لماذا شعبية بايدن منخفضة إلى هذا الحد؟
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
جو بايدن رئيس غير شعبي، وبدون بعض التعافي، يمكن أن يخسر بسهولة أمام دونالد ترامب سنة 2024.
التحدي الاسعب هو ظلال الإحباط الخاص والتشاؤم العام التي تخيم على الأمريكيين
بهذه الكلمات، يستهل الكاتب السياسي روس دوثات مقاله في صحيفة "نيويورك تايمز" مشيراً في الوقت نفسه إلى أن ما يمر به بايدن ليس بالأمر العجيب في حد ذاته.ذاك أن سلفيه أيضاً لم يتمتعا بالشعبية في هذه المرحلة من رئاستيهما، وكانا أيضاً معرضين للخطر في مسعاهما نحو ولاية ثانية. لكن في حالة ترامب وباراك أوباما، كانت هناك تفسيرات بسيطة إلى حد معقول. بايدن يتفوق على أوباما؟
بالنسبة إلى أوباما، كان الأمر يتعلق بمعدل البطالة الذي بلغ 9.1 في المئة شهر سبتمبر (أيلول) 2011، والمعارك المؤذية حول قانون أوباماكير. بالنسبة إلى ترامب، كان السبب هو أنه لم يكن يتمتع بالشعبية قط مما جعل معدلات التأييد السيئة الوضع الطبيعي لرئاسته. مع ذلك، بالنسبة إلى بايدن، كان هناك شهر عسل عادي مع أشهر من معدلات التأييد المرتفعة إلى حد معقول والتي انتهت فقط بالانسحاب الفوضوي من أفغانستان. ومنذ ذلك الحين، أصبح من الصعب استخلاص تفسير واحد لما جعل أرقامه رديئة.
Why Is Joe Biden So Unpopular? https://t.co/0OgLJyN3Ek
— Charles Gasparino (@CGasparino) September 9, 2023
فالاقتصاد أفضل مما كان عليه في الولاية الأولى لأوباما، والتضخم ينحسر، كما لم يتحقق الركود المخيف. ولم تعد حروب اليقظة ومعارك كوفيد التي وضعت الديموقراطيين في وضع غير مؤات ذات أهمية مركزية بينما تبدو الحروب الثقافية في مرحلة ما بعد إلغاء حق الإجهاض الدستوري كأنها ميدان أكثر وداً. ودافع فريق بايدن للسياسة الخارجية عن أوكرانيا بدون تصعيد خطير مع الروس (لغاية الآن) حتى أن بايدن مرر قوانين حظيت بموافقة الحزبين واعتنق وعوداً ترامبية بشأن السياسة الصناعية على طول الطريق.
تفسير الحيرة
حسب الكاتب، ولّد هذا حيرة بين المحازبين الديموقراطيين حول سبب عدم كفاية كل ذلك لمنح الرئيس تقدماً لائقاً في استطلاعات الرأي. لا يشاطر الكاتب هذه الحيرة لكنه يعتقد أن هناك حالة من عدم اليقين الحقيقي بشأن أي من القوى المؤثرة سلباً على معدلات تأييد بايدن هي الأكثر أهمية.
Why Is Joe Biden So Unpopular? Four possible explanations. Inflation, minority voters, age and... By Ross Douthat @DouthatNYT https://t.co/h3u4O4dEDq
— Jan Martínez Ahrens (@jmahrens) September 9, 2023
يبدأ دوثات بالنظرية القائلة إن مشاكل بايدن لا تزال تتعلق في الغالب بالتضخم – وإن الناس يكرهون ارتفاع الأسعار فقط ولا يُنسب إليه الفضل في تجنب الركود لأن زيادات الأجور قد التهمها التضخم حتى وقت قريب. إذا كانت هذه هي القضية الرئيسية فعندها لن يكون لدى البيت الأبيض خيارات كثيرة غير الصبر. إن الخطيئة التضخمية الأصلية للإدارة، وهي الإسراف في الإنفاق عبر قانون خطة الإنقاذ الأمريكية، لن تتكرر، وباستثناء احتمال التوصل إلى هدنة في أوكرانيا لتخفيف بعض الضغوط على أسعار الغاز، لا يوجد الكثير من أدوات السياسة لتصحيحها. لا بد من أن يكون الأمل في استمرار انخفاض التضخم وارتفاع الأجور الحقيقية باستمرار، وأنه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، سيحصل بايدن على الفضل بتحسن الاقتصاد الذي لا يحصل عليه الآن. لكن ربما لا يقتصر الأمر على الاقتصاد فقط.
ما فعله بيل كلينتون ويتجاهله بايدن
عبر استطلاعات رأي متعددة، يبدو أن بايدن يفقد دعم ناخبي الأقليات وهو استمرار للاتجاه السائد في عهد ترامب. يثير هذا الأمر احتمال وجود قضايا اجتماعية تحت السطح بالنسبة إلى الديموقراطيين حتى عندما لا تكون اليقظة في الواجهة. واقع أن النواة الناشطة للحزب هي حتى الآن يسارية يدفع تدريجياً الأمريكيين المحافظين ثقافياً من أصل إفريقي وهيسباني نحو الحزب الجمهوري، كما انجرف الديموقراطيون البيض المحافظون ثقافياً ببطء إلى الائتلاف الجمهوري بين الستينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
أوقف بيل كلينتون مؤقتاً هذا الانجراف نحو اليمين من خلال تعمد خوض معارك عامة مع الفصائل الموجودة على يساره. لكن هذه لم تكن استراتيجية بايدن. لقد تحرك نحو اليمين إلى حد ما في ما يتعلق بقضايا مثل الهجرة، حيث اصطدمت رؤية السياسة التقدمية بالصخور. لكنه لا يعلق أهمية كبيرة على خلافاته مع جناحه التقدمي. لا يتوقع الكاتب أن يتغير ذلك، لكن الأمر قد يكلفه، بطرق غير مرئية للّيبراليين، في الوقت الحالي.
السياسة نفسها... شخصية أخرى
ربما تكون المشكلة الكبرى هي مجرد القلق المتزايد من عمر بايدن. لعل أرقام استطلاعات الرأي بشأن أدائه انخفضت أولاً خلال أزمة أفغانستان لأنها أظهرت تغيباً عاماً كثيراً ما ميز رئاسته. قد يفترض بعض الناخبين الآن أن التصويت لصالح بايدن هو تصويت لصالح كامالا هاريس التعيسة.
ويمكن أن يكون هناك فقط حيوية قوية في الحملات الرئاسية تمنح ترامب الأفضلية. في هذه الحالة قد يكون هناك زعيم مختلف لديه نفس السياسات ويتمتع بشعبية أكبر. ومع ذلك، في ظل الافتقار إلى أي وسيلة لإبراز مثل هذا القائد، كل ما يستطيع الديموقراطيون فعله هو أن يطلبوا من بايدن إظهار المزيد من الحيوية العامة، مع كل المخاطر التي قد تنطوي عليها. لكن هذه على الأقل هي استراتيجية من نوع ما.
التحدي الأصعب؟
قد تكون المشكلة الأصعب التي يتعين على شاغل المنصب معالجتها هي ظلال الإحباط الخاص والتشاؤم العام التي تخيم على الأمريكيين وخصوصاً الأصغر سناً من بينهم، والتي تفاقمت بسبب كوفيد، لكن يبدو أنها متجذرة في اتجاهات اجتماعية أعمق. لا يرى دوثات أي طريقة واضحة لدى بايدن لمعالجة هذه القضية من خلال تموضع رئاسي عادي.
لقد تم انتخاب بايدن، جزئياً، من خلال تقديم نفسه كشخصية انتقالية وجسر إلى مستقبل أكثر شباباً وتفاؤلاً. وهو الآن يحتاج إلى بعض الإيمان العام بهذا المستقبل الأكثر إشراقاً للمساعدة في إعادة انتخابه. أنى للأمريكيين أن يجدوا مثل هذا التفاؤل، فمن المرجح أنهم تجاوزوا النقطة التي يستطيع فيها رئيس يبدو هرماً أن يأمل توليده بنفسه.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الانتخابات الأمريكية بالنسبة إلى
إقرأ أيضاً:
ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.
ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.
هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.
فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.
لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.
أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.
وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟
في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.
إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.
لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري