في المغرب.. أمل يولد من المأساة
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
لقي كلام محمد بن زايد ترحيباً وتجاوباً لا حدود لهما في الأوساط الشعبيّة المغربيّة
ليس ما تعرض له المغرب حدثاً عادياً، بل يمكن الكلام عن كارثة حقيقية حلّت ببلد مسالم منشغل بتنمية نفسه وتحسين الظروف المعيشية اللائقة لشعبه على كلّ المستويات. ضرب زلزال لا سابق له من ناحية قوته منطقة تقع جنوب مراكش حيث وقعت خسائر كبيرة، بينها خسائر بشرية، خصوصاً في إقليم الحوز، مركز الزلزال.مراكش نفسها تضررت بعض الشيء، كذلك أغادير. شعر بالزلزال أيضاً سكان الدار البيضاء والرباط ومدن أخرى.
الأكيد أن المغرب سيتمكن من تجاوز المحنة بفضل ما يمتلكه من قدرات ذاتية وإرادة داخلية صلبة، لا يستهين بها سوى الذين يجهلون أهمّية هذا البلد. سيتجاوز المأساة أيضاً بفضل دعم الأشقاء والمجتمع الدولي. ما وقع في المملكة كان مأساة طبيعية. من قلب المأساة يولد الأمل بأن المغرب لا يمكن سوى أن يتابع مسيرته نحو الأفضل، وهي مسيرة مستمرّة منذ سنوات طويلة تعبّر عنها البنية التحتيّة المغربيّة، التي تتمتع بالحداثة من جهة والنجاح في التحوّل إلى واحة للسلام والاستقرار من جهة أخرى. صار المغرب واحة السلام والاستقرار الوحيدة القائمة على أسس متينة وثابتة تدعمها لغة الأرقام، في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي الممتدة من موريتانيا، على الأطلسي إلى جنوب السودان على البحر الأحمر.
ليس سرّاً أن العالم لن يترك المغرب وحيداً. هذا ما يفسّر الموقف الأخلاقي والإنساني للرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد الذي كان بين أوّل من تحركوا في اتجاه مساعدة المغرب بشكل عفوي وطبيعي. شملت مبادرة الشيخ محمّد الذي تربطه علاقة خاصة بالبلد، ملكاً وشعباً وأرضاً، "إقامة جسر جوي لنقل مساعدات إغاثية عاجلة إلى الأشقاء المتضررين من الزلزال، الذي ضرب بعض مناطق المملكة المغربية الشقيقة وتقديم مختلف أشكال الدعم". غرّد رئيس دولة الإمارات قائلاً على منصة X : "أعزي أخي الملك محمد السادس والشعب المغربي في ضحايا الزلزال. لقد تألمنا لهذا الحادث ونقف إلى جانب إخواننا في المغرب الشقيق ونتضامن معهم في هذه الأوقات الصعبة. حفظ الله المغرب من كل شر".
لقي كلام محمد بن زايد ترحيباً وتجاوباً لا حدود لهما في الأوساط الشعبيّة المغربيّة. ترك الكلام صدى إيجابياً لدى المواطن المغربي الذي صار يدرك أنّ لبلده أشقاء حقيقيين صادقين يهبّون، من تلقاء نفسهم، إلى نجدته في وقت المحنة.
كان لافتاً التضامن العربي والأوروبي والأميركي مع المغرب. لعلّ أكثر ما كان لافتاً الموقف الجزائري الذي يبدو أقرب إلى محاولة للتخلّص من عقدة المغرب التي يعاني منها النظام في هذا البلد. جاء في بيان لرئاسة الجمهورية الجزائريّة: "أبدت السلطات الجزائرية العليا، استعدادها التام لتقديم المساعدات الإنسانية ووضع كل الإمكانات المادية والبشرية، تضامناً مع الشعب المغربي الشقيق وذلك في حال (حصول) طلب من المملكة المغربية".
كذلك، قررت السلطات الجزائرية العليا فتح مجالها الجوي أمام الرحلات لنقل المساعدات الإنسانية والجرحى والمصابين.أعربت الجزائر، في وقت سابق عن "صادق تعازيها للشعب المغربي الشقيق في ضحايا الزلزال".
الواضح أن النظام الجزائري لم يقدم على خطوته هذه عن حسن نيّة بمقدار ما أنّه أخذ في الاعتبار العلاقة المتميزة التي تربط بين الشعبين الجزائري والمغربي. هذه علاقات ظهرت في كلّ مناسبة رياضيّة وغير رياضيّة التقى فيها مواطنون من الجزائر والمغرب. أي جزائري يمتلك حداً أدنى من الوفاء والذاكرة يتذكر دعم المغرب للشعب الجزائري في أثناء حرب الاستقلال. إلى ذلك، يعرف كلّ جزائري أن المغرب لم ينتظر يوماً طلباً جزائرياً لتقديم مساعدات للجزائريين، أكان ذلك خلال الأزمة التي مرت فيها الجزائر في خريف العام 1988 أو بعدها. لم ينتظر المغرب يوماً طلباً رسمياً جزائرياً لتقديم دعم إلى الشعب الجزائري. قبل عامين، عرض المغرب المساعدة في إطفاء الحرائق التي اندلعت في مناطق جزائرية معيّنة. لدى المغرب طائرات خاصة من أجل التعاطي مع الحرائق. فضّل النظام الجزائري توجيه اتهامات إلى المغرب بالوقوف وراء الحرائق. استأجر طائرات من جهة غربية بدل قبول العرض المغربي... وكان عرضاً مجانياً!
سينهض المغرب من كارثة الزلزال. سيتجاوز المأساة، بتعليمات من الملك محمد السادس الذي يعرف تماماً عمق روح التضامن واللحمة بين المواطنين المغاربة. تشمل التعليمات الصادرة عن محمد السادس، الذي رأس اجتماعاً للمسؤولين المعنيين خصص للبحث في الوضع في أعقاب الزلزال، "نشر القوات المسلّحة الملكية بشكل عاجل وسائل بشريّة ولوجستية مهمة، جوية وبرية، كذلك وحدات تدخل مختصّة مكونة من فرق للبحث والإنقاذ ومستشفى طبي جراحي ميداني". تشمل التعليمات أيضاً "التكفل بالأشخاص الذين هم في وضعية صعبة، خصوصاً اليتامى والذين يعانون من وضع هش، كذلك التكفل الفوري بكافة الأشخاص الذين صاروا من دون مأوى جراء الزلزال، لاسيما في ما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية".
من المأساة المغربيّة يولد الأمل. لا يعود ذلك إلى روح التضامن بين المغاربة، وهو ما ظهر من خلال تبرّع لاعبي الفريق المغربي لكرة القدم بالدم في مختلف أنحاء العالم، فحسب، بل إلى الدعم الذي يحظى به المغرب عربياً وأوروبياً وأميركياً، وهو دعم ظهر من التحولات التي شهدتها قضيّة الصحراء في السنوات القليلة الماضية. صبّت هذه التحولات في اتجاه تكريس مغربيّة الصحراء من جهة والاعتراف من جهة أخرى بأن الطرح المغربي المتعلّق بالحكم الذاتي الموسّع في إطار السيادة المغربيّة، هو الطرح الوحيد الذي يتفق مع المنطق. يتفق هذا الطرح أيضاً مع دعم الاستقرار في منطقة تحتاج في كلّ يوم إلى مزيد من التعاون بين قواها الفاعلة في مواجهة التطرّف والإرهاب بكلّ أشكالهما!
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني زلزال المغرب ة المغربی ة من جهة
إقرأ أيضاً:
من هو الشهيد محمد الضيف؟.. مرعب إسرائيل الذي أرهق الإحتلال لثلاثة عقود
أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، مساء الخميس 30 يناير 2025، استشهاد قائدها العام محمد الضيف، بعد مسيرة طويلة، توجها بعمليتي "سيف القدس" (2021) و"طوفان الأقصى" (2023).
ولم توضح القسام، في كلمة مصورة لمتحدثها أبو عبيدة، ظروف استشهاد الضيف الملقب بـ"أبو خالد"، واكتفت بالإشارة إلى أنه ارتقى في ساحات القتال بقطاع غزة ضد إسرائيل "مقبلا غير مدبر".
ونعاه أبو عبيدة قائلا إنه "استشهد هو وثلة من الرجال العظماء أعضاء المجلس العسكري العام للكتائب في خضم معركة طوفان الأقصى حيث مواطن الشرف والبطولة والعطاء".
وأضاف أن هؤلاء القادة "حققوا مرادهم بالشهادة في سبيل الله التي هي غاية أمنياتهم كختام مبارك لحياتهم الحافلة بالعمل في سبيل الله، ثم في سبيل حريتهم ومقدساتهم وأرضهم".
وشدد على أن "هذا ما يليق بقائدنا محمد الضيف الذي أرهق العدو منذ أكثر من 30 سنة، فكيف بربكم لمحمد الضيف أن يُذكر في التاريخ دون لقب الشهيد ووسام الشهادة في سبيل الله؟".
وعلى مدى سنوات، نفذت إسرائيل محاولات عديدة لاغتيال الضيف، لكنها فشلت في تحقيق هدفها، رغم إصابته في إحدى تلك المحاولات.
آخر محاولة لاغتياله أعلنتها إسرائيل كانت في 13 يوليو/ تموز 2024، حين شنت طائرات حربية غارة استهدفت خيام نازحين في منطقة مواصي خان يونس جنوب غزة، التي صنفها الجيش الإسرائيلي بأنها "منطقة آمنة"، ما أسفر عن استشهاد 90 فلسطينيا، معظمهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 300 آخرين.
لكن "القسام" نفت آنذاك صحة اغتياله، قائلة: "هذه ليست المرة الأولى التي يدعي فيها الاحتلال استهداف قيادات فلسطينية، ويتبين كذبها لاحقا، وإن هذه الادعاءات الكاذبة إنما هي للتغطية على حجم المجزرة المروعة".
** فمن محمد الضيف؟
ولد محمد دياب إبراهيم الضيف عام 1965، لأسرة فلسطينية لاجئة عايشت كما آلاف العائلات الفلسطينية آلام اللجوء عام 1948؛ لتعيش رحلة التشرد في مخيمات اللاجئين قبل أن تستقر في مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وفي سن مبكرة، عمل الضيف في أكثر من مهنة ليساعد أسرته الفقيرة، فكان يعمل مع والده في محل "للتنجيد".
درس الضيف في كلية العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، وخلال هذه الفترة برز طالبا نشيطا في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي، كما أبدع في مجال المسرح، وتشبع خلال دراسته الجامعية بالفكر الإسلامي.
وبدأ نشاطه العسكري أيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث انضم إلى حماس في 1989، وكان من أبرز رجالها الميدانيين، فاعتقلته إسرائيل في ذلك العام ليقضي في سجونها سنة ونصفا دون محاكمة بتهمة "العمل في الجهاز العسكري لحماس".
وأوائل تسعينيات القرن الماضي، انتقل الضيف إلى الضفة الغربية مع عدد من قادة "القسام" في قطاع غزة، ومكث فيها مدة من الزمن، وأشرف على تأسيس فرع لكتائب القسام هناك.
في عام 2002، تولى قيادة كتائب القسام بعد اغتيال قائدها صلاح شحادة.
** مدافع عن القدس والأقصى
وعلى مدار حياته وقيادته في القسام، انشغل الضيف بالدفاع عن القدس والمسجد الأقصى في مواجهة اعتداءات إسرائيل.
هذا الأمر جعل اسمه يترد في الهتاف الشهير "إحنا رجال محمد ضيف" الذي بات يردده الفلسطينيون بالمسجد الأقصى في مواجهة الاقتحامات الإسرائيلية له، رغم أنهم لا يهتفون عادة لأي شخصية سياسية سواء كانت فلسطينية أو عربية أو إسلامية.
وبدأ الشبان الفلسطينيون في ترديد هذا الهتاف بمنطقة باب العامود، أحد أبواب بلدة القدس القديمة، في بداية شهر رمضان عام 2021 الذي وافق آنذاك 13 أبريل/ نيسان، حينما كانوا يحتجون على إغلاق الشرطة الإسرائيلية المنطقة أمامهم.
وبعد احتجاجات استمرت أكثر من أسبوعين، تخللها إطلاق أكثر من 45 صاروخا من غزة، على تجمعات إسرائيلية محاذية له، تراجعت إسرائيل وأزالت حواجزها من باب العامود.
وآنذاك، حذر الضيف إسرائيل من مغبة الاستمرار في سياساتها في القدس.
ولاحقًا، تكرر اسم الضيف في مظاهرات تم تنظيمها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، احتجاجا على قرارات إخلاء عشرات العائلات الفلسطينية من منازلها في الحي لصالح مستوطنين.
وعلى إثر ذلك، خصّ الضيف، في بيان صدر في 4 مايو/ أيار 2021، سكان الشيخ جراح بأول إطلالة بعد سنوات من الاختفاء الإعلامي.
إذ قال إنه يحيي "أهلنا الصامدين في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة"، مؤكدا أن "قيادة المقاومة والقسام ترقب ما يجري عن كثب”.
ووجه "تحذيرا واضحا وأخيرا للاحتلال ومغتصبيه بأنه إن لم يتوقف العدوان على أهلنا في حي الشيخ جراح في الحال، فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسيدفع العدو الثمن غاليا”.
وبعد أكثر من عامين من ذلك التاريخ، عاد الضيف للدفاع عن المسجد الأقصى، عبر عملية "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي يُعتبر من مهندسيها.
إذ كان من أبرز مبررات إقدام "القسام"، على تلك العملية، تمادي إسرائيل في العدوان على القدس والمسجد الأقصى.
وعلى مدى نحو عقدين من الزمن، جاء الضيف على رأس قائمة الأشخاص الذين تريد إسرائيل تصفيتهم، حيث تتهمه بالوقوف وراء عشرات العمليات العسكرية في بداية العمل المسلّح لكتائب القسام.
ويفتخر جل الفلسطينيين بالضيف وبما حققه من أسطورة في التخفي عن أعين إسرائيل عقودا من الزمن، ودوره الكبير في تطوير الأداء العسكري اللافت لكتائب القسام، وخاصة على صعيد الأنفاق والقوة الصاروخية.
ويعزو جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" فشله لسنوات طويلة في تصفية الضيف إلى شخصيته، وما يتمتع به من حذر، ودهاء، وحسن تفكير، وقدرة على التخفي عن الأنظار، لدرجة أنه سماه "ابن الموت".
** "كما أنتِ هنا مزروعٌ أنا"
وسابقا، نجا الضيف من عدة محاولات اغتيال منها في أغسطس/ آب 2014، حيث قصفت إسرائيل منزلا شمالي مدينة غزة بخمسة صواريخ، ما أدى إلى مقتل 5 فلسطينيين بينهم زوجة القيادي الضيف (وداد) وابنه علي.
كذلك، حاولت إسرائيل اغتيال الضيف عام 2006، وهو ما تسبب، وفق مصادر إسرائيلية، في خسارته لإحدى عينيه، وإصابته في الأطراف.
وحاولت إسرائيل اغتياله للمرة الأولى عام 2001، لكنه نجا، وبعدها بسنة تمت المحاولة الثانية والأشهر، والتي اعترفت إسرائيل فيها بأنه نجا بأعجوبة وذلك عندما أطلقت مروحية صاروخين نحو سيارته في حي الشيخ رضوان بغزة.
وكان آخر المشاهد المسجلة للضيف ظهوره ضمن وثائقي "ما خفي أعظم" على قناة الجزيرة، وهو يضع اللمسات الأخيرة لعملية "طوفان الأقصى".
وحينها ردد كلمات لخصت مسيرته وهو يشير إلى خريطة فلسطين، جاء فيها:
كما أنتِ هنا مزروعٌ أنا
ولِي في هذه الأرض آلافُ البُذُور
ومهما حاوَل الطُّغاةُ قلعَنَا ستُنبِتُ البُذُور
أنا هنا في أرضِي الحبيبة الكثيرة العطاء
ومثلُها عطاؤُنا نواصِلُ الطَّريق لا نوقفُ المَسير