عبد الرزّاق الربيعي يكتب: بيت شعرٍ من السِحْر الحلال
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
أثير -عبد الرزاق الربيعي
قد تمرّ بنا، في أوقات سانحة، جُمَلٌ، وأمثال، وحِكَم، تفتح آفاقا واسعة، وتشكّل انعطافة في حياتنا، نحو مسارات لم تكن في حساباتنا، لقوّة تأثيرها، ويمكن اعتبار البيت الذي بنى عليه الشاعر كريم العراقي قصيدته التي مطلعها:
لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبُهُ
لا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ
من بين هذه السوانح، والذكيّ من يلتقطها تمثّلا بقول ابن الرومي:
هي فرصة ٌسنحت ونعمى أقبلت.
فقد تلقّفه الشاعر الراحل، وأنزله من رفوف المكتبات، وأعاد إحياءه، فجعله مقدّمة لقصيدته (رحّال) التي غنّاها كاظم الساهر في مقدّمة مسلسل (المسافر)، فذاع صيته بين عامّة الناس، وبعد أربعين سنة، عاد إلى البيت وكتب:
بيتٌ من الشعر أذهلني بروعتِهَ … توسّدَ القلب مذ أن خطَّه القلمُ
أضحى شِعاري وحفّزني لأُكرِمَهُ … عشرينَ بيتاً لها من مِثلِهِ حِكَمُ
لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبُهُ … لا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ
ثم أكمل الأبيات، في قصيدة جعل مطلعها البيت المذكور، ويختتمه بقوله:
كنْ فيلسوفا ترى أن الجميع هنا
يتقاتلون على عدم وهم عدم
وها هم يتقاتلون على البيت الذي حرّض الشاعر الراحل كريم العراقي وجعله يكتب نصا تضمن تأملات في الحياة، هذا البيت أثار جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك من شرّق وغرّب، واتّهم الشاعر بانتحاله من شاعر مجهول، علما بأن الشاعر كريم لم يدّعِ في يوم من الأيّام أن البيت له، فالناس هم من نسبه إليه، وكتبوه على لوحات وصور نشرتْ في مواقع التواصل الاجتماعي موقّعة باسمه، وهذا ليس ذنبه، والشاعر الراحل لم يوهم أحدا بـ “أنه من تأليفه” كما كتب الصديق الشاعر هادي ياسين علي في منشور له “حين زجّ به بين أبيات إحدى قصائده ، دون أن يذكر أصل البيت : بوضعه بين قوسين أو ذكر اسم الشاعر الأصلي في هامش”، وأنا معه بمسألة سقوط الأقواس التي صنعت بلبلة.
تشبه البلبلة التي أحدثها بيت طرفة بن العبد عندما (أغار) على بيت امرئ القيس :
وقوفًا بها صحبي عليَّ مطيهم
يقولون: لا تهلك أسًى وتجمّلِ
وغيّر فقط القافية في قصيدته الدالية، فقال:
وقوفًا بها صحبي عليَّ مطيهم
يقولون: لا تهلك أسًى وتجلّدِ!
والعتب على الشفاهية، فقد سقطت الأقواس في طريقها للتدوين.
وقد ذكر الشاعر الراحل في أكثر من مناسبة، قصّته مع البيت التي بدأت حين كتب معلم العربية في (ثانوية قتيبة) التي درس فيها، الدكتور حسن الشرع البيت على السبورة، وطلب من طلبته أن يكتبوا في هذا الموضوع بدرس التعبير، فعلق البيت في ذاكرته، وجعله مفتتح نصّ غنّاه الساهر، كما ذكرتُ، في السطور الأولى من المقال، والبيت لا يُعرف أحد قائله، فالشاعر هادي ياسين ينسبه للشاعر الراحل ” محمد جواد الحلي” و”يؤكّد أنّه استهل به ديوانه (خالٌ على نهدها) المطبوع عام 1964 ـ (مطبعة العاني) ـ بغداد ، فيما يرى أحد المعلّقين على المنشور” أن الشاعر الحلي أيضا اقتبس البيت الشعري”ويضيف” منذ صغري أحفظ هذا البيت لكثرة ما كان يردّده والدي وقد كنت قرأته في كتاب بمكتبته البسيطة بعنوان أقوال وحكم للإمام علي!!! لذلك أتوقع أنّ أصل البيت يعود لشاعر مجهول من العصر العباسي”، ولأن البيت لا يعرف أحد قائله، نَسبَهُ القرّاء للعراقي، الذي استدعاه وقام بالنسيج على منواله، بما جادت به موهبته من السحر الحلال!
وهذا لا يعني أنّه صار له، لكنه أعاد إحياءه، وهذا يسمّى بالتضمين، أو الاقتباس، وبالمفهوم الحديث التناص أي تداخل النص الحديث مع نص سابق له، أو يدخل ضمن المعارضات الشعرية التي تقوم على نسج نص على نفس قافية ووزن نص مشهور، وفي كلّ الأحوال، فقد خرج الشاعر كريم العراقي بنصّ من السحر الحلال، زاخر بالمعاني، والحِكم، وسيبقى ماكثا في ذاكرتنا جميعا.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: الشاعر الراحل
إقرأ أيضاً:
نادى الأدب بقصر ثقافة أسوان يناقش ديوان شعر العامية
شهد نادى الأدب بقصر ثقافة أسوان مناقشة لديوان شعر العامية "ضل البيوت" للشاعرة إكرام مطر، أدارها الشاعر محمد المصرى، وتحدث الشاعر محمود السانوسى، وأن اختيار الشاعرة لعناوين الديوان يؤكد القصيدة الفكرية فى التسمية، تدل على وعى متقدم للشاعرة بمكنون إبداعها، ففى "أثر الفراشة".
حيث لا تترك الفراشة نفايات حرب طاحنة، إنما مجرد ملمس رقيق على الأشياء، وقدمت إهداء مزدوج بفكرة البوح بكل مكنون وتجارب قاسية لذكريات شوارع من مدينها، بكل مة تحتويه من زخم إنسانى ويترك أثرا فى تلك الروح.
وتناول الشاعر عبد الله مراد تتعدد أساليب القصائد فلا يشعر القارئ بالملل، وأن الحالات الشعرية مكررة بل هناك تنوع، وهناك رسالة موجه إلى المجتمع، وعنوانين الديوان متطابقة لمضون النص وموسيقى القصائد ليست ثابتة بل تتعدد فى طبقات ونغمات، وتتسم قصائد الديوان بالكثافة ولغة المجموعة الشعرية، و اللغة عمومية اللهجة المصرية اللغة الأقرب إلى لغة صلاح جاهين، وتناول الديوان قضايا الذات وعيا مناسبا بعالمها الخاص وتجاربها المكانية.
محافظ أسوان يستقبل رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية محافظ أسوان يتفقد أكبر محطة شمسية لتوليد الكهرباء بطاقة 500 ميجاوات ثقافةوإحياء للتراث الأدبى وتخليد للشخصيات الأدبية المؤثرة فى المجتمع المصرى نظم قصر ثقافة كوم أمبو ورشة أدبية عن الشاعر "عبد الرحمن الابنودى" متحدثا فيها الكاتب طه الأسوانى عن حياة وأعمال الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، متناولا مراحل حياته المختلفة بدءًا من نشأته فى الصعيد المصرى وتأثره العميق بالبيئة الريفية، وصولًا إلى نضاله وكفاحه من أجل إيصال صوت الشعب ومعاناته من خلال قصائده، وأشار إلى العديد من المحطات الشخصية والمهنية التى أثرت فى شخصية الأبنودى، كما سرد أبرز أعماله، ولا سيما القصائد التى أصبحت رموزًا للأدب الشعبى، مثل "جوابات حراجي" و"السيرة الهلالية"، و تفاعل الحضور بشكل كبير مع العرض، حيث تجلى إهتمامهم وتأثرهم بالشخصية، من خلال النقاشات والتعليقات من الحضور الذين أعربوا عن تقديرهم للأبنودى، وتأثرهم بمواضيعه التى حملت هموم البسطاء وعبرت عن صوت الشارع المصري.
و فى الختام أكد الأسوانى على أهمية هذه الأنشطة التى تعزز الوعى الثقافى لدى الأجيال الجديدة، و دور الأدب والفن فى إحياء الذاكرة الوطنية، ودعا إلى إقامة المزيد من الفعاليات التى تستعرض رموز الأدب المصري.