موقع 24:
2025-04-30@00:19:09 GMT

زلزال في حواس الحروف

تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT

زلزال في حواس الحروف

عندما تهتز أرض مراكش وما حولها تهتز معها مشاعر في المشرق والمغرب فلها في القلوب منازل



كل ما على الأرض يهتز دون توقف، في الأجساد والأرواح وكذلك في الأشياء. لكن عندما تهتز الأرض، وتضرب حشرجتها ما فوقها، وتتهاوى السقوف التي تعتلي البنيان الحامية للبشر كباراً وصغاراً، تحل طامة الموت والدمار والرعب. الزلازل من ضربات الطبيعة التي لا يمكن رصدها وقياس درجاتها إلا بعد أن تضرب ضربتها وتكسر الحجر وتقتل وتجرح البشر.

كل زلزال أينما حدث، تمتد ارتداداته إلى البشر أجمعين، القريب منهم والبعيد عن مكان الكارثة. الأرض هي بيت العائلة البشرية، بعيداً عن الأعراق واللغات والصراعات. في كوارث الحروب يختلف الناس، فلكل اصطفافه. وينقسم الناس فيها بين مادح وقادح، مؤيد ومعارض، لكن عندما تغضب الأرض وتضرب مَن يعيش فوقها، تتعانق المشاعر، ويتوحد الألم والحزن والتعاطف في النفوس القريبة والبعيدة عن مكان الهزة الأرضية. الأماكن لها أجساد وقلوب وحواس. بعضها كائن حي تراه وتشعر بأنه يراك، ويبدع لغة خاصة لكل مَن يعيش فيه أو يقترب منه. مراكش المدينة التي كانت، لقرون طويلة، هي الاسم للبلاد التي تحمل اليوم رسمياً اسم المغرب. في اللغات اللاتينية ما زال الاسم هو الاسم (MORROCO). ضرب وسطها وبلدات حولها، مساء يوم الجمعة 8 سبتمبر (أيلول)، زلزال راح ضحيته المئات من النساء والرجال الكبار والصغار، وتهاوت مبانٍ بناها البشر ولوَّنها الزمان، وسكب فيها التاريخ عظمة مَن عاش فيها. مراكش التي كل ما فيها ومَن فيها لديه ما يقول. ساحة جامع الفنا التي تتوسط المدينة هي إبداع إنساني يحمل لغة تتحرك على صفحة الوجود الصغير الموصوف. كبار وصغار بسطاء، منهم مَن يداعب حيوانه برقة صديق؛ القرود والأفاعي وغيرها من الكائنات. نظرات مروّضها وبسماته تهب الزائرين موجات من الفرح، وتزجي البسمات. عازفو الموسيقى، كل ما فيهم يشكل فرقة طرب تأسر الواقفين والعابرين. هؤلاء الطيبون البسطاء لا يبيعون لك شيئاً بمقابل مالي، بل هم مَن يتصدق عليك بما تقدمه لهم من دراهم معدودة. التجار وأصحاب المطاعم الصغيرة، والرجل المبتسم الذي يعتلي حنطوره، والسادة والسيدات التي تعج بهم المدينة، كل واحد منهم كتاب يتحرك ويبتسم، ويمد لك حبل إخوة ومودة وتسامح. مدينة مراكش التي هي التعبير المكثف عن كل ما في المغرب ومَن فيه من عرب وأمازيغ وجود قديم لا يطاله صداء العاديات من السنين. العلم والفلسفة والإبداع والفتوحات والجهاد والأدب والفن وروعة التعايش والتسامح. عندما تهتز أرضها، تهتز قلوب الملايين، ليس من أشقائهم غرباً وشرقاً فقط، بل كل مَن يقابلهم على الضفة الأخرى القريبة والبعيدة من البحر الأبيض المتوسط. هل كانت تقوم حضارة الأندلس الإنسانية التي أبدعها المسلمون واليهود والمسيحيون دون مراكش، حيث كان ابن رشد وابن حزم وموسى بن ميمون وابن عربي وزرياب وابن زيدون وولّادة، وعشرات بل مئات غيرهم؟

الامتداد الإسلامي في غرب قارة أفريقيا بمذهبه المالكي، وانتشار الطرق الصوفية فيها واللغة العربية، كل ذلك كان سيلاً من نبع مراكش الفريد. هذا النبع لا ينضب أبداً. الفلاسفة والمفكرون والأدباء والكتاب والفنانون، يعبر عطاؤهم كل الحدود باللغة العربية والفرنسية والإسبانية.
عندما تهتز أرض مراكش وما حولها، تهتز معها مشاعر في المشرق والمغرب؛ فلها في القلوب منازل. الزلازل تسقط المباني ويموت تحت الركام البشر، ويسود الحزن، ويهبّ القريب والبعيد لإنقاذ المصابين، لكن زلزالاً عنيفاً يهز الاسم أيضاً، لا البنيان فحسب. المدن لها بنيان رفعته حجارة التاريخ وطين الإبداع وماء الفكر وجهد العقل عبر سنين طويلة. عندما تهتز مراكش وتتهاوى مبانيها، تميل حواس بغداد وتونس والجزائر والقاهرة والرياض والطرابلسيان في الشرق والغرب والخرطوم وغيرها. في كل هذه البقاع هناك كثير مِن حروف مراكش ومِن عطرها وأنغامها وأصوات عقلها. الزلازل تقاس بما يسمى بمقياس ريختر، لكن هناك ترمومتر إنساني له درجات لا يقرأها علماء الجيولوجيا، بل يتحسسها ويقرأ عداد درجاتها مَن يجوب رحاب زمن المكان المهتز، ويعبر إلى ضفاف وجبال سهول وأعماق، الكائن المكان...
قد يهون العمر إلا ساعةً...
وتهون الأرض إلا موضعا
هكذا تحدَّث أمير الشعراء أحمد شوقي.
المصاب جلل؛ فالضحايا إخوة، والبلاد غالية، والاسم له جذور وفروع هي مبانٍ لا يطالها اهتزاز، لكن القلم الذي يقترب من النازلة محاولاً أن يكتب عما أصاب مراكش وأهلها، تضربه هزة بمقياس أقسى وأشد مما يكتبه مقياس ريختر.
زرتُ مراكش مرات ومرات، لكن في مناسبة لا يمكن أن تغادر الذاكرة. أُقيمت في جامعة القاضي عياض بمدينة مراكش سنة 1983 ندوة شارك فيها مفكرون وساسة ومثقفون عرب، وكان من بينهم المفكر الدكتور محمد عابد الجابري. كان موضوع الندوة سياسياً وفكرياً يناقش ما يشهده العالم العربي من أزمات، وهل لمخرج من سبيل. كان للمكان حضور طاغٍ. تحدث بعض الإخوة المغاربة عن شخصية مراكش التي صنعها التاريخ وصنعته. أقول إن ما استفدت منه في تلك المناسبة من معلومات تاريخية وثقافية وسياسية عن مدينة مراكش أهم بكثير مما استفدت من الأحاديث والنقاش في الجلسات الرسمية لتلك الندوة التي أعادت ما يقال في كل الفعاليات التنظيرية التي تناقش ما تشهده منطقتنا من أزمات لا ترحل.
اليوم، كل العواطف والمشاعر والأقلام هي بوصلة تتجه نحو مراكش وأهلها تشاركهم ما حل بهم من مصاب جلل، ويهتز الوجدان الذي طاله الزلزال الذي ضرب مراكش... البشر والمباني والمعاني.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني زلزال المغرب

إقرأ أيضاً:

مراكش.. مشاريع هيكلية تعزز جاذبية “جليز الكبير”

زنقة 20 ا مراكش | محمد المفرك

في خطوة نوعية نحو تعزيز البنيات التحتية وتحسين جودة الحياة الحضرية، أعطيت الانطلاقة الرسمية لأشغال إنجاز أول مرآب جماعي تحت أرضي بمدينة مراكش، وذلك بساحة 16 نونبر، في إطار برنامج “جليز الكبير” الذي يهدف إلى إعادة تأهيل الفضاءات المركزية وتعزيز جاذبيتها.

يمتد المشروع على مساحة 9500 متر مربع، بكلفة إجمالية تبلغ 98 مليون درهم، ويتكون من طابقين تحت أرضيين بطاقة استيعابية تصل إلى 460 سيارة و60 دراجة نارية، بالإضافة إلى عشر محطات مخصصة لشحن السيارات الكهربائية. ويشمل الولوج إلى المرآب ثلاثة مداخل رئيسية عبر زنقة القاضي عياض، زنقة واد المخازن، وشارع الحسن الثاني.

أما الطابق العلوي فسيُخصص لتهيئة فضاء عمومي عصري، يضم نافورة، مساحات خضراء، نظام إنارة متطور، وفضاء مخصص للعروض، مع الحفاظ على الطابع الجمالي والمعماري لساحة 16 نونبر، التي تُعد أحد أبرز الفضاءات المفتوحة التي تحتضن تظاهرات محلية ودولية على مدار السنة.

ويُنجز المشروع في إطار شراكة بين جماعة مراكش، مجلس جهة مراكش-آسفي، ولاية الجهة، ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، ومن المنتظر أن يتم استكمال الأشغال في غضون ثمانية أشهر.

ويُعتبر هذا الورش الحضري الكبير نموذجًا للتدبير المبتكر للفضاء العمومي، من خلال استغلال المجال التحت أرضي لتخفيف الضغط على السطح، وتوفير فضاءات خضراء وممرات آمنة للمشاة، بما يعزز جمالية المدينة، ويقلص من حدة الاكتظاظ، ويُحسن شروط التنقل والولوج.

ويجسد هذا المشروع المتقدم التزام مختلف الشركاء بإرساء نموذج حضري متوازن، عملي ومستدام، يستحضر البعد البيئي والجمالي في إطار رؤية شمولية لمراكش كمدينة ذكية، متجددة وجاذبة.

مقالات مشابهة

  • نجوم وصناع ظلم المصطبة يكشفون سر الاسم ومدى ارتباطه بقضية العمل والأحداث
  • بعد أشهر من الكارثة.. صور الأقمار الصناعية تكشف تحركات سطح الأرض عقب زلزال ميانمار
  • لماذا سمي شهر ذو القعدة بهذا الاسم؟.. سر يغفل عنه الكثيرون
  • مراكش.. مشاريع هيكلية تعزز جاذبية “جليز الكبير”
  • مراكش..ضبط أستاذ جامعي يقود سيارة أجرة دون رخصة
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • لماذا سمي شهر ذي القعدة بهذا الاسم؟.. لـ3 أسباب لا يعرفها كثيرون
  • عندما تتكلم الأرض: خواطر من لحظات الزلزال
  • إسطنبول تهتز مجددًا بعد 4 أيام من الزلزال
  • أمة من الروبوتات