(عدن الغد)خاص.
قراءة في تطورات التنازع الأخير حول تحويل مرتبات موظفي الدولة إلى البنوك التجارية..
احتجاجات الموظفين.. هل تتصاعد أو تنتهي تحت وطأة التسليم بالأمر الواقع؟
ما مبررات الحكومة.. وما وجهة نظر المعترضين عليها؟
ما دوافع الموظفين في احتجاجاتهم الرافضة لهذه الخطوة؟
ما إيجابيات هذه الخطوة وما سلبياتها؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
رغم الشروع في صرف مرتبات موظفي العديد من مرافق ومؤسسات الدولة عبر البنوك الحكومية والتجارية، إلا أن الجدل حول هذه الطريقة لإيصال قوت الموظفين الأساسي ما زال قائما، ما بين مؤيد لها ومعارض، ولم تمنع تطمينات الجهات الحكومية من وجود معارضة قوية لهذه الخطوة.
ففي الوقت الذي ترى فيه الحكومة ومؤيدوها أن قرارها في تحويل صرف مرتبات موظفي الدولة عبر البنوك التجارية، الحكومية منها والأهلية إيجابيا، إلا أن معارضي القرار، وبينهم موظفي المرافق العامة ينظرون إلى القرار بالكثير من الريبة والتوجس، خاصة وأن القرار تضمن نقل المرتبات من البند الأول المقدس في ميزانية الدولة، إلى بند الهبات والتبرعات، وهو أكثر ما يخشاه الموظفون.
لكن هذا لا يعني أن عملية نقل المرتبات من المرافق الحكومية إلى البنوك تحمل في طياتها الكثير مما يجب الوقوف عليه، سواء كان في الجانب السلبي المظلم، أو الجوانب الإيجابية كما يراها كل طرف من المعارضين والمؤيدين، وهو ما كشف عنه الجدل الذي ما زال دائرًا حول هذه الإجراءات المالية الجديدة.
وبعيدًا عن التمترس خلف أية وجهة نظر، لا بد من استعراض كافة الجوانب السلبية والإيجابية، ووجهات نظر كل جهة، بغض النظر عن صحتها من عدمه، ولكن من منطلق مبدأ التوازن، لكن الواقع يؤكد أن صوابية الإجراءات أو خطأها يعود إلى تقدير الأشخاص المعنيين بهذه الخطوة، سواءً كانوا من أصدرها أو من طُبقت بحقه هذه الإجراءات.
مبررات الحكومة
القرار الذي أصدره وزير المالية سالم صالح بن بريك، عبر تعميم رقم 6 لسنة 2023، مطلع أغسطس/ آب الماضي، بشأن صرف مرتبات موظفي السلطة المركزية والمحلية عبر البنوك المؤهلة، وجاءت فيه توجيهات للوزراء ومحافظي المحافظات ورؤساء المجالس المحلية والهيئات والمصالح والحكومية، ومدراء عموم مكاتب السلطة المركزية في المحافظات ومدراء عموم مكاتب المالية بالمحافظات والشئون المالية لدواوين الوزارات.
التعميم تضمن الإشارة إلى ما أسماه بـ "المصلحة العامة"، وفي إطار مصفوفة الاصلاحات المالية التي تنتهجها وزارة المالية لتطبيق نظام معلومات الإدارة المالية الحكومي التقني المتكامل للوصول إلى مالية عامة تعمل بكفاءة وفاعلية، وتقديم خدمات للموظفين بنوعية جيدة، وتمكين الوزارات والإدارات الحكومية من إعداد وتنفيذ منظومة السياسات والإجراءات المالية التي تعكس الأولويات الوطنية.
كل تلك المتضمنات كانت تمهيدًا للإعلان وإقرار صرف مرتبات موظفي السلطة المركزية والمحلية عبر البنوك المؤهلة التي تم ترشيحها من قبل البنك المركزي، وهي البنك الأهلي اليمني، بنك التسليف التعاوني والزراعي، بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، بنك التضامن الدولي، بنك اليمن والبحرين الشامل، بنك القطيبي للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك عدن للتمويل الأصغر.
حيثيات القرار الحكومي الصادر عن وزارة المالية تضمن الإشارة إلى مبررات الحكومة من وراء تمرير هذا الإجراء، وهي مبررات عامة وخطيرة في أهميتها، إذا تم النظر إليه بتجرد أو بعفوية، بعيدًا عن أية حسابات أخرى، وهي مبررات قد تبدو مقنعة إلى حدٍ ما، مثل تصحيح الاختلالات والقضاء على الازدواجية والأسماء الوهمية التي تتقاضى مرتبات دون أن يكون لها وجود حقيقي، وتذهب مرتباتها للمتنفذين ومسئولي المرافق الحكومية.
هذه المبررات الحكومية التي دفعت وزارة المالية للإقدام على خطوة نقل مرتبات الموظفين إلى البنوك التجارية الخاصة والحكومية، محكومة باشتراطات دولية وإقليمية، بحسب مصادر في وزارة المالية والبنك المركزي اليمني بعدن، وهي تصب في مجال الإصلاحات المالية والنقدية التي يضغط في اتجاهها المجتمعين الدولي والإقليمي، كشرط لحصول اليمن على مزيد من الدعم المالي.
غير أن هذه المبررات الحكومية شكك فيها العديد من المراقبين السياسيين والاقتصاديين، الذين نفوا وجود أية اشتراطات أو طلبات دولية أو إقليمية من هذا النوع، خاصة فيما يتعلق بصرف مرتبات موظفي الدولة عبر البنوك التجارية، وهو ما يعني أن الدولة لها أهداف وغايات أخرى من وراء مثل هذه الإجراءات، لم تفصح عنها صراحةً.
دوافع الموظفين الرافضين
خلال الأسابيع الأربعة الماضية، خرجت الكثير من الاحتجاجات والتظاهرات التي تبناها موظفو عدد من المرافق العامة والحكومية؛ تنديدًا بإجراءات نقل صرف مرتبات الدولة إلى البنوك، وكان لهذه التظاهرات مبرراتها في رفض هذه العملية، من منطلقات إنسانية وقانونية حتى، فالخطوة تضمنت نقل المرتبات من مرتبتها الأولى والمقدسة إلى بند أقل قداسة، بل إنه بند لا يحظى بأي قداسة ويمكن المساس به وإلغاؤه تمامًا.
وأمر كهذا كان منطلقا لمخاوف الموظفين الذين رأوا أن تحويل المرتبات للبنوك لن يحل مشاكل الفساد والعبث بالمال العام، كما تدعي الحكومة ووزارة المالية، ما دامت شبكات الفساد منتشرة في كل مفاصل الدولة، وهي وجهة نظر معتبرة بحسب أصحابها.
المعارضون للقرار قالوا إن المرتبات خط أحمر ولا يمكن السماح لأي جهة المساس بها، خاصة وأن قانونيين كشفوا عن تحويل المرتبات من البند الأول في ميزانية الدولة يُحرم ويُمنع المساس أو التصرف به، ونقلها إلى البند الرابع في الميزانية والمتمثل في "الهبات والتبرعات"، وهو ما أثار مخاوف موظفي الدولة بشدة، وحول الراتب من حق مقدس إلى إمكانية توقفه إذا توقفت الهبات والتبرعات من المانحين والداعمين.
على رأس المحتجين، كان المعلمون والتربويون الذين اعتبروا القرار امتداد لسياسة إذلال المعلم، الذي يتكبد عناء التنقل بين مكاتب البريد للبحث عن راتبه، وغالبًا لا يحصل المعلم على راتبه بسبب عدم قدرة مكاتب البريد على توفير السيولة المالية اللازمة، مطالبين بضرورة احترام دور المعلم من الجميع، بمن فيهم الحكومة اليمنية نفسها، والكف عن المتعمد في تحميله مزيد من المشقة إلى حد لا يطاق، حيث كان المعلمون والتربويون يستلمون مرتباتهم داخل مدارسهم معززين مكرمين، غير أنهم اليوم يلهثون وراء المرتب دون أن يجدوه.
وعطفًا على هذا الوضع، سواء فيما يتعلق بالمعلمين أو بقية موظفي الدولة، فقد توعد المحتجون والرافضون للقرار بالعمل على استمرار الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات الرافضة، خاصة المعلمين الذين قالوا إنهم سيواصلون الاحتجاج داخل المدارس؛ تنفيذًا لطلب النقابة، مع استمرار التصعيد حسب بيان نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين، الصادر مؤخرًا.
دعوات للتراجع
ردود الأفعال الرافضة لقرار الحكومة دعت وزير المالية سالم بن بريك إلى قراءة ردود الأفعال والاحتجاجات الصاخبة والغاضبة من قبل النقابات المختلفة وبعض المسؤولين حول القرار الذي أصدره بتحويل صرف رواتب موظفي الدولة والحكومة بمختلف المؤسسات والقطاعات عبر البنوك.
وقال صحفيون وكتاب سياسيون إن هذا القرار صدر دون دراسة نتائجه السلبية غير المتوقعة، وفي ظرف عصيب ومنهك تعيشه البلاد والناس، والوزير يدرك ذلك لكنه يكابر غير مكترث بأوضاع الموظفين الذين سيأتون من مديريات ومناطق الريف البعيدة لاستلام راتب ضئيل قد يذهب ثلثيه لتكاليف المواصلات، ولن يبقي مع الوظف قيمة نصف كيس من الدقيق، بحسب الكاتب علي مقراط.
ويضيف: "لا أدري كيف فكر الوزير وكيف أقدم على خطوة لم تحدث على مر التاريخ لدولة الجنوب والشمال، ولم تحدث في زمن حضور الدولة والأمن والاستقرار، فكيف يتم اليوم في ظروف حرب؟".. ناصحا وزير المالية بالاستجابة لمطالب النقابات والموظفين بعدم سريان القرار.
مقراط وصف في مقال نشرته "عدن الغد" القرار بأنه "كارثي"، وليس في وقته، خاصةً ونحن بدون دولة، لم نستطع فض الاشتباك بين المهاجرين الأفارقة في الشيخ عثمان والمنصورة، منبها من خطورة الإعلان عن خطوة مماثلة متهورة تمس مرتبات منتسبي الجيش والأمن، إذا تم فرض هذا القرار ومضى دون الاستشعار بعدم وجود أية إيجابيات له، بل تُدخل الناس في متاهات ومعاناة جديدة لا تطلق ولا تحتمل.
ومضى يقول في مقال آخر: يبدو أني عرفت أن قرار نقل رواتب موظفي الدولة إلى البنوك الخاصة ليس قرارًا شجاعًا، ومغامرة من وزير المالية سالم بن بريك ولم يكن بتوصية من البنك الدولي.
واعتبر مقراط أن القرار يأتي في إطار المخطط الخارجي الجهنمي للتآمر على هذا الشعب المنهك، وجعل الناس تلهث للسؤال عن الراتب الذي قد يتوقف في أي لحظة بعد نقله من البند الأول إلى بند المساعدات والهبات الرابع، مؤكدًا أن الوزير بن بريك لم يتخذ هذا القرار الخطير من رأسه ولا الحكومة والمجلس الرئاسي، لأن الكل خاضعون لسيناريو التدمير والتجويع تحت وهم المساعدات والمنح والوديعة المؤقتة.
التسليم في النهاية
يخشى الرافضون للقرار أن تتوقف احتجاجات الموظفين، ويصرفون النظر عن عمليات التصعيد التي قد تنتهي تحت وطأة التسليم بالأمر الواقع، وبالتالي تمرير القرار ونقل المرتبات دون الالتفات للمخاطر التي قد ينجم عنها تداعيات القرار.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: صرف مرتبات موظفی البنوک التجاریة وزارة المالیة وزیر المالیة موظفی الدولة المرتبات من هذه الخطوة عبر البنوک إلى البنوک بن بریک
إقرأ أيضاً:
مجدي الجلاد: الصحافة المصرية لم تواكب التطور العالمي.. واختيار القيادات ينبع من النوايا التي تضمرها الدولة
كتب- محمد أبو بكر:
تصوير- إسلام فاروق:
قال الكاتب الصحفي مجدي الجلاد، رئيس تحرير مؤسسة أونا للصحافة والإعلام، إنه من خلال تجارب كبيرة في الصحافة؛ سواء "المصري اليوم" أو "الوطن" أو "مؤسسة أونا"، فخلال الـ٢٥ عامًا السابقة ارتكبنا خطيئة كبيرة بأن الصحافة المصرية سواء المطبوعة أو الإلكترونية لم تواكب التطور العالمي في هذا المجال.
وأضاف الجلاد أن عدم المواكبة كان إرادة سياسية من الدولة، والأدلة كثيرة جدًّا بوجود مؤسسات صحفية قومية عريقة تمتلك إمكانات بشرية رائعة وأصولًا ثرية جدًّا، وتم تجميدها لصالح وسائل الإعلام أو صحف أصبحت تمتلكها الدولة، ولم يعد أحد يكترث بتطور هذه المؤسسات أو إعادة هيكلتها، وهذه المؤسسات تعيش أزمات مالية كبيرة.
وأوضح رئيس تحرير مؤسسة أونا للصحافة والإعلام التي تضم (مصراوي، يلا كورة، الكونسلتو، شيفت)، أن مسألة اختيار القيادات تنبع دائمًا من النوايا التي تضمرها الدولة للصحافة؛ حيث أصبح الاختيار يتم بناء على الولاء والموالاة، وليس الكفاءة والخبرة والتميز، ولم يعد أحد من الجالسين على رؤساء مجالس الإدارات والصحف القومية لديه الكفاءة أو الرؤية أو حرية الحركة في إعادة مؤسسته إلى مكانتها في هذا العصر الصعب.
اقرأ أيضًا:
مصر تسعى لإنشاء 5 مواني جافة جديدة وطرحها على القطاع الخاص - تفاصيل
تفاصيل تشغيلات 3 أدوية حذرت منها هيئة الدواء في ديسمبر.. هكذا تكتشفها
رئيس تحرير "المال": الصحافة الورقية ماتت
العمالة غير المنتظمة.. وزير العمل يعلن زيادة قيمة المنح المخصصة لهم
عضو بالوطنية للصحافة يطالب بدعم الصحف وإعفائها من الضرائب
الكاتب الصحفي مجدي الجلاد الصحافة المصرية التطور العالمي الصحافة
تابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة نائبة: يجب مواجهة التخوف من تشريعات انضمام صحفيي المواقع الإخبارية أخبار أكرم القصاص: الصحافة تواجه تحديا مركبا ونحتاج إلى التفاوض مع مواقع أخبار أمين عام "موتمر الصحفيين": الصحافة رئة المجتمع والمهنة تواجه العديد أخبار