في اليوم العالمي لمحو الأمية.. أوجاع الحرب تصنع أميين جدد في اليمن!(تقرير خاص)
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
يمن مونيتور/إفتخار عبده
صادف يوم أمس الجمعة، الثامن من سبتمبر اليوم العالمي لمحو الأمية، ويحتفل العالم بهذه المناسبة بعدما قضى على أمية القراءة والكتابة واتجه للقضاء على أمية التكنولوجيا، في الوقت الذي تشهد فيه الأمية في اليمن اتساعًا كبيرًا ونموًا متسارعًا لدى مختلف الفئات العمرية.
وقد ألقت الحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من ثمان سنوات تداعياتها المأساوية على مختلف القطاعات بما في ذلك العملية التعليمية؛ فقد أدت الحرب إلى تسرب عشرات الآلاف من التلاميذ من آلاف المدارس لأسباب متعددة منها هدم المدارس واتخاذ بعضها ثكنات عسكرية لدى الأطراف المتصارعة، وكذلك عدم قدرتهم على التعليم ودفع تكاليفه، أو للانخراط في سوق العمل ليعينوا أسرهم.
وبحسب تقرير اليونسكو لعام (2021) فقد تم تدمير قرابة ( 2500) مدرسة، وتوقف حوالي (1.9) مليون طالب وطالبة عن الذهاب للمدرسة، وتوقف صرف المرتبات لقرابة (200.000) من المعلمين والإداريين منذ عام 2016، وما نتج عن ذلك من ارتفاع في معدلات التسرب من (980.000) طالب وطالبة عام 2014م إلى أكثر من (3) مليون طالب وطالبة عام( 2021).
وتعد شريحة المعلمين من أكبر فئات الوظيفة في اليمن؛ إذْ يتجاوز عددهم 242 ألف معلم ومعلمة، يعيش حوالي 70% منهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وهذه الفئة هي الأشد تضررا؛ إذ إنها حرمت من مرتباتها لقرابة سبع سنوات متتالية، باستثناء مبالغ زهيدة يتم صرفها في مناسبات محددة.
ويعيش حوالي 30% من المعلمين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، ويتقاضون مرتباتهم بشكل شبه منتظم، إلا أن هبوط العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، كان سببًا في ضعف رواتبهم حتى أنه أصبح الحد الأعلى لراتب المعلم اليمني لا يتجاوز 80 دولارا وهذا ما انعكس سلبًا على حياتهم وحياة أسرهم.
وأدى العزوف عن التعليم من قبل الكثير من الطلاب إلى اتساع رقعة الأمية في البلاد، فلم يعد الأمر مقتصرًا على كبار السن من الذين لم تسمح لهم ظروفهم في الماضي بالالتحاق بالتعليم، لكن الأمية اليوم أصبحت تلتهم شبابًا وفتية في عمر الزهور.
بهذا الشأن يقول عبد الواسع الفاتكي( تربوي ومحلل سياسي)” كانت نسبة الأمية في اليمن قبل الحرب من أعلى النسب في الشرق الأوسط إذ كانت تتراوح ما بين خمسين في المائة إلى ستين في المائة، ومنذ انقلاب المليشيات الحوثية وإشعالها الحرب التي تدخل عامها التاسع تعرض قطاع التعليم لضربات متتالية أدختله في دائرة الموت السريري وتعطل جهاز محو الأمية عن القيام بدوره”.
وأضاف الفاتكي لـ” يمن مونيتور” تشير التقارير المهتمة بالشأن التعليمي وبرامج الطفولة إلى أن أكثر من مليوني طفل خارج أسوار المدارس وأكثر من مليون ونصف طالب وطالبة غادروا فصول الدراسة في وقت مبكر حتى دون الحصول على شهادة التعليم الأساسي”.
وأردف” الظروف الاقتصادية الصعبة دفعت مئات الآلاف من الناشئين للاتجاه لسوق العمل لمساعدة أنفسهم وأسرهم بدلا من الاتجاه لمقاعد الدراسة والبعض من استقطبته المليشيات الحوثية لجبهات القتال تحت وطأة الحاجة”.
عمليةٌ تعليمية مشلولة
وأشار إلى أن” انقطاع رواتب المعلمين أسهم في إفراغ القطاع التعليمي من الكادر التدريسي ما جعل العملية التعليمية مشلولة إن لم تكن منعدمة؛ إذْ اضطر المعلمون للبحث عن فرص عمل لهم والعمل بمهن أخرى توفر لهم على الأقل ما يقيم أودهم وأود أسرهم أو الهجرة خارج الوطن”.
وبيّن الفاتكي في حديثه لـ”يمن مونيتور” أن” جهاز محو الأمية كإدارة تابعة لوزارة التربية والتعليم لم يعد يعمل كما كان سابقا، فقد بات بعد الحرب يعمل بنسبة 10٪ مقارنة بما كان قبل الحرب نتيجة ضآلة ميزانيته التشغيلية كما أن مراكز محو الأمية التى تتلقى دعما من بعض المنظمات أصبحت في حكم الراكدة جراء غياب متابعتها والرقابة عليها”.
ارتفاع نسبة الأمية كارثة تهدد مستقبل اليمن
ولفت إلى أن” ارتفاع نسبة الأمية في اليمن كارثة تهدد مستقبل اليمن وتنذر بخروجه من دائرة العصر، جهل وتخلف ينتشر أفقيًا ورأسيًا عنوانه مؤشرات ارتفاع الأمية ففي الوقت الذي تخلصت فيه كثير من دول العالم من أمية القراءة والكتابة واتجهت لمحو أمية التكنولوجيا توسعت دائرة الأمية في اليمن وسجلت أرقاما قياسية تكاد تجعل اليمن في رأس قائمة الدول الأكثر أمية”.
في السياق ذاته تقول نبيلة عبده( معلمة في مركزٍ لمحو الأمية في مديرية سامع- محافظة تعز)إن:” جهاز تعليم محو الأمية توقف في الأرياف عام 2014م؛ بسبب اندلاع الحرب، كما توقف إصدار الكتب الخاصة بمحو الأمية في المديرية”.
وأضافت” عملتُ في هذا المجال منذ عام 2010م حتى نشوب الحرب وقد كانت تلك الفترة مزدهرة بالنسبة للكثير من القرى، إذ تخرج الكثير من المقبلين على مراكز محو الأمية، وقد تخرج على يدي مايقارب مائة طالبة، يتراوح أعمارهن بين العشرين إلى الأربعين سنة”.
وتابعت” حاولنا إعادة العمل في عامي( 2017م و2018م)لكن الحظ لم يحالفنا بسبب عدم توفر كتب لتعليم الكبار، وقلة الاهتمام من قبل المختصين بمحو الأمية؛ ومنذ ذلك الوقت والمراكز متوقفة عن العمل إلى أجل غير مسمى”.
وأشارت إلى أنه” لا يوجد اهتمام ولا متابعة من قبل جهاز محو الأمية لتعليم الكبار نفسه، خاصة مع تدهور الأوضاع في البلاد”.
وأردفت” التعليم في اليمن بات متدهورًا جدًا؛ إذ أصبح الكثير من الأهالي يهتمون فقط بتوفير لقمة العيش لأسرهم فقط لا غير”.
ولفتت إلى أن” ملايين الأطفال محرومون من الالتحاق بالعملية التعليمية، وأصبحوا يعملون في الأجر اليومي في أسواق العمل، ناهيك عن كبار السن”.
ظروف الحرب القاسية، وغلاء المعيشة السبب الأبرز في عزوف الكثير من الطلاب عن التعليم، ومغادرة المدرسة بوقت مبكر، من الصفوف الأولى “الابتدائية”.
محمد خالد ( 15عاما) يسكن في مدينة تعز ويعمل بائعا متجولًا بالليمون، ترك تعليمة وهو في الصف الثالث الابتدائي ليذهب للعمل معللًا أن الظروف القاسية التي جاءت بها الحرب هي من أجبرته على التوقف عن التعليم.
يقول محمد لـ”يمن مونيتور” حياة أسرتي عندي أهم من التعليم بكثير، ولن أستطيع أن أذهب إلى المدرسة وأسرتي لا تجد ما تأكله”.
وأضاف” تركت المدرسة قبل عدة سنوات، بدأت حينها ببيع المناديل، ثم جمعت لي مبلغًا من المال اشتريت به عربة صغيرة، أشتري كل يوم سلة من الليمون أقوم بتقسيمها إلى أكياس صغيرة فئة ألف أو فئة خمسمائة أبيع منها ما أستطيع والذي يتبقى أشتري عليه لليوم الثاني”.
وأردف” الآن أستطيع فقط أن أكتب اسمي واسم أبي وعائلتي، وأقرأ ببطء الكلمات الصغيرة فقط، ليست قراءتي كما يقرأ من هم بعمري الآن، أشعر بالحزن على نفسي عندما أرى مستواي هذا لكني لست الوحيد، فهناك الكثير ممن هم أكبر مني وهم لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، ولا يعرفون ذلك أبدًا، هذا ما أواسي به نفسي”.
وتابع” في الحقيقة كل صباح عندما يخرج من هم في عمري من الجيران إلى المدرسة وأنا أخرج للسوق، أحزن كثيرًا لذلك، لكني مجبر على أن أساعد أبي الذي يعمل بالأجر اليومي ولا يجد عملا في الكثير من الأيام”.
وواصل” إذا انتهت الحرب سنعود للمدرسة ونحن فرحون؛ لأنه حينها ستتوفر فرص العمل للآباء وستخف أسعار المستلزمات الدراسية على ما هي عليه الآن، نحن نتمنى ذلك كثيرًا فقد سئمنا من هذا الوضع المليء بالأتعاب”.
بدوره يقول الصحفي رهيب هائل إن: ” الأمية اتسعت رقعتها في اليمن خلال سنوات الحرب بشكل كبير خاصة مع دمار العديد من المدارس الحكومية وعدم توفر مراكز تعليمية وعزوف ملايين الأطفال عن الالتحاق بالتعليم”.
وأضاف” أذكر أنه في السابق، خلال الفترة من2011م حتى عام 2013م كانت توجد مراكز تعليمية تطوعية للكبار وللشباب الذين لم تسعفهم الظروف الالتحاق في التعليم، ولعبت خلال تلك الفترة دورا مهما حقًا”.
وتابع” الحرب أججت وضع العملية التعليمية ودمرت العديد من المدارس والمراكز التعليمية وأصبح الكثير من المواطنيين يعزفون عن التعليم،ويذهبون إلى سوق العمل بشكل كبير”.
أبناء النازحين ضحايا الأمية
وأشار إلى أن” الثمان السنوات الماضية كانت كفيلة في إنتاج أجيال غير متعلمة لا تستطيع القراءة والكتابة، خصوصا فئة النازحين الذين يتنقلون من مكان إلى آخر ولا يجدون فرصة لتعليم أطفالهم، فيصبح أولادهم ضحايا الأمية إلا القليل منهم”.
وأكد بأن” الأوضاع غير المستقرة في البلاد هي التي خلفت كمًا هائلًا من الشباب والأطفال وكبار السن من الذين لا يستطعوا القراءة والكتابة”.
ولفت إلى أن” المنظمات العالمية” اليونيسف” حذرت في عام 2021م أن هناك مما يقارب من مليوني طفل لم يستطيعوا الالتحاق بالعملية التعليمية وفي عام 2022م” حذرت المنظمة نفسها من ارتفاع العدد إلى ستة ملايين”.
وواصل حديثة” لايوجد اهتمام في العملية التعليمية من قبل الأهالي، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والتي أجبرت الكثير من الأسر على تقديم أطفالهم وشبابهم إلى الجبهات أو إلى سوق العمل بغرض توفير مقومات العيش، وهذا الأمر سيزيد من رقعة الجهل والتخلف مستقبلًا وبشكل مخيف”.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: التعليم اليمن محو الأمية العملیة التعلیمیة طالب وطالبة یمن مونیتور محو الأمیة عن التعلیم الکثیر من إلى أن من قبل
إقرأ أيضاً:
تقرير دولي صادم: مخاطر تهدد مستقبل اليمن!
شمسان بوست / متابعات:
أكد تقرير حديث أن اليمن التي تعاني بالفعل من عقد من الصراع، تواجه مخاطر متزايدة ناجمة عن تغير المناخ، مما يؤدي إلى تكثيف التهديدات القائمة مثل ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي.
ويسلط تقرير المناخ والتنمية في اليمن الصادر حديثًا عن مجموعة البنك الدولي الضوء على الحاجة الماسة للاستثمارات المستجيبة للمناخ لمعالجة التحديات العاجلة المتعلقة بالمياه والزراعة وإدارة مخاطر الكوارث، مع مراعاة الظروف الهشة والمتأثرة بالصراع في البلاد.
ويواجه اليمن ارتفاع درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار غير المتوقعة وأحداث الطقس المتطرفة بشكل متكرر، مع تأثيرات كبيرة على السكان الأكثر ضعفاً وآفاقهم الاقتصادية. نصف اليمنيين معرضون بالفعل لخطر مناخي واحد على الأقل – الحرارة الشديدة أو الجفاف أو الفيضانات – مع تأثيرات مركبة على انعدام الأمن الغذائي والفقر.
ومن المتوقع أن تشتد هذه المخاطر دون اتخاذ إجراءات فورية وقد ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بمعدل 3.9٪ بحلول عام 2040 في ظل سيناريوهات مناخية متشائمة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية وتلف البنية التحتية.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يحدد التقرير فرصاً استراتيجية لتعزيز القدرة على الصمود، وتحسين الأمن الغذائي والمائي، وإطلاق العنان للنمو المستدام. على سبيل المثال، يمكن للاستثمارات المستهدفة في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، إلى جانب تقنيات الزراعة التكيفية، أن تؤدي إلى مكاسب إنتاجية تصل إلى 13.5% في إنتاج المحاصيل في ظل سيناريوهات مناخية متفائلة للفترة من 2041 إلى 2050. ومع ذلك، لا يزال قطاع مصايد الأسماك في اليمن عرضة للخطر، مع خسائر محتملة تصل إلى 23% بحلول منتصف القرن بسبب ارتفاع درجات حرارة البحر.
وقال ستيفان جيمبرت، مدير البنك الدولي لمصر واليمن وجيبوتي: “يواجه اليمن تقاربًا غير مسبوق للأزمات – الصراع وتغير المناخ والفقر، مشيرًا إلى أن اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة بشأن القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ هو مسألة بقاء لملايين اليمنيين”.
وأضاف: “من خلال الاستثمار في الأمن المائي والزراعة الذكية مناخيًا والطاقة المتجددة، يمكن لليمن حماية رأس المال البشري وبناء القدرة على الصمود وإرساء الأسس لمسار التعافي المستدام”.
وقال إن كافة السيناريوهات المتعلقة بالتنمية المستقبلية في اليمن سوف تتطلب جهود بناء السلام والتزامات كبيرة من جانب المجتمع الدولي. وفي حين أن المساعدات الإنسانية من الممكن أن تدعم قدرة الأسر على التعامل مع الصدمات المناخية وبناء القدرة على الصمود على نطاق أوسع، فإن تأمين السلام المستدام سوف يكون مطلوباً لتوفير التمويل واتخاذ الإجراءات اللازمة لبناء القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ على المدى الطويل.