على مشارف الجمهورية الجديدة
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
يظل الاقتصاد القضية الأولى بالتحليل والبحث عن مخارج تخرج بنا إلى حالة الكفاية ثم إلى حالة الوفرة، وهى قضية ملازمة للوجود الإنسانى حيث الحاجات متعددة والموارد محدودة، لذلك فالدول الرشيدة هى التى تستطيع أن ترشِّد احتياجاتها، وتعظم مواردها.. هكذا يوجز الاقتصاديون تعريف علم الاقتصاد، إنه ذلك العلم الذى يبحث فى كيفية إدارة هذه المفارقة.
على الأرض نكتشف أن الاقتصاد بهذا المعنى هو الذى يشكل ويكتب التاريخ، ويرسم سياسات الدول، ويفسر الحروب ويكشف دوافع الحراك الاستعمارى بأشكاله المختلفة، وتطوراته، ومبرراته المعلنة والخفية، لننتهى إلى أن الموارد الطبيعية، المواد الخام، المتوفرة فى دول الجنوب كانت الحافز الأكبر للدول الصناعية الكبرى للسيطرة عليها، سواء بشكل مباشر كاستعمار تقليدى، أو بربطها بتحالفات واتفاقيات هى فى غالبها تحالفات واتفاقيات إذعان، مع بقاء الفقر سائدًا فيها حتى لا تقوى على المطالبة بالتحرر والاستقلال.
وسط كل هذا تبقى التجربة المصرية متفردة بتراكماتها منذ اللحظة التى باغتتها فيها الحضارة الغربية مع صدمة الحملة الفرنسية، والتى لم تمكث طويلًا فرحلت لكنها خلفت وراءها آثارًا إيجابية، بعد أن انتبه المصريون إلى حاجتهم لنفض ركام البيات العثمانلى الجاثم على مقدرات البلاد والناهب لها لنحو أربعة قرون.
تتعدد التجارب من محمد على إلى الأسرة العلوية صعودًا وهبوطًا، إلى تجربة يوليو بتنويعاتها وامتدادتها وتقلباتها، من القرارات الاشتراكية، ومن نكسة يونيو ٦٧ إلى انتصار أكتوبر ٧٣، لكن الارتباك لم يفارق تجاربها الاقتصادية ما بين اقتصاد موجه، لم يكتمل بعد أن أسلم قياده لبيروقراطية عتيدة ومتربصة وإدارة لم تستوعب أهدافه، وكان الفساد حاضرًا ومقيمًا، وانهارت التجربة برحيل صاحبها ربما لأنه لم ينتبه إلى قيمة الديمقراطية وقبول التعدد والتنوع والاختلاف، فاختزل الوطن فى شخصه، فى تماهٍ لافت ربما نتفهمه عندما نقرأ أن أديبه المفضل كان توفيق الحكيم وروايته الأثيرة "عودة الروح" والتى كتب الحكيم فى تصديرها عبارة "حين يصير الزمن إلى خلود، سوف نراك من جديد، لأنك سائر إلى هناك، حيث الكل فى واحد".
كانت جملة ملهمة للزعيم فى بحثه عن الخلود فسعى لأن يكون الكل فى واحد رأيًا وفكرًا فى خضوع للزعيم، لكنه كان اختيارًا ضد طبيعة حراك الحياة، ولم تكن هناك يوتوبيا المدينة الفاضلة، فكان ما كان.
على نقيض يشبه عملية البسترة، ننتقل من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر أو قل العشوائى، أُطلق عليه الانفتاح الاقتصادى، واسماه الكاتب أحمد بهاء الدين "انفتاح السداح مداح"، حيث اختلط الحابل بالنابل، وفيه وبه تم تدمير البنية التحتية لصناعات مصرية تاريخية، الغزل والنسيج، وصناعات مؤسسة للتصنيع، الحديد والصلب، وزراعات استراتيجية، القطن والقمح وقصب السكر، لتعرف أسواقنا وموائدنا أنواعًا من الفواكه المستوردة غيرت من ثقافتنا الغذائية وانعكس هذا على سلوكياتنا الاجتماعية، فى مرحلة شهدت تحالفات غير مبررة مع الجماعات الدينية المتطرفة، بعثت جماعة الإخوان من جديد، ويذهب المؤسس بعد عقد ونيف، وقد لقى مصرعه على يد من أعطاهم قبلة الحياة، ليأتى خليفته فيؤكد على تحالف ثلاثية رجال المال والجماعات والفساد، فى تجميعة لا مثيل لها، كان الاقتصاد القومى هو الضحية والذبيحة فى معبد السياسة، الغائبة والمرتبكة.
اللافت أن التجربة الأولى كان مداها الزمنى نحو عقدين والثانية عقد واحد فيما امتدت الثالثة لثلاثة عقود وكانت مرشحة لمزيد لولا الغضب الشعبى الذى أطاح بالتجربة لتبدأ تجارب تالية انتهت بنا إلى حراك يؤسس لجمهورية جديدة مازالت تحاول معالجة نتائج التجارب الثلاث السابقة وتتجنب نقاط ضعفها، ولعل أهمها التأسيس لحياة ديمقراطية صحيحة، واستعادة القاعدة الصناعية التى قطعنا فيها أشواطًا لا يمكن إنكارها، وإعادة ترتيب الخريطة الزراعية لنسترد عروش القطن والقمح وغيرها، والتأسيس لتصنيع زراعى واعٍ ومتطور، والانتباه لمنظومة التعليم المهنى الصناعى والزراعى والخدمى على قواعد متطورة بالتعاون مع الكيانات ذات الصلة فى السوق المصرية، والتى توفر قاعدة لوچيستية كبيرة لإعداد وتدريب الفنيين كلٌ فى مجاله، عبر بروتوكول مع وزارة التعليم الفنى، التى قامت كوزارة مستقلة ثم أُدمجت فى وزارة التعليم، ولعلها تعود كوزارة دولة حتى لا تحمل بأعباء بيروقراطية ومالية تعوقها، ويكون لها منافذ اتصال وتنسيق مع الكيانات الصناعية والخدمية والزراعية الكبرى التى تتيح لها أماكن لتعليم وتدريب وتأهيل الأيدى العاملة بكفاءة عالية. وهذه المؤسسات الداعمة هى فى مقدمة المستفيدين، من توفير أيدٍ عاملة مؤهلة علميًا ومهنيًا ومدربة، بتقليل نسبة الفاقد من منتجاتها، والخروج بها إلى المنافسة فى السوق العالمية، بجودة عالية وأسعار منافسة والتزام فى التوريد. فتسترد العملة المحلية عافيتها وتستقر الأسعار وندخل فى دائرة الرفاة.
*كاتب معنى بالشأن العام
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الاقتصاد القضية الأولى التجربة المصرية
إقرأ أيضاً:
الرئيس عباس يوجه كلمة للشعب ويخص غزة فيها
وجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، مساء السبت 29 مارس 2025 ، كلمة للشعب الفلسطيني بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك ، وخص قطاع غزة فيها.
وخص الرئيس عباس في كلمته قطاع غزة قال فيها :" : صبرا أيها الأبطال.. صبرا أيها الصامدون المكلومون.. صبرا آل ياسر.. صوتكم يملأ الدنيا بأسرها.. صوتكم يملأ عقولنا وقلوبنا، ويشحذ هممنا نحو آفاق المستقبل الزاهي بإذن الله، وقريبا سنكون معا تحت راية دولتنا الواحدة الحرة الكريمة وعاصمتها القدس المباركة".
نص كلمة الرئيس عباس
بسم الله الرحمن الرحيم
"يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".
يا أبناء شعبنا العظيم
أبها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، أيها الفلسطينيون الأعزاء في كل مكان.
أتوجه إليكم في هذا اليوم، ونحن نستقبل عيد الفطر المبارك، الذي تختلط فيه مشاعر الفرح بأداء ركن الصيام بمشاعر الحزن والألم والغضب بسبب ما يتعرض له شعبنا وبلادنا من عدوان إسرائيلي همجي يستهدف اجتثاثنا من وطننا المقدس، وتصفية قضيتنا الوطنية التي تتخضب بدماء شهداء شعبنا من الأطفال والنساء والرجال الذين تغتالهم آلة العدوان الإسرائيلي، في قطاع غزة الحبيب، والضفة الغربية الصامدة، والقدس العاصمة الأبدية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
إن قضيتنا الوطنية المقدسة التي مر عليها ما يزيد عن قرن من الزمان ستظل حية بصمود أبناء شعبنا العظيم في وجه مخططات الاحتلال وعدوانه المستمر، رغم كل ما نتكبده من خسائر وآلام ومعاناة، ونحن واثقون بأن الفصل الأخير في هذه المعاناة سوف تكتبه سواعد الصامدين الصابرين المرابطين في أرض الإسراء والمعراج المباركة، هذه الأرض التي كانت تسمى فلسطين، فصارت تسمى فلسطين، وستبقى تسمى فلسطين، شاء من شاء وأبى من أبى، "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز".
أيها الشعب الفلسطيني العظيم
نحن لسنا طلاب حرب، ولا نعشق المعاناة والألم، نحن شعب يحب الحياة ويتوق إلى الحرية، ويدافع عن الكرامة والوطن.. كنا كذلك دائما.. وسنبقى كذلك أبدا، ولقد طرقنا كل الأبواب، وسلكنا كل السبل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل، لكننا لا نجد شريكا نحقق معه هذه الغاية النبيلة المستندة إلى القانون الدولي والشرعية الدولية.
نعم، نحن نسعى للسلام ولكننا نرفض الاستسلام، وسنظل ثابتين في أرضنا، صامدين في وطننا، رغم كل الصعاب التي نعيشها.. رغم الحصار والعدوان والتجويع ومؤامرات التهجير، وسوف ننتصر بإذن الله، "ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا".
وأود في ختام حديثي هذا أن أوجه كلمة خاصة إلى غزة.. إلى أهلها الصامدين رغم الجراح والعدوان والإرهاب.. إلى أطفالها الذين أرى في عيونهم البريئة مستقبل فلسطين الحرة العزيزة، أقول لهم جميعا: صبرا أيها الأبطال.. صبرا أيها الصامدون المكلومون.. صبرا آل ياسر.. صوتكم يملأ الدنيا بأسرها.. صوتكم يملأ عقولنا وقلوبنا، ويشحذ هممنا نحو آفاق المستقبل الزاهي بإذن الله، وقريبا سنكون معا تحت راية دولتنا الواحدة الحرة الكريمة وعاصمتها القدس المباركة.
الغمة ستزول.. الدولة ستقوم.. الاحتلال سيرحل، "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله".
تحية لغزة العزيزة، تحية للقدس المباركة، تحية للضفة الصامدة، تحية لشعبنا في كل مكان.
وكل عام وأنتم بخير.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الحية : حماس وافقت على مقترح جديد للتهدئة تسلمته من الوسطاء استشهاد شاب من طمون متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال الرئيس عباس يهنئ الشعب الفلسطيني بحلول عيد الفطر الأكثر قراءة سعر صرف الدولار والدينار مقابل الشيكل اليوم الأحد بالفيديو: الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن إسرائيل تشنّ "موجة ثانية" من الضربات على لبنان رداً على إطلاق صواريخ الاحتلال يحاصر عددا من مركبات إسعاف الهلال الأحمر وفقدان الاتصال معهم برفح عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025