جيوبوليتيكا القرن العشرين: النظرية النسبية وفيزياء الكم (٢-٦)
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
بدأ القرن العشرين تطوره المذهل في الربع الاول من القرن اجتماعياً بوصول صراع المستعمرين وتنافسهم في مرحلتها المباشرة الى الحرب العالمية الاولى. رياضياً وفيزيائيا بنظريات اينشتين في ١٩٠٥ و اكمالها بالنظرية النسبية العامة ١٩١٧، و طرح اطروحات الفيزياء الكمية.
لوقت طويل حتى نيوتن اعتبر أنَّ المسافة والكتلة والسرعة والتسارع والمكان والزمان مقاييس ثابتة لها معايير مطلقة، لا تتغير بتغير الزمان أو المكان.
اذا كانت الفيزياء الكلاسيكية تدرس الاجسام الكبيرة، فان فيزياء اينشتاين والكمية بدأت بدراسة الاجسام التحت ذرية. وكان الفيزيائي (راذرافورد) طرح ان كل مكونات الكون عبارة عن اجسام تحت ذرية تتكون من نواة بها بروتون موجب الشحنة ونيوترون وتدور حولها الكترونات سلببة الشحنة. ومن مضاعفات هذه المكونات تتشكل المواد الموجودة في كل الكون.
تقوم النسبية الخاصة على خمسة قوانين أساسية: ثبات سرعة الضوء (٣٠٠ الف كيلومتر في الثانية، مهما كان مصدره وان الضوء يتكون من حزم صغيرة جدًا من الطاقة تُسمّى الفوتونات، وان هذه الفوتونات تمتلك خاصيتين: خاصية الجُسيم (اي لها كتلة) وخاصية الموجة.)، قانون الطاقة والكتلة، (اي الطاقة = الكتلة x في مربع سرعة الضوء) وهو القانون الذي بُنيت عليه معادلة القنبلة الذرية. وقانون انكماش الطول، وزيادة الكتلة بتزايد السرعة، والقانون الخامس يتعلق بالزمان: يتباطأ الزمن بحسب السرعة. وإذا زادت السرعة حتى وصلت سرعة الضوء فإن الكتلة ستكون حينئذ لا نهائية، ويصبح زمنها صفراً، وطولها أيضاً صفراً. أوضح آينشتاين أن الزمان والمكان مرتبطان ويؤثران في بعضهما، فيما يُعرف الآن بمصطلح الزمكان، وأن كليهما مفهومان نسبيان متعلقان بسرعة الضوء.
كان نيوتن قد تمكن من تحديد قيمة الجاذبية بين جسمين على أنها قوة تجاذب، بغض النظر عن مدى كتلتهما أو المسافة التي تفصلهما. أما آينشتاين فقدم نظرية النسبية العامة والتي تتعلق بالجاذبية. وتقوم على ان موضع جسم ما له اربعة ابعاد (الطول والعرض والارتفاع والزمان) وأن المكان والزمان متشابكان. أدى هذا إلى نظريته القائلة بأن الأجسام الضخمة في الفضاء يمكن أن تشوه نسيج الزمكان وهي مصدر الجاذبية (تم اثبات هذه النظرية بالتجارب بعد مائة عام من نشرها).
كان نيوتن قد حدد الضوء بانها جسيمات ذات كتلة، بعدها عرفها ماكسويل في القرن الثامن عشر انها مزدوجة وتتصرف كجسم او موجة حسب الظروف، النظرية التي نال اينشتين عنها جائزة نوبل اعطت تفسيرا لظاهرة التأثير الكهروضوئي وهي تفسر انبعاثات الإلكترونات من سطح المعدن عندما يُسلّط عليه الضوء . وجاءت نظرية آينشتاين عن أن الضوء حزمٌ او كمات منفصلة من الطاقة تُسمىّ الفوتونات وهي عبارة عن جسيمات وموجات في نفس الوقت وسمّاها الإلكترونات الضوئية (Photoelectrons). وان الالكترونات تحتاج لقدر معين من الطاقة (التردد الحرج) لتتحرر وتعطي الضوء. شكّل هذا النموذج أساسًا لكيفية عمل الخلايا الشمسية- فالضوء يدفع الذرات لإطلاق الإلكترونات التي تولّد تيارًا ينتج عنه توليد الكهرباء، كما يستعمل في التحليل الكيميائي وفي التلسكوبات واجهزة الرؤية الليلية وغيرها.
اكتشفت «الظاهرة الكمومية» في عام 1900 على يد العالم الفيزيائي الألماني ماكس بلانك. واضافت نظريات اينشتين اليها وعبر السنوات ومساهمة علماء عديدون تطورت لتصبح فيزياء القرن الحادي والعشرين. فيزياء او ميكانيكا الكم فرع مختص بالجسيمات متناهية الصغر مثل الإلكترونات وفوتونات الضوء وينتج عنه استنتاجات يمكن وصفها بالغرابة المطلقة فيما يتعلق بالعالم المادي. يمكن عزو هذه الغرابة إلى أن العديد من معادلات الميكانيكا التقليدية التي تصف حركة وسرعة الأجسام تفشل على مستوى الذرات والإلكترونات. في عالم الميكانيكا التقليدية تتواجد الأشياء في مكان محدد في وقت محدد، أما في عالم ميكانيكا الكم، هناك فضاء من الاحتمالات لمكان تواجد شئ ما في وقت ما؛ إذ هناك احتمالية أن يتواجد الشيء عند نقطة «أ»، واحتمالية أخرى أن يتواجد عند نقطة «ب»، وهكذا. سوف نتناول الفيزياء الكمية لاحقا بتفصيل.
حاشية: اتاحت الويكيبيديا واليوتيوب والانترنت عموما مكتبات مقرؤة ومسموعة ضخمة تتطرق لكل الافكار الاجتماعية والتطورات العلمية، تتراوح مستوياتها من البسيط الذي يطرح المفاهيم العامة والاطارات الى التفاصيل المتخصصة بكل نظام علمي.
///////////////////////////
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
بالإقدام تُرفع الأقدام..
من ظواهر رد الفعل، إلى ظواهر الفعل والتأثير في توجيه مسارات التاريخ نقلتنا "طوفان الأقصى" نقلة نوعيه واسعة وكبيرة، إلى مساحات كانت شبه محرمة علينا في المشرق العربي. والعبرة هنا ليست بالفعل العارض المحدود، ولكن بالفعل الشامل الممدود، ومن هنا تأتي أهمية هذه "الحركة التاريخية الكبرى" التي بدأت في صبيحة يوم السبت 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لتدخل بـ"عالم الإسلام" مدخلا جديدا في حركة التاريخ، يتسم بالإقدام والمبادأة، والأهم أنها ليست في الغائب المجهول، بل في المشهود المدروس.
وأشير هنا بشكل عارض لتلك الزيارة الهامة التي قام بها الرئيس التركي رجب أردوغان إلى إندونيسيا وماليزيا وباكستان، ولا أتصور أنها بعيدة في مغزاها عن زيارة رئيس الهند إلى أمريكا في نفس التوقيت، والوعود التي حصلت عليها الهند بتزويدها بطائرات إف 35 المقاتلة أو بالترتيب لمسار تجاري جديد يمر بإسرائيل وإيطاليا.
لكن المسألة الفلسطينية والأقصى، وأحاديث حاكم أمريكا عن مستقبل المنطقة وفي القلب منها غزة، كانت حاضرة بقوة في تلك الزيارات، والتي ستتلقى بعدها مصر اتصالا هاتفيا من ماليزيا، أُعلن عنه في القاهرة بحفاوة واضحة، وهو الاتصال الذي جاء في وقته المناسب تماما، سواء كان الوقت الذي شهد تلك الزيارات الآسيوية، أو الوقت الذي تتعرض فيه القاهرة إلى ضغط بخصوص مستقبل غزة وأهل غزة.
الحركات الكبرى في التاريخ دائما ما تمتاز باتساع دوائر تأثيرها، حتى أنها لتشمل دوائر أوسع كثيرا من دائرتها الأولى، وقد رأينا في التاريخ من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، آثار الاكتشافات البحرية، والنهضة والتنوير، والثورة الصناعية، وثورة القوميات، وكيف أنها تجاوزت بمراحل كثيرة محيطها الأول، وامتدت تأثيراتها إلى أبعد مما كان يتوقعه رافعوا حركاتها
* * *
الحركات الكبرى في التاريخ دائما ما تمتاز باتساع دوائر تأثيرها، حتى أنها لتشمل دوائر أوسع كثيرا من دائرتها الأولى، وقد رأينا في التاريخ من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، آثار الاكتشافات البحرية، والنهضة والتنوير، والثورة الصناعية، وثورة القوميات، وكيف أنها تجاوزت بمراحل كثيرة محيطها الأول، وامتدت تأثيراتها إلى أبعد مما كان يتوقعه رافعوا حركاتها، بل لقد تسلمها التاريخ منهم، وانطلق بها انطلاقات هائلة.
وهو ما سيحدث إن شاء الله مع "طوفان الأقصى" الذي قال للتاريخ "هأنذا" ليكون ضمن الحركات التاريخية الكبرى، التي سيشهدها المشرق الإسلامي في القرن الحادي والعشرين، وإن شئنا الدقة فهو المقدمة الكبرى لحركات ستتوالى وتشمل الفكر والحركة بهذا الفكر، في واقع بليد، تميز بالجمود والتكرار والتأخر والانحسار.
* * *
سنرى أن الحركات الإصلاحية التي عرفها "عالم الإسلام" من القرن الثامن عشر، وشغلها تخلف العالم الإسلامي وتفككه، واحتلال أوطانه بالقوة العسكرية والعلمية، وهي الحركات التي تنوعت وتعددت، وكان نصيبها من الحركة محصورا في مساحة "رد الفعل" حصارا خانقا بكل أسف، رغم كل دعوات التجديد التي قام بها وقادها أعلام كبار من الهند إلى المغرب العربي (ولي الدين الدهلوي وإقبال والأفغاني وعبدة ورضا والكواكبي والسنوسي وخير الدين التونسي وبن باديس.. الخ).
صحيح أن قوى الغرب الاستعماري كانت ساحقة وشرسة، رغم حربين كبيرتين أثقلته (العالمية الأولى 1914م/ العالمية الثانية 1939م)، لكن تجارب تلك الحركات ستشير لنا بإصبع التقصير والقصور، إلى جوانب بالغة الأهمية.
سواء كان ذلك في "اصطفاف قلوبها" فيما بينها حبا وإيثارا وصفاء، ووقوعها في التحاقد والتناحر، ذاك الداء العياء الذي سيستمر طويلا، وهو من موبقات الحركات الإصلاحية الذي يفنيها من داخلها، أو "اصطفاف صفوفها" فيما بينها وبين الناس، دعوة وتعليما وبناء للإنسان، وهي أشياء بالغة الخطورة والأهمية، بالنظر إلى الحجم التاريخي الكبير للمعركة التي نذروا أنفسهم لها.
* * *
وسنتعلم من تجربة صلاح الدين (ت: 1193م) في مواجهة قوى الغرب الصليبي أنها عانت كثيرا من النقص في "الاصطفافين"، وسيكتب لنا صديقه المؤرخ بهاء الدين بن شداد (ت: 1234م) في كتابه الشهير "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية" عن هذه المعاناة مع قادة العالم الإسلامي في زمنه.
لكن على الجانب الآخر سنرى أنه أهتم كثيرا بإنشاء المدارس، وعرف قيمة الاهتمام بفكرة (تعليم الناس) واستدعائهم بصوت الفكر والوعي، ليقوموا بدورهم في تلك المعركة الكبيرة، وتشير حركة إنشاء المدارس بمصر الأيوبية إلى الدور الكبير الذي لعبته تلك المؤسسات في مواجهة ذلك الخطر، كما ذكر المؤرخون.
وسننتبه هنا إلى أن صلاح الدين كان يدرك تماما الإدراك الدور الذي سيضطلع به في هذا الفترة التاريخية العصيبة، وسننتبه أيضا إلى أن الإقدام والجرأة والشجاعة، كانت زاده وذخيرته في هذا الدور، ولم تكن مجرد صفات تتيه في وادي الأماني، بل كانت تنتصب راسخة على أرض صلبة، من الوعي والإعداد المدروسين بدقة وكفاية.
* * *
وهذا عين ما رأيناه في "طوفان الأقصى". لا نعلم الكثير عن الإعداد والتجهيز الذي سبق هذه الحركة التاريخية الكبرى، فما زلنا فيها، وما زالت تتوالى علينا رسائلها التي لا تحصى، لكننا رأينا مسارها على مدى 15 شهرا، وكيف كانت في عمق أعماق معانيها تقول لنا كل شيء.. عن كل شيء، بدأ من الإنسان الفرد الذي يعي تماما معنى وجوده في الحياة، ميلادا ومماتا، وكيف ينظر إلى تلك الحياة وما فيها وما بعدها، مرورا بكل الصور التاريخية لأسمى المعاني والأماني،بغض النظر عما كتبوه وقالوه، لكنهم يقولون إن ظهور هؤلاء المؤرخون، كان بداية ظاهرة "ما بعد الصهيونية" التي تحكيها ملاحم التاريخ عن المجاهدين والمناضلين من نبلاء الناس الصادقين، وانتهاء بهذا "الحراك المتصاعد" الذي يشهده عالم الإسلام، والذي يتجه في مسار واضح وقوي، لتصحيح الكثير من الأخطاء الكبيرة التي شملت الشرق الأوسط مما يقرب من قرن.
* * *
في ثمانينيات القرن الماضي ظهر في إسرائيل أكاديميون شبان دُعوا "المؤرخون الجدد" ولدوا في إسرائيل وتشربوا الرواية الرسمية الإسرائيلية، عندما دخلوا الجامعة فُتح أمامهم أرشيف الجيش، وبدأوا في إعادة النظر في تلك الرواية الرسمية، خصوصا بعدما عرفوا الكثير عن عمليات التهجير والمجازر التي رافقتها.
بغض النظر عما كتبوه وقالوه، لكنهم يقولون إن ظهور هؤلاء المؤرخون، كان بداية ظاهرة "ما بعد الصهيونية".
وفي عشرينيات الألفية الثانية، ظهر في المشرق العربي وتحديدا غزة، أبطال شبان دُعوا "طوفان الأقصى" فُتح أمامهم أرشيف التاريخ، وبدأوا في تكوين فقه حركي جديد للنظر في الواقع العربي القديم والحاضر، وقاموا بحركة تاريخية كبرى، وكان ظهورهم بداية ظاهرة "ما بعد إسرائيل".
x.com/helhamamy