جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-03@11:55:57 GMT

لا تجعل القلق يُدمر حياتك

تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT

لا تجعل القلق يُدمر حياتك

 

حمد الحضرمي **

 

هل هشّمتك الظروف، وتواطأت ضدّك الكروب، وتكالبت عليك الأزمات، وضاقت بك السبل، وأظلمت في وجهك الآفاق، وظننت أنه الموت وأنها النهاية واقتراب الأجل، وقد أصابك القلق! وأصبحت روحك منكسرة، وقلبك مهشّم، وأنفاسك ضعيفة، وتحتاج إلى من يجبر هذا التهشّم والضعف والانكسار؟ فلا تطل البكاء، وعليك بالتوجه إلى رب السماء، وضع سجادتك وصلِ، ثم أرفع يديك وادعو الله، وأنت على يقين تام بأنَّ الله سميع قريب مجيب الدعاء، وكن مطمئناً وعلى ثقة بأن الله هو الجبار الذي سيجبر كسرك، ويضمد جرحك، ويهدي عواصف روحك، ويذهب عنك القلق والتوتر والخوف والاكتئاب، فدع القلق ولا تستسلم لأحزانك وهمومك، وعش بسعادة لتحيا في سرور وسلام.

لن يستطيع أي إنسان أن يجدد حياته إلى الأفضل وهو محاصر بالقلق، الذي يأكل الإنسان من الداخل ويشل قدرته على الحركة والتفكير ويضعه في زوايا ضيقة ويسد عليه أبواب السعادة وراحة البال، إن الإحساس بالقلق والخوف يصيب الإنسان باضطرابات القلب وقرحة المعدة وضغط الدم والتهاب المفاصل، وبغيرها من الأمراض التي إن لم تتلقَ العلاج في الوقت المناسب ستشكل خطورة على حياة الإنسان.

إن للقلق أنواع ودرجات؛ وكل إنسان في الكون لديه درجة من القلق، لأن ليس كل درجات القلق ضارة، بل هناك درجة من القلق نافعة ويتسلح بها كل إنسان ناجح، ألا وهو القلق الصحي، وهو القلق الذي يتملك الإنسان قبل مواجهة الموقف، في امتحان أو مقابلة شخصية لوظيفة، أو عند اتخاذه لقرار حاسم في حياته، ففي مثل هذه الحالات وغيرها يصاب الإنسان بالقلق والتوتر، ولكنه قلق مؤقت صحي إيجابي يساعد الإنسان للتغلب على الموقف وتجاوزه.

أما القلق المرضي، فهو القلق الذي يؤثر على صحة الإنسان ويهدد حياته، ويشل قدرته على التفكير والحركة والتفاعل مع متطلبات الحياة، فيصيب الجسم بالارتجاف وتوتر عضلات الجسم، ويصاب بصعوبات في التنفس والاختناق، ويصبح الإنسان يعيش في حالات من التوتر والعصبية والقلق والخوف والوساوس والاكتئاب والوحدة، ويحرم نفسه من الراحة والنوم، ويبدأ الإيمان فيه يضعف شيئًا فشيئًا، حتى ينهار ويكون طريح الفراش ويفقد الأمل في الحياة.

الإنسان يستطيع التغلب على القلق، وذلك بمواجهة أية مشكلة تمر عليه، من خلال تحديد طبيعتها، وأسبابها، ووضع الحلول المناسبة لها، ثم مباشرة تنفيذ خطوات العلاج للسيطرة والتغلب على المشكلة، وستكون بعدها في حالة من السكينة والاسترخاء وستشعر براحة البال وصفاء وسلامة النفس، وقد تخلصت من الوساوس والقلق والتخيلات السوداء التي كانت تسيطر على عقلك وفكرك. وبعدها تبدأ مرحلة التعافي وصفاء الذهن، والتي ستجعلك تنسى التحسر على الماضي، والبكاء على ما وقع من أخطاء ومشاكل وأحزان وآلام، وكما جاء في الحديث "قل: قدر الله وما شاء فعل".

إن أصعب مرحلة تمر على الإنسان في حياته هي الفراغ، فحارب الفراغ، واشغل نفسك بالعمل، فإذا فرغت من أعمال الدنيا؛ فاشغل نفسك بأعمال الآخرة، وكما قيل: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، و"نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر". وأفضل ما تُصان به حياة الإنسان أن يضع لنفسه منهاجًا يستغل أوقاته فيه، ويستنفذ طاقاته بما هو مُفيد، فلا يترك فرصة للشيطان أن يتطرق إليه بوسوسة أو غواية، فسارع أيها الإنسان في الخيرات، وتحرى الأوقات الفاضلة، وحدد هدفك وضع جدولًا زمنيًا لإنجاز أعمالك، وركز جهودك ومثابرتك وعطاءك لتحقيق هدفك في الوقت المحدد، وخذ الحيطة والحذر من الآفات القاتلة للوقت، كالغفلة والتسويف، والكسل، وعدم إتمام العمل، ومصاحبة رفاق السوء، وصرف الوقت في الشرور والآثام.

إن القلق حالة نفسية مؤلمة تنتج عن شعور الإنسان بالعجز في مواقف الإحباط والصراع، والكثير من هذه المواقف والمخاوف التي تسبب لنا القلق لا تحدث في الواقع، ولا بد من التحكم والسيطرة على هذه المخاوف حتى نكون في راحة نفسية وذهنية، مع اللجوء إلى الله بالاستعاذة من الهم والغم، وعلينا الإيمان بالقضاء والقدر، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب".

وأصبح من الصعب على الإنسان في زماننا أن يعيش أيامه دون قلق أو توتر، فنعيش بأنفاس مكتومة، وندور في دوامات لا نهاية لها، فنقلق على أنفسنا ونقلق على غيرنا، ونقلق على مستقبلنا ومستقبل أولادنا، وعلى حياتنا وحياتهم، إن القلق من أكبر المشاكل التي رأيتها ومرت عليّ في الحياة، والمشكلة تكمن في أن القلق لا نستطيع رؤيته بالعين المجردة، وإنما نراه من خلال ملاحظات أو تصرفات تصدر من الشخص الذي يعيش معنا أو الذي نتعامل معه.

أيها القراء الكرام.. خذوا الحيطة والحذر من القلق، لأن منبعه يكون الخوف من الخذلان، ولا تيأسوا فلا يأس مع الحياة، لأنه إذا تغلب اليأس على الإنسان أسودت الدنيا في وجهه، وأظلمت في عينه، وأغلقت أمامه الأبواب، وتقطعت دون الأسباب، وضاقت الأرض بما رحبت، ويصبح الإنسان غير منتج ولا يحس ولا يشعر بمعنى الحياة، ويجب أن ندرك أن من أسوأ سمات القلق أنه يدمر قدرتنا على التركيز ويُلغي صفاء الذهن والتفكير السليم، فعندما ينتابنا الشعور بالقلق يبدأ العقل بالقفز وتدب الفوضى في أركانه، فنفقد القدرة على اتخاذ القرار السليم لعلاج المشاكل التي تواجهنا.

ويقول الدكتور حسن جمعة جهامة، مؤلف كتاب "جدد حياتك": "الإنسان هو الذي يختار السعادة أو الشقاء، وهو الذي يضعها بأفكاره وسلوكياته، ومصادر السعادة لا تنضب وهي موجودة حولك في كل مكان، ويمكنك الوصول إليها دائمًا عندما تريد، بل هي موجودة بداخلك، في أفكارك ومعتقداتك، في تصوراتك وتخيلاتك، إن فلسفة الحياة السعيدة، وكما قيل "تفاءلوا بالخير تجدوه". وتذكر دائمًا أيُّها الإنسان "أن الذين لا يعرفون قيمة الحياة لا يستحقونها" فالحياة لا تهتف إلا للمكافحين الذين يصنعون نجاحهم بالعزم والإصرار وبالإرادة والإيمان.

فيا أيُّها الإنسان لا تجعل القلق يدمر حياتك، وعش مع الله وكن له ساجدًا بقلبك وإن رفعت رأسك، وقل يا جابر المنكسرين اجبر كسري، ثم تأمل في المعجزة وهي تشكل روحك من جديد، فكلما انطفأ حلم خلق الله لك حلمًا أجمل، وكلما بهتت في قلبك ذكرى صنع الله لك ذكرى أروع، فلا تقلق لأن الله معك، ولا تدع صغائر الأمور تكبر حتى تصبح من أسباب همك وقلقك، فلا تقلق بعد اليوم حتى لا تحاصرك الهموم والأحزان والأمراض.

** محامٍ ومستشار قانوني

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

معنى تصفيد الشياطين في شهر رمضان.. ومن الذي يوسوس لنا ؟

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما معنى تصفيد الشياطين في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»، وكيف نفسر حصول المعاصي من بعض الناس في شهر رمضان مع كون الشياطين مُصفَّدة؟".

لترد دار الإفتاء المصرية، موضحة: أن معنى عبارة "تصفيد الشياطين" الواردة في الحديث الشريف المسؤول عنه قد تفاوت العلماء في تفسيره على مداركَ متعددةٍ، وإن كانت في جملتها متكاملة متعاضدة، فقد يُرَاد به أنَّ الشياطين مغلولون ومقيدون حقيقةً في هذا الشهر، وقد يكون المراد أنهم ممنوعون من إيذاء المؤمنين وإغوائهم والتزيين لهم، ويحتمل أن المراد أن الله تعالى يحفظ فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي، أو يقصد به نوعٌ مخصوصٌ من الشياطين، وهم: مُسْتَرِقُو السَّمْع منهم، أو مَنْ صُفِّدوا هم غالب الشياطين والمَرَدةُ منهم، وأما غيرهم فغير مُصَفَّد.

وأما حصول المعاصي من بعض الناس في شهر رمضان مع كون الشياطين مُصَفَّدة: فإما أن يكون تصفيدُهم إنما هو في حقِّ الصائم المراعي لشروط الصوم وما ينبغي أن يتحلَّى به من آدابه، أو أنَّ سبب اقتراف الذنوب آتٍ من النفس وخَطراتها.

تفضيل شهر رمضان على غيره من الشهور

مما امتاز به شهر رمضان المعظم عن غيره من الشهور الأخرى ما أكدته السُّنَّة النبوية المطهرة من أنه إذا دخل هذا الشهر المُعظم صُفِّدَتِ الشياطين، وقد تواردت نصوص السُّنَّة المشرفة على ذلك، وأهمها:

ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» رواه مسلم.

وما ثبت أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.

وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» رواه الترمذي، وابن ماجه في "السنن"، والحاكم في "المستدرك".

معنى تصفيد الشياطين في شهر رمضان

لفظ «صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» الوارد في كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إما أن يكون معناه التصفيد حقيقة، فتكون الشياطين في هذا الشهر مغلولةً مُصَفَّدَةً ممنوعة من التصرف وبعض الأفعال التي لا تُطِيقُهَا إلا مع الانطلاق، والأغلال تكون بالحديد، وإن الشياطين مع ذلك ليست ممتنعةً مِن التصرف جملة؛ لأن الْمُصَفَّدَ المغلول اليد إلى العنق يتصرف بالكلام والرأي وغيرهما، كما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (1/ 144، ط. دار المعرفة)، والإمام الباجي في "المنتقى" (2/ 75، ط. مطبعة السعادة).

وإما أن يكون تصفيد الشياطين معناه: أنه مِن شدةِ بركات هذا الشهر فكأنها كالْـمُصفَّدة، وإما أن يكون المراد: أنهم ممنوعون من إيذاء المؤمنين وإغوائهم وتزيين الشهوات لهم في هذا الشهر.

قال القاضي عياض في "شرح صحيح مسلم" (4/ 5-6، ط. دار الوفاء): [«وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»: قيل: يحتمل الحقيقة... وكذلك تصفيد الشياطين ليمتنعوا من أذى المؤمنين وإغوائهم فيه، وقيل: يحتمل المجاز لكثرة الثواب والعفو، والاستعارة لذلك بفتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النار، وقد جاء في الحديث الآخر: «وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ» وبأن الشياطين كالمصفدة لما لم يتم إغواؤهم بعصمة الله عباده فيه... ويكون معنى "تصفيد الشياطين" هنا خصوصًا عن أشياء دون أشياء، ولبعض دون بعضٍ، أو على الغالب، وجاء في حديث آخر: «صُفِّدَتْ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ»... ومعنى "صُفِّدَتْ": أي: غُلِّلَتْ، والصَّفَد، بفتح الفاء، الغُلُّ، وقد روى في الحديث الآخر: "سُلسِلت"] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 153، ط. أوقاف المغرب): [وأما قوله: «وَصُفِّدَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ» أو «سُلْسِلَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ» فمعناه عندي -والله أعلم-: أن الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي، فلا يخلص إليهم فيه الشياطين كما كانوا يخلصون إليه منهم في سائر السَّنَة] اهـ.

ومن المعاني المحتملَة في "تصفيد الشياطين": أن يكون المراد نوعًا من الشياطين، وهم: مُسْتَرِقُو السمع منهم، والذين يقع تسلسلهم في ليالي رمضان دون أيامه؛ لأن القرآن كان ينزل فيها، وهم قد مُنِعُوا في زمن نزول القرآن مَن استراق السمع، فزيدوا في التصفيد والتسلسل مبالغة في الحفظ. يُنظر: "فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني (4/ 114).

ويحتمل أيضًا أن يكون المراد: أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغالهم بالصيام والطاعات ومما فيه قَمْعٌ للشهوات، فكأنَّ الله تعالى يَعْصم في هذ الشهر المُعَظَّم المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي.

قال الإمام المُنَاوي في "فيض القدير" (1/ 340، ط. المكتبة التجارية): [لفظ رواية مسلم: "صُفِّدت" (الشياطين)، شُدَّت بالأغلال؛ لئلا يوسوسوا للصائم، وآية ذلك تنزه أكثر المنهمكين في الطغيان عن الذنوب فيه وإنابتهم إليه تعالى] اهـ.

وقال العلامة الطيبي في "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" (5/ 1576، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [والتصفيد في شهر رمضان مبالغة للحفظ، ويحتمل أن يكون المراد به أَيَّامَهُ وبعده، والمعنى: أن الشياطين لا يخلصون فيه من إفساد الناس ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغال أكثر المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن وسائر العبادات، والله أعلم] اهـ.

تفسير وقوع المعاصي في رمضان مع كون الشياطين مصفدة


أما وقوع المعاصي والذنوب مِن بعض الناس في شهر رمضان مع أن الشياطين مُصَفَّدة، فهذا له تأويلات: فإما أن تصفيدهم إنما هو في حقِّ مَن صام محافظًا على شروط الصوم وما ينبغي أن يتحلَّى به الصائم من آداب، وإما أن هناك أسبابًا أخرى لاقتراف الذنوب والمعاصي، كالنفوس الخبيثة، والعادات الركيكة، والشياطين الإنسية، وإما أن يكون المراد بمن صُفِّدوا هم غالب الشياطين والمردة منهم، وأما غيرهم فقد لا يُصَفَّد، ويكون المعنى المراد حينئذٍ هو: تقليل الشرور، وذلك موجود في رمضان؛ فإن وقوع الشرور والفواحش فيه قليلٌ بالنسبة إلى غيره من الشهور الأخرى.

قال الإمام أبو العباس القرطبي في "المفهم" (3/ 136، ط. دار ابن كثير): [فإن قيل: فنرى الشرور والمعاصي تقع في رمضان كثيرًا؛ فلو كانت الشياطين مُصَفَّدة لما وقع شرٌ؟ فالجواب من أوجه:

أحدها: إنما تُغَلُّ عن الصائمين الصوم الذي حُوفظ على شروطه، ورُوعيت آدابه، أما ما لم يحافظ عليه فلا يُغَل عن فاعله الشيطان.

والثاني: أنا لو سلمنا أنها صُفِّدت عن كل صائم، لكن لا يلزم من تصفيد جميع الشياطين، ألا يقع شرٌ؛ لأن لوقوع الشر أسبابًا أُخَر غير الشياطين، وهي: النفوس الخبيثة، والعادات الرَّكيكة، والشياطين الإنسية.

والثالث: أن يكون هذا الإخبار عن غالب الشياطين، والمردة منهم، وأما من ليس من المردة فقد لا يُصَفَّد. والمقصود: تقليل الشرور. وهذا موجود في شهر رمضان؛ لأن وقوع الشرور والفواحش فيه قليل بالنسبة إلى غيره من الشهور] اهـ.

وقال الإمام المُنَاوي في "فيض القدير" (1/ 340): [وأما ما يوجد فيه من خلاف ذلك في بعض الأفراد فتأثيرات من تسويلات المردة أغرقت في عُمْق تلك النفوس الشريرة وباضت في رؤوسها، وقيل: خُصَّ من عُمومٍ.. تنبيه: عُلم مما تقرر أن تصفيد الشياطين مجازٌ عن امتناع التسويل عليهم واستعصاء النفوس عن قبول وساوسهم وحسم أطماعهم عن الإغواء؛ وذلك لأنه إذا دخل رمضان واشتغل الناس بالصوم وانكسرت فيهم القوة الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب الداعيَيْن إلى أنواع الفسوق وفنون المعاصي وصَفَتْ أذهانهم واشتغلت قرائحهم وصارت نفوسهم كالمرائي المتقابلة المتحاكية وتنبعث من قُواهم العقلية داعية إلى الطاعات ناهية عن المعاصي فتجعلهم مُجمِعين على وظائف العبادات عاكفين عليها مُعرِضين عن صنوف المعاصي عائقين عنها، فتفتح لهم أبواب الجنان وتغلق دونهم أبواب النيران ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان فإذا دنوا منهم للوسوسة يكاد يحرقهم نور الطاعة والإيمان] اهـ.

مقالات مشابهة

  • دعاء للميت في رمضان.. 5 كلمات تجعل رمضانه أجمل في الجنة
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام
  • حفل الأوسكار 2025: مورغان فريمان يكرّم الراحل جين هاكمان الذي فارق الحياة بطريقة غامضة
  • عبد الله: ودعنا اليوم رفيقنا علي عويدات الذي تشهد له الساحات والمواقف
  • تزامنا مع القلق الذي أثاره “قاتل المدن”.. ناسا ترصد 5 كويكبات اقتربت من الأرض هذا الأسبوع
  • أكلة في رمضان أوصى بها النبي تجعل الله وملائكته يصلون عليك .. هل تعرفها؟
  • معنى تصفيد الشياطين في شهر رمضان.. ومن الذي يوسوس لنا ؟
  • دعاء رمضان .. يحول حياتك لسعادة ويرزقك من حيث لا تحتسب
  • فلسفة الحياة والزمن
  • دعاء آخر ساعة في شعبان.. ردده الآن يغسل الأحزان ويجعل حياتك سعادة وفرحا