ما هو مقياس "ريختر" وكيف يعمل؟.. وهذا هو الفرق بين الزلزال والهزة الأرضية
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
عواصم - الوكالات
ارتفع عدد قتلى الزلزال القوي الذي ضرب المغرب إلى 1037 شخصا، وأصيب أكثر من 1200 شخص جراء الزلزال الذي بلغت قوته 7.2 درجة ووقع في منطقة جبال الأطلس الكبير في وقت متأخر من مساء أمس الجمعة.
وفي كل مرة تقع هزة أرضية أو يضرب زلزال منطقة من العالم تعلن مراكز الرصد وإدارات الطوارئ والكوارث قوة الزلزال، وغالباً ما يكون المقياس المستعمل هو "ريختر".
"ريختر" هو نظام رقمي يسجل شدة الهزات الأرضية. ويحسب العلماء هذا الرقم باستخدام المعلومات التي يعطيها جهاز يسمى مرسمة #الزلازل، وهو جهاز يسجل حركة الأرض الناتجة من هزة أرضية. ويعد مقياس "ريختر" أحد أدق مقاييس الزلازل في العالم وأكثرها كفاءة وانتشاراً. وينسب مقياس "ريختر" إلى العالم الأميركي تشارليز فرانسيس ريختر (1900-1985) من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، الذي اخترعه عام 1935 وطوره من خلال الأنماط التي اكتشفها من دراسته لأكثر من 200 زلزال سنوياً، وأجرى عليه تطويرات وتحديثات عدة في ما بعد، وهو يعتمد على الجانب الكمي وعلى مقدار الطاقة المنبعثة من مركز الزلزال، لذلك فهو لا يهتم بقياس الآثار المترتبة على الزلزال بقدر ما يتوقف عند القوة المنطلقة من بؤرته.
وبدأ العالم الأميركي بمتابعة تسجيلات الزلازل وتحديد مواقع الهزات الأرضية، ووضع جدولاً يضم مراكز الزلازل وأوقات حدوثها، باشراف هاري وود (مؤسس معمل علوم الزلازل، معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا) الذي كان مسؤولاً عن برنامج رصد الزلازل ودراستها في كاليفورنيا مع ماكسويل ألين (عالم زلزال أميركي). وكانت عملية التسجيل تتم اعتماداً على سبع محطات متباعدة باستخدام راسمة الزلازل التي تعمل على مبدأ الفتل الأفقي التي صنعها وود وألين. واقترح ريختر مقارنة قوة الزلازل اعتماداً على المطالات المقاسة المسجلة في تلك المحطات مع إدخال تصحيح ملائم للمسافة التي تفصل بين المحطة وقوة الزلزال، غير أن النتائج لم تكن مرضية. وفي الوقت نفسه كان العالم الياباني كي يو واداجي (عالم زلازل في مرصد الأرصاد الجوية المركزي في اليابان)، يعمل على مقارنة قوة الزلازل برسم الحركة الأرضية العظمى بدلالة المسافة عن مركز الزلزال السطحي، ولما حاول ريختر إجراء مقارنة مشابهة بدا المدى بين المطالات الأصغر والأكبر كبيراً للغاية. ومن ثم وبناء على اقتراح بينو غوتنبرغ (عالم زلازل أميركي - ألماني) رسم ريختر المطالات لوغاريتمياً فتوصل إلى تصنيف قوة الزلازل بمطابقتها الواحد فوق الآخر، وتحريك منحنياتها المتوازية على الرسم أفقياً وغدا بالإمكان تشكيل منحنى وسطي نموذجي، وتمييز الأحداث المستقلة باستخدام الفروقات اللوغاريتمية الإفرادية على المنحنى النموذجي، وغدت مجموعة هذه الفروقات مسجلة عددياً على سلم المقياس الآلي الجديد، الذي اشتهر في ما بعد باسم مقياس ريختر. ويختلف مقياس "ريختر" عن مقياس "ميركالي" الذي اخترعه العالم الإيطالي جوسيب ميركالي (1850-1914) الذي يعتمد في قياس الزلازل على قوة تأثير الاهتزاز ومستوى الأضرار التي يخلفها وفق سلم تتراوح درجاته بين 1 و12 درجة.
كيف يعمل مقياس "ريختر"
يقوم مقياس "ريختر" على نظام رقمي لوغاريتمي، ويعتمد في تحديد قوة الزلازل على الجانب الكمي وعلى مقدار الطاقة المنبعثة من مركز الزلزال، وقد أخذ عليه عدم تفريقه بدقة بين الزلازل المتقاربة. ويتدرج المقياس من درجة واحدة إلى عشر درجات من الناحية النظرية، لكنه من الناحية العملية يمكن أن يصل إلى أكثر من ذلك فهو عبارة عن سلم مفتوح، على رغم أنه لم تسجل عشر درجات على هذا المقياس في تاريخ الزلازل. ويتفاوت إحساس البشر بدرجات الزلازل طبقاً لمستواها على مقياس ريختر، فبينما لا يشعر الإنسان عادة بالدرجتين الأولى والثانية، فإنه يحس بالزلازل وتأثيرها إذا وصلت إلى درجة ثلاث فما فوق، أما الزلازل التي تفوق الدرجة السابعة فهي غالباً زلازل مدمرة. وتسجل قوة الزلزال عبر أجهزة الرصد التي تقوم الدول بتثبيتها في أجزاء مختلفة من أراضيها وتكون مرتبطة بشبكات الاتصال والأقمار الاصطناعية، كما توجد في الوقت ذاته مراكز دولية لقياس الزلازل اعتماداً على مقياس ريختر. يتم حساب درجة الزلزال عادة بمؤشر يقدر مقياسه من (1 إلى 10)، فعندما تبلغ درجة الزلزال من (1 إلى 4) لا يحدث أي شيء فقط سوى الشعور به. لكن في حال تراوح مقياس الزلزال بين (4 و6) فيعد زلزال متوسطاً يسبب أضراراً في المنازل والإقامات، في حين يكون الزلزال قوياً ويسبب ضرراً كبيراً إذ ينتج منه تدمير مدينة بأكملها عندما يبلغ مقياسه من (7 إلى 10). ويقيس العلماء قوة الزلازل على مقياس "ريختر" المقسم إلى تسع درجات. والإنسان في العادة لا يشعر بالدرجتين الأولى والثانية، ولكن يبدأ شعوره بالهزة الأرضية إذا بلغ مؤشر مقياس "ريختر" ثلاث درجات. ولتقريب معنى ثلاث درجات يسوق العلماء المثال التالي: يمكن للإنسان العادي أن يشعر بهزة أرضية إذا تعرضت المنطقة التي يوجد فيها لتفجير كمية من مادة "تي إن تي" تبلغ 180 كيلوغراماً، ولربما يخيل لبعض الناس أن الهزة التي تبلغ ثلاث درجات على مقياس ريختر بسيطة، لكن الأمر يختلف إذا علم أن هذه الدرجات الثلاث تعادل في قوتها ما تحدثه كمية من متفجرات الـ "تي إن تي" تبلغ 20 مليون طناً. ونظراً إلى التفاوت الكبير بين قوة الدرجات على مقياس ريختر، أخذ عليه عدم تفريقه بوضوح بين الزلازل المتقاربة في القوة، حيث يبدو الفرق كبيراً جداً بين الدرجة والتي تليها، لكنه مع ذلك يبقى من أكثر أجهزة قياس الزلازل دقة وكفاءة وانتشاراً بالعالم.
ما الفرق بين الزلزال والهزة الأرضية؟
الزلزال هو نفسه الهزة الأرضية، وهو أي اهتزاز مفاجئ للأرض ناتج من مرور الموجات الزلزالية عبر صخور الأرض، وتنتج هذه الموجات الزلزالية عندما يتم إطلاق شكل من أشكال الطاقة المخزنة في قشرة الأرض فجأة. وتحدث الزلازل غالباً على طول الصدوع، في مناطق ضيقة تتحرك فيها كتل الصخور بالنسبة إلى بعضها بعضاً، وتقع خطوط الصدع الرئيسة في العالم على أطراف الصفائح التكتونية الضخمة التي تشكل قشرة الأرض.
الهزة الأرضية
تمثل الهزة الأرضية سلسلة اهتزازات ارتجاجية تحدث للأرض، بنتيجة حركة الصفائح الصخرية، ويسمى مركز الهزة الأرضية بالبؤرة، الذي يتبعه ارتدادات تسمى أمواجاً زلزالية. ويرجع سبب حدوث الهزة الأرضية إلى تكسر الصخور وإزاحتها من مكانها، بسبب الإجهادات الداخلية التي تحدث نتيجة المؤثرات الجيولوجية التي ينتج منها في النهاية تحرك الصفائح الأرضية. وقد تكون الأنشطة الزلزالية موجودة على مستوى حدود الصفائح الصخرية، وتنتج الهزة الأرضية بفعل الأنشطة البركانية، أو بفعل وجود انزلاقات تحدث في طبقات الأرض. وينتج من الهزة الأرضية حدوث تشقق الأرض، وتفجر الينابيع، وربما تظهر ينابيع جديدة، أو تحدث ارتفاعات وانخفاضات في القشرة الأرضية، وربما تبعث أمواجاً عالية تحت سطح البحر تسمى "تسونامي"، وما قد ينتج من ذلك من آثار تخريبية تحدث في المباني والمنشآت والمواصلات.
ويختلف سبب حدوث الزلزال تبعاً لنوعه:
الزلازل التكتونية
تمثل الزلازل التكتونية معظم الزلازل في العالم، بحسب موقع "جيولوجي"، إذ تتكون الأرض من ثلاث طبقات، وهي: القشرة، والستار، واللب، وتتكون القشرة من أجزاء صخرية تسمى الصفائح التكتونية. عندما يحدث احتكاك لهذه الصفائح عند الحواف، هذا يمنعها من الحركة، لكن تستمر الصفائح الأخرى بالحركة، مما يولد مزيداً من الضغط على الصخور. وعندما يتغلب الضغط على الاحتكاك بين الصفائح، تتحرك الصخور فجأة وتتحرر طاقة على شكل موجات زلزالية تنتشر في جميع الاتجاهات. حينها تتصادم الصفائح التكتونية مع بعضها بعضاً وتغوص إحداها تحت الأخرى، فتتولد طاقة هائلة، تؤدي إلى حدوث اهتزازات وتشوه في القشرة الأرضية.
الزلازل البركانية
تحدث الزلازل البركانية تبعاً للنشاط البركاني في المنطقة، وتعد الزلازل البركانية من الزلازل غير القوية، أي ليست بقوة الزلازل التكتونية، وعادة ما تحدث قرب سطح الأرض. في المنطقة المجاورة للبركان، تتحرك الصهارة البركانية أو ما يسمى الماغما تحت البركان بفعل الحرارة، مما يحدث حركة أو انزلاقاً بشكل مفاجئ للكتل الصخرية، وهذا يؤدي إلى تغير الضغط على الصخور المحيطة، مما يرتب إطلاق الطاقة المخزنة فيها، وفي النهاية يحدث الزلزال. عادة تكون الفتحات البركانية على بعد مئات الكيلومترات من بؤر الزلازل، لذلك لا توجد علاقة مباشرة بين كل من النشاطين البركاني والزلزالي، ولكن كلاهما ناتج من نفس السبب وهي العمليات التكتونية.
الزلازل المستحثة
تحدث الزلازل المستحثة بسبب بعض الأنشطة البشرية، بما في ذلك حفر المناجم أثناء عمليات التعدين، وإنشاء الأنفاق، أو حقن السوائل في الآبار العميقة، أو الانفجارات النووية التي تحدث في باطن الأرض.
الهزات الارتدادية
هي سلسلة من الزلازل الصغيرة التي تحدث بعد حدوث الزلزال الكبير على حدود الصدوع، ويمكن أن تستمر الهزات الارتدادية على مدار أسابيع، أو أشهر، أو سنوات أحياناً، وتصبح أقل تواتراً وتتناقص مع مرور الوقت. الجدير ذكره أن الزلازل الارتدادية تكون مصاحبة للزلازل الضحلة أكثر من الزلازل العميقة، أي التي يزيد عمقها على 30 كيلومتراً، وقد تستمر بعضها قروناً كما هي الحال في زلزال نيو مدريد الذي حصل بين عامي 1811 و1812، إذ ما زالت الهزات الارتدادية تحدث حتى يومنا هذا.
كيفية حدوث الهزات الارتدادية
تنتج الهزة الارتدادية من التغيير المفاجئ في الإجهاد الذي يحدث داخل وبين الصخور، أو بسبب التحرير السابق للضغط الناجم عن الزلزال الرئيس. وتحدث في الصخور الواقعة قرب مركز الزلزال أو على طول الصدع الذي كان حدث فيه الزلزال الرئيس. وعلى رغم أن شدة الاهتزاز المرتبطة بمعظم الهزات الارتدادية صغيرة مقارنة بتلك التي حدثت في الزلزال الرئيس، إلا أن عديداً منها كبير بما يكفي لعرقلة جهود الإنقاذ من خلال مزيد من زعزعة استقرار المباني. كما يمكن أن تكون مزعجة للسكان المحليين الذين يتعاملون مع الأضرار والخسائر في الأرواح التي سببها الزلزال الرئيس.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الهزات الارتدادیة على مقیاس ریختر الزلزال الرئیس الهزة الأرضیة مرکز الزلزال تحدث فی أکثر من
إقرأ أيضاً:
خيانة الماركسية وكيف تحولت الحركة الشيوعية السودانية إلى قبيلة فكرية؟
في منصات التواصل الاجتماعي الحديثة مثل كلوب هاوس، يُفترض أن تُتاح مساحات للنقاش المفتوح وتبادل الأفكار بحرية، خاصة بين جماعات تتبنى الفكر الماركسي الذي يرتكز على الحوار والنقد البناء. ومع ذلك، يبدو أن بعض الممارسات التي شهدتها هذه المنصات، خصوصًا من قبل بعض الشيوعيين، تتناقض مع هذه القيم الأساسية.
تظهر أزمة الحوار في هذه المنصات عندما يتم منع فرصة الحديث وطرد المنتقدين في غرف كلوب هاوس التي تجمع شيوعيين وماركسيين. هذا السلوك يعكس ميلًا واضحًا لتحويل النقاش الفكري إلى ممارسة حزبية ضيقة، حيث تُغلَّب الولاءات التنظيمية على المبادئ الفكرية. طرد المنتقدين وحرمانهم من فرصة الحديث، حتى عندما يكون لديهم طرح أكاديمي أو رؤية مختلفة، يُظهر غياب الثقة في مواجهة النقد أو الحوار العقلاني. وعندما يصبح الانتماء الحزبي معيارًا أساسيًا لقبول الآخرين في النقاش، تتحول الأحزاب إلى كيانات مغلقة تُشبه القبائل، حيث يكون الولاء مقدمًا على القيم والمبادئ. هذا السلوك يتناقض مع روح الأممية التي تُعد جوهرًا للفكر الماركسي، ويُظهر أن البعض اختزلوا الماركسية في مجرد تنظيم حزبي ضيق.
رفض النقد الداخلي أو الخارجي لأي مبادرة فكرية أو تنظيمية يشكل تهديدًا لاستمرارية وتطور الفكر الماركسي. يعتمد الفكر الماركسي على النقد الذاتي لفهم الواقع وتحسين الأدوات النظرية والتنظيمية، ورفض النقد يؤدي إلى الجمود الفكري والتنظيمي، مما يُفقد الحركة قدرتها على التطور ومواكبة التحديات الجديدة. يُعد التعامل العقلاني مع الأصوات المختلفة خطوة أساسية لتعزيز الحوار الفكري، وإقصاء الماركسيين المستقلين أو غير المنتمين تنظيميًا يُضعف الحركة ويُفقدها التنوع الضروري لفهم الواقع وتحقيق التغيير المنشود.
تعزيز ثقافة الحوار في هذه المنصات أمر ضروري.
ويجب أن تكون منصات مثل كلوب هاوس مساحات مفتوحة لجميع الأصوات، بغض النظر عن الانتماءات التنظيمية. ومن الضروري التمييز بين الالتزام الفكري بالماركسية والانتماء الحزبي، مع احترام التنوع الفكري داخل الحركة. التأكيد على أن الماركسية حركة أممية تُعلي من شأن التضامن القائم على المبادئ المشتركة وليس القبلية الحزبية يُعد من الأولويات. النقد يجب أن يُستقبل بروح إيجابية ويُرد عليه بعقلانية، مما يُثري النقاش ويُقوي الحركة.
إن سلوك الإقصاء الذي ظهر في غرف كلوب هاوس، من قبل بعض الشيوعيين، يعكس انحرافًا خطيرًا عن جوهر الفكر الماركسي. إذا أرادت هذه الجماعات البقاء ذات صلة بالساحة الفكرية والسياسية، فعليها التخلي عن هذا النهج الإقصائي وتبني رؤية أكثر شمولًا وتقبلًا للآخر المختلف. إن الماركسية ليست مجرد عضوية حزبية، بل هي منهج لتحليل الواقع وتغييره، ولا يمكن أن تُحقق أهدافها إلا بانفتاح فكري وتعددية حقيقية.
في العصر الرقمي، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي أدوات فعالة لتبادل الأفكار والنقاشات الفكرية. ومع ذلك، فإن ما يُفترض أن يكون ساحة مفتوحة للحوار البناء قد يتحول إلى ساحة للإقصاء والانغلاق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمجموعات ذات الطابع الفكري أو السياسي. في هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول ممارسات الشيوعيين والماركسيين في منصات مثل كلوب هاوس، حيث يُلاحظ ميلٌ نحو الانغلاق والقبلية التنظيمية بدلاً من تعزيز الحوار الفكري.
الإشكالية: انحراف الممارسة الفكرية
في منصات مثل كلوب هاوس، تُتاح مساحات للنقاش المفتوح، ولكن السلوكيات السائدة داخل بعض غرف الماركسيين والشيوعيين تشير إلى تناقض واضح مع القيم الأساسية للفكر الماركسي. هناك ميل لطرد الأصوات المنتقدة وحرمانها من فرصة المشاركة، حتى عندما تأتي هذه الأصوات بطرح أكاديمي أو رؤية مختلفة. هذا السلوك لا يعكس فقط غياب الثقة في مواجهة النقد، بل يُظهر انحرافًا خطيرًا نحو القبلية، حيث يُصبح الانتماء التنظيمي معيارًا لقبول الآراء، بينما يتم إقصاء من يختلفون عن هذا الإطار.
القبلية التنظيمية وتهديد الأممية
الفكر الماركسي يُفترض أن يكون حركة أممية قائمة على التضامن والنقد الذاتي. ومع ذلك، فإن اختزال الماركسية في ممارسات حزبية ضيقة يُضعف من جوهرها. عندما تُغلَّب الولاءات التنظيمية على المبادئ الفكرية، تتحول الأحزاب إلى كيانات مغلقة، تُشبه القبائل التي ترفض الحوار وتُقصي المختلف. هذا الانغلاق يُضعف الحركة الشيوعية ويُفقدها القدرة على التفاعل مع التحديات الجديدة، مما يؤدي إلى جمود فكري وتنظيمي.
جذور الأزمة: بين التاريخ والتنظيم
الإرث التاريخي للسرية , نشأت الأحزاب الشيوعية في ظروف قمعية جعلتها تميل إلى السرية والانغلاق. وعلى الرغم من تغيُّر الظروف، إلا أن بعض هذه النزعات ما زالت تُمارس اليوم في النقاشات الفكرية.
غياب النقد الذاتي - أن النقد الذاتي ليس مجرد أداة لتحسين الأداء التنظيمي، بل هو جوهر الممارسة الماركسية. رفض النقد الداخلي والخارجي يؤدي إلى تآكل الفكر الماركسي من الداخل.
تحديات منصات التواصل _منصات التواصل مثل كلوب هاوس، بطبيعتها، تتيح إمكانية النقاش المفتوح. ومع ذلك، فإن سوء استخدامها يُنتج بيئة تُعزز الهيمنة الفكرية والإقصاء بدل الحوار.
تأثير الإقصاء على الحركة الماركسية
رفض النقد وإقصاء الماركسيين المستقلين أو غير المنتمين تنظيميًا يُضعف التنوع الفكري داخل الحركة، وهو عنصر أساسي لفهم الواقع وتحقيق التغيير المنشود. عندما يتم قمع الأصوات المختلفة، فإن ذلك يؤدي إلى جمود الحركة وفقدانها القدرة على تقديم حلول حقيقية للتحديات الراهنة.
سُبُل الإصلاح: نحو ثقافة حوار مفتوح
إعادة إحياء الأممية . ومن الضروري التركيز على البُعد الإنساني والكوني في الماركسية بدل الحزبية الضيقة. الأممية تقتضي تضامنًا مبنيًا على المبادئ المشتركة وليس على الولاءات التنظيمية.
تعزيز ثقافة الحوار لابد من نشر ثقافة نقاش تحترم التعددية وتشجع على تقبل النقد. هذا يتطلب تدريبًا عمليًا على الحوار الفكري واستقبال الآراء المختلفة.
خلق مساحات بديلة ويجب توفير قنوات جديدة للماركسيين المستقلين وغير المنتمين تنظيميًا، مما يتيح لهم فرصة المشاركة في النقاشات وإثراء الحركة.
ما يحدث في منصات التواصل الاجتماعي مثل كلوب هاوس يكشف عن أزمة أعمق في بنية التفكير لدى بعض الشيوعيين والماركسيين. إذا أرادت هذه الجماعات البقاء ذات صلة بالساحة الفكرية والسياسية، فعليها التخلي عن النهج الإقصائي وتبني رؤية أكثر شمولًا وانفتاحًا. الماركسية ليست مجرد عضوية حزبية؛ إنها منهج لتحليل الواقع وتغييره، ولا يمكن تحقيق أهدافها إلا بالانفتاح الفكري والتعددية الحقيقية.
zuhair.osman@aol.com