أطياف -
في أحد أفلامه التي حظيت بالمشاهدة كان الممثل فيل موي يجسد دورا رائعا لشخصية تعاني من مرض نفسي يجعل إحساسه و شعوره وإنفعاله مع الأحداث يأتي بأثر رجعي، أي أنه احيانا يبالغ في البكاء على عزيز بعد عامين من رحيله أكثر من بكاءه عليه لحظة سماع خبر وفاته
ذكرني ذلك حديث قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان امس في مدينة الدمازين الذي كال الإتهامات على قوات الدعم السريع وكأنه يحذر الناس من خطر هذه القوات حتى يأخذوا الحيطة والحذر منها، ذات الخطاب الذي كانوا يتبادلون فيه الإتهامات عندما كنا وقتها نعيش توتر أيام ماقبل الصراع ونخشى من أن يتسبب ذلك في إندلاع الحرب
والسؤال هل عاش معنا البرهان كارثة الأربعة أشهر ام أنه لايدري حتى الآن تفاصيل ماحدث من مأساة
فالرجل فور خروجه طفق يحدثنا بأن قوات الدعم السريع مليشيا متمردة تستحق الدحر والحسم
بعدها أصدر قرارا بحل قوات الدعم السريع والتي يجب أن يأتي قرار حلها من اول يوم تمردت فيه
وبالأمس خرج البرهان على أهل الدمازين بتصنيف الدعم السريع بالجماعة الإرهابية وبالرغم من أن البرهان ليس الجهة المخول لها تصنيف الجماعات وإن الأمر يحتاج الي خضوعه الي معايير دولية وقانونية لكن يبدو أن الشهور التي قضاها البرهان تحت سقف البدروم جعلته بعيدا عن الأحداث فالشعب السوداني تجاوز دائرة الإتهام والإدانة لقوات الدعم السريع، ولأن الأفعال أكثر دليل من الأقوال، فالحرب كشفت عن كل الذين إرتكبوا جرائم ضد الإنسانية في حق الشعب، لذلك لاينتظر المواطن البرهان ليحدثه عن الوصف الذي يليق بقوات الدعم السريع لأنه تخطى هذه المرحلة فهو الآن ينتظر مابعدها،
فالسؤال الذي يطرحه الشعب الآن هو أين وصل الجيش في حسمه للمعركة؟ و يجب أن يحدثه البرهان دون (لف ودوران) أما عن الحسم أو التفاوض، فإن لم يستطع الإجابة عن هذا السؤال
فيجب عليه أن ينشغل بإموره العسكرية والهم الميداني أكثر من اهتمامه بترتيب جدول الزيارات الداخلية والخارجية
فالبلاد تعيش الآن حالة حرب الشعب يترقب النتائج، حسما أو تفاوضا، ليس هناك منطقة وسطى.
فمثل هذه التصريحات تكون دائما في مرحلة ماقبل الحرب
ولا قيمة لها الآن بعد ( خراب سوبا )
وقد لايكون ثمة تفسير للحالة التي يمر بها البرهان الآن، حالة(فيل مولي)،(الانفعال بأثر رجعي) سوى أن البرهان اما انه تجاوز الحل عبر الحسم العسكري واصبحت المعركة لاتهمه كثيرا وإن مهمته الآن إعادة الخطابات الإستهلاكية المتكررة، أو أنه كقائد للجيش بعيد عن المعارك الدائرة وعن غرفة الكنترول فلايمكن أن تكون المعاركة حامية حول المدرعات والقائد مشغول بحرب الإتهامات!! .
أما قبل، فما لفت نظري في حديث البرهان وبعد تصنيفه للدعم السريع كمجموعه إرهابية قال انه قام بواجبه تجاه الجنود الذين سلموا انفسهم وانضموا للمؤسسة العسكرية وذلك بصرف ذات الرواتب التي كانوا يتقاضونها من الدعم السريع، وهذا يعني أن الجيش السوداني الآن يضم في صفوفه مجموعة من الإرهابيين !!
كما أن فلول النظام البائد قالت إن قوات الدعم السريع غير سودانية، وهذا أيضا يعني أن جيشنا اليوم به قوات غير سودانية تقاتل في صفوفه في معركة وطنية، فهل سمعتم البرهان تحدث عن أنه ضم الي صفوف الجيش الذين يحملون فقط الجنسية السودانية، لم يقل !!
والغريب أنه أيضا يشيد بمالك عقار وقواته تلك الميلشيا المتمردة الساقطة في (حسن السير والسلوك) والتي مارست النهب والسلب والإغتصاب وعمل افرادها قطاع طرق للمسافرين الي الولايات ام أن البرهان عندما كان في مخبئه لايدري عن ما إرتكبته قوات مالك عقار!! ولطالما أن البرهان أصبح يصنف ماهو إرهابي ومادونه إذن ماهو رأيه وتصنيفه لكتائب البراء وكتائب البنيان المرصوص!!
طيف أخير:
#لا_للحرب
الي جنات الخلد الزميلة الصحفية المناضلة صاحبة العقل والقلب الكبير حليمة عبد الرحمن العزاء لكل الزملاء في البلاط الصحفي لها الرحمة والمغفرة والعتق من النار
الجريدة
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع أن البرهان
إقرأ أيضاً:
أين تقف .. مع مليشيات الجيش أم مليشيا الدعم السريع؟
طلعت محمد الطيب
رأينا ومنذ بدء هذه الحرب القذرة كيف ظل إعلام الفلول يثابر في إلصاق تهمة إنحياز تنسيقية تقدم إلي قوات الدعم السريع وإتهامها بأنها جناح سياسي له، ولكن دون تقديم حجج مقنعة.
الواقع ان تقدم وغيرها من قوي سياسية ومدنية وافراد ومنظمات تبذل ما تستطيع من جهد لوقف العدائيات وعودة الفريقين إلي طاولة المفاوضات. هذا المقال لا يهدف إلى مناقشة هذا الأمر، بل هو محاولة لتقديم رؤية أقرب لواقع الوجدان السوداني تجاه الفريقين المتحاربين وهي حرب نعلم جميعا إن الوطن والمواطن هو من يدفع تكلفتها الباهظة جدا ويسعى كل العقلاء إلى إيقافها، بل يتوق الناس إلى العودة لحياتهم الطبيعية قبل الحرب رغم ما كان بها من معاناة وشقاء.
حتي نفهم مشاعر الناس تجاه الفريقين المتقاتلين لا بد من الاستعانة بنظرية التطور والحداثة الثانية (استخدمها في مقابل الحداثة الاولي)، لأنها تبنت موقف يرتكز علي حقيقة أن المعرفة ثنائية وهي معرفة العقل مقابل الفطرة. والاستعانة بالتطور لا علاقة له بالقضايا الوجودية الكبري مثل الإيمان والإلحاد بل إنها استعانة ذات طابع معرفي أو ابستمولوجي ودليلي علي ذلك هو وقوف العديد من الدعاة الإسلاميين بحماس شديد مع نظرية التطور بحكم ان العلم الحديث والحفريات ظلت تؤكد صحتها في مجملها. هناك مثلا الشيخ عدنان ابراهيم في أوروبا وهناك عبد الصبور شاهين في مصر وهو للمفارقة كان ممن قدموا دعوة ضد الكاتب الراحل نصر حامد أبو زيد يكفره فيها ويؤيد ضرورة التفريق بينه وبين زوجته!.
بل حتي رموز الإسلام السياسى من أمثال القرضاوي كان قد صرح في لقاء تلفزيوني شهير فيما يتعلق بنظرية التطور، أنه علي إستعداد لإعادة تأويل النصوص الدينية لتستوعب نظرية التطور. وقبل ذلك كان الشهيد محمود محمد طه له موقف واضح مؤيد لنظرية تشارلز داروين بمعني أن أبو البشرية آدم كان له اب وام.
التطور يعني أن اسلاف الإنسان عاشوا ملايين السنين قبل ان يظهر الإنسان بشكله الحديث قبل عشرات الالاف إلي مائة الف سنة تقريبا. ومن المعروف أن غرائز الإنسان تطورت لتعزيز تناسله وتطوره وانطبعت تلك الغرائز في تلافيف الدماغ وهي قوية جدا لأنها ارتبطت ببقاء الإنسان. ومن المعروف ايضا أن الإنسان كان قد عاش آلاف السنين في مجموعات صغيرة ومن الغرائز القوية لديه هي غريزة الانتماء لمجموعته وحمايتها لأن في ذلك حماية لنفسه ولذلك أصبحت غريزة ( نحن) ضد ( الآخرين ) لحماية أنفسنا منهم ، قوية جدا ، بحيث لا يقل تاثيرها علي سلوك الإنسان عن غرائزه الجنسية والبيولوجية الأخري.
تطور العقل بمعني السببية والمنطق كان تطورا لاحقا وبطيئا في مقابل الفطرة intuition حتي ان أحدهم قال أن نمو ريش الطيور بعد أن تطورت من الزواحف كان بغرض التدفئة وليس الطيران وإن الطيران جاء عرضا. عقل الإنسان لانه مازال ضعيفا واسيرا لفطرته الحيوانيه يحتاج إلي روافع مثل المؤسسات والقيم وكل ما شانه تعزيز وترقية التفكير الجماعي. وقد شبه عالم النفس الامريكي الشهير جوناثان هيدت العقل براكب الفيل، والفيل في هذه الحالة هي الفطرة، وإنت لا تملك سوي توجيه ذلك الفيل الضخم إلي الوجهات الصحيحة ولا يمكنك تجاهله لانه سيكون من يقودك في هذه الحالة. مشكلة الحداثة الاولي إنها اعتقدت بقدرة العقل علي السيادة بل تحول دعاتها حتي إلي شئ شبيه ب " عبادة السبب" وهذا ما فعله الناس اثناء الثورة الفرنسية حينما دخلوا إحدى كاتدرائيات باريس وقاموا بتكسير تصاوير العذراء والسيد المسيح وكل الرموز الدينية واستبدلوها بشعارات تمجد السبب reason والعقل.
مع أن الواقع يقول أن القيم الدينية وكل القيم الإنسانية هي ضالة المجتمعات الإنسانية التي تسعى إلي الإستقرار والاحساس بالأمان والسعادة.
غريزة ( نحن) و( هم) هي المتحكمة بقوة الآن في الشهد السوداني، فهناك من يميل وجدانه إلى تأييد مليشيات الجيش لانه ينتمى إلي مجموعات وسط وشمال السودان المهدد ب ( الآخر) او حتي وهم إفتراض قومية الجيش رغم ان كل الدلائل تشير وبقوة الي غير ذلك. هناك من يقف مع قوات الدعم السريع ايضا بحكم الانتماء الجغرافي لغرب السودان وهناك من ينطلق من الانتماء إلي( قبيلته الايديولوجية ) في انحيازه إلي هذا الفريق أو ذاك .
ولذلك علينا أن نساعد عقلنا علي التحكم في ( فيل المعرفة الفطرية ) وتوجيهها إلي الطريق الصحيح ، طريق التفاوض من اجل السلام والامن والتفاهم والاستقرار.
talaat1706@gmail.com