يرصد تحليل نشره موقع "ستراتفور" الأمريكي الضعف الشديد وحالة التشرذم التي تعتري رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، قائلا إن تقاعسها عن قضاياها الجوهرية خلال قمتها الأخيرة رقم 43، والتي انعقدت قبل أيام قليلة في إندونيسيا، يقلل من أهمية التكتل ويرغم أعضائها ببطء على التحالف مع الصين أو الولايات المتحدة، واعتبار تلك التحالفات بديلا عن المجموعة.

وكدليل على ضعف التكتل، لم يستجب الرئيسان الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينج لمحاولات إندونيسيا دفعهما إلى حضور قمة "آسيان"، بعد أن قدمت موعدها من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل إلى سبتمبر/أيلول لتتزامن مع قمة العشرين في الهند ويكون من السهل على بايدن وشي جين بينج الحضور، لكن ذلك لم يحدث، واكتفت الولايات المتحدة والصين وروسيا بإرسال مسؤولين رفيعي المستوى للحضور.

اقرأ أيضاً

الكويت تعلن الانضمام لمعاهدة الصداقة المنبثقة عن "آسيان"

فشل القمة الأخيرة

ويشير التحليل إلى أن القمة الأخيرة شهدت فشلا من "آسيان" نحو إحراز تقدم لحل القضايا الأساسية التي تهم التكتل، بما في ذلك الحرب الأهلية المستمرة في ميانمار، ومشكلات بحر الصين الجنوبي المتفاقمة بين بكين ودول آسيا المتشاطئة للبحر، والمتنازعة على السيادة معها.

وبدلا من اتخاذ خطوات لفرض السلام أو التزام ميانمار بخطة السلام التوافقية المكونة من خمس نقاط لعام 2021، جردت "آسيان" ميانمار من حقها في رئاسة الكتلة في عام 2026.

وفي الوقت نفسه، لم يذكر أي من البيانات المشتركة للاجتماعات شيئا عن النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي.

    وخيمت العديد من القضايا الجيوسياسية الهامشية على القمة، بما في ذلك اختبارات الأسلحة الأخيرة التي أجرتها كوريا الشمالية والتقارير التي تفيد بأنها ستبيع أسلحة لروسيا. بالإضافة إلى ذلك، أصدرت الصين خريطة جديدة في 28 أغسطس تؤكد من جديد مطالبتها بمعظم بحر الصين الجنوبي، وهو ما احتجت عليه ماليزيا والفلبين وفيتنام أعضاء آسيان رسميًا قبل القمة.

كما فشلت مفاوضات "آسيان" مع الصين بشأن مدونة قواعد سلوك بحر الصين الجنوبي، والتي من شأنها أن تحكم السلوك في الممر المائي المتنازع عليه، في إحراز تقدم كبير في القمة، على الرغم من ثلاث جولات من المحادثات في عام 2023. وقد توقفت العملية لعقود من الزمن.

اقرأ أيضاً

السعودية تنضم رسميا إلى معاهدة رابطة دول "آسيان"

جهود إندونيسيا المهدرة

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها إندونيسيا لتعزيز رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، فإن السلبية التي تصيبها بالشلل ترغم أعضائها على ترك الإجماع الإقليمي لصالح الترتيبات الثنائية، كما يقول التحليل.

وباعتبارها رئيسًا لـ"آسيان" لعام 2023، تأمل إندونيسيا في إنشاء الكتلة باعتبارها المنتدى الإقليمي المهيمن والقطب الجيوسياسي في جنوب شرق آسيا من خلال دفع ردود موحدة لقضايا ميانمار وبحر الصين الجنوبي في القمة.

وبما أن إندونيسيا تتمتع بأكبر اقتصاد وأكبر عدد من السكان في جنوب شرق آسيا، وهي العضو الوحيد في المنطقة في مجموعة العشرين، وهي الزعيمة الفعلية للكتلة، فقد كانت فرصتها في النجاح أفضل من أي عضو آخر في "آسيان".

إلا أن تناقض أعضاء الرابطة الآخرين بشأن العمل الجماعي الحاسم كان سبباً في منع تحقيق هذين الهدفين.

ونتيجة لهذا، يرى التحليل أن رابطة دول جنوب شرق آسيا تفقد مصداقيتها كمنتدى لحل القضايا الجيوسياسية الإقليمية.

ووسط هذه السلبية، يسعى أعضاء "آسيان" على نحو متزايد إلى إبرام اتفاقيات ثنائية مع بعضهم البعض ومع شركاء خارجيين، بدلا من الاعتماد على الكتلة للتوصل إلى الإجماع.

على سبيل المثال، تحايلت الحكومة التايلاندية على رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) من خلال إطلاق محادثات موازية مع المجلس العسكري في ميانمار في يونيو/حزيران لإعادتها إلى الحظيرة الإقليمية، الأمر الذي أزعج إندونيسيا عندما شجعت ميانمار على التخلي عن التزاماتها السابقة.

وعلى الجانب الأمني، تبحث فيتنام بشكل متزايد عن شركاء من خارج الرابطة لحماية مطالباتها في بحر الصين الجنوبي، حيث قامت بترقية علاقاتها مع كوريا الجنوبية في عام 2022، ومن المرجح أن تفعل ذلك مع الولايات المتحدة وأستراليا وسنغافورة وإندونيسيا في المستقبل.

وتقوم الفلبين بالمثل بتوسيع وتعميق العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية.

ومن جانبها، تواصل إندونيسيا تعميق علاقات التحديث العسكري مع الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً

رئيس الصين لقمة آسيان: لن نسعى للهيمنة

توقعات متشائمة للمستقبل

ويتوقع التحليل أن تصبح "آسيان" أقل فعالية وأكثر ضعفا في 2024، عندما تبدأ لاوس رئاسة الكتلة، الأمر الذي سيسرع هروب الأعضاء إلى شركاء أمنيين أقوى مثل الولايات المتحدة والصين.

ولاوس هي قوة اقتصادية وعسكرية أصغر بكثير من إندونيسيا وتعتمد بشكل كبير على الصين؛ كما أنها غير ساحلية، مما يجعل الاهتمامات البحرية ذات أهمية وطنية قليلة.

وهذا يعني أن لاوس ستكون أقل استعدادًا لطرح أو التراجع عن مبادرات غير مواتية للصين، مثل مدونة قواعد السلوك الملزمة قانونًا في بحر الصين الجنوبي، مما ينذر باستمرار الجمود بشأن هذه القضية في عام 2024.

ونتيجة لذلك، فإن الدول الأعضاء، وخاصة تلك التي لديها مطالبات وفي بحر الصين الجنوبي، ستواصل إقامة شراكات أمنية ثنائية فيما بينها ومع القوى الخارجية مثل الصين والولايات المتحدة.

وفي خضم المنافسة الاستراتيجية بينهما، ستضغط واشنطن وبكين بشكل متزايد على أعضاء "آسيان" لاختيار جانب ما، مما يزعج استراتيجية معظم دول جنوب شرق آسيا المتمثلة في تحقيق التوازن بين الدول الأكثر قوة.

ومع لجوء المزيد من أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) إلى مثل هذه الاتفاقيات الثنائية، فسوف تتعمق الانقسامات بين دول المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى ظهور كتل متنافسة تعمل على زعزعة استقرار جنوب شرق آسيا.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: آسيان رابطة الآسيان الصين إندونيسيا الفلبين فيتنام بحر الصين الجنوبي ميانمار رابطة دول جنوب شرق آسیا فی بحر الصین الجنوبی الولایات المتحدة فی عام

إقرأ أيضاً:

أستاذ علوم سياسية: التقارب والتنسيق يصل إلى حد التحالف بين روسيا والصين

أوضح الدكتور محمد عبد العظيم الشيمي، أستاذ العلوم السياسية، تفاصيل التنسيق بين الدول الثلاث داخل  المنظمات الأممية والدولية مثل مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، قائلًا: " عملية التحول في النظام الدولي على مستوى نطاق المناطق المختلفة تتأثر بكل الصراعات الموجودة".

باحث: روسيا تماطل وتلقي الكرة في الملعب الأوكراني والأمريكيماكرون: روسيا لا تعطي انطباعا بأنها تريد السلام بصدق

وأضاف “الشيمي” خلال مداخلة هاتفية عبر extra news، أنه منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بلغت درجة التقارب والتنسيق إلى حد التحالف بين كل من روسيا والصين، حيث اعتمدا معا مجموعة من التحركات المرتبطة بعدد من القوى الإقليمية في مناطق مختلفة حول العالم.

وأشار إلى أن استخدام الآلية التنظيمية وبالتحديد منظمة البريكس أو حتى مجموعة شنغهاي هو أحد الآليات التي يعتمد عليها الطرفين في إطار مواجهة التحركات الأمريكية وتحالفها مع القوى الغربية.

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: التقارب والتنسيق يصل إلى حد التحالف بين روسيا والصين
  • انفجار عنيف يهز حي الرمل الجنوبي بمدينة اللاذقية
  • «استاد آل مكتوم» يحتضن «ودية» الكويت والصين
  • "الاتحاد للطيران" تشغل 3 رحلات إلى ميدان في إندونيسيا
  • روسيا والصين تشددان على الحوار لحل ملف إيران النووي
  • «أسوشيتد برس»: أمريكا والصين.. زعيمان وخطابان ورؤيتان مختلفتان
  • صناعات الهند العسكرية تضع باكستان والصين في دائرة الاستهداف
  • القاعدة في جنوب آسيا.. استراتيجية التخفي بين الجماعات الإرهابية الإقليمية
  • أخبار العالم | جيش الاحتلال يواصل خروقات وقف إطلاق النار في غزة.. وروسيا تعلن لأمريكا شروطها لإنهاء الحرب مع أوكرانيا
  • روسيا تعلن لأمريكا شروطها لاتفاق ينهي الحرب مع أوكرانيا