لا تجعل القلق يُدمر حياتك
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
حمد الحضرمي **
هل هشّمتك الظروف، وتواطأت ضدّك الكروب، وتكالبت عليك الأزمات، وضاقت بك السبل، وأظلمت في وجهك الآفاق، وظننت أنه الموت وأنها النهاية واقتراب الأجل، وقد أصابك القلق! وأصبحت روحك منكسرة، وقلبك مهشّم، وأنفاسك ضعيفة، وتحتاج إلى من يجبر هذا التهشّم والضعف والانكسار؟ فلا تطل البكاء، وعليك بالتوجه إلى رب السماء، وضع سجادتك وصلِ، ثم أرفع يديك وادعو الله، وأنت على يقين تام بأنَّ الله سميع قريب مجيب الدعاء، وكن مطمئناً وعلى ثقة بأن الله هو الجبار الذي سيجبر كسرك، ويضمد جرحك، ويهدي عواصف روحك، ويذهب عنك القلق والتوتر والخوف والاكتئاب، فدع القلق ولا تستسلم لأحزانك وهمومك، وعش بسعادة لتحيا في سرور وسلام.
لن يستطيع أي إنسان أن يجدد حياته إلى الأفضل وهو محاصر بالقلق، الذي يأكل الإنسان من الداخل ويشل قدرته على الحركة والتفكير ويضعه في زوايا ضيقة ويسد عليه أبواب السعادة وراحة البال، إن الإحساس بالقلق والخوف يصيب الإنسان باضطرابات القلب وقرحة المعدة وضغط الدم والتهاب المفاصل، وبغيرها من الأمراض التي إن لم تتلقَ العلاج في الوقت المناسب ستشكل خطورة على حياة الإنسان.
إن للقلق أنواع ودرجات؛ وكل إنسان في الكون لديه درجة من القلق، لأن ليس كل درجات القلق ضارة، بل هناك درجة من القلق نافعة ويتسلح بها كل إنسان ناجح، ألا وهو القلق الصحي، وهو القلق الذي يتملك الإنسان قبل مواجهة الموقف، في امتحان أو مقابلة شخصية لوظيفة، أو عند اتخاذه لقرار حاسم في حياته، ففي مثل هذه الحالات وغيرها يصاب الإنسان بالقلق والتوتر، ولكنه قلق مؤقت صحي إيجابي يساعد الإنسان للتغلب على الموقف وتجاوزه.
أما القلق المرضي، فهو القلق الذي يؤثر على صحة الإنسان ويهدد حياته، ويشل قدرته على التفكير والحركة والتفاعل مع متطلبات الحياة، فيصيب الجسم بالارتجاف وتوتر عضلات الجسم، ويصاب بصعوبات في التنفس والاختناق، ويصبح الإنسان يعيش في حالات من التوتر والعصبية والقلق والخوف والوساوس والاكتئاب والوحدة، ويحرم نفسه من الراحة والنوم، ويبدأ الإيمان فيه يضعف شيئًا فشيئًا، حتى ينهار ويكون طريح الفراش ويفقد الأمل في الحياة.
الإنسان يستطيع التغلب على القلق، وذلك بمواجهة أية مشكلة تمر عليه، من خلال تحديد طبيعتها، وأسبابها، ووضع الحلول المناسبة لها، ثم مباشرة تنفيذ خطوات العلاج للسيطرة والتغلب على المشكلة، وستكون بعدها في حالة من السكينة والاسترخاء وستشعر براحة البال وصفاء وسلامة النفس، وقد تخلصت من الوساوس والقلق والتخيلات السوداء التي كانت تسيطر على عقلك وفكرك. وبعدها تبدأ مرحلة التعافي وصفاء الذهن، والتي ستجعلك تنسى التحسر على الماضي، والبكاء على ما وقع من أخطاء ومشاكل وأحزان وآلام، وكما جاء في الحديث "قل: قدر الله وما شاء فعل".
إن أصعب مرحلة تمر على الإنسان في حياته هي الفراغ، فحارب الفراغ، واشغل نفسك بالعمل، فإذا فرغت من أعمال الدنيا؛ فاشغل نفسك بأعمال الآخرة، وكما قيل: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، و"نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر". وأفضل ما تُصان به حياة الإنسان أن يضع لنفسه منهاجًا يستغل أوقاته فيه، ويستنفذ طاقاته بما هو مُفيد، فلا يترك فرصة للشيطان أن يتطرق إليه بوسوسة أو غواية، فسارع أيها الإنسان في الخيرات، وتحرى الأوقات الفاضلة، وحدد هدفك وضع جدولًا زمنيًا لإنجاز أعمالك، وركز جهودك ومثابرتك وعطاءك لتحقيق هدفك في الوقت المحدد، وخذ الحيطة والحذر من الآفات القاتلة للوقت، كالغفلة والتسويف، والكسل، وعدم إتمام العمل، ومصاحبة رفاق السوء، وصرف الوقت في الشرور والآثام.
إن القلق حالة نفسية مؤلمة تنتج عن شعور الإنسان بالعجز في مواقف الإحباط والصراع، والكثير من هذه المواقف والمخاوف التي تسبب لنا القلق لا تحدث في الواقع، ولا بد من التحكم والسيطرة على هذه المخاوف حتى نكون في راحة نفسية وذهنية، مع اللجوء إلى الله بالاستعاذة من الهم والغم، وعلينا الإيمان بالقضاء والقدر، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب".
وأصبح من الصعب على الإنسان في زماننا أن يعيش أيامه دون قلق أو توتر، فنعيش بأنفاس مكتومة، وندور في دوامات لا نهاية لها، فنقلق على أنفسنا ونقلق على غيرنا، ونقلق على مستقبلنا ومستقبل أولادنا، وعلى حياتنا وحياتهم، إن القلق من أكبر المشاكل التي رأيتها ومرت عليّ في الحياة، والمشكلة تكمن في أن القلق لا نستطيع رؤيته بالعين المجردة، وإنما نراه من خلال ملاحظات أو تصرفات تصدر من الشخص الذي يعيش معنا أو الذي نتعامل معه.
أيها القراء الكرام.. خذوا الحيطة والحذر من القلق، لأن منبعه يكون الخوف من الخذلان، ولا تيأسوا فلا يأس مع الحياة، لأنه إذا تغلب اليأس على الإنسان أسودت الدنيا في وجهه، وأظلمت في عينه، وأغلقت أمامه الأبواب، وتقطعت دون الأسباب، وضاقت الأرض بما رحبت، ويصبح الإنسان غير منتج ولا يحس ولا يشعر بمعنى الحياة، ويجب أن ندرك أن من أسوأ سمات القلق أنه يدمر قدرتنا على التركيز ويُلغي صفاء الذهن والتفكير السليم، فعندما ينتابنا الشعور بالقلق يبدأ العقل بالقفز وتدب الفوضى في أركانه، فنفقد القدرة على اتخاذ القرار السليم لعلاج المشاكل التي تواجهنا.
ويقول الدكتور حسن جمعة جهامة، مؤلف كتاب "جدد حياتك": "الإنسان هو الذي يختار السعادة أو الشقاء، وهو الذي يضعها بأفكاره وسلوكياته، ومصادر السعادة لا تنضب وهي موجودة حولك في كل مكان، ويمكنك الوصول إليها دائمًا عندما تريد، بل هي موجودة بداخلك، في أفكارك ومعتقداتك، في تصوراتك وتخيلاتك، إن فلسفة الحياة السعيدة، وكما قيل "تفاءلوا بالخير تجدوه". وتذكر دائمًا أيُّها الإنسان "أن الذين لا يعرفون قيمة الحياة لا يستحقونها" فالحياة لا تهتف إلا للمكافحين الذين يصنعون نجاحهم بالعزم والإصرار وبالإرادة والإيمان.
فيا أيُّها الإنسان لا تجعل القلق يدمر حياتك، وعش مع الله وكن له ساجدًا بقلبك وإن رفعت رأسك، وقل يا جابر المنكسرين اجبر كسري، ثم تأمل في المعجزة وهي تشكل روحك من جديد، فكلما انطفأ حلم خلق الله لك حلمًا أجمل، وكلما بهتت في قلبك ذكرى صنع الله لك ذكرى أروع، فلا تقلق لأن الله معك، ولا تدع صغائر الأمور تكبر حتى تصبح من أسباب همك وقلقك، فلا تقلق بعد اليوم حتى لا تحاصرك الهموم والأحزان والأمراض.
** محامٍ ومستشار قانوني
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رسوم ترامب تجعل أيرلندا الشمالية نقطة اشتباك اقتصادي بين بريطانيا وأوروبا
لندن- في وقت تعد فيه بريطانيا أقل الخاسرين من بين حلفاء الولايات المتحدة الغربيين من حرب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على دول العالم دون أن تتجاوز نسبة تلك الضرائب 10%، لا تخشى أيرلندا الشمالية رسوم ترامب ولكنها تترقب بقلق طبيعة الرد الأوروبي على السياسات الحمائية الأميركية.
فيبدو أن مستقبل الوضع الاقتصادي في هذه المقاطعة البريطانية معلق على رجاء أن لا يختار الاتحاد الأوروبي معاملة السلع الأميركية بالمثل ويفرض عليها ضرائب جمركية بنسبة 20%، مما يضع أيرلندا الشمالية التي تربطها في الآن ذاته صلات تجارية بالسوق الأوروبية وبريطانيا وعلاقات تاريخية بالولايات المتحدة في وضع صعب وغير مسبوق.
حدود تماس تجاري صعبةوبموجب الترتيب التجاري لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الوارد فيما يعرف بـ"إطار وندسور" ، يجب أن تلتزم السلع القادمة إلى أيرلندا الشمالية بقواعد الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن أي قرار للرد بالمثل من قبل الكتلة الأوروبية على رسوم ترامب الجمركية سيعني أن البضائع الأميركية التي ستدخل أيرلندا الشمالية ستواجه تعريفات جمركية.
في المقابل لن تدفع السلع الأميركية التي تدخل مناطق أخرى في المملكة المتحدة أي رسوم، مما سيترتب عنه رفع الكلفة الاقتصادية لأي بضائع أميركية يستهلكها المواطنون في أيرلندا الشمالية بالمقارنة مع باقي المناطق البريطانية.
إعلانواستطاع المفاوضون الأوروبيون والبريطانيون التوقيع قبل عامين على "إطار ويندسور" حل الخلاف بشأن الحدود الصلبة بين بريطانيا وجزيرة أيرلندا، والحفاظ على الوضع الخاص لأيرلندا الشمالية كمقاطعة بريطانية وأيضا كعضو في السوق الأوروبية المشتركة، سعيا للحفاظ على السلام الهش في جزيرة أيرلندا بين الوحدويين والجمهوريين بعد صراع أهلي دام لعقود، انتهى بالتوقيع على اتفاق "الجمعة العظيمة" برعاية أميركية عام 1999.
لكن "إطار ويندسور" قد يجعل من أيرلندا الشمالية نقطة جذب للمصنعين، الذين سيستطيعون بموجب قواعد الاتفاق الوصول إلى الأسواق البريطانية والأوروبية دون تسديد رسوم جمركية، في حين تخضع سلعهم المصدرة للولايات المتحدة فقط لنسبة 10% على خلاف باقي الدول الأوروبية.
وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن الحكومة تترقب بـ"عناية" طبيعة الرد الأوروبي على التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب، وستعمل على التنسيق مع الاتحاد بشأن انعكاسها المحتمل على أيرلندا الشمالية.
في المقابل، دفع الارتباك الذي تعيش على وقعه الأسواق في أيرلندا الشمالية، زعيم الحزب الوحدوي الديمقراطي (DUP) جافين روبنسون لتذكير حكومة حزب العمال أمام البرلمان بتحفظ الوحدويين على وضعية أيرلندا الشمالية بعد خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي، محذرا أن الأيرلنديين رهن قرار تتخذه بروكسل في حين أنهم يخضعون للسيادة البريطانية.
ويعيد الوضع المربك لأيرلندا الشمالية في علاقتها بالرسوم الجمركية الجدل بشأن التنازلات التي قبلت بها بريطانيا بخصوص الوضع في أيرلندا الشمالية في إطار اتفاق بريكست، الذي أثار خلافات حادة بين الحكومة البريطانية والحزب الوحدوي في أيرلندا الشمالية، بلغت حد رفضه المشاركة في الحكومة على مدى عامين كاملين، قبل موافقته على الدخول في التشكيلة الحكومية العام الماضي.
إعلانفي المقابل، حذرت وزيرة المالية كاويمي أرشيبالد في الحكومة الإقليمية بأيرلندا الشمالية، من حالة عدم اليقين التي تعصف بالأسواق بسبب عدم قدرة المصنعين والمستثمرين على الحسم في طبيعة الضرر أو المنفعة الاقتصادية المترتبة عن السياسات الحمائية الجديدة وانعكاسها على أيرلندا الشمالية.
وتبلغ صادرات أيرلندا الشمالية إلى الولايات المتحدة كل سنة نحو 1.5 مليار جنيه إسترليني (نحو 1.93 مليار دولار)، تشمل أغلبها قطاعات الأدوية والآلات الصناعية، في حين تستورد أيرلندا الشمالية سنويا نحو 750 مليون جنيه إسترليني (نحو 966 مليون دولار) من السلع الأميركية، وقد تحتاج لدفع أعباء إضافية في حال اختار الاتحاد الأوروبي فرض رسوم مضادة على البضائع الأميركية.
وعلى الحدود الصعبة لأيرلندا الشمالية مع جمهورية أيرلندا، تبدو الأخيرة أكثر المتضررين من الرسوم الجمركية الجديدة، حيث تعتمد البلاد على الولايات المتحدة كسوق أساسي للتصدير، ويوجه ما يقارب من ثلث إجمالي صادراتها إلى الولايات المتحدة بقيمة 61 مليار جنيه إسترليني (نحو 78.6 مليار دولار).
وفي حين لايزال الرد الأوروبي على السياسات الحمائية الأميركية دون معالم واضحة، بينما تتبنى الحكومة المركزية في لندن نهجا أكثر ليونة مع الإدارة الأميركية، تتعالى أصوات الساسة في أيرلندا الشمالية، مطالبة كلا من الأوروبيين والبريطانيين بأخذ الوضع الخاص لأيرلندا في عين الاعتبار، وتنسيق الرد على رسوم ترامب الجمركية لتخفيف تداعياتها على اقتصاد المقاطعة البريطانية.
وفي هذا السياق يشدد ماتياس بووير مدير المعهد الأوروبي للاقتصاد السياسي (ECIPE) في حديث للجزيرة نت، أن "إطار ويندسور" الذي ينظم المبادلات التجارية لأيرلندا الشمالية مع الاتحاد الأوروبي، قادر على امتصاص الصدمة التجارية مادام قد صمم لأجل ذلك الغرض في الأساس، دون أن يستبعد أن يحفز تعقيد الوضع في أيرلندا الشمالية الخلافات في أكثر من اتجاه سواء بين الخصوم السياسيين في الداخل وفي علاقة بريطانيا بجيرانها الأوروبيين.
إعلانورجح الخبير الاقتصادي أن تبني الإدارة الأميركية للسياسات الحمائية قد يدفع البريطانيين والأوروبيين إلى التقارب، وهي المهمة التي يحاول رئيس الوزراء البريطاني إتمامها -رغم نهجه البراغماتي والمهادن للإدارة الأميركية- بهدف ضخ دماء جديدة في علاقة بلاده مع الاتحاد الأوروبي في ظل التحديات التي فرضها وصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة .
في المقابل، يرى أن على الأوروبيين والبريطانيين العمل على استغلال الارتباك الدولي للإمساك بزمام قيادة الاقتصاد العالمي و تشكيل أجندة التجارة العالمية، بدلا من الدفاع عن الوضع الراهن، أو البحث عن سبل للانتقام من الإدارة الأميركية الجديدة.
شرخ لا يُرتقلكن دافيد هانيغ عضو لجنة التجارة والأعمال البرلمانية البريطانية يشكك -في حديث للجزيرة نت- في صلابة أواصر الثقة التي تربط الكتلة الأوروبية ببريطانيا بعد انفصالها العسير عن الاتحاد وإصرارها على تفضيل علاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة على أي تقارب أوروبي، محذرا من أن الوضع الاقتصادي في أيرلندا الشمالية قد يكون ضحية للريبة والشك الذي يطبع هذه العلاقة.
وأوضح الخبير الاقتصادي البريطاني أن كلا من بريطانيا والاتحاد الأوروبي رغم اختلاف مقاربتهما للتعامل مع سياسات ترامب الحمائية، لكنهما يراقبان بقلق انعكاساتها على الوضع الاقتصادي والسياسي الهش في أيرلندا الشمالية، لكن دون القدرة على بلورة خطة مشتركة لمواجهتها بشكل موحد، مشددا على أن هذه الانقسامات تفضلها الإدارة الأميركية لعقد صفقات تستفرد عبرها بكل دولة أوروبية على حدة.