الاستفادة من دروس كوفيد 19 للعمل المناخي
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
الربيع الفضي - لقد شهد شهر يوليو الماضي أعلى درجات حرارة على الإطلاق، وهذا أمر خطير. يشهد العالم الآن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، وتستمر تكاليفها في التصاعد. وقد أشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية مؤخرًا إلى أن «الأحداث المتطرفة المتعلقة بالطقس والمناخ والمياه تسببت في 11778 كارثة تم الإبلاغ عنها بين عامي 1970 و2021، مع ما يزيد قليلا عن مليوني حالة وفاة وخسائر اقتصادية بقيمة 4.
وعلى غرار الجائحة، يؤثر تغير المناخ على الجميع، في جميع أنحاء العالم. فقد تم مؤخرا إخلاء عاصمة منطقة الأقاليم الشمالية الغربية يلونايف في كندا بعد أن اجتاحت مئات حرائق الغابات المنطقة، في حين تواجه الولايات المتحدة عودة ظهور الأمراض المعدية التي ينقلها البعوض مثل الملاريا، وفيروس غرب النيل، وحمى الضنك. وفي أجزاء من آسيا، تسببت الأمطار الموسمية الغزيرة في حدوث فيضانات وتدمير سبل العيش. وفي ملاوي، أدت عاصفتان مدمرتان إلى تفاقم تفشي وباء الكوليرا الذي طال أمده والذي أودى بحياة أكثر من 1600 شخص. والقائمة طويلة.
لكن التأثيرات ليست موزعة بالتساوي: تواجه البلدان النامية تسعة من كل عشرة وفيات و60% من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الأزمات المناخية والطقس المتطرف. لقد شاهدت بنفسي التأثير المدمر للانهيارات الأرضية في نانكا، مسقط رأسي في جنوب شرق نيجيريا. وعلى مر السنين، أدت الزيادة في تآكل الأخاديد إلى تدمير المنازل والأراضي الزراعية، وساهمت في زيادة انعدام الأمن الغذائي.
تُذكرنا العواقب الوخيمة لتغير المناخ بجائحة كوفيد 19، التي أودت بحياة أكثر من ستة ملايين شخص، ودمرت الشركات وسبل العيش، وساهمت في انهيار الاقتصاد العالمي. في الواقع، تحمل الاستجابة العالمية لمرض فيروس كورونا (كوفيد 19) - الذي أصبح الآن مشكلة صحية مستمرة، وليس حالة طوارئ - دروسًا مهمة في الحد من ظاهرة الانحباس الحراري العالمي.
بداية، يُشكل تغير المناخ ما تُسميه منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية العامة ذات الاهتمام الدولي (PHEIC)، وينبغي التعامل معه على هذا النحو. من المؤكد أن الاحترار العالمي يتوافق مع تعريف منظمة الصحة العالمية النموذجي لحالة الطوارئ الصحية العامة ذات الاهتمام الدولي: «وهو حدث استثنائي مُصمم ليشكل خطراً على الصحة العامة للدول الأخرى من خلال الانتشار الدولي للمرض ويُحتمل أن يتطلب استجابة دولية مُنسقة». ومع ذلك، تُعد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، بدلا من منظمة الصحة العالمية، في وضع أفضل لقيادة هذه المهمة، لأنها تزود الحكومات بالفعل بالمعلومات العلمية اللازمة لتطوير السياسات المناخية.
ثانيا، يتعين على بلدان الجنوب العالمي أن تتولى دوراً قيادياً أكبر في التعامل مع المناخ. على سبيل المثال، كان النقص في تمثيل قادة الصحة الأفارقة في بناء مرفق الوصول العالمي للقاحات المضادة لفيروس كوفيد 19 (كوفاكس) بمثابة انتكاسة كبيرة في الاستجابة العالمية للجائحة. وقد أنشأ التحالف العالمي للقاحات والتحصين «جافي»، بالتعاون مع تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة ومنظمة الصحة العالمية، مبادرة كوفاكس لضمان الوصول العادل إلى لقاحات كوفيد 19، لكن المبادرة -التي صيغت بعقلية استعمارية- فشلت في تحقيق هذا المثل الأعلى.
لقد ارتكب الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ الخطأ نفسه، حيث أن نسبة ضئيلة فقط من مؤلفي تقاريره هم من أفريقيا. وكما أكدتُ في مكان آخر، يجب أن يكون القادة من أفريقيا، التي تتحمل عبئاً غير متناسب من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ وتُسهم بأقل قدر في الانبعاثات العالمية التي تقوده، في قلب عمليات صنع القرار.
ثالثا، على الحكومات اتخاذ خطوات لمكافحة المعلومات الخاطئة والمُضللة. لقد انتشرت الأخبار والشائعات الكاذبة خلال الجائحة، ما أدى إلى وباء المعلومات (انتشار معلومات مغلوطة) - فائض من المعلومات المشروعة والمُضللة على حد سواء. ومع وجود ما يقرب من 5 مليارات مستخدم في جميع أنحاء العالم، عملت منصات شبكات التواصل الاجتماعي على تسريع انتشار الادعاءات المزيفة حول فيروس كوفيد 19. ومع ذلك، يمكن لصُناع السياسات والأكاديميين أيضًا استخدام هذه المنصات لتوضيح الحقائق ووضع الأمور في نصابها الصحيح.
ولتوعية عامة الناس بشأن تغير المناخ، وعواقبه، وكيفية بناء عالم أكثر مراعاة للبيئة، ينبغي للمزيد من العلماء وغيرهم من الخبراء نشر مقالاتهم على منصات شبكات التواصل الاجتماعي والتواصل مع مستخدمين آخرين. ومما يثير القلق أن ما يقرب من نصف المستخدمين الذين ينشرون تغريدات على موقع تويتر بانتظام حول ظاهرة الاحتباس الحراري والتنوع البيولوجي، قد توقفوا عن القيام بذلك بعد ستة أشهر من استحواذ إيلون ماسك على موقع تويتر، الذي يسمى الآن «إكس»، مما خلق مساحة أكبر لتفشي المعلومات الكاذبة والمُزيفة.
رابعا، ينبغي لجميع البلدان أن تدفع نصيبها العادل في جهود الاستجابة العالمية. خلال الجائحة، تم تشجيع البلدان الغنية على توفير التمويل لمساعدة البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في الوصول إلى اللقاحات والاختبارات والأدوية الخاصة بفيروس كورونا، مع تحقيق نتائج متباينة.
وعلى نحو مماثل، تتحمل الدول الغنية مسؤولية أخلاقية لتقديم المساعدات الخاصة بالمناخ إلى الدول الفقيرة، وذلك نظراً لانبعاثاتها التاريخية. في العام الماضي، اتخذ مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 27) خطوة مهمة في هذا الاتجاه من خلال إنشاء صندوق الخسائر والأضرار للدول النامية التي تواجه آثار الاحترار العالمي. ولكن على الرغم من أن هذا الإجراء الذي يستحق الثناء، على البلدان الضعيفة أيضًا تحسين التسيير ومكافحة الفساد للحد من آثار تغير المناخ. على سبيل المثال، يتم تهريب ما قيمته 9 مليارات دولار من الذهب إلى خارج نيجيريا سنويًا. وكان بإمكان الحكومة استثمار تلك الإيرادات المفقودة في المشاريع البيئية، مثل منع الانهيارات الأرضية في نانكا.
وأخيرا، يكون تخزين الموارد عديم الجدوى عند معالجة الأزمات ذات النطاق العالمي حقا. خلال جائحة فيروس كوفيد 19، تسببت العديد من البلدان في الشمال العالمي في تفاقم عدم المساواة من خلال تخزين معدات الحماية الشخصية، والاختبارات، واللقاحات، والعلاجات، والتشبث بتدابير حماية الملكية الفكرية. ومع ذلك، فإن الأمراض المعدية لا تحترم الحدود؛ وكذلك بالنسبة لتغير المناخ. تُعاني كل دولة في العالم من عواقبه المدمرة، ولو بأشكال متعددة.
يتطلب التصدي لتغير المناخ رؤية وفهم المجتمع العالمي بوصفه كيان واحد. لدى قبيلتي في نيجيريا، الإجبو، عبارة تؤكد على أهمية العمل الجماعي: Ìgwèbụ̀íké. وهذا يعني «نحن أقوى معًا عندما نكون متحدين». لقد أظهرت جائحة كوفيد 19 ضرورة وجود نموذج عادل للحوكمة العالمية إذا أردنا أن يكون لدينا أمل في توريث كوكب صحي وسليم للأجيال القادمة.
إيفيني إم نسوفور زميل أول للأصوات الجديدة في معهد آسبن، وزميل أتلانتيك عالمي للعدالة الصحية في جامعة جورج واشنطن.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصحة العالمیة لتغیر المناخ تغیر المناخ کوفید 19
إقرأ أيضاً:
هل لقاحات mRNA ضد فيروس "كوفيد-19" غير آمنة؟ الأدلة العلمية تحسم الجدل
تتواصل الادعاءات المضللة حول لقاحات كوفيد-19 في الانتشار عبر الإنترنت، وأحدثها مزاعم بأن الوكالة الأوروبية للأدوية (EMA) أقرت بعدم حصول لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) على موافقة رسمية، مما يعني، وفق هذه الادعاءات، أن الملايين تلقوا التطعيم دون إرشادات واضحة.
ويستند مروجو هذه المزاعم إلى مقال نشره موقع Uncut-News السويسري، يشير إلى أن الوكالة الأوروبية للأدوية أصدرت في كانون الثاني/ يناير ورقة بحثية جاء فيها أنه "لا توجد مبادئ توجيهية تعكس متطلبات الجودة للجهات التنظيمية والصناعة بشأن اللقاحات التي تحتوي على الحمض النووي الريبي المرسال".
ورغم أن هذه الدراسة تركز على اللقاحات البيطرية، يرى الموقع أن الأمر يثير القلق بشأن سلامة اللقاحات البشرية عند استخدامها على نطاق واسع. كما يعترض على فقرة في الورقة البحثية تشير إلى أن "لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال وعملية تصنيعها تُعد تقنية جديدة، وتختلف خصائصها ونتائجها عن اللقاحات الأخرى".
يستغل مروجو نظريات مناهضة اللقاحات ورقة بحثية حديثة للإيحاء بأن تقنية الحمض النووي الريبي المرسال لا تزال تجريبية، ما يمنح حججهم مصداقية زائفة، ويدفعهم للادعاء بأن ملايين الأشخاص تعرضوا لما يصفونه بـ"لقاحات غير آمنة وغير منظمة" خلال جائحة كوفيد-19.
لكن هذه الادعاءات مضللة، إذ تقوم على إساءة تفسير ما ورد في الوثيقة الصادرة عن الوكالة الأوروبية للأدوية (EMA)، التي لم تتناول تنظيم لقاحات كوفيد-19 بأي شكل سلبي، بل على العكس، أكدت فاعليتها وأشادت بآليات اختبارها واعتمادها.
وتعد الورقة البحثية، التي يستشهد بها مروجو هذه الادعاءات، وثيقة رسمية بالفعل، لكنها تركز حصريًا على لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال المخصصة للاستخدام البيطري. ورغم أنها أشارت إلى لقاحات كوفيد-19، فإن الإشارة جاءت في سياق الثناء على التنظيم الصارم الذي خضعت له خلال الجائحة.
وتوضح الوكالة الأوروبية للأدوية في الورقة أن "عدد طلبات إجراء التجارب السريرية وتراخيص التسويق للقاحات التي تعتمد على الحمض النووي الريبي المرسال شهد ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى اكتساب خبرة واسعة في هذا المجال خلال جائحة كوفيد-19".
كما تؤكد الوكالة أن هذه التجربة الواسعة يمكن أن تشكل أساسًا لوضع مبادئ توجيهية تسهم في تطوير لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال للاستخدام البيطري، مشيرةً إلى أنه "بالنظر إلى التطورات العلمية الأخيرة، والخبرة المكتسبة من جائحة كوفيد-19، والاستعدادات الجارية لتقديم طلبات أولية للقاحات البيطرية التي تعتمد على هذه التقنية، فإن وضع مبادئ توجيهية صارمة بات ضرورة لضمان تطويرها وتصنيعها وفق أعلى المعايير".
الأدلة العلمية تدحض المزاعمتؤكد الهيئات الصحية العالمية المرموقة أن لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) آمنة وفعالة. وتشدد منظمة الصحة العالمية على أن لقاحات كوفيد-19 خضعت لاختبارات صارمة خلال التجارب السريرية، للتأكد من مطابقتها للمعايير الدولية المعتمدة للسلامة والفعالية قبل حصولها على موافقة الهيئات التنظيمية، مثل الوكالة الأوروبية للأدوية (EMA).
وفي السياق ذاته، يؤكد مركز "جونز هوبكنز" الطبي في الولايات المتحدة أن هذه اللقاحات "آمنة للغاية وفعالة جدًا في الوقاية من الإصابات الخطيرة أو المميتة بكوفيد-19"، مضيفا أن "احتمال حدوث آثار جانبية خطيرة جراء التطعيم منخفض جدًا".
وأحد المؤشرات الواضحة على تضليل موقع Uncut-News هو استشهاده بمنشور على منصة X صادر عن حساب معروف بمواقفه المناهضة للتطعيم، دون أن يمتلك أي مؤهلات علمية أو خبرات موثوقة.
وكما هو الحال مع الموقع السويسري، يروج هذا المنشور أيضًا لادعاء زائف بأن الوكالة الأوروبية للأدوية "اعترفت" بأن لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال لا تزال تجريبية. إلا أن مصطلح "جديد" لا يعني أن هذه التقنية غير مختبرة، بل يشير فقط إلى حداثتها مقارنة بالأساليب التقليدية المستخدمة في تطوير اللقاحات.
وفي الواقع، غالبًا ما تؤدي التقنيات الحديثة إلى تحسين سرعة وفعالية إنتاج اللقاحات مع تعزيز مستوى الأمان. وقد اكتسبت لقاحات mRNA شهرة واسعة خلال جائحة كوفيد-19، بفضل نجاح لقاحي فايزر وموديرنا في التصدي للفيروس. وتعتمد هذه اللقاحات على آلية تحفّز الخلايا على إنتاج بروتين يحاكي الفيروس المستهدف، مما يؤدي إلى استجابة مناعية تُمكّن الجسم من التعرف عليه ومكافحته بفاعلية.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية دراسة جديدة تحسم الجدل: لقاح كوفيد-19 أثناء الحمل لا يؤثر على نمو الأطفال دراسة تكشف: معظم الشباب يتعافون تمامًا من أعراض كوفيد-19 بعد عامين قد يجدها البعض غير متوقعة.. يورونيوز تكشف زيف الخرافات الشائعة المتعلقة بموسم الإنفلونزا كوفيد-19معارضو لقاح كوفيدالصحةتطعيموكالة الأدوية الأوروبيةدراسة