أمريكا تجهز لمشروع ضخم يربط الشرق بالغرب.. هل يؤثر على قناة السويس؟
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
دفعت الولايات المتحدة خلال انعقاد قمة مجموعة العشرين، نحو مشروع كبير وهو عبارة عن "ممر" طموح من شأنه أن يربط بين الهند وأوروبا، عبر خطوط السكك الحديد والنقل البحري مروراً بالشرق الأوسط، مع دور قيادي للسعودية.
وتمّ التوقيع على اتفاق مبدئي، يوم السبت 9 سبتمبر 2023، في نيودلهي، بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.
ومن جانبه، قال الرئيس الأمريكي جو بادين، معلّقاً على هذا التوقيع "إنه أمر مهم حقاً"، متحدثاً عن "اتفاق تاريخي" خلال مشاركته في ندوة جمعت القادة المعنيين، وفي ختام اللقاء، اقترب بايدن من رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، مضيف قمة مجموعة العشرين، وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، من أجل مصافحة جماعية.
ومن جهتها، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أنّ المشروع "أكبر بكثير من مجرّد سكك حديد أو كابلات"، مشيرة إلى "جسر أخضر ورقمي بين القارات والحضارات".
وجاء في وثيقة نشرتها إدارة بايدن بشأن إعلان "الممر" الكبير بين الهند وأوروبا، "نريد إطلاق حقبة جديدة متصلة عبر شبكة سكك حديد، وربط الموانئ في أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا"، والهدف هو إنشاء "عقد تجاري"، مع "تشجيع تطوير وتصدير الطاقة النظيفة"، وفق الوثيقة، وسيشمل المشروع أيضاً مدّ كابلات بحرية.
وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، إنّ المشروع يجب أيضاً أن "يعزّز التكامل في الشرق الأوسط"، بما في ذلك بين "شركاء غير محتملين"، مشيراً في الوقت ذاته إلى إسرائيل والأردن من بين الدول المعنية.
وبهذا الإعلان، يحاول الرئيس الأمريكي ملء المساحة التي تركها الرئيس الصيني، شي جينبينغ، شاغرة، بعدم ذهابه إلى نيودلهي لحضور قمة مجموعة العشرين، على غرار نظيره الروسي، فلاديمير بوتين.
كما أعرب بايدن، عن شكره للشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، لدى الإعلان عن مشروعات "الممر الاقتصادي" الجديد، قائلا: "أود أن أقول، شكرًا شكرًا شكرًا، محمد بن زايد.. لا أعتقد أننا كنا نستطيع تحقيق ذلك من دونك".
من جهة أخرى، أعلنت الولايات المتحدة وأوروبا أنهما توحّدان جهودهما لدعم مشروع آخر للبنية التحتية، وهذه المرة في إفريقيا. وهذا المشروع هو "ممر لوبيتو"، الذي يربط جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا عبر ميناء لوبيتو في أنغولا.
وقال مايكل كوغلمان، الخبير في شؤون جنوب آسيا في مركز ويلسون في واشنطن، عبر منصة "إكس" إنّه "إذا تحقّق ذلك، فإنّه سيغيّر قواعد اللعبة عبر تعزيز الروابط بين الهند والشرق الأوسط"، مضيفاً أنّ ذلك "يهدف إلى مواجهة مبادرة الحزام والطريق".
وتقوم بكين من خلال "مبادرة الحزام والطريق" التي تأتي ضمن إطار برنامج "طرق الحرير الجديدة" باستثمارات ضخمة في عدد من الدول النامية لبناء البنية التحتية.
وأشار مصدر دبلوماسي فرنسي إلى أنّه "ضمن هذه الفكرة (الممر اللوجستي الجديد)، هناك منافسة مع طرق الحرير"، معتبراً أنّ إعلان نيودلهي "مجرّد بداية لقصة طويلة".
وقالت وكالة الأنباء السعودية، السبت، إن المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، وقعتا أمس، مذكرة تفاهم بين البلدين، لتحديد أطر التعاون بينهما لوضع بروتوكول يسهم في تأسيس ممرات عبور خضراء عابرة للقارات، من خلال موقع المملكة الذي يربط قارتي آسيا بأوروبا.
وحسب وكالة الأنباء الإماراتية، فإن المشروع يتألف من:
ممرين منفصلين هما " الممر الشرقي " الذي يربط الهند مع الخليج العربي و"الممر الشمالي" الذي يربط الخليج بأوروباالممرات تشمل سكة حديد ستشكل بعد إنشائها شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لتمكين مرور السلع والخدمات.يهدف المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع.كما يهدف الممر الجديد إلى تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة.المشروع يهدف أيضا، إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.حقبة جديدة متصلة عبر شبكة سكك حديد، وربط الموانئ في أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا."صفقة كبيرة حقيقية" من شأنها أن تربط الموانئ عبر قارتين وتؤدي إلى "شرق أوسط أكثر استقرارا وازدهارا وتكاملا".سيتيح "فرصا لا نهاية لها" للطاقة النظيفة والكهرباء النظيفة ومد الكابلات لربط المجتمعات.في إطار المشروع ستستثمر الولايات المتحدة مع شركائها "في خط السكك الحديدية الجديد الذي يبدأ من أنغولا ثم الكونغو وصولاً إلى زامبيا والمحيط الهندي".هذا المشروع سيؤدي إلى خلق فرص عمل، وازدهار التجارة، وتقوية سلاسل الإمداد والاتصال والتواصل بيننا، وهو ما سيجعل الأمن الغذائي في وضع أفضل.المشروع عبارة عن جسر أخضر ورقمي بين القارات والحضارات.وحسب "أسوشيتد برس"، ستقوم مجموعات العمل خلال الـ60 يوماً المقبلة بوضع خطة أكمل، وتحديد جداول زمنية لتنفيذ الممر، مشيرة إلى أن المرحلة الأولى ستتضمن تحديد المجالات التي تحتاج إلى الاستثمار، وحيث يمكن ربط البنية التحتية المادية بين البلدان.
وقال كبير المستشارين لشؤون أمن الطاقة العالمي في إدارة بايدن، آموس هوكستين، إنه يمكن وضع الخطط موضع التنفيذ خلال العام المقبل حتى يتمكن المشروع من الانتقال إلى الإعداد المالي والبناء.
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي، الدكتور عادل عامر، أن الممر الاقتصادي الجديد هو ممر جزئي وليس ممر مائي بعكس قناة السويس وتم التخطيط له منذ سنوات، وكان يتطلب تنفيذه موافقة الدول التي يمر بها ليام نقل البضاعة بين الدول الموقعة على الاتفاقية ومصر كانت من الدول المؤيدة لهذه الفكرة.
وأضاف عامر في تصريحات لـ "صدى البلد أن هذا الممر سيكون من أسرع الممرات بين البشرية في نقل البضائع بين 20 دولة في ثلاث قارات في العالم، ويعد من أسهل الممرات لنقل البضائع، أما عن قناة السويس فهو لا يؤثر عليها اطلاقاً لأن قناة السويس تعتمد على نقل البضاعة عبر الشاحنات الكبرى ولكن الدول التي ستستخدم الممر الجديد البري هي دول لا تتوفر لديها من الأساس ممرات بحرية لتستخدم قناة السويس، لذلك لن تتأثر قناة السويس على الاطلاق بالممر البري الجديد بل يعد هذا الممر اضافة للتجارة العالمية بالعمل مع الممر المائي.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور سيد خضر، إن مذكرة التفاهم التي تم توقيعها اليوم، بشأن إنشاء ممر اقتصادي يربط بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط، من المتوقع ألا يتم تفعيله على أرض الواقع، موضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تحجيم دور طريق الحرير التجاري بالصين، حيث إنه يعد من أهم الطرق التجارية في العالم، كما يضم هذا الطريق أكثر من 75 دولة على مستوى العالم، فأمريكا تسعى لتقليل سيطرة الصين على الاقتصاد خلال الفترة القادمة، لذلك من المتوقع عدم دعم أمريكا لهذا المشروع.
وأوضح أن هذا المشروع يتطلب مليارات الدولارات لتفعيله على أرض الواقع، فيما تعاني الولايات المتحدة الأمريكية خلال الوقت الحالي من ضعف الاقتصاد، ومواجهة مشاكل في التمويل، والسياسة المالية التي تتبعها، لافتاً إلى أن أمريكا تصرح منذ 15 عامًا بدعمها للقارة الأفريقية، لتطوير البنية التحتية بسبب تأثرها بأزمة المناخ، ولم تقم حتى الوقت الحالي بأي دعم كما قالت، فكلها وعود بلا تنفيذ، فأفريقيا لم تشهد أي تنمية أو دعم بها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وانما يتم إقحام أفريقيا في الصراعات وهو ما نشهده حتى وقتنا الحالي في العديد من دول القارة السمراء.
وأضاف في تصريحات له، أنه بالتزامن مع توسيع دول الأعضاء المنضمة لمجموعة بريكس، وزيادة فاعلية المجموعة، فالولايات المتحدة تعمل على سحب البساط من تحت الصين لاستمرار سيطرة أمريكا على الاقتصاد العالمي، بسبب تخوفاتها من دور المجموعة خلال الفترة القادمة، فمجموعة بريكس تهدف إلى تحقيق مصالح الدول الأعضاء، على عكس الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعمل على تحقيق مصالحها الشخصية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ممر الممر ممر اقتصادي الممر الاقتصادي الولايات المتحدة الولایات المتحدة الأمریکیة ممر اقتصادی هذا المشروع قناة السویس بین الهند الذی یربط
إقرأ أيضاً:
حرب اليمن: كيف يؤثر خفض المساعدات على البلاد؟
لا تدري أمل كيف يمكن لأسرتها أن تعيش في حال انقطاع أو انخفاض حجم المساعدات الغذائية التي تحصل عليها من المنظمات الدولية. في مخيم للنازحين شمالي اليمن، تسكن أمل مع أبنائها التسعة.
مثل أغلبية اليمنيين الآن، يعتمد سكان المخيم الذي يؤوي آلاف الأسر على الإمدادات الإنسانية التي توفرها الجمعيات الأهلية المحلية والدولية.
بصوت يئن من أعباء أجبرتها الحياة على تحملها، أخبرتني أمل عبر الهاتف أن "أي تقليص للمساعدات سيكون حكماً بالإعدام علينا".
وتتلقى أمل سلة غذاء شهرية من برنامج الأغذية العالمي تقول إنها لا تكفيها إلا لأسبوعين فقط. وحتى الحصول على هذه السلة لم يعد مضموناً بعد أن لجأت العديد من المنظمات الإنسانية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، للحد من أنشطة الإغاثة التي تمد أغلب اليمنيين بأسباب الحياة.
قرار تخفيض أنشطة توزيع المساعدات اتخذ بعد أن ألقى الحوثيون، المدعومون من إيران، القبض على 24 شخصاً من موظفي الأمم المتحدة بالإضافة لعدد آخر من العاملين بالمنظمات الإنسانية المحلية والدولية خلال الأشهر الماضية.
وفي يناير/ كانون الثاني، من هذا العام، قبض على مجموعة جديدة من موظفي هيئات الإغاثة الأممية، لم يعرف عددهم على وجه الدقة. وخلقت الاعتقالات حالة من الخوف قيدت حرية حركة المسؤولين عن توزيع المساعدات.
وتصنف الأمم المتحدة اليمن من بين أقل عشر دول في العالم نمواً، وفقاً لمؤشر التنمية البشرية، الذي يكشف عن مستوى رفاهية الشعوب. كما يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد للإعانات، بحسب اليونيسيف.
اشترط كل من التقيناهم إخفاء هويتهم كي يتحدثوا إلينا، إذ يعيشون تحت سيطرة الحوثيين الذين يبسطون نفوذهم على المحافظات الشمالية وكذلك العاصمة صنعاء. ويخشى سكان تلك المناطق أن يتعرضوا للتنكيل أو الملاحقة الأمنية.
ولذلك، فقد استخدمنا أسماء مستعارة لكل الأشخاص في تلك القصة، كما نمتنع عن تحديد أماكن وقوع الأحداث على وجه الدقة.
تعول أمل أسرتها الكبيرة بمفردها، لأن زوجها مريض ولا يقوى على العمل. وتشعر أن الحياة قد كشرت عن أنيابها منذ أن بدأت رحلة نزوح شاقة وطويلة، قبل أكثر من 10 سنوات، حتى وصلت إلى هذا المخيم الواقع في صحراء قاحلة.
وتخبرني "لو انقطعت عنا إمدادات الغذاء والدواء، سيموت أبنائي. فإننا لا نملك شيئا من حطام هذه الحياة".
واضطرت أسرة أمل لمغادرة منزلها في عام 2015 بعد أن اندلعت المواجهات بين الحوثيين، أو حركة أنصار الله كما تطلق على نفسها، والتحالف الذي قادته السعودية للحيلولة دون تمدد نفوذ الحوثيين في اليمن.
وتنظر السعودية للحوثيين كذراع لإيران في الشرق الأوسط. وطالما تنافس البلدان على النفوذ الإقليمي. وترفض السعودية وغيرها من القوى السنية في المنطقة تنامي النفوذ الإيراني الشيعي في عدة دول عربية. وشن تحالف، قادته الرياض، غارات جوية مكثفة على مناطق وجود الحوثيين في جارتها الجنوبية، اليمن. ووفرت الولايات المتحدة وبريطانيا دعما لوجيستياً واستخباراتياً لهذا القصف الجوي.
التسول أم الموت جوعاً؟
يبلغ أصغر أبناء أمل التسعة نحو خمس سنوات، وتسكن الأسرة خيمة بلاستيكية بالية لا تقيها شر حرارة ولا تحميها من برودة. ولا يوجد في الخيمة أثاث يذكر، فلا أسرة ولا مقاعد ولا حتى أغطية ثقيلة يتدثرون بها من شتاء الصحراء القارس.
بعد أن تنفد سلة الغذاء الشهرية، تضطر أمل للخروج من المخيم لتمر على المطاعم والأسواق وتتسول بضعة أرغفة من الخبز أو قليلا من الأرز والعدس لتسد به رمق أبنائها التسعة.
وتقول "أشعر بالخزي وأنا أمد يدي بالسؤال. لكن ما من حيلة لدي. هل أترك أولادي يتضورون جوعاً؟" وكثيراً ما تجهش بالبكاء بسبب ضيق ذات اليد وشعورها بالعجز.
ويوضح برنامج الأغذية العالمي أن حوالي 70% من العائلات النازحة تكافح من أجل سد أبسط احتياجاتها من الغذاء.
مصير مجهول
في 10 من فبراير/ شباط الجاري، نعى برنامج الأغذية العالمي وفاة أحد موظفيه "أثناء احتجازه. وكان قد تم اعتقاله تعسفياً من قبل سلطات الأمر الواقع (الحوثيين) في 23 كانون ثان/يناير 2025. ودعا إلى إجراء إجراء تحقيق فوري وشفاف لمحاسبة المسؤولين عن تلك "المأساة المروعة غير واضحة".
يشعر عبد العزيز بقلق بالغ إزاء مصير موكليه إذ لا يعرف مكان احتجازهم حتى الآن. ويتولى الدفاع عن 14 شخصاً من موظفي المنظمات الإنسانية القابعين خلف القضبان منذ العام الماضي، من بينهم ثلاثة من العاملين بالأمم المتحدة.
ويخبرني أن "الاتصال انقطع معهم تماماً خلال الثلاثة أشهر الأولى من اعتقالهم".
وفي الشهور التالية، تمكن المحتجزون من إجراء مكالمات هاتفية معدودة وقصيرة لأفراد أسرهم "وتراوحت مدة المكالمة بين خمس وعشر دقائق". ولا يعرف عبدالعزيز إلام سيؤول مصير موكليه.
وحاولت بي بي سي التواصل مع الحوثيين لمعرفة المزيد من التفاصيل بخصوص كل عمال الإغاثة المحتجزين لكننا لم نتلق رداً.
عمال إغاثة ملاحقون
وتتصاعد المخاوف بشأن تدهور أحوال النازحين، في ظل استمرار ملاحقة الحوثيين للعاملين في منظمات المجتمع المدني. تتذكر هناء اللحظة التي دخلت فيها إلى مكتبها بالعاصمة صنعاء لتجد "الأبواب محطمة ومديري محاطاً برجال الأمن وكل محتويات المكتب من أجهزة وكاميرات وهواتف مصادرة". وتقول إن هذه المداهمة، التي تمت قبل بضعة أشهر، حُفرت في ذاكرتها للأبد.
تعمل هناء بمنظمة أهلية تمولها الولايات المتحدة وتنخرط في تمكين المرأة وتدريب الكوادر المحلية على حل المشكلات المجتمعية والسياسية عبر التفاوض. كما تتولى، بالتعاون مع جمعيات أخرى، استخراج أوراق ثبوتية للنازحين الذين فقدوا متعلقاتهم خلال النزوح، كي يبدأوا حياة جديدة.
لكنها رحلت عن صنعاء وتوجهت نحو جنوب البلاد البعيد عن نفوذ الحوثيين، بعد احتجاز مديرها واتهامه بالتخابر. فبعد يوم واحد من القبض عليه، جلست هناء أمام شاشة التلفزيون لتشاهد قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين وهي تبث ما وصفته باعترافات "شبكة التجسس الأمريكية"، في إشارة لمجموعة من الموظفين المحليين بالسفارة الأمريكية في صنعاء الذين ألقي القبض عليهم في عام 2021. وأغلقت السفارة أبوابها في عام 2015 بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة.
تخبرني هناء أنها شعرت حينها أن الرحيل قرار لا بد منه، لأن الحوثيين باتوا يستهدفون كل من يرتبط بأي جهة أجنبية.
"حملات تشهير"
وتعتقد هناء أن ملاحقة الحوثيين لمؤسسات المجتمع المدني تهدف لترهيب المواطنين. لكن أكثر ما يؤلمها هو كيفية استقبال الرأي العام لما تصفه بحملات التشهير التي نظمها الحوثيون ضد أفراد المجتمع المدني. وتقول "صدمت عندما طالعت مواقع التواصل الاجتماعي لأجد الناس مؤمنة بأننا عملاء وجواسيس".
بعد رحلة صعبة، نجحت هناء في الوصول لجنوب البلاد لتجلس "في بكاء متواصل لثلاثة أيام بعد أن فقدت الرغبة في تناول أي طعام". فقد كان وقع الصدمة أكبر من قدرتها على التحمل.
يتزايد خوف هناء حالياً بعد أن صنف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الحوثيين كجماعة إرهابية مؤخراً. وقد يصب الحوثيون جام غضبهم على كل العاملين بالمنظمات ذات التمويل الأمريكي عقب هذا التصنيف.
ويحصل اليمن على مساعدات ضخمة من الولايات المتحدة بلغت قيمتها الإجمالية نحو ستة مليارات دولار منذ أواخر عام 2014، وفق بيانات البعثة الأمريكية إلى اليمن.
ويأتي جزء كبير من تلك المساعدات عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) التي قرر ترامب مؤخراً تعليق عملها لمدة 90 يوماً حتى تتم مراجعة بنود الصرف. وصارت الكثير من المشروعات التي تمولها الوكالة في أكثر من مئة دولة حول العالم في مهب الريح بعد قراره بتخفيض العمالة وتجميد الحسابات المصرفية.
وحذرت منظمة هيومان رايتس ووتش من "التأثير المدمر" لسياسات الرئيس الأمريكي وكذلك "الاعتقالات التعسفية التي يمارسها الحوثيون".
وقالت نيكو جعفرنيا، الباحثة في شؤون اليمن والبحرين بالمنظمة الحقوقية، لبي بي سي، إن وضع الحوثيين على قائمة الإرهاب بجانب تجميد عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) سيؤدي إلى "تبعات ضخمة على تقديم المساعدات". وتوضح جعفرنيا أن الوكالة الأمريكية تضطلع بنحو ثلث المساعدات المقدمة لليمن.
عيادات بلا دواء
يعاني الكثير من أطفال المخيم من الإسهال والالتهاب الرئوي بسبب تردي مستوى المعيشة وقلة الغذاء وسوء الأوضاع الصحية. ولا يتوفر من سبل العلاج إلا أقل القليل.
وتظل رفوف بعض العيادات بالمنطقة خالية لأسابيع. وعلمت بي بي سي من العاملين هناك إن المخزون المتاح من الأدوية لا يقارن بحجم الاحتياج ولا بأعداد المرضى.
تواصلت بي بي سي مع عدة هيئات تابعة للأمم المتحدة للاستفسار بشأن سير توزيع المساعدات في مناطق الحوثيين من دون أن نتلقى رداً.
لكن هانز غروندبرغ، المبعوث الإنساني الخاص لليمن، قال في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي، إن ملاحقة الحوثيين لعمال الإغاثة ليست فقط "انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، بل تمثل أيضا تهديداً مباشراً لقدرة الأمم المتحدة على مساعدة ملايين المحتاجين".
"رضيت بقدري"
لا تتفاءل سميرة بشأن المستقبل. وتخبرنا أنها لم تعش يوماً واحداً طيباً منذ وفاة زوجها قبل سنوات. تسكن مع أمل في نفس المخيم، برفقة أبنائها الأربعة. وتتساءل سميرة بصوت مليء بالبؤس "ماذا سيحل بأبنائي إن مت؟! هذا هو السؤال الذي يقض مضجعي كل ليلة فيحرمني النوم".
وتلجأ سميرة لبيع نصف سلة الغذاء الشهرية التي تحصل عليها من برنامج الأغذية العالمي لأنها تحتاج للنقود كي تشتري عبوات مياه لأبنائها إذ لا توجد مياه في المخيم. ويلحظ من يتجول في المنطقة صفوفا طويلة من رجال ونساء وأطفال، يحمل كل منهم عبوات ضخمة لتوفير حاجتهم من المياه.
يعمل ياسر، ابن سميرة الأكبر، في غسيل السيارات كي يعين والدته على إعالة إخوته الصغار. كان يتمنى أن يذهب للمدرسة بل كان يحلم باستكمال دراسته خارج اليمن لكنه يقول باستسلام "هذا هو قدري وقد رضيت به".