سالم بن نجيم البادي
نصمتُ عن الرد على أولئك الذين ينتقدوننا، ليس لأنَّ النقد يزعجنا، لكن لأنهم يفتقدون لاساسيات النقد الرصين والموضوعي والهادف، والذي يُراد منه تصويب الأخطاء إن وُجِدَت، والتحسين والإصلاح والنصح الرشيد والنوايا الطيبة والمحبة الخالصة.
وحين ينبري أحدهم للهجوم على مقال كتبته وعلى الملأ وفي مجموعة واتسابية، نقول إنه لو كان هذا محبًا ومخلصًا في نقده لذهب إلى رقم هاتفي الخاص، ودخل معي في حوار راقٍ ومُتزن، وفيه يسوق الحجج والأدلة والبراهين، ويذكر موطن العوار والخلل في المقال، ويتيح لي الفرصة حتى أذكر له رأيي ووجهة نظري أو أدافع عن نفسي، وليس بالضرورة أن اقتنع بكلامه أو أُقنعه بوجهة نظري، وهذه هي حرية الاختلاف واحترام الرأي والرأي الآخر.
لكن أن ينسف المقال كاملًا بكلام مرسل عام وأن يتدخل في نوايا الكاتب، والله وحده أعلم بالنوايا وما تخفيه الصدور، فقد كان على هذا الذي ينتقد أن يذكر الدليل الذي يشير إلى معرفته بالنوايا بوضوح لا يقبل الشك!
هذا الناقد- إن صح أن أطلق عليه لقب ناقد وأترك لكم الحكم على أسلوبه في النقد- كتب في إحدى مجموعات الواتساب يُخاطبني: "مقالاتك كلام نثري فقط"، وحقيقة لا أعلم هل يتعين عليّ أن أكتب مقالات تتسم بالوزن والقافية كما الشعر؟!
ثم أضاف في رسالة أخرى: "لا توجد إحصائيات ولا أرقام ولا حقائق"، وهذا تعميم ظالم؛ فليس كل مقالاتي خالية من الإحصائيات والأرقام حسب قناعاتي بمصداقية هذه الإحصائيات، وحاجة المقال لها، خاصة وأن الإحصائيات التي يطالب بها منشورة بكثرة ويعاد نشرها دائمًا، وكان المقال يتحدث فقط عن معاناة الباحثين عن عمل. ثم إنني لا أكتبُ بحثًا علميًا يحتاج إلى توثيقه بإحصائيات وأرقام ونظريات واقتباسات ومراجع ومقدمة وخاتمة وتوصيات. ثم قال: "مقالاتك كلام وقصص"، وأضاف في رسالة أخرى "الكتابة لمجرد الكتابة" و"مطلوب مني مقال" و"حط أي كلام وخلاص"، ويلاحظ أنه استخدم كلمة "كلام" وهو يصف المقال أكثر من مرة، وتمنيتُ لو أنه أخبرني كيف أكتب بغير الكلام، فهل أكتب حروفًا أو أرقامًا أو رموزًا!! ثم ختم رسائله بقوله "ما عندنا لا صحافة ولا صحفيين". انتهى كلامه، وتداخل أحد أعضاء المجموعة مع هذا الناقد وتساءل قائلا: "لو الكاتب لم يحصل على مبلغ مُقابل المقال، هل سيكتب؟" بمعني أنني أكتب فقط من أجل الاسترزاق، وكما قال الناقد "الكتابة لمجرد الكتابة" أو لأنه طُلب مني أن أكتب، وكأنني أكتب عبثًا وبلا هدف ولا رسالة، وهذه أمور يعلمها الله ولن أخوض في تفاصيلها.
في واقع الأمر، أشعر بالفخر والاعتزاز والسعادة بثقة الناس فيما أكتب وأطرح من أفكار ورؤى عبر مقالاتي في جريدة الرؤية، فلا يكاد يمر يوم إلّا وتصلني رسائل من مواطنين تطلب مني الكتابة عن قضاياهم ومشكلاتهم وهمومهم، قناعة منهم بجدوى "الكتابة" وأهميتها في تبصير الرأي العام، والأهم من ذلك أهمية رأي ووجهة نظر الكاتب، فيما يستعرضه من قضايا.
إنني أكتبُ بلغة الناس البسطاء، ولا احتاج للرجوع إلى المعجم لأستقي ألفاظي ومصطلحاتي، ولا اجتهد في البحث عن المفردات المُنمّقة، ويحدث أن أشير إلى رسائل الناس كما هي في مقالاتي وتكفيني ثقة القراء الكرام، وكل ما عدا ذلك لا يهم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خبراء أتراك:د تراجع الكتابة اليدوية خطر يهدد اللغة والذاكرة
في عالم يتحول فيه القلم والورقة إلى ذكريات من الماضي، يحذر خبراء أتراك من أن تراجع دور الكتابة اليدوية قد يكون أكثر من مجرد تبدل في العادات، بل قد يتحول إلى خطر يهدد عمق اللغة والذاكرة الإنسانية ليعيد تشكيل العلاقة بين العقل والإبداع.
ويشير الخبراء إلى أن تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في حياتنا اليومية، وما يرافقه من تراجع في استخدام الكتابة اليدوية، قد يؤدي إلى إضعاف مهارات اللغة والذاكرة لدى الأفراد.
على مدى قرون، كانت الورقة والقلم من أساسيات التواصل البشري، قبل أن تبدء الأدوات الرقمية اليوم بالحلول محلها وبشكل متسارع، فيما غدت الرسائل والملاحظات تُكتب الآن عبر شاشات اللمس، أو باستخدام لوحات المفاتيح، وحتى عبر الأوامر الصوتية.
وبالتوازي مع ذلك، يحذر الخبراء من أن هذا التحول في أدوات الكتابة يساهم في تراجع القدرات اللغوية والفكرية للأفراد بشكل ملحوظ.
كما أن هذا التراجع لا يقتصر على زيادة السطحية في استخدام اللغة، بل يؤدي أيضًا إلى تأثيرات عصبية سلبية على عمليات التعلم والذاكرة.
اقرأ أيضاتركيا.. “الصناعات الدفاعية” تعلن الشركات الأكثر…
الأحد 02 فبراير 2025** تغير أدوات الكتابةوفي هذا السياق، قال البروفيسور حياتي دوه لي، أستاذ قسم اللغويات بكلية الآداب في جامعة إسطنبول التركية، للأناضول، إن تغير أدوات الكتابة التقليدية بات يؤثر بشكل ملحوظ على عالم الفكر والإبداع.
وفي معرض وصفه لأهمية الكتابة في تاريخ البشرية، قال دوه لي: “في الواقع، عملية الكتابة لا تنتهي، بل تتغير أدواتها فقط”.
وتابع الأكاديمي التركي: “منذ اختراع الكتابة، بدأ الإنسان باستخدام وسائل منها النحت على الحجارة أو الكتابة على الألواح الطينية، ثم انتقل إلى الكتابة باستخدام القصب وريش الطيور”.
وأضاف: “لاحقًا، تطورت الأدوات إلى الآلات الكاتبة. ومؤخرًا، أصبحنا نستخدم لوحة المفاتيح. الشباب يكتبون، ونحن جميعًا نكتب، ولكن بأدوات مختلفة”.
وشدد على ضرورة التركيز على تأثير هذه الأدوات على مهاراتنا في الكتابة والكفاءة اللغوية.
وأوضح أن الدراسات في مجال علم اللغة العصبي (يعنى بدراسة العلاقات بين اللغة والدماغ) أظهرت أن الكتابة باستخدام القلم تعد أكثر فاعلية وفائدة خلال فترة التعلم والتحصيل العلمي.
و”تشير الأبحاث إلى أن التمارين الكتابية التي يجري حلها باستخدام القلم والكتابة اليدوية منذ المراحل المبكرة للتعليم، تجلب فوائد كبيرة للتعلم والذاكرة، حتى في مراحل العمر المتقدمة. في المقابل، فإن الكتابة الرقمية، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي السريعة، لها تأثير محدود في تعزيز المهارات اللغوية”، بحسب دوه لي.
كما لفت الأكاديمي التركي إلى العلاقة المباشرة بين تراجع عادات الكتابة وضعف المهارات اللغوية.
وأوضح أن “الأشخاص الذين لا يمارسون الكتابة باستخدام الوسائل التقليدية بانتظام، يفقدون تدريجيًا القدرة على استغلال مهارات اللغة”.
وأشار إلى أن “الكتابة تتيح استخدام اللغة بشكل أكثر كفاءة، لكن إذا تجنبنا الكتابة، فسنكتفي بمهارات لغوية تقتصر على التواصل اليومي البسيط. وإذا كان هذا كافيًا بالنسبة للبعض، فهو خيارهم. لكن تحقيق ثقافة عالية، أو أدب رفيع، أو علم متقدم يتطلب ممارسة الكتابة بشكل أكبر”.
** ضعف الكتابة والإملاءوخلص أستاذ اللغويات إلى أن تراجع استخدام الكتابة اليدوية يؤثر سلبًا على الإلمام بقواعد الكتابة والإملاء.