د. محمد بن عوض المشيخي **

 

يمر عدد من دول قارة أفريقيا هذه الأيام بمخاض عسير وتحديات وجودية تضاف إلى الإرث الاستعماري الأوروبي، وعلى وجه الخصوص فرنسا التي تسيطر على الموارد الطبيعية في العديد من الدول الأفريقية؛ كالذهب والنفط واليورانيوم وغير ذلك من المعادن النفيسة في هذه القارة التي يُعاني الغالبية الكبرى من سكانها من المجاعات والفقر المدقع.

القارة السمراء تملك ثلث ثروات العالم المعدنية، وأكثر من 60 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، وعلى الرغم من ذلك هناك 20 مليون إفريقي حاليًا يواجهون خطر المجاعة، وعلى وجه الخصوص في شرق أفريقيا؛ فهذه الثروات الطائلة والمعادن النفيسة وعائدات النفط تتقاسمها الدول الاستعمارية والأنظمة الفاسدة والجنرالات العسكريون المستبدون هناك، بينما يزداد أبناء هذه البلدان فقرًا وجهلًا مع مرور السنين. شاهدنا خلال الأسابيع والشهور الماضية انقلابات عسكرية أطاحت بحكام النيجر والجابون، والأخيرة تملك 26 مليار متر مكعب من احتياطات الغاز الطبيعي (حسب إحصائيات 2021)، بينما يشكل النفط 80% من إيرادات الصادرات. وقبل ذلك قاد الجنرالات الأفارقة انقلابات عسكرية في كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد والسودان، خلال السنوات القليلة الماضية. الصراع الحالي في أفريقيا لا علاقة له بالإصلاح أو محاربة الفساد أو تحقيق الديمقراطية الغائبة عن معظم دول القارة السمراء منذ استقلال هذه الدول من الاستعمار الفرنسي والبريطاني والإيطالي والإسباني في منتصف القرن العشرين؛ بل ظلت هذه الدول متواجدة بقوة في مستعمراتها السابقة، وتوجه الحكام والقادة العسكريين للمحافظة على مصالحها، والمتمثلة في استمرار نهب الثروات والغزو الثقافي والمتمثل في فرض اللغة الفرنسية والإنجليزية على شعوب هذه الدول، فضلًا عن السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيه النخب المثقفة بالعمل على محاربة الدين الإسلامي والثقافة الوطنية والتخلي عن قيم وتراث تلك المجتمعات.

الدول التي شهدت الانقلابات في الفترة الأخيرة كانت مستعمرات سابقة، ولعل ما حصل في النيجر خلال الأيام الماضية يعكس تضارب المصالح بين فرنسا وقادة الانقلاب في هذا البلد الذي يزخر بالعديد من الثروات الطبيعية، فقد صدر قرار بطرد السفير الفرنسي من العاصمة نيامي، بينما دخلت روسيا على الخط بهدف منافسة المستعمرين القدامى؛ إذ إنَّ شركة فاجنر الأمنية- والتي تمثل ذراعًا عسكريًا غير مباشر لروسيا- تعيث فسادًا في المدن الإفريقية التي شهدت الأحداث الأخيرة، وذلك لمساندة الجنرالات الذين قادوا الانقلاب في تلك الدول على الرغم من زعمهم بأن هدفهم الأساسي محاربة الفساد وتحقيق الديمقراطية، ففي واقع الأمر فاقد الشيء لا يعطيه، فلا توجد ديمقراطية لدى الأطراف المتصارعة في أفريقيا.

لا شك أن هذه القارة الغنية التي تعد ثاني أكبر قارات العالم بعد آسيا من حيث المساحة وعدد السكان، قد شكلت عامل جذب للطامعين الأوروبيين والأمريكيين وغيرهم على حد سواء.

فهؤلاء المستعمرون الجدد يبحثون عن موطئ قدم في هذه القارة لزرع قواعدهم العسكرية والسيطرة على الممرات المائية الدولية ومحاولة تقاسم الثروات الطبيعية مع العسكريين والمستعمرين القدماء الذين خرجوا من الباب الخلفي عند اشتعال الثورات الوطنية في القرن الماضي، لكنهم رجعوا من جديد عبر النافذة لتحقيق مصالحهم الثقافية والاقتصادية. القارة السمراء استُبيحت عبر القرون واستُعبد سكانها الشرفاء من المجرمين ومصاصي دماء الأبرياء، ونُهبت مصادر الرزق من تحت أقدام الأفارقة الذين عانوا الأمرين عبر التاريخ.

فمتى يعقل من يزعمون أنهم دعاة وأوصياء على حقوق الإنسان كذبًا وبهتانًا. ومن هذه النافذة ندعو هذه الأطراف المتصارعة إلى رفع يدها عن أفريقيا، إذا بقي لديها ضمير إنساني؛ فهذه الشعوب الفقيرة لا تحتاج بأي حال من الأحوال إلى حكم الجنرالات ولا إلى التواجد الاستعماري الفرنسي البغيض، كما إن فخ الديون يشكل خطرًا مدمرًا على هذه الدول ويمثل وباءً قاتلًا أشد من الاستعمار الأوروبي.

الشعوب الأفريقية تحتاج بالدرجة الأولى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة بين أفراد هذه الشعوب، وإقامة أنظمة ديمقراطية مدنية قائمة على محاربة الفساد والعنصرية، وذلك على خطى جمهورية رواندا التي أسست واحدًا من أهم النماذج العالمية في الحكم وتحقيق العدالة والرخاء الاقتصادي ومحاربة المفسدين منذ بداية الألفية الجديدة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السعودية تتفوّق على مصر وإسرائيل.. الدول التي تمتلك أقوى «مقاتلات عسكرية»!

نشر موقع “غلوبال فاير باور”، تقريرا حول “أقوى الدول التي تمتلك مقاتلات عسكرية”.

وبحسب التقرير، “تقدمت السعودية على مصر وإسرائيل في قائمة القوة الجوية ضمن أقوى الدول التي تمتلك مقاتلات، وجاءت السعودية في المركز الـ9 وتلتها إسرائيل في المركز الـ10، بينما مصر في المركز الـ11″، و”حصلت المملكة العربية السعودية على المرتبة الثانية عربياً والـ24 عالمياً”.

ووفقا للتصنيف، “يحتل الجيش المصري المرتبة الـ19 عالميا، مما يجعله الأقوى عربيا وأفريقيا، ويمتلك الجيش المصري مجموعة متنوعة من الأسلحة والمعدات المتقدمة، تشمل طائرات ودبابات حديثة ونظام دفاع جوي متطور”.

وبحسب التصنيف، “تمتلك القوات الجوية المصرية أسطولا كبيرا من الطائرات المقاتلة، بما في ذلك طائرات إف 16 ( F-16) الأميركية الصنع، وطائرات رافال الفرنسية، وتعد F-16 العمود الفقري للقوات الجوية المصرية، مع أكثر من 200 من هذه الطائرات في مخزونها، وهي مقاتلة متعددة المهام، قادرة على القيام بمهام جو-جو وجو-أرض، أما طائرة “رافال” فهي مقاتلة حديثة مجهزة بإلكترونيات طيران وأنظمة أسلحة متطورة”.

ووفق التصنيف، “هناك العديد من العناصر التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في حال أردنا تحديد مدى قوة سلاح الجو وكفاءته لدى الجيوش، من أهمها مستوى الحداثة والتطور ونوعية التكنولوجيا المستخدمة في هذه الطائرات”.

مقالات مشابهة

  • الشمس والظلام وبينهما أفريقيا
  • بينها اليمن.. قائمة الجنسيات التي ستفرض عليها إدارة ترامب حظر سفر
  • صوان: ليبيا لا يجب أن تتحمل أزمة الهجرة وحدها وعلى الدول المعنية تحمل مسؤولياتها
  • جيهان عبد السلام: الرئيس السيسي وضع ملف القارة الإفريقية في مقدمة اهتماماته
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها
  • السعودية تتفوّق على مصر وإسرائيل.. الدول التي تمتلك أقوى «مقاتلات عسكرية»!
  • الشيباني: مصائرنا مشتركة والبلدان يجب أن يقفا ضد التهديدات وضد التدخلات الخارجية التي يتعرضان لها كما أننا مستعدون للتعاون مع العراق في محاربة داعش فأمن سوريا من أمن العراق
  • وزير الشباب يشهد اجتماع الجمعية العامة لـ الأنوكا بالجزائر
  • حرب خفية في أفريقيا.. كيف تنافس روسيا فرنسا على السيطرة؟
  • برلماني: نتمنى أن تصبح مصر نواة لتصنيع الدواء في أفريقيا