعر. وعلى سبيل إنعاش الذاكرة سأذكر فيما يلي بعض المحطات الكبرى في مسيرة الترابي الظلامية وتنظيمه الإرهابي قبل الولوج إلى الحرب المدمرة التي أشعلوها في الخامس عشرة من أبريل هذا العام. هذه المحطات تؤكد معادلة منطقية مفادها أن هذه المسيرة الدامية لابد أن تنتهي إلى ما انتهت إليه من دمار شامل للبلاد.
مخازي الترابي
• فأول مخازي تنظيمه الكبرى هي طعن النظام الديمقراطي طعنة نجلاء في سرته، وذلك بمؤامرته لحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان في العام ١٩٦٥. فقد أشعل “فتنة كبرى” مستغلا فيها حادثة الإساءة للسيدة عائشة رضي الله عنها بواسطة طالب يافع، محملا المسؤولية للحزب الشيوعي ومثيرا للغوغاء ضده، ومنظرا لإلغاء مادة الحقوق الأساسية من الدستور، وممارسا الابتزاز الديني الذي استسلم له كبار سياسي ذلك الزمان. وأعقب هذا الخزي بإشعاله فتنة أخرى عام ١٩٦٨دشنوا بها العنف الطلابي بالجامعات مستغلين نشاطا إبداعيا بمسرح الجامعة قدمت فيه رقصة العجكو في أواخر عام ١٩٦٨ التي اعتبروها خروجا عن الإسلام.
• وفي ذات العام ضلع تنظيمه، مع المؤسسات الفقهية الرسمية، وبعض القيادات الطائفية، في مؤامرة إصدار حكم بردة الأستاذ محمود محمد طه عن الإسلام. أعقبوها في ذات العام بابتزاز الحزبين الكبيرين والدفع بهما لتمرير مشروع الدستور الإسلامي المزيف. وهذه الفتن تمثل في جملتها أسباب انقلاب مايو ١٩٦٩ الذي نفذه تحالف يساري بين القوميين العرب والشيوعيين.
• بعدها لعب تنظيم الترابي دورا كبيرا في تحريض الإمام الهادي زعيم الأنصار على إشعال فتنة الجزيرة أبا في مارس ١٩٧٠، بحجة الجهاد ضد الشيوعية، وقد انتهت تلك الفتنة بمقتل الإمام الهادي ومجموعة من أنصاره، بالإضافة لمقتل بعض قادة التنظيم الإرهابي.
• كذلك ضلع التنظيم في إشعال فتنة أخرى تمثلت في حركة الثاني من يوليو ١٩٧٦، تحت مظلة الجبهة الوطنية، حيث قادوا غزوا عسكريا فاشلا للبلاد بقيادة العميد محمد نور سعد، كانوا هم ضباطه في حين جاءت غالبية الجنود من طائفة الأنصار. وقد أدَّت تلك “الغزوة” لمقتل عدد من قياداتهم في دار الهاتف بالإضافة لمقتلة الأنصار في ود نوباوي.
• أما بعد أن تحالفوا مع نظام مايو، في إطار ما سُمِّيً المصالحة الوطنية، فسرعان ما بدأوا في اختراق الجيش ببناء تنظيمهم داخله، وأيضا عن طريق انتداب ضباطه للمعهد الأفريقي الإسلامي ليحصلوا على دبلوم الدراسات الفقهية، وبناء قاعدتهم الاقتصادية عن طريق بنك فيصل الإسلامي. وظهرت بصماتهم السياسية عام ١٩٨٢، في نقض النظام لاتفاقية أديس أببا مع حركة الأنيانيا الموقعة عام ١٩٧٢، وإصدار قوانين سبتمبر ١٩٨٣ السادية، والتي أسموها زورا وبهتانا “بالقوانين الإسلامية”، مما صب زيت الدين على حرب الجنوب السياسية لتصبح حربا دينية منذ ذلك الوقت.
• أما بعد سقوط مايو في أبريل ١٩٨٥، فقد ظل تنظيم الترابي داعيا للحرب ومناهضا للسلام تحت شعار “دعم الجيش”، ومسيرا القوافل لجبهات القتال بغرض تملق العساكر، وابتزاز القوى السياسية الأخرى. وقد توَّّج إنجازاته بالاستيلاء على السلطة في العام ١٩٨٩، وتحويل أركان الدولة، من جيش وأمن، وبوليس، وخدمة مدنية، ونظم تعليمية لأجهزة تابعة للتنظيم. ولم يكتف بذلك، بل أنشأ أجهزة موازية للجيش والأمن والبوليس تتمثل في قوات الدفاع الشعبي، والأمن الشعبي والشرطة الشعبية. وكأن كل هذه الأجهزة المدججة بالسلاح ليست كافية لقمع الشعب فأنشأوا مليشيات الجنجويد سيئة السمعة، والتي أطلقوا عليها أولا اسم “حرس الحدود” ومؤخرا أسموها “قوات الدعم السريع”.
• أقامت هذه الأجهزة امبراطوريات اقتصادية ضخمة وصارت بؤرا للفساد والإفساد، وعدم المحاسبية حتى وُصِف نظامهم بنظام اللصوصية Kleptocracy بواسطة المؤسسات المالية الدولية. أما الشعب فقد وصفهم “بالحرامية”، وصاغ ذلك الوصف في شعار الثورة البليغ “سلمية، سلمية، ضد الحرامية”.
• عمقوا حرب الجنوب وعقدوها وأضافوا إليها البعد الديني الجهادي، وتوسعوا فيها غربا وشرقا فشملت جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وارتكبوا فيها جرائم وفظائع يندى لها الجبين، حتى أوصلتهم لمحكمة الجنايات الدولية. وفي نهاية الأمر وبعد خراب سوبا فصلوا جنوب البلاد دون أن يسألهم أحد عن جدوى الحرب والدمار. وبدل أن يندموا على ضياع الجنوب احتفلوا به وقالوا “بلاء وانجلى”.
وبعد ثلاثين عاما من الظلم والنهب والمجازر والقمع والفتن والمفاسد استطاع الشعب السوداني أن يتوج نضالاته التي بدأت منذ انقلابهم في العام ١٩٨٩، بثورة ديسمبر ٢٠١٨ التي استطاعت الإطاحة براس النظام لكن ظل التنظيم الأخطبوطي ممسكا بمفاصل الدولة. فصار الشعب الأعزل في جانب الثورة والتغيير في حين أجهزة الدولة والأجهزة الموازية، بالذات تلك الحاملة للسلاح، في جانب التآمر على الثورة ومحاولة إجهاضها.
وفي سبيل كسر ظهر الثورة ارتكب الكيزان أكبر مجزرة في تاريخ البلاد في عهود السلم ضد شباب عزٍّل صائمين يستعدون لاستقبال العيد. كان هدف الكيزان هو كسر صمود الشعب عن طريق الصدمة الشديدة المفاجئة، shock and awe ولكن نهض الشعب من رماد المحرقة بعد شهر واحد فقط في واحدة من أكبر المظاهرات التي شهدتها البلاد عبر تاريخها مما أجبرهم على التراجع التكتيكي
استخدم الكيزان سيطرتهم على الدولة في تعطيل الانتقال وعرقلته بشتى السبل والحيل، بما فيها إغلاق الميناء، واعتصام الموز، ولكن أفشل الشعب خططهم جميعها. فما كان منهم إلا أن انقلبوا على الحكومة الانتقالية في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١.
الانقلاب الخاسر
عاد هذا الانقلاب عليهم بالوبال. فأول تداعياته هي انفلاق وحدة القوى الحاملة للسلاح. لقد استخدم الكيزان القوة الضاربة للدعم السريع ككرباج لإخضاع الشعب، وأداة للقيام بكل الأعمال القذرة من قتل واغتصاب ونهب. طلب المخلوع من حميدتي أن يقتل له ثلث الشعب وفق فتوى اللص المجرم عبد الحي يوسف، ولكن حميدتي أبى و”حرن” واستعصم بدارفور بعيدا عن يد السلطة. فقل ذلك لأسباب تخصه، لا ندريها على وجه التحديد، ولكن من المؤكد أنه رأى بأم عينيه أن طريق الخوض في الدماء هذا قد انتهي برئيسه ليصبح متهما أمام محكمة الجنايات الدولية، وأحاله من رئيس دولة مفترض أن يحظى بالاحترام الذي يتمتع به رصفاؤه من رؤساء الدول الأخرى، إلى رجل منبوذ طريد مطلوب للعدالة الدولية. وهو حتما رأى رئيسه هذا، الملقب زورا وبهتانا ب “أسد أفريقيا”، على حقيقته العارية، مجرد هر، يهرب من الدول التي يزورها، مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا، بالباب الخلفي unceremoniously وهو يدس ذيله بين رجليه، ليتفادى مذكرة التوقيف القضائية في كلا البلدين.
وبعد أن قرر الكيزان، من خلال اللجنة الأمنية، الإطاحة بالبشير وابن عوف، وتعيين البرهان، انضم حميدتي لأخيه في رضاعة الدم الدارفوري، ومضى معه شوطا طويلا في التآمر على الثورة، وتعويق عمل الحكومة الانتقالية، والخوض في دماء الثوار حتى انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١.
ظن الكيزان أنهم يستغفلون حميدتي ويخترقونه، ويستغلونه، فقد كانوا يستخدمونه مثل الفَرْشَة عند عتبة الباب doormat، يقشون عليها أحذيتهم، قبل الدخول إلى الدار. فمن المعروف عنهم قيادة بعض قواته، أو استخدام زيها ليرتكبوا بها جرائمهم القذرة، مثل اقتحام البيوت إبان الثورة، وجلد الناس في الطرقات، وتوقيف الشباب وإذلالهم وحلاقة شعر رؤوسهم. واستخدموه كذلك في الهجومات المتكررة على ساحة الاعتصام ومقتلة الثامن من رمضان ٢٠١٩، ومجزرة اعتصام القيادة العامة التي ينسبها الرأي العام له بالرغم عن أن الكيزان هم الذين ارتكبوها. فالبداهة تقول إن إلقاء الجثث في النيل، بعد ربطها بكتل خرسانية، في محاولة لإخفاء معالم الجريمة، ليست مما يعرف من ممارسات الجنجويد. فهؤلاء يقتلون ويحرقون ويمضون إلى حال سبيلهم. أما الكيزان فيستخدمون أساليب المافيا والجريمة المنظمة في محاولة محو آثارهم بعد كل جريمة. كذلك يستخدم الكيزان الحيل الإعلامية لخداع الشعوب وتضليلها، مثل إطلاقهم الفيديوهات التي تظهر الجنجويد في ميدان الاعتصام، وهم يدوسون بأحذيتهم على رؤوس الثوار، بينما الجثث متناثرة في الميدان، فاعتبرهم الجمهور المسؤولين عن القتل بالرغم عن أنهم كانوا مسلحين بالعصي.
المهم سار معهم حميدتي كل الشوط في الكيد للشعب والثورة والثوار، ولكن لم ذلك مجانا. بل كان يتحصل على ثمن تعاونه معهم في التمدد في بناء قواته، وتنويع تسليحها، وتوسيع امبراطوريته المالية والتحلل من قيودهم القانونية. وكان هدفه هو أن يحقق استقلاله عنهم ويصبح صنوا لهم، وقادرا على أن يقول لا، بعد أن كان مجبرا على تبعيتهم. وبطبيعة الحال هو يدرك حقيقة كون انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١، إنما هو انقلاب الفلول والكيزان، ولاح له في الأفق الخطر الذي يتهدده منهم، حال تمكنهم من الدولة مجددا. فبلا شك سيتخلصون منه بأساليبهم المعروفة. لذلك حرن حرنته الثانية، بعد أن وجد مخرجا في الاتفاق الإطاري، فتمسك به في حين تراجع عنه البرهان مدفوعا بالكيزان.
وحش فرانكشتاين وخروجه عن السيطرة
وهكذا يعيد التاريخ وحش فرانكشتاين الذي خرج عن سيطرة صانعه وصار يطارده يريد قتله. رأي الكيزان أن المليشيا التي بنوها لقمع الشعب قد خرجت عن سيطرتهم، وأصبحت لا تأتمر بأوامرهم، وتحولت بذلك إلى عائق كبير أمام خططهم لهزيمة الثورة والعودة للحكم مجددا، فقرروا إزاحتها من طريقهم فورا. أراد فرانكشتاين الكوز أن يحطِّم وحشه الذي صنعه بيديه وأن يعيد الجني الذي أطلقه من سجنه إلى جرته من جديد، ولكنهم “نسوا الله” فأنساهم قوله “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”. أراد الله أن يذيقهم من ذات الكأس التي سقوا منها الشعب، وهكذا ساقهم لإشعال الحرب بطريقتهم الهوجاء التي لا تتحسب للنتائج دون تخطيط عسكري فني، ودون علم قادة الجيش، ودون استعداد، فأوقعوا كبار القادة في الأسر بسهولة ويسر ودون أن تطلق قوات الدعم السريع طلقة واحدة تجاههم. ومنذ اليوم الأول للحرب استلمت هذه القوات العاصمة المثلثة وحاصرت الجيش في القيادة العامة، واستباحت العاصمة بعد أن تبخرت الشرطة في الهواء وانهارت الدولة والقانون. لقد عجز الجيش وأبو طيرة والشرطة عن حماية المدنيين وتركوهم نهبا لقوات حميدتي ومليشيات الجنجويد المتحالفة معها تستبيح أرواحهم، وأعراضهم، وبيوتهم، ومدخراتهم، وممتلكاتهم الأخرى. ليس هذا وحسب، بل شاركت مليشياتهم ومنظوماتهم الأمنية الأخرى، بعد أن لبست زي الدعم السريع، وظلت ترتكب نفس جرائم النهب والسلب والاغتصاب لتنسبها للدعم السريع كسلاح في الحرب الإعلامية والنفسية وتعبئة الشعب ضده. هذه الجهات هي الأمن الشعبي والطلابي والاستخبارات العسكرية وقوات هيئة العمليات، ومعتادي الإجرام الذين أطلقتهم السلطات من السجون كغطاء لإطلاق سراح الفلول. وكل هذه الأجهزة التي تمتلك زي الدعم السريع بالإضافة لقوات الدعم السريع (ست الاسم) ظلت ترتكب الجرائم ضد المدنيين العزل من سكان العاصمة الذين وجدوا أنفسهم في مصيدة هذه الحرب الكيزانية اللعينة.
إذن هذه الحرب هي حرب الكيزان قولا واحدا. والحمد لله أننا لا نحتاج لشواهد لإثبات ذلك، فقد وفروا علينا الكثير من عبء الإثبات وشهدوا على أنفسهم.. شهدت عليهم ألسنتهم في جميع الإفطارات الرمضانية التي تداعوا إليها مهددين الشعب بأن الاتفاق الإطاري لن يمر إلا على أجسادهم، وبأن قوات الدعم السريع لابد من أن تدمج فورا في جيشهم لضمان استمرارها تحت أمرتهم، وإلا فسوف يفعلون ذلك بالقوة، بالإضافة لاعترافات الرجل السطحي أنس عمر، والداعشي محمد الجزولي بعد أن وقعا في الأسر. وشهدت عليهم أيديهم وسباباتهم المرفوعة بالسَباب أمام بعثة اليونتامس، وتهديداتهم المتكررة لفولكر بالقتل. وشهدت عليهم أرجلهم الزاحفة منذ الزحف الأخضر، وحتى خروج قياداتهم للعلن وهم يعبئون عضويتهم لحربهم الصفرية، ومشاركة كتيبة البراء بن مالك، وغيرها من تنظيماتهم الجهادية. وشهد عليهم نعيهم المتكرر لقتلاهم. فهذه الحرب حربهم. وهي بالنسبة لهم حرب وجود لابد من أن يخرجوا منها منتصرين حتى ولو أدى ذلك “لحريق السودان” كله كما صرح الكوز الحاقد الفريق فتح الرحمن محي الدين الذي يطيب له أن يُسَمَّي نفسه خبيرا استراتيجيا.
هدف الحرب
أما هدف هذه الحرب فهو القضاء على ثورة ديسمبر قضاء مبرما، وإزالة أي أثر لها، ومحوها من الذاكرة. تماما مثلما قضوا على الحياة في “المدينة الفاضلة” التي أقامها الشباب في ميدان الاعتصام، حيث قتلوا شبابها، واغتصبوا كنداكاتها، وأحرقوا خيمها، وأزالوا جدارياتها، وتركوها هباء منثورا، تذروه الرياح، فلكأنها لم تكن تفيض بالحياة وتنبجس في يوم ما. كانت مجزرة القيادة النموذج المصغر لمحرقة الوطن الماثلة.. نفس (الزولين) الذين ارتكبا تلكم الجريمة متحالفين، يرتكبان الآن هذه الجريمة كخصمين متحاربين. فالشعب السوداني الآن هو عظمة النزاع التي يتحاربون عليها. كل الفرق بينهما هو أن أحدهما يبشرنا بمدنية تناقضها أفعالهم على الأرض، والآخر ينذرنا الموت والهلاك بأقواله وأفعاله. أحدهما تقوده مصالحه المادية، وحماية وتوسيع إمبراطوريته المالية الضخمة، وكذلك هواجسه النفسية التي تريد الإفلات من العقاب عن طريق البقاء في السلطة. والآخر تقوده نفس المصالح والمخاوف بالإضافة لأيديولوجية دوغمائية صماء تنطوي على قدر من الشر والحقد على هذا الشعب الذي أسقطهم، كفيل، ليس فقط بتمزيق السودان، الذي أنجزوه بالفعل، بل من حريقه كليا وجعله هشيما تذروه الرياح. فالكيزان قوم لا يؤمنون بالأوطان أصلا.. إن الازدراء بالأوطان، واعتبارها أوثان، لهو من أهم الأصول في عقيدتهم. لذلك لا يعتصرهم الألم على هذا الموت، وهذا الدمار وضياع الأعراض والأموال، مثلما يتعصرنا. وهم لا يحسون مثلنا بمشاعر الوطنية، ولا يحبون تراب الوطن مثلما نحبه، فعندهم وطن الأخ المسلم عقيدته، لذلك نجدهم بينما طردوا الاف السودانيين من بلادهم، فتحوها لإخوانهم في العقيدة الذين آتوهم “رجالا وعلى كل ضامر من كل فج عميق”، ففتحوا لهم الفرص، ومنحوهم التسهيلات، وأنشأوا لهم البزنس، ووفروا لهم الوظائف حتى في الأجهزة العسكرية والأمنية.
وخلاصة الأمر أن هذه الحرب حربهم، وهدفها الأساسي هو هزيمة ثورة ديسمبر المجيدة، التي يصفها بعضهم “بالتافهة”، ومحوها من الذاكرة، وجعلها نسيا منسيا، والعودة للسلطة خوضا في الدماء. وهم لن يستطيعوا تحقيق ذلك في حرب خاطفة، أو قصيرة المدى تنتهي باتفاق على طاولة المفاوضات، والعودة للمسار الديمقراطي، ليواجهوا شعارات الثورة من جديد وما تعنيه من ضرورة تفكيك تمكينهم. إنهم يخططون لحرب شاملة وطويلة المدى.. حرب يستخدم فيها خطاب الكراهية، والتناقضات القبلية، والغبائن التاريخية، من عينة أولاد الغرب وأولاد البحر، ويجري فيها التركيز الشديد على جرائم القتل والاغتصابات والنهب والإذلال التي ترتكب بواسطة الجنجويد أو من يتزيَّى بزيهم، حتى يعبئوا الشعب في الشمال والوسط خلفهم، ويجندوا الشباب لمحرقة أخرى طويلة ستصبح حرب الكل ضد الكل.. حرب يُقتَل فيها الناس في الطرقات بناء على الهوية، أو الملامح. حرب يستمر سفك الدماء فيها عقودا، حتى تغرق أمواج الدم ذكرى الثورة، وتمحوا أثارها، وينسى الناس شيئا اسمه التحول الديمقراطي، وتصبح غاية الناس حفظ الحياة ووقف سفك الدماء وحسب. حينها يعتقدون أن كتائبهم مثل البراء بن مالك، وغيرها من المهووسين مثل داعش، وبوكو حرام، وغيرها، ستخرج منتصرة وتفرض نفسها على السودانيين وعلى العالم، تماما مثلما خرجت طالبان منتصرة بعد عشرين عاما من الخوض في الدماء وفرضت نفسها بقوة السلاح على الأمريكان والغرب عموما. هذه هي خطتهم، وهذا هو مثالهم.. فمن لم يدرك هذه المعادلة البسيطة لم يدرك شيئا، ومن لم ير هذه الحقيقة الساطعة لم ير شيئا. وعليه فإن كل من وظف نفسه منظرا لاستمرارية الحرب، أو دعم جيشهم، من خارج صفوفهم، فقد وظف نفسه عند جلاده، ونام مع عدوه، وحفر قبره وقبر الوطن بيديه، و”ملأ الدنيا هتافا بحياتي قاتليه”. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نقلا عن صحيفة التغيير
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الشعب السودانی هذه الحرب فی العام عن طریق بعد أن
إقرأ أيضاً:
مصر تعيش أجواء الهزيمة.. فما الحرب التي خاضتها؟
"أنا عايز أقول لكم: اللي انتو بتشوفوه دِ الوقتي (من غير تفسير كتير وتوضيح كتير) تقريبا زي الظروف اللي كنا بنعيشها بعد هزيمة 67 في مصر"!
هذا ما قاله الجنرال المنقلب ياسر جلال، قبل أيام (بعد عشر سنوات، من الإنجاز، والرخاء، والازدهار، حسب أبواقه ولجانه) أمام حشد جماهيري سيق "قسرا" إلى ملعب المدينة الأولمبية، الكائن في قلعة "ألَموت" الجديدة، أو العاصمة الإدارية الجديدة؛ للاحتفال بذكرى نصر أكتوبر 1973، برعاية كيان يحمل اسما "رجعيا ظلاميا غامضا" ألا وهو "اتحاد القبائل العربية"، يترأسه شخص آت من المجهول، غارق في الفساد، يُدعى إبراهيم العرجاني!
ومما تجدر الإشارة إليه، أن هذا الاحتفال تأخر عن موعده (الطبيعي) نحو ثلاثة أسابيع! وفي ظني (وليس كل الظن إثم) أن الاحتفال تم تأخيره عمدا؛ مراعاة لمشاعر "أولاد العم"، أو بعبارة أدق "أولاد الخال"! فذكرى "نصر أكتوبر" المصري يسبق (بيوم واحد) ذكرى "طوفان الأقصى" الفلسطيني التي باتت "ذكرى أليمة" لهزيمة استراتيجية حلت بالكيان الصهيوني، على أيدي المقاومة الفلسطينية، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لن يتعافى من آثارها..
كان هذا السؤال يتردد على منصات التواصل الاجتماعي كافة، بصيغ مختلفة: عن أجواء أي هزيمة يتحدث ياسر جلال ومصر لم تخض حربا، منذ بضع وخمسين عاما؟!
في اليوم التالي لكلمة ياسر جلال التي لم تستغرق سوى سبع دقائق، وهو المولع بالكلام، كان هذا السؤال يتردد على منصات التواصل الاجتماعي كافة، بصيغ مختلفة: عن أجواء أي هزيمة يتحدث ياسر جلال ومصر لم تخض حربا، منذ بضع وخمسين عاما؟!
السؤال يبدو وجيها ومنطقيا جدا، غير أنه مع التأمل وإمعان النظر، يجد المتأمل أن ياسر جلال كان "صادقا" على غير عادته، لكنه لم يكن "شفافا" كعادته، وقد بدا ذلك واضحا في قوله: "من غير تفسير كتير وتوضيح كتير".. فمن غير الممكن أن يفسر أكثر، ويوضح أكثر، لكن اللبيبَ بالإشارةِ يفهمُ!
فهل كان ينتظر المصريون من ياسر جلال أن يقول لهم بوضوح: أنا كنت في حرب معكم (يا مصريين) على مدى عشر سنوات، وأنا الذي انتصرت فيها، أما أنتم فتعيشون (اليوم) أجواء هذه الهزيمة؟! بالطبع كلا..
خمسة قواسم مشتركة بين الهزيمتين!
حتى تزول الدهشة عنك (عزيزي القارئ) إليك خمسة قواسم مشتركة تجمع بين هزيمة يونيو 1967 التي هُزم فيها الجيش المصري أمام العدو الصهيوني، وهزيمة يوليو 2013 التي هُزم فيها الشعب المصري أمام سلطة الانقلاب، بعد عدوان دام عشر سنوات، ولا يزال مستمرا..
القاسم الأول: الجيش والشعب لم يحاربا في هاتين الحربين.. الحربان كانتا "عدوانا" من طرف على طرف، ولم تكن مواجهة بين طرفين!
ففي يونيو 1967، شن الكيان الصهيوني عدوانا واسعا على مصر وسوريا.. أما الجيش المصري، فتفرق في صحراء سيناء بين أسير بيد العدو، وشهيد في مقبرة جماعية، وهائم على وجهه، ومنسحب بلغ منه الإعياء مبلغه.. وأما صواريخ "الظافر" و"القاهر" التي تصدَّرت أخبارها الصحف الرئيسة حينئذ، فلم نر لها أثرا؛ ذلك لأنها لم تكن موجودة أصلا، إلا في بروباجندا عبد الناصر التي كان يدير منصاتها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل!
وفي يوليو 2013، شن السيسي عدوانا منظما (ولا يزال مستمرا) على عدة جبهات: جبهة الحريات العامة (حرية التعبير، حرية السفر والانتقال، حرية التملك)، جبهة مؤسسات المجتمع المدني (النقابات، الأحزاب، الجمعيات الأهلية، اتحادات الطلبة)، جبهة الاقتصاد الوطني (بيع الأصول، وإغراق مصر في الديون)، جبهة السيادة المصرية (التنازل عن تيران وصنافير للسعودية، توقيع معاهدة 2015 مع إثيوبيا التي حرمت مصر من حصتها في مياه النيل، بيع رأس الحكمة ورأس بناس لدولة الإمارات.. إلخ)، جبهة الحقوق الأساسية للمواطن المصري (لا أمن، لا تعليم، لا علاج، لا وظائف، لا دخل مادي يفي بأقل القليل من متطلبات الحياة)، وجبهات أخرى.
القاسم الثاني: معاداة المنفرد بالسلطة (في كلا النظامين) للدين والأزهر؛ فعبد الناصر سلب الأزهر استقلاله، ولم يعرف الشارع المصري تخلي المرأة عن اللباس المحتشم إلا في عهد عبد الناصر.. أما في عهد ياسر جلال فقد شهدت مصر انتشاراً واسعا لشتى أنواع الانحرافات، بتشجيع من الإعلام الذي تستحوذ عليه السلطة، كما شهدت تدخلا شخصيا منه (أكثر من مرة) في الأمور الدينية، وهو الذي لا يحسن قراءة آية واحدة من كتاب الله، وقد تصدى له شيخ الأزهر في قضايا كثيرة.
القاسم الثالث: نشأة المستحوذ على السلطة في كلا النظامين، ونظرته للكيان الصهيوني؛ فكلاهما (عبد الناصر وياسر جلال) نشأ في حارة اليهود، وكلاهما تثور حول أصولهما شبهات كثيرة، وكلاهما لا يرى العدو الصهيوني عدوا.. وكلاهما خطط للهزيمة (هزيمة الجيش والشعب)؛ ليتربعا على عرش مصر دون منازع!
فمن الأمور التي بات مقطوعا بها، أن عبد الناصر قام بكل ما من شأنه أن يشجع الكيان الصهيوني ويحرضه على شن عدوان يونيو 67، على مصر، رغم علمه ويقينه بأن الجيش المصري غير مستعد لرد العدوان، ناهيك عن إحراز نصر؛ نكاية في قائد الجيش عبد الحكيم عامر الذي قرر عبد الناصر تصفيته معنويا بالهزيمة؛ ليسهل عليه التخلص منه شخصيا بالنحر، ومن ثم الانفراد بالسلطة!
ومن الأمور التي بات مقطوعا بها أيضا، أن ياسر جلال لم يدع شخصا يشكل له تهديدا "محتملا" إلا وألقى به في غياهب السجن، دون سند من القانون!
القاسم الرابع: وجود الآلاف من الإخوان المسلمين، ومن المغضوب عليهم من قِبَل النظام، في السجون، بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية!
القاسم الخامس: تأميم النظامين (الناصري والسيساوي) للمنصات الإعلامية كافة؛ ليكون صوت السلطة هو الصوت الوحيد المسموع! وإذا كانت عملية التأميم قد أثمرت، في عهد عبد الناصر، فإنها لم تثمر إلا قليلا، في عهد ياسر جلال؛ لأسباب باتت معروفة بالضرورة..
عدا هذه القواسم الخمسة المشتركة بين الهزيمتين (1967 و2013) فإن كل شيء مختلف!
ففي الهزيمة الأولى (1967).. كان الجنيه المصري يساوى 3 دولارات (الدولار كان يساوي 33 قرشا، أي ثلث الجنيه).. كانت الطبقة المتوسطة هي الأكثر عددا، وكان لدى كثير من أسر هذه الطبقة "خادمة".. كان راتب الموظف يكفيه، بل ويدخر منه.. كان المصريون يحصلون بواسطة بطاقات التموين على السلع الأساسية مدعمة.. كان تلاميذ المدارس يحصلون على وجبة غداء صحية مجانا.. كانت تُصرف للفلاحين أحذية بلاستيكية وأقمشة مجانا، أو بأسعار زهيدة أحيانا، من خلال الجمعيات التعاونية.. كانت المياه العمومية التي تصل إلى البيوت صالحة للشرب.. وأخيرا وليس آخرا، كان المصريون ينادون بالحرب؛ لمحو عار هذه الهزيمة النكراء.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل هذه المظاهر، وهذه الإجراءات، لم تكن لحنكة عبد الناصر، أو لحسن إدارة وتخطيط منه، ولكن لأن مركز مصر المالي القوي (الذي ورثه من العهد الملكي البائد) كان يسمح بذلك، وبما هو أكثر من ذلك..
أما في الهزيمة الثانية (2013) التي أعلن ياسر جلال عن حلولها بالشعب المصري، قبل أيام، والتي يعيش أجواءها اليوم، فإن الجنيه المصري يساوي سِنتين اثنين (الدولار يساوي 50 جنيها).. الطبقة المتوسطة في طريقها للانقراض، والطبقة المعدمة هي الأكثر عددا، وكثير من نساء الطبقة (التي كانت متوسطة) يعملن "خادمات" في بيوت "الإيجيبتيين" أصحاب المداخيل المليونية؛ لتوفير الحد الأدنى من متطلبات أسرهن المعيشية.. راتب الموظف لم يعد يغطي نفقات أسرته لمدة أسبوع واحد.. تم حرمان ملايين الأسر من بطاقات التموين.. تم رفع الدعم عن كل السلع.. تم فرض ضريبة (إتاوة) على كل إجراء روتيني تقوم به المصالح الحكومية، لا غنى للمواطن عنه.. لم يعد هناك شيء مجاني، أو بأسعار زهيدة؛ فكل شيء يباع، حتى أرجل الدجاج وأحشاؤها.. لم تعد المياه العمومية صالحة للشرب، ولا حتى لغسل الأواني.. بات المصريون يعيشون أجواء الهزيمة، حقيقة لا مجازا، تلك الهزيمة التي يسوّقها إعلام السلطة على أنها إنجاز وطني عظيم قام به القائد المظفر ياسر جلال!
تحرير، أم تحريك، أم استسلام؟
كيف سيتعامل الشعب مع هزيمة يوليو 2013 التي ألحقتها به سلطة الانقلاب التي هي الجيش الذي يعتبر نفسه في حالة "سلام دافئ" مع "إسرائيل"، رغم كل ما ترتكبه من مجاز
بعد عدوان يونيو 67، كان المصريون (جيشا وشعبا) يتحرقون شوقا للثأر، ومحو العار الذي ألحقه عبد الناصر بمصر والمصريين، وكان على عبد الناصر أن يستجيب مرغما، لا راضيا ولا مقتنعا، فأعلن حرب الاستنزاف، ثم خلفه السادات الذي كان يريد تثبيت شرعيته التي لم يعترف بها حواريو عبد الناصر (مراكز القوى).. غير أن السادات كان يفكر تحت السقف الأمريكي.. "حرب تحريك، لا حرب تحرير"، وكان له ما أراد، وكان لأمريكا ما أرادت؛ عبَر الجيش المصري قناة السويس، وأحدث ثغرات في "جدار بارليف"، وأصبح له موطئ قدم على الجانب الشرقي للقناة، بعمق كيلومترات معدودة.. انسحبت "إسرائيل" من سيناء شكليا، وبقي نفوذها عليها عمليا، حتى اليوم.. أما السادات، فكان بوسعه أن يتكلم عن إحراز "نصر"، يعقبه "سلام"؛ ليكون "بطل الحرب والسلام"!
هكذا تعامل الشعب المصري، والجيش، والسلطة، مع هزيمة يونيو 1976، فكيف سيتعامل الشعب مع هزيمة يوليو 2013 التي ألحقتها به سلطة الانقلاب التي هي الجيش الذي يعتبر نفسه في حالة "سلام دافئ" مع "إسرائيل"، رغم كل ما ترتكبه من مجازر، وتمارسه من عربدة، في الإقليم؟!
تحرير، أم تحريك، أم استسلام؟
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com