عدو الاقتصاد العالمي الحقيقي: السياسة الجغرافية وليس سياسات الحماية
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
«يبدو أن عصر التجارة الحرة قد انقضى. ترى كيف قد يكون أداء الاقتصاد العالمي في ظل سياسات الحماية؟»
هذا أحد الأسئلة الأكثر شيوعا التي أسمعها في أيامنا هذه. لكن التمييز بين التجارة الحرة وسياسات الحماية (مثل التمييز بين الأسواق والدولة، أو النزعة التجارية والليبرالية) ليس مفيدا على وجه خاص في فهم الاقتصاد العالمي.
فلم تكن الاتفاقيات التجارية الموقعة على مدار السنوات الثلاثين الأخيرة مهتمة في الأساس بإزالة القيود المفروضة على التجارة والاستثمار عبر الحدود بقدر ما كانت حريصة على فرض معاير تنظيمية، وقواعد الصحة والسلامة، والاستثمار، والخدمات المصرفية والمالية، وحقوق الملكية الفكرية، والعمل، وغير ذلك الكثير من القضايا التي كانت في السابق تقع ضمن نطاق السياسة الداخلية. كما لم تكن هذه القواعد محايدة. بل كانت تميل إلى إعطاء الأولوية لمصالح الشركات الكبرى ذات الصلات السياسية القوية، مثل البنوك الدولية، وشركات الأدوية، والشركات المتعددة الجنسيات، قبل أي شيء آخر.
لم تتمتع هذه الشركات بقدرة أفضل على الوصول إلى الأسواق على مستوى العالم فحسب، بل كانت أيضا المستفيد الرئيسي من إجراءات التحكيم الدولي الخاصة في إلغاء الضوابط التنظيمية الحكومية التي تسببت في تخفيض أرباحها.
على نحو مماثل، كانت قواعد الملكية الفكرية الأكثر صرامة -والتي تسمح لشركات الأدوية والتكنولوجيا بإساءة استخدام مراكزها الاحتكارية- تُـهَـرَّب إلى الداخل تحت ستار التجارة الأكثر حرية. ودُفِـعَـت الحكومات دفعا إلى تحرير تدفقات رأس المال، في حين ظلت العمالة محاصرة خلف الحدود. كما أُهـمِـلَـت قضايا مثل تغير المناخ والصحة العامة، وهو ما يرجع جزئيا إلى حقيقة مفادها أن أجندة العولمة المفرطة زاحمت هذه القضايا، ولكن أيضا لأن خلق المنافع العامة في أي من المجالين كان ليتسبب في تقويض مصالح الشركات.
في السنوات الأخيرة، شهدنا ردة فعل عكسية عنيفة ضد هذه السياسات، فضلا عن إعادة النظر على نطاق واسع في الأولويات الاقتصادية في عموم الأمر. الواقع أن ما ينتقده بعض المراقبين باعتباره سياسات حماية ونزعة تجارية خالصة هو في الحقيقة عملية لإعادة التوازن نحو معالجة قضايا وطنية مهمة مثل إزاحة العمالة، والمناطق المتخلفة عن الركب، والتحول المناخي، والصحة العامة. هذه العملية ضرورية لمعالجة الضرر الاجتماعي والبيئي الواقع بسبب العولمة المفرطة، وإنشاء شكل أكثر صحة من العولمة للمستقبل.
تُـعَـد سياسات الرئيس الأمريكي جو بايدن الصناعية، وإعانات الدعم الخضراء، وشروط «صُـنِـع في أمريكا» أوضح الأمثلة على إعادة التوجه على هذا النحو. صحيح أن هذه السياسات تشكل مصدرا للإزعاج في أوروبا وآسيا والعالم النامي، حيث يُـنـظَـر إليها باعتبارها مُعاكِـسة لقواعد التجارة الحرة الراسخة. لكنها تعمل أيضا كنماذج لأولئك -في ذات البلدان غالبا- الذين يبحثون عن بدائل للعولمة المفرطة والنيوليبرالية. لن نضطر إلى العودة لمسافة بعيدة في التاريخ لكي نجد شبيها للنظام الذي قد ينشأ من هذه السياسات الجديدة. أثناء العمل بنظام بريتون وودز بعد عام 1945، والذي كانت له الـغَـلَبة روحيا حتى أوائل ثمانينيات القرن العشرين، احتفظت الحكومات بقدر كبير من الاستقلالية في إدارة السياسات الصناعية والتنظيمية والمالية، وأعطت أكثر هذه الحكومات الأولوية لصحة اقتصاداتها المحلية على التكامل العالمي. كانت الاتفاقيات التجارية ضيقة النطاق وضعيفة، ففرضت قِـلة من القيود على الاقتصادات المتقدمة، لكنها كانت أقل تقييدا للبلدان النامية. وكانت السيطرة المحلية على تدفقات رأس المال القصيرة الأجل هي القاعدة وليست الاستثناء. على الرغم من هذا الاقتصاد العالمي الأكثر انغلاقا (وفقا لمعايير اليوم)، أثبت عصر بريتون وودز كونه مُـفضيا إلى قدر كبير من التقدم الاقتصادي والاجتماعي. فقد شهدت الاقتصادات المتقدمة عقودا من النمو الاقتصادي السريع والمساواة الاجتماعية الاقتصادية النسبية حتى النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين. وبين البلدان المنخفضة الدخل، حققت تلك التي تبنت استراتيجيات تنموية فَـعّـالة -مثل نمور شرق آسيا- قفزات ووثبات هائلة، حتى برغم أن صادراتها واجهت حواجز أعلى كثيرا من تلك التي تواجهها البلدان النامية اليوم. عندما انضمت الصين إلى الاقتصاد العالمي بنجاح كبير بعد ثمانينيات القرن العشرين، فعلت ذلك بشروطها الخاصة، فاحتفظت بإعانات الدعم، وملكية الدولة، وإدارة العملة، وضوابط رأس المال، وغير ذلك من السياسات التي تذكرنا بعصر بريتون وودز أكثر من تذكيرها لنا بالعولمة المفرطة.
ينبغي لإرث بريتون وودز أن يجعل أولئك الذين يعتقدون أن السماح للبلدان بفسحة أكبر لملاحقة سياساتها الخاصة يلحق الضرر بالضرورة بالاقتصاد العالمي يعيدون النظر في هذا الرأي. إن ضمان سلامة الاقتصاد المحلي هو الأمر الأكثر أهمية الذي يستطيع أي بلد أن يفعله من أجل الآخرين. لا شك أن السابقة التاريخية لا تضمن أن تُـفضي أجندات السياسات الجديدة إلى نشوء نظام اقتصادي عالمي حميد. لقد عمل نظام بريتون وودز في سياق الحرب الباردة، عندما كانت علاقات الغرب الاقتصادية بالاتحاد السوفييتي في أضيق الحدود ولم يكن للكتلة السوفييتية سوى موطئ قدم صغير في الاقتصاد العالمي. نتيجة لهذا، لم تتسبب المنافسة الجيوسياسية في عرقلة توسع التجارة والاستثمار الطويل الأجل. الوضع اليوم مختلف تمام الاختلاف. فالمنافس الرئيسي لأمريكا الآن هو الصين، التي تحتل مكانة ضخمة للغاية في الاقتصاد العالمي. والانفصال الحقيقي بين الغرب والصين من شأنه أن يخلف تداعيات كبرى على العالم أجمع، بما في ذلك الاقتصادات المتقدمة، نظرا لاعتمادها الشديد على الصين لتدبير الإمدادات الصناعية. وعلى هذا فقد يجد المرء وفرة من الأسباب الوجيهة التي تدعو إلى القلق بشأن صحة الاقتصاد العالمي في المستقبل. لكن إذا أصبح الاقتصاد العالمي غير مضياف، فسوف يكون هذا راجعا إلى سوء إدارة أمريكا والصين للمنافسة الجيوسياسية الدائرة بينهما، وليس أي خيانة مفترضة للتجارة الحرة. يتعين على صناع السياسات والمعلقين أن يظلوا على تركيزهم على المخاطر التي تشكل أهمية حقا.
داني رودريك أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، ورئيس الرابطة الاقتصادية الدولية ومؤلف كتاب «الحديث الصريح بشأن التجارة: أفكار لاقتصاد عالمي عاقل»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصاد العالمی التجارة الحرة القرن العشرین
إقرأ أيضاً:
رئيس الاتحاد العربي: حجم الاقتصاد الرقمي العالمي وصل 55 تريليون دولار
كتبت -داليا الظنيني:
قال الدكتور عبدالوهاب غنيم نائب رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي بجامعة الدول العربية، إن الاقتصاد والتحول الرقمي يقودان العالم أجمع، موضحا أن حجم الاقتصاد الرقمي العالمي وصل إلى 55 تريليون دولار.
وأضاف رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية فاتن عبدالمعبود ببرنامج صالة التحرير المذاع على قناة صدى البلد، أن التحول الرقمي للحكومة المصرية، وتطوير البنية التحتية الرقمية، أدى إلى زيادة سرعة الإنترنت لتصبح مصر الأولى إفريقيا في سرعة الإنترنت الثابت.
وأوضح أن خدمات التعهيد وتصدير الرقميات، يزداد بشكل مستمر بعد استقطاب ما يقرب من 55 شركة خدمات رقمية، مضيفا أن الثورة الصناعية الرابعة ستغير العالم بأجمعه.
وأكد أن الرئيس السيسي أكد ضرورة التدريب والتأهيل في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، موضحا أنه تم تدريب 200 ألف شاب مصري في مجالات
الذكاء الاصطناعي والرقميات.
وأردف رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي بجامعة الدول العربية، أن الدولة تعمل على تأهيل كافة الكوادر البشرية، للتحول الرقمي.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الدكتور عبدالوهاب الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي جامعة الدول العربية حجم الاقتصاد الرقمي العالمي برنامج صالة التحريرتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة خبير اقتصادى: زيادة تكافل وكرامة خلال الفترة القادمة أمر وارد أخبار مسؤول بـ"الغرف التجارية": 2000 جنيه تكفي الأسرة لشراء "ياميش رمضان" أخبار هل أخطأ الشيخ الطاروطي 30 مرة في قرآن الجمعة؟.. نقيب القراء يوضح التفاصيل أخبار رئيس مجلس الشيوخ يستقبل سفير العراق ومندوبها الدائم بجامعة الدول العربية أخبارإعلان
إعلان
أخباررئيس الاتحاد العربي: حجم الاقتصاد الرقمي العالمي وصل 55 تريليون دولار
أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك مدبولي: الدولة مستعدة للسيناريو الأكثر تشاؤمًا مدبولي: زيادة المرتبات والمعاشات خلال أيام الذهب يصل إلى مستوى قياسي لأول مرة منذ تحرير سعر الصرف.. فما الأسباب؟ هل تتأثر أسعار السيارات في مصر بحرب الجمارك بين أمريكا والصين؟ حزمة الحماية الاجتماعية.. توضيح جديد من الحكومة تحذير من الأرصاد لسكان القاهرة والوجه البحري من طقس الساعات المقبلة 20القاهرة - مصر
20 13 الرطوبة: 43% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك