فى كل عام ومع اقتراب ذكرى حرب أكتوبر، لم يجد قادة إسرائيل ما يقدمونه من تبريرات لشعبهم عن الهزيمة الكبرى سوى أن يشغلوه بقضايا جانبية، تبعدهم تماماً عن الأسئلة الأصيلة:

كيف عجز جيشهم عن صدّ هجوم الجيش المصرى بأسلحته القديمة والمحدودة مقارنة بترسانة الأسلحة الضخمة والحديثة التى يملكها جيشهم وحصل عليها بكميات مفتوحة ولا محدودة من الولايات المتحدة الأمريكية؟!

استدرج رئيس الموساد لمقابلته في «لندن» ليمنعه من حضور اجتماع قادة إسرائيل قبل الحرب بساعات

كيف استطاعت مصر تنفيذ خطة الخداع الاستراتيجى التى أهانت فيها جهازهم - الموساد - والذى لطالما تباهتْ قياداته بقدراته الخارقة حتى إنهم ورغم علمهم فى تل أبيب بموعد الحرب قبل اندلاعها بساعات عجزوا عن التصديق؟

كيف نجحت المخابرات المصرية فى خداعهم إلى هذا الحد؟! كيف ابتلعوا عشرات الطعوم، كيف سقطوا بهدوء فى كل هذه الأفخاخ؟

كيف هزمتهم مصر بالمياه، وبالطائرات القديمة، وبالأسلحة القديمة؟! كيف أنهت أسطورة «الجيش الذى لا يقهر» فى 6 ساعات؟

جولدا مائير في شهادتها عن أشرف مروان: أعترف بالخطأ الذي اقترفته فيما يخص هذا «المصدر» وتعرضنا للتضليل في أحداث كثيرة لهذه الأسباب

إلى ذلك.

. وبعد مضيّ 50 عاماً على اندلاع تلك الحرب المصيرية التى غيّرت وجه العالم وقتها، وهددت فى لحظة فارقة وجود إسرائيل، لا تزال الأسئلة حائرة عند بنى إسرائيل ولا يزالون يبحثون لها عن إجابات هناك!.. حتى إن المسئولين فى «تل أبيب» اجتمعوا فى مكتب رئيسة الوزراء جولدا مائير قبل 18 ساعة من بدء القتال، وناقشوا مسألة إجلاء العائلات السوفيتية من مصر وسوريا، ورغم وصول معلومات عن تدريب مشترك بين الجيشين المصرى والسورى، كان لديهم إجماع بأن الحرب لن تندلع!

 بعد 50 عاما من الحرب قادة «تل أبيب» يتلهفون لسماع المروية المصرية.. وشهادة جولدا مائير تؤكد عبقرية العميل المصري

كيف استطاع الجيش المصرى ترتيب كل تلك الخداعات، ورصّها رصاً هكذا واحدة تلو الأخرى فى طابور طويل بهذه الطريقة من الإتقان؟

إن المجتمع الإسرائيلى بالطبع ليس كالمجتمع المصرى المرتبط تاريخياً بالأرض والطين، شعب إسرائيل جاء إلى أرض فلسطين من مكونات ثقافية واجتماعية مختلفة، ولهذا فإن ارتباطه بالبقاء مرهون بالثقة فى قدرات قادته العسكريين على حمايته وأمنه، خبراء علم الاجتماع فى إسرائيل يعلمون جيداً تأثير المعنويات الشعبية المرتبكة على استمرار بقاء الشعب هناك.

قادة إسرائيل وخبراؤها يعلمون جيداً كيف يمكن للحالة النفسية للإسرائيليين إذا ما أصابها قلق أو توتر أو ارتباك أن تساهم فى هجرات سريعة وكبيرة خارج البلاد، إلى مستوى يمكن أن يهدد مشروعهم الكبير فيما يسمونه «أرض الميعاد».

إن إسرائيل قامت على الدعاية الصهيونية والتى كانت هى الدافع الأكبر فى بقائها واستمرار وجودها.. وبالتالى فهى تؤمن جيداً بالأثر السيئ الذى يمكن أن تسببه المعنويات الشعبية المرتبكة على استقرارها. فعندما يشعر مواطنوها بانعدام الثقة فى قادتهم، فإن ذلك يمكن أن يؤدى إلى اضطرابات مجتمعية وسلوكيات نفسية بين الجماهير تؤثر سلباً على إيمانهم بإسرائيل وبقائهم فيها.

فى إسرائيل.. يعلم القادة العسكريون جيداً أن المعنويات الشعبية المرتبكة يمكن أن تؤثر على الصحة النفسية للأفراد، يمكن أن تزيد من حالات الاكتئاب والقلق على مستقبلهم، وأن هذا الشعور الشعبى السيئ يمكن أن يقلل من طموح الجيل الجديد ورغبته فى البقاء داخل دولة الكيان.

باختصار، تُعدّ المعنويات الشعبية المرتبكة عاملاً مهماً يجب مراعاته عند التفكير فى استقرار إسرائيل. لذلك ومع اقتراب ذكرى حرب أكتوبر فإن آلة الدعاية الصهيونية تتفنن فى إبعاد الذهن الجمعى داخل إسرائيل عن مجرّد التفكير فى الطريقة التى هزمتهم فيها مصر بتلك السهولة رغم تواضع إمكاناتها العسكرية آنذاك.

لماذا ترفض إسرائيل الاعتراف بخداع «مروان» لرئيس الموساد عندما أجبره على مغادرة إسرائيل في توقيت حساس؟!

لذلك.. وقبيل ذكرى أكتوبر من كل عام، يتفنن القادة الإسرائيليون فى الطريقة التى يمكن من خلالها شغل المجتمع الإسرائيلى عن جوهر المعركة بين مصر وإسرائيل، بقصص جانبية من عينة: هل كان أشرف مروان عميلاً إسرائيلياً؟ أم عميلاً مزدوجاً؟ فينصرف العقل الجمعى فى إسرائيل عن التفكير فى الهزيمة وعن البراعة التى ظهر بها القادة العسكريون فى مصر، بل وفى غرفة اجتماع المسئولين الإسرائيليين قبيل ساعات من اندلاع الحرب، إلى الحد الذى أجبر فيه القادة العسكريون فى مصر تسيبى زامير رئيس الموساد آنذاك على مغادرة إسرائيل فى هذا التوقيت الحساس، فلم يحضر اجتماع جولدا مائير مع وزير الدفاع موشيه ديان ورجال الصف الأول فى الجيش لدراسة الموقف الخطير الذى تمر به بلادهم فى تلك الساعات الحساسة من عمر دولتهم.

لا يجب أبداً أن يفكّر الشعب الإسرائيلى فى الطريقة التى أجبر فيها العسكريون فى مصر رئيس جهاز استخباراتهم شخصياً على السفر إلى لندن للقاء عميلهم المفترض أشرف مروان هناك، وفى هذا التوقيت فائق الحساسية.. إنها قصّة تُروَى من قبلهم، لكن مصر هى التى تحدد موعد إعلان الرواية الأصلية، أبداً لن تجبر إسرائيل الراوى المصرى على إعلان أصل الحكاية، مهما تفننت فى إثارة الشكوك.

لقد بلغت احترافية المصريين فى خطة الخداع الاستراتيجى حداً أنه ورغم تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه ديان خلال اجتماعه وقادة جيش إسرائيل مع رئيسة الوزراء جولدا مائير، أن الصور الجوية التى أوضحت لهم مستوى الاستعدادات الكبيرة فى القوات المصرية، خاصة سلاح المدفعية، لم تستطع دفع الحكومة الإسرائيلية إلى الوصول لنتيجة نهائية بشأن النوايا الحقيقية للجيش المصرى.

الإسرائيليون يعلمون جيداً أنهم سقطوا أفراداً وجماعات فى عدّة شراك نصبها لهم القادة العسكريون فى مصر، ومنها ذلك الفخ الذى نصبه لهم الرئيس السادات بنفسه ونفذّه أشرف مروان بشخصه، عندما أصرّ الأخير على لقاء رئيس جهاز الموساد شخصياً فى لندن، لإبلاغه بأمرٍ مهم، كان يمكن إبلاغه بأشكال كثيرة ومتعددة، لكن إصرار أشرف مروان على الالتقاء برئيس الموساد شخصياً فى لندن، يعنى أنّ القادة العسكريين فى مصر قد أمعنوا فى تشتيتهم وهم يبعدون رئيس جهاز الموساد شخصياً عن إسرائيل فى هذا التوقيت الحساس والخطير وقبيل ساعات معدودة من إطلاق النار.

كم طُعمٍ ابتلعه الإسرائيليون؟ وكم فخٍ سقطوا فيه؟ وكم حيلة انطلتْ عليهم؟ إنها معركة أبدع فيها المصريون أيّما إبداع، يشهد لهم بذلك خبراء الاستراتيجيات العسكرية فى مختلف دول العالم، لقد أبدعوا فى الخداع مثلما أبدعوا فى القتال.. حتى إنهم ورغم مرور 50 عاماً على ذلك الحدث، لم يراوح الإبهار المصرى عقول الخبراء العسكريين وأساتذة الاستراتيجيات فى العالم، لذلك لا يمكن لآلة الدعاية الإسرائيلية أن تترك العقل الجمعى لشعبها فريسة للتفكير فى المستوى الذى أبدع فيه المصريون قبل 50 عاماً.. وما يمكن أن يصلوا إليه بعد سنوات طويلة من هذا التاريخ البعيد.. مجرّد التفكير. والتفكير فقط يمكن أن يهدد استقرار إسرائيل.

لقد بلغ المصريون مستوى من البراعة فى خداع قادة إسرائيل حتى إنهم بعد ساعات قليلة من اجتماعهم الأول لدراسة المعلومات المتواترة عن نية مصر وسوريا إعلان الحرب عليهم - بحسب الوثائق الإسرائيلية - عقدوا اجتماعاً آخر بعده بقليل فى مكتب رئيسة الوزراء جولدا مائير، فقدم لها إيلى زعيرا رئيس أركان الجيش الإسرائيلى وجهة نظر مفادها أن الاستعدادات المصرية والسورية على الجبهة إنما هى مجرد تدريبات.

 تُصرّ إسرائيل على تكرار حكاية «الملاك» قبل ذكرى حرب أكتوبر

أيضاً فإن جانباً مهماً يغفله البعض ويختص بالأسماء الكودية الكثيرة التى أفصح عنها الإعلام الإسرائيلى وتم ربما إلصاقها بأشرف مروان، هذه الأكواد حملت 5 أسماء هى «الملاك» و«المصدر» و«بابل» و«الصهر» و«حتوئيل»، وهى على هذا النحو تثير الكثير من الشكوك حول ما يعلن عن أشرف مروان؛ إذ إن هذه الأكواد بطبيعتها أو معناها إنّما تختص ربّما بعملاء آخرين، فالاسم الكودى «بابل» على سبيل المثال لا يوجد ما يربط بينه وبين عميل مصرى مفترض، فالأوقع أن يكون ذلك الكود - بابل - لعميل عراقى مثلاً، وكذلك كود «الملاك».

وهنا فإنه ربما من المناسب فى حالة أشرف مروان أن يكون كود «الصهر» هو الذى يخصّه وفقط، بحكم مصاهرته للرئيس جمال عبدالناصر، وفى كل الحالات فإن ما يصلنا من إسرائيل ليس بالدقّة التى يحاول البعض ترويجها فى إعلامنا العربى، الموالى منه والمعارض عن أشرف مروان.

وجدير بالذكر فإن التحقيقات التى نُسبت لجولدا مائير فى لجنة «أجرانات» والتى تطرقت فيها لأشرف مروان استخدمت اسم «المصدر».

من جهة أخرى.. فإن تلك الوثائق التى أشرنا إليها أعلاه بأنها تأتى فى الغالب لإلهاء الشعب الإسرائيلى عن التفكير فى جوهر النتائج الأساسية لحرب أكتوبر، قدّ شكك فى مصداقيتها قبلنا قادة إسرائيليون كبار، والقصة هنا ترتبط بضابط كبير فى الجيش الإسرائيلى يدعى يوسى لونجتسكى، عمل بدرجة عميد فى حرب أكتوبر، عندما انتفض يرد على إيلى زعيرا رئيس شعبة الاستخبارات العامة فى الجيش الإسرائيلى فى فيديو لندوة من ندوات مؤتمر داخلى فى معهد دراسات الأمن القومى فى تل أبيب، شهدت سجالاً بين الاثنين «زعيرا» و«لونجتسكى».

 عميد إسرائيلي شارك فى حرب أكتوبر يشكك في الروايات العبرية عن العميل المصري ويتهم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بتضليل «تل أبيب»

فى هذه الندوة - والفيديو موجود لدى كاتبة هذه السطور - عرض إيلى زعيرا رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية وثيقة تحذيرية أرسلت إلى يوسى لونجتسكى وآخرين، لحظتها انتفض «لونجتسكى» وقال: «هذا كذب لم يصلنى شىء، أريد أن أرى تلك الوثيقة التى تحمل اسمى!! إيلى ما أنت تقوم به هو تضليل»، هذا الفيديو كاشف بجلاء عن حالة الفوضى التى تعترى ما توصف بوثائق الحرب من وجهة النظر الإسرائيلية، إنهم بذاتهم يتشككون فى صدق وثائقهم، فما بال آخرين؟!

ومن الأهمية بمكان أن «لجنة أجرانات» وهى اللجنة التى شكلتها إسرائيل للتحقيق فى أسباب القصور الإسرائيلى الذى حدث خلال المعركة، قد أصدرت قراراً وقتها بعزل رئيس الأركان الإسرائيلى، ومنعه من مزاولة أى مهام أخرى رئيسية فى الدولة، وقد أثبتت تقصير المخابرات العسكرية ورئيس جهاز الموساد الإسرائيلى لعدم توقعهم أو إعطائهم رأياً واضحاً يجزم بأن هناك حرباً قادمة من مصر وسوريا ضد إسرائيل.

إلى ذلك أيضاً فإنه منذ 10 أعوام تحديداً.. عندما «أفرجت إسرائيل عن وثائق جديدة بمناسبة مرور 40 عاماً على حرب أكتوبر» وهى وثائق خاصة أيضاً بلجنة التحقيق، تحديداً الوثيقة التى تعرض شهادة لجولدا مائير تطرّقت فيها لـ«المصدر» (الاسم الكودى المفترض والمنسوب إلى أشرف مروان بحسب الإعلام الإسرائيلى).

قالت فيها جولدا مائير بالنصّ: «أنا أريد أن أقول كلمة، أعترف بالخطأ الذى اقترفته فيما يخص هذا «المصدر». على مدار كل الأعوام لم أقُل ولا مرّة واحدة لرئيس الموساد: هل أنت تأمن له؟ هل أنت متأكد؟ أأنت تصدّقه؟ وبكونى لست مختصّة كنت طوال الوقت أعتقد ربما كان تضليلاً فى كثير من الأحداث».

إنّ المتأمل بدقّة والدارس للحالة الإسرائيلية فيما يختص بوثائق الحرب التى أعلنتها وتعلنها حكومة تل أبيب من حين لآخر، سيشهد بوضوح، ذلك التشكك الكبير من جانب القادة الإسرائيليين وعدم ثقتهم فى أشرف مروان، لكنّه كان من البراعة بمكان؛ أن قلّبهم بين الشك واليقين.. لسنوات، كانوا جميعاً على هذه الحال، بين الشك واليقين، وعلى الرأس منهم فى ذلك رئيسة الحكومة نفسها جولدا مائير، التى أعلنت ذلك بوضوح فى واحدة من تلك الوثائق التى سبق الإشارة إليها أعلاه، الأمر الذى يشير إلى أن لديهم رغبة عنيفة فى الابتعاد بكل ما لديهم من قوة فى الحديث عن إخفاقاتهم عن الحرب والمعارك العسكرية وإنما الاكتفاء بالحديث كل عام عن أشرف مروان والتضليل والتراشق بين كل من «إيلى زعيرا» رئيس شعبة الاستخبارات العامة فى الجيش الإسرائيلى «أمان» وبين «تسيبى زامير» رئيس الموساد الإسرائيلى.

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مصر إسرائيل الموساد أشرف مروان الجیش الإسرائیلى عن أشرف مروان رئیس الموساد قادة إسرائیل جولدا مائیر حرب أکتوبر رئیس جهاز فى الجیش یمکن أن تل أبیب حتى إن ة التى

إقرأ أيضاً:

الكشف عن غضب أمريكي وبريطاني بعد طلب الجنائية إصدار أوامر اعتقال لقادة الاحتلال

قالت ثمانية مصادر مطلعة لرويترز إنّ "كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قدم طلبا مفاجئا، بإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة من الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس تتعلق بحرب غزة في 20 مايو/ أيار، في نفس اليوم الذي ألغى فيه مهمة حساسة لجمع أدلة من المنطقة".

وقالت أربعة من المصادر إن التخطيط للزيارة كان جاريا على مدى أشهر مع مسؤولين أمريكيين. وقلب قرار خان طلب إصدار مذكرات الاعتقال الخطط التي دعمتها واشنطن ولندن لزيارة المدعي العام وفريقه لغزة وإسرائيل رأسا على عقب.

وذكرت خمسة مصادر على دراية مباشرة بما جرى من تواصل وقتها لرويترز أن المحكمة كانت تعتزم جمع أدلة من موقع الأحداث على جرائم حرب على أن تتيح لقادة إسرائيل الفرصة الأولى، لعرض موقفهم وأي إجراء اتخذوه للرد على اتهامات جرائم الحرب.

وذكرت المصادر أن قرار خان طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي أول محاولة من المحكمة لاعتقال زعيم دولة مدعوم من الغرب وهو في منصبه، أطاحت أيضا بجهود قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا لمنع المحكمة من الملاحقة القضائية لقادة إسرائيليين.

وقالت الدولتان إن المحكمة ليس لها ولاية قضائية على إسرائيل، وإن السعي لإصدار مذكرات اعتقال لن يساعد في حل الصراع.



وقال مكتب خان لرويترز إن قرار طلب إصدار مذكرات اعتقال، وهو متسق مع النهج المتبع في كل القضايا، جاء بناء على تقييم من المدعي العام بوجود أدلة كافية تسمح بذلك ووجهة نظر مفادها أن السعي لإصدار مذكرات اعتقال فورا يمكن أن يمنع جرائم ترتكب بالفعل.

وعمل خان على مدى ثلاث سنوات لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وهي ليست عضوا في المحكمة. وقالت أربعة مصادر إن خان طلب من واشنطن المساعدة في الضغط على حليفتها إسرائيل، وهي أيضا ليست عضوا في المحكمة، للسماح لفريقه بالدخول.

وأضافت المصادر أن الخطوة التي اتخذها أضرت بالتعاون العملياتي مع الولايات المتحدة وأغضبت بريطانيا وهي من الأعضاء المؤسسين للمحكمة.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن واصلت العمل مع المحكمة في تحقيقاتها في أوكرانيا والسودان لكن ثلاثة مصادر على دراية مباشرة بتعاملات الإدارة الأمريكية مع المحكمة أبلغت رويترز أن التعاون تأثر سلبا بقرار خان المفاجئ.

وقالوا إن مشكلات بدأت في الظهور في تجهيزات بشأن لوائح اتهام جديدة لمشتبه بهم في دارفور بالسودان والقبض على هاربين.

وذكر اثنان من المصادر أن عملية لاعتقال مشتبه به، أحجما عن الإفصاح عن تفاصيلها، لم تنفذ كما هو مخطط لها بسبب خسارة دعم أساسي من الولايات المتحدة فيها. وعبرت كل المصادر عن قلقها من أن قرار خان يعرض التعاون في تحقيقات أخرى جارية للخطر.



لكن خطوة خان المفاجئة حظيت بدعم من دول أخرى مما سلط الضوء على خلافات سياسية بين قوى دولية والمحكمة. وأصدرت فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وسويسرا بيانات تؤيد قرار خان بينما أقرت كندا وألمانيا ببساطة باحترامهما لاستقلال المحكمة.

والمحكمة الجنائية الدولية هي المسؤولة عن الملاحقة القضائية للأفراد لضلوعهم في جرائم حرب، لكن ليس لدى المحكمة قوة شرطة لاعتقال مشتبه بهم وتعتمد في ذلك على 124 دولة صدقت على معاهدة روما التي تأسست بموجبها في عام 1998. وتتعاون دول غير أعضاء مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل أحيانا مع المحكمة على أساس ظروف أو أغراض بعينها.

إخطار قبل ساعات قليلة
قال اثنان من المصادر إن خان قرر شخصيا إلغاء الزيارة إلى قطاع غزة والقدس ومدينة رام الله بالضفة الغربية كان من المقرر أن تبدأ في 27 مايو أيار.

وكان من المزمع أن يجتمع مسؤولون من المحكمة مع مسؤولين إسرائيليين في 20 مايو أيار في القدس لوضع التفاصيل النهائية للمهمة. لكن خان طلب بدلا من ذلك إصدار أوامر في ذاك اليوم باعتقال نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت وثلاثة من قادة حماس هم يحيى السنوار ومحمد ضيف وإسماعيل هنية.

وأكد مسؤول في الأمم المتحدة، طلب عدم الكشف عن هويته، أن مناقشات أولية جرت بشأن زيارة خان لغزة تناولت مسائل الأمن والانتقالات.

وقالت سبعة مصادر تتفاوت درجات اطلاعهم على القرار إن تذاكر الطيران والاجتماعات بين كبار المسؤولين في المحكمة والمسؤولين الإسرائيليين ألغيت بعد ساعات فحسب من الإخطار، مما صدم بعض موظفي خان.

وذكر المسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية أن إلغاء زيارة مايو أيار ينتهك الممارسة الشائعة للادعاء المتمثلة في السعي للتواصل مع الدول قيد التحقيق. وقالت ثلاثة مصادر أمريكية، دون تقديم تفاصيل، إنه لم يُطرح تفسير واضح لدافع خان لتغيير المسار، وإن هذا التحول أضر بمصداقية المحكمة في واشنطن.

ولم يرد مكتب خان على هذه النقاط بشكل مباشر لكنه قال إنه أمضى السنوات الثلاث السابقة في محاولة تحسين الحوار مع إسرائيل ولم يتلق أي معلومات تظهر "إجراء حقيقيا" من جانب إسرائيل للتصدي للجرائم المزعومة.

وقال مكتب خان في رسالة بالبريد الإلكتروني إن خان "يواصل الترحيب بفرصة زيارة غزة... يظل منفتحا على التعامل مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة".

وقال باسم نعيم القيادي في حماس لرويترز إن حماس لم يكن لديها علم مسبق باعتزام خان إرسال فريق من المحققين إلى غزة.

ورفض مكتب نتنياهو ووزارة الخارجية الإسرائيلية التعليق.

واشنطن مصدومة
اعترفت المحكمة الجنائية الدولية "بدولة فلسطين" في عام 2015. ويقول خان إن مكتبه يتمتع بالولاية القضائية للنظر في مزاعم الجرائم الوحشية التي ارتكبها فلسطينيون في إسرائيل وأي شخص في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول.

ولا تعترف الولايات المتحدة أو بريطانيا بالدولة الفلسطينية، وبالتالي تعترضان على الولاية القضائية للمحكمة في القطاع.

وقالت أربعة مصادر قريبة من الإدارتين الأمريكية والبريطانية لرويترز إن واشنطن ولندن تتحدثان مع إسرائيل لمساعدة خان على ترتيب الزيارة رغم تصريحاتهما بأن المحكمة ليس لديها اختصاص في هذا الوضع.

وأضافت المصادر أنها كانت تعلم باحتمال أن يسعى خان لاستصدار مذكرات اعتقال لنتنياهو ومسؤولين إسرائيليين كبار آخرين وأن المدعي العام أو أعضاء فريقه أبلغوا حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا والصين منذ مارس آذار على الأقل باحتمال توجيه اتهامات ضد قادة إسرائيل وحماس.

وقال مصدر دبلوماسي في دولة غربية بدون الخوض في تفاصيل إن جهودا دبلوماسية كانت تبذل في محاولة لإقناع المحكمة بعدم سلوك هذا المسار.

وأوضح مصدر أمريكي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية القضية "عملنا جاهدين على بناء علاقة خالية من المفاجآت".

ووصف بلينكن في 21 مايو أيار قرار خان بأنه "خاطئ تماما"، وقال إنه لا يتماشى مع العملية التي كان يتوقعها وسيعقد احتمالات التوصل إلى اتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن أو وقف إطلاق النار. وقال أمام لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ إنه سيعمل مع الجمهوريين على فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة.

وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون للبرلمان في نفس اليوم إن قرار خان كان خاطئا.

وجاء رد فعله غاضبا في أحاديث خاصة على تغيير الخطة، ووصف ذلك بأنه "جنون" لأن فريق خان لم يزر بعد إسرائيل وغزة، وهدد خان في اتصال هاتفي بانسحاب بريطانيا من المحكمة وقطع الدعم المالي عنها، وفقا لثلاثة مصادر على دراية مباشرة بالمناقشة.

ورفض مسؤول بوزارة الخارجية البريطانية التعقيب على الاتصال الهاتفي أو على علاقة بريطانيا بالمحكمة.

وسمحت المحكمة في يونيو حزيران بأن تقدم بريطانيا مذكرة مكتوبة توضح فيها حججها القانونية بأن المحكمة لا تتمتع بالاختصاص القضائي لنظر هذه القضية. وهناك انقسام بين الدول الأعضاء في المحكمة والدول غير الأعضاء على مسألة الاختصاص.

وعلاقة الولايات المتحدة بالمحكمة متوترة. وفرضت واشنطن عام 2020 في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوبات عليها لكن الرئيس جو بايدن ألغاها.

وقال مكتب خان إنه "بذل جهودا كبيرة للتواصل مع الولايات المتحدة في السنوات الماضية لتعزيز التعاون بينهما، وهو ممتن للمساعدة الملموسة والمهمة التي قدمتها السلطات الأمريكية".

مقالات مشابهة

  • الصهاينة.. يأجوج هذا الزمان يأكلون الأخضر واليابس
  • تفاصيل خطة الطوارئ الخاصة بمناسبة أيام عاشوراء في النجف (وثائق)
  • وثائق تكشف إصدار جيش الاحتلال أمرا بقتل كافة الأسرى يوم 7 أكتوبر
  • الدكتور يسري الشرقاوي يكتب: على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة
  • مسجون في إسرائيل بـ 5 أحكام مدى الحياة.. فلسطينيون يعلقون آمالهم على البرغوثي
  • الشخص المناسب في المكان المناسب
  • المجلس الوطني الفلسطيني يدين اغتيالات الاحتلال الإسرائيلي في جنين
  • المجلس الوطنى الفلسطينى يدين اغتيالات الاحتلال الإسرائيلى فى جنين
  • نجوى مصطفى تكتب: كاشفة ونادرة
  • الكشف عن غضب أمريكي وبريطاني بعد طلب الجنائية إصدار أوامر اعتقال لقادة الاحتلال