ازدهار الاتجار بالبشر بسبب الإفلات من العقاب
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
بعد مرور أكثر من مائتي عام على إلغاء تجارة العبيد الدولية رسميا، تظل الحقيقة الشنيعة هي أن بيع النفس البشرية لم يشهد رواجا كالذي يشهده اليوم. إذ تزدهر أعمال المجرمين المنخرطين في الاتجار بالبشر، وفي العمالة القسرية، وفي العبودية الحديثة، ليس فقط في عموم آسيا وأفريقيا والأمريكيتين، ولكن في قارة أوربا نفسها، بل إنها تعبر القنال الإنجليزي إلى بريطانيا أيضا.
في كل يوم، يدفع المهربون باليائسين من الرجال والنساء والأطفال إلى جحيم العبودية الحديثة لمعرفتهم بأن جريمتهم هذه توشك ألا تكبدهم أي عقاب. ولا يجب أن يكون للمجرمين الذين يتاجرون في البشر ملاذ، ولكن الزج بالمستغلين المجرمين وراء القضبان يبقى أمرا بعيد الاحتمال. في الوقت الذي يعيش فيه 50 مليونا من البشر في ربقة العبودية الحديثة لم يحاكم غير 15159 من تجار البشر في عام 2022، لم يجر التصديق بأحكام الإدانة إلا على 5577 بمعدل إدانة واحدة لقاء كل 8965 ضحية.
بوسع قمة زعماء مجموعة العشرين التي تقام في نيودلهي أن تنتهز هذه الفرصة لضمان ألا يتلاشى من المشهد هدف الأمم المتحدة بالقضاء على العبودية الحديثة بحلول عام 2030. ولقد كتبت إلى مضيف القمة ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند طالبا منه أن يضع على جدول أعمال مجموعة العشرين الفشل الذريع لأي حكومة في أي مكان بالعالم في إنهاء تجارة العبيد. ولكي نضع حجم هذه الصناعة في سياق، يكفي أن نعلم أن إجمالي أرباحها ـ التي لا تقل بأي حال عن كونها أموالا ملوثة بالدم ـ يربو على خمسة عشر مليار دولار أمريكي سنويا.
وتتدنى إدانات تجار البشر إلى حد أنه لم تسجل في الأمريكيتين كلها من كندا والولايات المتحدة إلى الأرجنتين والبرازيل إلا 265 إدانة في العام الماضي. ويقر مؤشر العبودية العالمي للمملكة المتحدة بأنها أشد صرامة تجاه العبودية الحديثة، ولكن في حين تم تحديد قرابة ثلاثة وعشرين ألف ضحية محتملة في بريطانيا ما بين عامي 2017 و2019، لم تصدر الأحكام إلا على أربعة وستين مذنبا بسبب جرائم العبودية الحديثة والاتجار بالبشر بموجب قانون العبودية الحديثة. فلا عجب أن يشعر التجار ـ الذين تعبر قواربهم القنال الإنجليزي ـ أنهم يعملون في ظل حصانة آمنين من العقاب.
ومما يكلل بمزيد من العار هذا المعدل سافر الانخفاض أن العبودية الحديثة ـ وهي الجريمة الأشد شناعة وهمجية بين الجرائم ـ تحط من كرامة ثمانية وعشرين مليونا من الرجال والنساء من خلال العمل القسري والظروف المعيشية المهينة، وتتسبب في خراب بطول العمر لاثنين وعشرين مليونا من الفتيات والنساء ممن يرغمن على الزواج بغير إرادة منهن.
إن حجم الاستعباد البشري الحديث يعني أننا جميعا خاسرون. فالاتجار بالبشر مثلما قال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة «تكتيك إرهابي» ومورد مهم لتمويل الإرهابيين.
غير أن محاكمات العبودية تشهد انخفاضا. في عام 2015، أجريت تسعة عشر ألف محاكمة في العالم، وبحلول عام 2022 قل الرقم بقرابة أربعة آلاف. ومثلما قالت رئيس الوزراء السابقة تيريزا ماي لمجلس العموم في يوليو، فإن قانون الهجرة غير الشرعية سوف يسهم عما قريب في ارتفاع منذر بالخطر للعبودية البشرية. فلم يعد القانون يوجب على السلطات تحديد هويات ضحايا العبودية الحديثة قبل إرجاعهم إلى بلادهم الأصلية كما أنه يعجز عن توفير ما يلزم من دعم وحماية لتمكين الضحايا من تقديم الأدلة التي تفضح مستغليهم، فتقل بذلك احتمالية التحقيق مع التجار. ونتيجة لذلك، فإن ضحية الاتجار بالبشر التي تصل إلى المملكة المتحدة وقد تعرضت للاغتصاب، أو تعرضت أسرتها لتهديد، قد تتعرض للرفض.
وإبلاغ السلطات حاليا بجرائم العبودية منخفض إلى حد أن العام الماضي لم يشهد تحديد هويات إلا لمائة وخمسة عشر ألف ضحية في العالم كله، وأغلب هؤلاء الضحايا هربوا بأنفسهم من التجار وأبلغوا السلطات بأنفسهم، بدلا من أن تنقذهم قوات تنفيذ القانون. ولكن غير بعيد من حيث يعيش أي واحد منا، ثمة من ضحايا الاتجار بالبشر ولد أو فتاة، رجل أو امرأة، يعملون خدما في المنازل، أو في غسيل السيارات أو عمال تجميع. وأكثرنا يشتري سلعا، منها علامات تجارية كبرى، مما ينطوي تصنيعها على اتجار بالبشر أو عمل قسري.
لقد أكدت منظمات دينية بقيادة منتدى مجموعة العشرين العابر للأديان «الحاجة الملحة» لأن تقوم دول مجموعة العشرين - التي تمثل أكثر من 75٪ من التجارة العالمية - بالتصدي لجرائم كثيرا ما تكون خفية وعلى مرأى من الجميع. وسوف يلزم عمل منسق من مجموعة العشرين لإصلاح سلاسل التوريد العالمية والقضاء على حالة الرضا عن الذات لدى صناعات الملابس والإلكترونيات وغيرها من العلامات التجارية المعروفة التي تتعمد أن تتجاهل تجارة العبيد. ويجب أن يتضمن هذا العمل دعوة لتطبيق قوانين العمل اللازمة على مستوى العالم لتوجب على الشركات مراقبة مخاطر العبودية في سلاسل التوريد الخاصة بها والإبلاغ عنها. حتى الآن، تبنت بلاد مثل النرويج وفرنسا وألمانيا هذه القوانين، ويحسب لتيريزا ماي أنها تقوم بتشكيل لجنة عالمية معنية بالعبودية الحديثة والاتجار بالبشر ويرجح أن تدافع عن توسيع نطاق هذه التشريعات في جميع أنحاء العالم.
لقد حدث في عام 2016 حينما صاغت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 أن حثَّ البابا فرانسيس بلاد العالم كله على مساعدة المستعبدين ومحاكمة المتاجرين بالبشر. وأعقبت ذلك 7 سنوات عجاف، لم يتحقق خلالها تقدم يذكر. والآن، ولم يبق إلا سبع سنوات فقط لتحقيق هدف عام 2030، يتعين على مجموعة العشرين أن تبدأ في الارتقاء إلى مستوى زعمها بأنها المنتدى الاقتصادي الأول في العالم ــ فتكثف عملها من أجل القضاء على تجارة العبيد الحديثة.
جوردن براون مبعوث الأمم المتحدة للتعليم العالمي وكان رئيس وزراء المملكة المتحدة من عام 2007 إلى عام 2010
عن صحيفة الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتجار بالبشر
إقرأ أيضاً:
الضربات التي أوجعت الولايات المتحدة!!
يمانيون../
فرضت المواجهات العسكرية بين القوات المسلحة اليمنية المساندة لغزة وقوات دول العدوان الأمريكي – البريطاني – الغربي والعربي المدافعة عن “إسرائيل”، لأكثر من 14 شهراً، معادلات جديدة في المنطقة، وهذا التساؤل؛ ماذا يعني إسقاط الطائرات الأمريكية “MQ-9 Reaper” في اليمن!؟
الجواب وفق تقرير خبراء “المجلس الأطلسي للأبحاث الدولية”، أكد تطوّر قدرات الأسلحة الدِّفاعية والهجومية اليمنية، وتمكنها من إسقاط 14 طائرة أمريكية بدون طيار نوع “MQ-9″، التي تعتبر رمز قوة سلاح الجو والعمود الفقري للولايات المتحدة.
المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، تمتلك 10 مراكز بحثية تهتم في شؤون الأمن والاقتصاد بالعالم، ولها تأثير على الساحة الدولية، أكد أيضاً كشف أنظمة الدفاع اليمنية ضعف قدرات طائرات “إم كيو 9″، وأضعفت التفوّق القتالي لجيش واشنطن.
دقّة غير مسبوقة
وقال: “تشكِّل عمليات إسقاط الطائرات الأمريكية نقلة نوعية في الأداء العسكري للدِّفاعات اليمنية في مهارات التصويب والاستهداف بدقّة غير مسبوقة في معركة إسناد غزة، بشكل يلفت اهتمام الباحثين الإستراتيجيين والعسكريين الأمريكيين”.
وأضاف: “تلك الضربات اليمنية ليست مجرد نجاح تكتيكي، بل تحمل أبعاداً إستراتيجية مهمة، أدت إلى إضعاف أنظمة الاستخبارات والاستهدافات الأمريكية، وحدّت من قُدرات واشنطن على تنفيذ عمليات دقيقة في المنطقة، كما شكَّلت ضغطاً متزايداً على كفاءة تفوِّقها الجوي”.
مخاطر عمليات الإسقاط
في السياق، اعتبر موقع “أتلانتك كانسل” نجاح اليمنيين في إسقاط طائرات “ريبر أم كيو 9” الأمريكية يمثل ضربة لأنظمة الاستخبارات والاستهداف للجيش الأمريكي وحلفائه في المنطقة.
“أتلانتك كانسل”، وهو موقع أمريكي متخصص في الدراسات الجيوسياسية والعسكرية، حذَّر من مخاطر إسقاط المسيّرات الأمريكية المتطوّرة بوصول تقنياتها إلى خصوم الولايات المتحدة.
وفق الخبراء بالنسبة للقوات اليمنية، تحمل عمليات الإسقاط قيمة رمزية؛ فالخسائر الفادحة، التي ألحقتها في الأسطول الجوي الأمريكي، قد حققت أهدافاً تكتيكية وإستراتيجية ورمزية على المستويين المحلي والإقليمي.
وتكمن عواقب تلك العمليات على طائرات “إم كيو 9″، التي تبلغ تكلفة واحدة منها أكثر من 30 مليون دولار، بكونها تعد مؤشراً سلبياً لامتداد الهجمات اليمنية على الأصول العسكرية لواشنطن إلى ما وراء الحدود.
عمود أمريكا
بالنسبة للولايات المتحدة، تعتبر طائرات “إم كيو 9” العمود الفقري؛ لدورها اللوجستي المهم وعُمقها التكتيكي في عمليات الرَّصد والتجسس والمراقبة وجمع المعلومات، للعسكريين الأمريكيين، وقدرتها على تحمّل ظروف التضاريس الوعرة في اليمن لأكثر من 24 ساعة، والتحليق بارتفاع 50 ألف قدم.
ومُنذ العام 2002، تنفذ الولايات المتحدة عبر الطائرات بدون طيار؛ مثل “إم كيو 9” عمليات مراقبة وجمع معلومات استخباراتية، وتوجيه ضربات جوية على عملاء ما يسمى “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، بعذر مكافحة الإرهاب.
المحسوم في قناعة عساكر الغرب هو أن قوات صنعاء حوَّلت ضعف قدرات طائرات “إم كيو9” إلى أغنية ساخرة بعنوان “بورت” (أصبحت عديمة الفائدة).
الخلاصة، تنتهي بنصيحة خبراء البحوث والدراسات العسكرية للولايات المتحدة بعد اكتشاف نقاط ضعف أنظمة الـ”إم كيو 9″، هي أن عليها استغلال هدوء الهجمات اليمنية لتعزيز أنظمة الحماية الذاتية لطائراتها؛ لضمان عدم تعرُّضها للهجمات؛ وخوفاً من استغلال خصومها.
السياســـية – صادق سريع