أثير -عبد الرزاق الربيعي

قد تمرّ بنا، في أوقات سانحة، جُمَلٌ، وأمثال، وحِكَم، تفتح آفاقا واسعة، وتشكّل انعطافة في حياتنا، نحو مسارات لم تكن في حساباتنا، لقوّة تأثيرها، ويمكن اعتبار البيت الذي بنى عليه الشاعر كريم العراقي قصيدته التي مطلعها:
لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبُهُ
لا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ

من بين هذه السوانح، والذكيّ من يلتقطها تمثّلا بقول ابن الرومي:
هي فرصة ٌسنحت ونعمى أقبلت.

.وغنيمة أَزِفَتْ وصيد أَكثبا

فقد تلقّفه الشاعر الراحل، وأنزله من رفوف المكتبات، وأعاد إحياءه، فجعله مقدّمة لقصيدته (رحّال) التي غنّاها كاظم الساهر في مقدّمة مسلسل (المسافر)، فذاع صيته بين عامّة الناس، وبعد أربعين سنة، عاد إلى البيت وكتب:
بيتٌ من الشعر أذهلني بروعتِهَ … توسّدَ القلب مذ أن خطَّه القلمُ
أضحى شِعاري وحفّزني لأُكرِمَهُ … عشرينَ بيتاً لها من مِثلِهِ حِكَمُ
لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبُهُ … لا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ

ثم أكمل الأبيات، في قصيدة جعل مطلعها البيت المذكور، ويختتمه بقوله:
كنْ فيلسوفا ترى أن الجميع هنا
يتقاتلون على عدم وهم عدم

وها هم يتقاتلون على البيت الذي حرّض الشاعر الراحل كريم العراقي وجعله يكتب نصا تضمن تأملات في الحياة، هذا البيت أثار جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك من شرّق وغرّب، واتّهم الشاعر بانتحاله من شاعر مجهول، علما بأن الشاعر كريم لم يدّعِ في يوم من الأيّام أن البيت له، فالناس هم من نسبه إليه، وكتبوه على لوحات وصور نشرتْ في مواقع التواصل الاجتماعي موقّعة باسمه، وهذا ليس ذنبه، والشاعر الراحل لم يوهم أحدا بـ “أنه من تأليفه” كما كتب الصديق الشاعر هادي ياسين علي في منشور له “حين زجّ به بين أبيات إحدى قصائده ، دون أن يذكر أصل البيت : بوضعه بين قوسين أو ذكر اسم الشاعر الأصلي في هامش”، وأنا معه بمسألة سقوط الأقواس التي صنعت بلبلة.

تشبه البلبلة التي أحدثها بيت طرفة بن العبد عندما (أغار) على بيت امرئ القيس :
وقوفًا بها صحبي عليَّ مطيهم
يقولون: لا تهلك أسًى وتجمّلِ

وغيّر فقط القافية في قصيدته الدالية، فقال:
وقوفًا بها صحبي عليَّ مطيهم
يقولون: لا تهلك أسًى وتجلّدِ!

والعتب على الشفاهية، فقد سقطت الأقواس في طريقها للتدوين.

وقد ذكر الشاعر الراحل في أكثر من مناسبة، قصّته مع البيت التي بدأت حين كتب معلم العربية في (ثانوية قتيبة) التي درس فيها، الدكتور حسن الشرع البيت على السبورة، وطلب من طلبته أن يكتبوا في هذا الموضوع بدرس التعبير، فعلق البيت في ذاكرته، وجعله مفتتح نصّ غنّاه الساهر، كما ذكرتُ، في السطور الأولى من المقال، والبيت لا يُعرف أحد قائله، فالشاعر هادي ياسين ينسبه للشاعر الراحل ” محمد جواد الحلي” و”يؤكّد أنّه استهل به ديوانه (خالٌ على نهدها) المطبوع عام 1964 ـ (مطبعة العاني) ـ بغداد ، فيما يرى أحد المعلّقين على المنشور” أن الشاعر الحلي أيضا اقتبس البيت الشعري”ويضيف” منذ صغري أحفظ هذا البيت لكثرة ما كان يردّده والدي وقد كنت قرأته في كتاب بمكتبته البسيطة بعنوان أقوال وحكم للإمام علي!!! لذلك أتوقع أنّ أصل البيت يعود لشاعر مجهول من العصر العباسي”، ولأن البيت لا يعرف أحد قائله، نَسبَهُ القرّاء للعراقي، الذي استدعاه وقام بالنسيج على منواله، بما جادت به موهبته من السحر الحلال!

وهذا لا يعني أنّه صار له، لكنه أعاد إحياءه، وهذا يسمّى بالتضمين، أو الاقتباس، وبالمفهوم الحديث التناص أي تداخل النص الحديث مع نص سابق له، أو يدخل ضمن المعارضات الشعرية التي تقوم على نسج نص على نفس قافية ووزن نص مشهور، وفي كلّ الأحوال، فقد خرج الشاعر كريم العراقي بنصّ من السحر الحلال، زاخر بالمعاني، والحِكم، وسيبقى ماكثا في ذاكرتنا جميعا.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: الشاعر الراحل

إقرأ أيضاً:

وقفة قبلية في ماوية تنديداً بجريمتي المرتزقة قتل الحطام والعامري

الثورة نت/..

شهدت مديرية ماوية في محافظة تعز، اليوم، وقفة قبلية مسلحة تنديداً بجريمتي قتل الشاعر راشد الحطام والشاب ماجد العامري من أبناء قيفة تحت التعذيب في سجون مرتزقة العدوان بمدينة مأرب.

وخلال الوقفة التي تقدمها مديرا مديرية ماوية عبدالسلام هاشم وأمن المديرية سمير ركبة، وعدد من القيادات المحلية والتنفيذية والتعبوية، أكد المشاركون أن هذه الأعمال الإجرامية المنافية لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف تعبر عن مستوى الانحطاط والسقوط الديني والقيمي والأخلاقي والإنساني الذي وصل إليه مرتزقة العدوان.

وندد بيان صادر عن الوقفة بجريمتي مليشيا الإصلاح بحق الشاعر الحطام، والشاب العامري، اللذين تم اختطافهما وتعذيبهما حتى فارقا الحياة.

وحمل مرتزقة العدوان وأدواتهم الإجرامية المسؤولية الجنائية الكاملة عن الجريمتين وغيرها من الجرائم المرتكبة بحق المواطنين في عموم المحافظات والمناطق اليمنية الخاضعة لسيطرتهم منذ تسع سنوات.

ودعا البيان كافة أحرار وشرفاء اليمن للوقوف في وجه هذه الجرائم المنافية للفطرة والدخيلة على المجتمع اليمني المحافظ وعاداته وتقاليده وأسلافه وأعرافه.

مقالات مشابهة

  • "الشارقة للشعر النبطي" يختتم فعالياته
  • تنظيم مسابقة القصة القصيرة والتأليف المسرحي والسيناريو والحوار بأسوان
  • جدل الغنائية والدرامية.. في نماذج من الشعر الفلسطيني الحديث
  • ذكرى ميلاد العزبى فى ندوة ثقافية على المسرح الصغير
  • الأربعاء.. المسرح الصغير بالأوبرا يحيي ذكرى ميلاد العزبي
  • «الشارقة للشعر النبطي» يتواصل بالذيد
  • أخبار الفن: سبب وفاة الفنانة السورية إنجي مراد.. رحيل الشاعر عماد قطري
  • وقفة قبلية في ماوية تنديداً بجريمتي المرتزقة قتل الحطام والعامري
  • محلل لبناني: الحكومة الجديدة تشكلت خارج الصندوق السياسي التقليدي
  • رحيل الشاعر عماد قطري بعد صراع مع المرض