قال تقرير نشره موقع "ذا كرادل The Cradle" إن الغزو الأمريكي للعراق مهد الطريق للنهب والتدمير المنهجي لعدد لا يحصى من القطع الأثرية والمخطوطات القديمة، كاشفا أن إسرائيل والإمارات لعبتا دورًا مهمًا في السرقة المستمرة والتهريب العالمي لهذه العناصر.

وقد أعلنت وزارة الثقافة العراقية تعلن استرداد 23 ألف قطعة أثرية نُهب معظمها إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، في محاولة لطمس الهوية الحضارية للعراق، في وقت لا تزال تعجز فيه بغداد عن استرجاع الأرشيف اليهودي الذي وصلت أجزاء منه إلى تل أبيب.

ويقول التقرير إنه في 10 أبريل/نيسان 2003 ضربت الدبابات الأمريكية، بعد احتلالها بغداد، طوقاً حول مبنى وزارة النفط العراقية، ومبنى المخابرات، والمتحف الوطني.

مع الانفلات الأمني، وانتشار عمليات النهب، شددت القوات الأمريكية الطوق على مبنيي النفط والمخابرات، فيما تركت أبواب المتحف الوطني على بعد أمتار قليلة منهما، عرضة لنهب مافيا الآثار التي أفرغت المتحف من معظم محتوياته.

في غضون ذلك، عمدت تلك القوات الى إقامة قواعد لها في داخل أهم المواقع الأثرية، شمال العراق وجنوبه، فانشأت قاعدة عسكرية في موقع آثار بابل التي يعود تاريخها إلى 2300 عام قبل الميلاد، وجرفت بعض اراضيه لاستخدامها مهبطاً للمروحيات العسكرية. وأقامت قاعدة آخرى قرب زقورة أور، التي يعود تاريخها إلى 3800 قبل الميلاد، ومثلها في الحضر والنمرود وغيرهما.

اقرأ أيضاً

العراق يؤجل محاكمة بريطاني وألماني متهمين بتهريب الآثار إلى يونيو

نهب حضارة

ويعود إنشاء المتحف الوطني العراقي إلى عام 1924، ويقع في منطقة "العلاوي" وسط بغداد، ويحوي قطعاً أثرية ثمينة من حضارات بلاد ما بين النهرين، السومرية والبابلية والآشورية، والأكدية والكلدانية والساسانية، وهو يمثل أهم صندوق للآثار العراقية.

ويوضح خبير الآثار حيدر فرحان لـ "ذا كرادل" ، أن "المتحف يضم آلاف القطع الأثرية والمخطوطات النادرة، ولا توجد إحصاءات رسمية عن عدد الآثار المسروقة من المتحف عام 2003″، محملاً "القوات الامريكية مسؤولية مباشرة وغير مباشرة في سرقة محتوياته".

ونقل التقرير عن مصدر مسؤول في وزارة الثقافة والسياحة والاثار العراقية، طلب عدم الافصاح عن اسمه، قوله إن "القوات الأمريكية، منذ عام 2003 حتى مغادرتها عام 2011، أمنت الحماية لفرق اسرائيلية للتنقيب في المواقع الأثرية العراقية، خصوصاً في بابل وأور".

وتتحدث تقارير عراقية عن سرقة نحو (120.000) قطعة أثرية من العراق بين عامي 2003 و2017، تم السطو على القسم الأكبر منها ابان غزو العراق، فيما يتحمل تنظيم "الدولة" مسؤولية سرقة مقتنيات متحف الموصل شمال البلاد والمواقع الأثرية في المناطق التي سيطر عليها بعد عام 2014.

مدير دائرة المخطوطات العراقية المتحدث باسم وزارة الثقافة، أحمد العلياوي أكد للموقع أن الوزارة تمكنت من "استرداد أكثر من (23.000) قطعة أثرية خلال ثلاث سنوات، منها (17.300) تم استردادها قبل عامين".

اقرأ أيضاً

العراق.. محاكمة بريطاني وألماني بتهمة محاولة تهريب قطع أثرية

بلد عربي مجاور

وينقل "ذا كرادل" عن مسؤول سابق بالمتحف الوطني قوله إن "عصابات منظمة بعضها من بلد عربي مجاور، اقتحمت المتحف على مدى ثلاثة ايام تحت اعين القوات الاميركية التي كانت تتفرج على ما يجري"، لافتا إلى ان المقتحمين كانوا على دراية بخبايا المتحف وقاعاته وبموقع مخازن الآثار التي كانت قيد التحقيق والتسجيل.

وأضاف: "هناك غرفة سرية في القاعة الحضرية للمتحف نحتفظ فيها بالحلي الأثرية النفيسة. عند عودتنا يوم 12 نيسان 2003 وجدنا أن الحلي سرقت مع بعض الاختام النادرة".

بدوره، كشف المتحدث السابق باسم وزارة الثقافة العراقية، عبدالزهرة الطالقاني، في تصريح عام 2011، أن "الآثار العراقية المنهوبة هُربت إلى دولة مجاورة، ومنها إلى أمريكا وأوروبا".

العلياوي أكد أن "الغالبية العظمى من الآثار المسروقة من العراق هربت إلى إحدى الدول الخليجية ومن ثم إلى الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن قسما من هذه الآثار سُرق من المتحف الوطني، والقسم الآخر عبر النبش اللاقانوني لمافيات الآثار في المواقع الأثرية ابان الانفلات الأمني".

أما خبيرة الآثار العراقية سندس محمد، فقد اتهمت، في تصريحات صحفية، القوات الأمريكية بـ"المساهمة بتهريب الآثار العراقية إلى خارج البلاد، بعد سيطرتها على آثار بابل وأكد، بالاتفاق مع مافيات الاتجار بالآثار". فيما أشارت إلى أن "غالبية القطع الاثرية تم استردادها كانت من الولايات المتحدة وبريطانيا".

اقرأ أيضاً

المركزي العراقي يخصص مليار دينار لصيانة آثار بابل

تورط الإمارات

بعد الغزو الأمريكي للعراق شكلت واشنطن ما يسمى سلطة الائتلاف المؤقت، وكانت تفرض سيطرتها على المرافق الحيوية، ومنها المطارات التي تعاقدت فيها القوات الامريكية مع احدى الشركات الأمنية الأجنبية للإشراف على الرحلات الجوية وتأمين دخول وخروج المسافرين وتفتيش حقائبهم.

ويؤكد مصدر استخباراتي عمل في مطار بغداد منذ عام 2004، أن القوات الأمريكية كانت تسيطر على المطار بالكامل، ولم يكن في الامكان نقل أي بضاعة من وإلى المطار إلا بعلم الأمريكيين الذين كانوا يتغاضون عن شخصيات محلية وعربية وأجنبية كانت تعمل على نقل الآثار عبر طرود خاصة لا تخضع للتفتيش.

وعما اذا كانت هذه العمليات تجري بعلم رجال الأمن العراقيين، أجاب: "حتى لو كنا نعلم حينها، إلا ان القوة الأمنية لم تكن لديها أي صلاحية في المطار، خصوصاً انها قوات مشكلة حديثاً، ولم يمكن احد قادراً اعتراض أوامر سلطة الائتلاف".

وتؤكد مصادر أخرى ان عملية منظمة لنقل الآثار كانت تتم عبر مطار بغداد باتجاه الإمارات، ومنها نحو أمريكا وأوربا، وهو ما أكده محمد فيصل الغزي، الذي كان يشغل منصب آمر سرية حماية السياسي العراقي الراحل أحمد الجلبي، وكان يقود قوة من المرتزقة ممن دخلوا بغداد مع القوات الأمريكية.

وقال الغزي، في تصريحات متلفزة: "في 22 أبريل 2003، توجهنا نحو المتحف الوطني بأمر من الجلبي، وأخرجنا مجموعة من الآثار بينها نسخة من التوراة البابلية، وسلمناها إلى تمارا ابنة الجلبي".

وأضاف: "كانت الحجة هي حماية الآثار لحين تشكيل الحكومة، وهو ما لم يحدث".

اقرأ أيضاً

العراق يستعيد 3800 قطعة أثرية هربها تجار بالإمارات إلى أمريكا

وأضاف: "نقلنا الصندوق الذي كان يحوي الآثار إلى الإمارات، ومن هناك نقل الجلبي وابنته تمارا والسياسي مثال الألوسي الآثار إلى إسرائيل".

وفي مايو/أيار 2023 أعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول تفكيك شبكة دولية تضم شخصاً عربي الجنسية، ضالعة بتهريب الآثار في محافظة بابل، (88 كم جنوب بغداد).

وقال رسول في بيان: "استناداً إلى المهمات المناطة بجهاز المخابرات الوطني العراقي في (بابل) وفي إطار العمل المبذول لتقويض التهديدات الخارجية للأمن القومي العراقي، تمكن جهاز الاستخبارات من تفكيك شبكة دولية تضم أربعة أشخاص أحدهم عربي الجنسية، يهربون الآثار، ومنها ثلاث مخطوطات أثرية".

ورفض، رسول، في اتصال هاتفي مع  "ذا كرادل"، الكشف عن الدولة التي ينتمي لها أحد مهربي شبكة بابل، وأكتفى بالقول أنه "عربي الجنسية".

ويعد الحكم الذي أصدرته وزارة العدل الأمريكية عام 2017 بحق شركة "هوبي لوبي" الأمريكية، وتفاصيل تلك القضية، أبرز دليل على تورط الإمارات في تهريب الآثار العراقية، فقد اشترت الشركة الأمريكية بطرق غير شرعية من تجار في الإمارات، 5.500 قطعة أثرية عراقية تعود إلى الحضارة السومرية، وتم تهريب تلك القطع إلى أمريكا وإسرائيل عبر وثائق شحن مزورة.

وفي عام 2010، توجه رئيس شركة "هوبي لوبي" ستيف جرين برفقة أحد مستشاريه إلى الإمارات، حيث كانت في انتظاره آلاف القطع الآثرية التي تحوي كتابات مسمارية، تعود الى الحضارة السومرية القديمة.

وتشير أوراق الدعوى القضائية المقامة في أمريكا ضد "هوبي لوبي" إلى أن الشركة أرسلت ثمن (5.500) قطعة أثرية الى (7) حسابات بنكية لأشخاص تجهل هويتهم.

اقرأ أيضاً

معرض إيراني يضم آثارا مصرية وعراقية

الأرشيف اليهودي

ويكشف سليم مطر، مؤلف كتاب "تاريخ العراق أرض وشعب ودولة"، عن قيام وحدة المهمات الخاصة "ألفا" الأمريكية، في  6 مايو/أيار 2003 باقتحام قبو سري في مبنى المخابرات العراقية وسط العاصمة بغداد، وعثرت على 200 صندوق من الأرشيف الرسمي العراقي، الذي يشمل ثلاثة أنواع، منها وثائق أمنية والثاني لارشيف حزب البعث، والثالث للأرشيف اليهودي.

ويشتمل الأرشيف اليهودي، بحسب الكاتب والباحث نبيل الربيعي، على 48 لفيفة لمقاطع من سفر التكوين، مكتوبة على جلد الغزال، وتقويمات باللغة العبرية، و7002 كتاب، ومجموعة من الخطب بالعبرية تعود لعام 1692، إضافة إلى 1700 تحفة نادرة توثق لعهد السبي البابلي الأول والثاني، وأقدم نسخة للتلمود البابلي، وأقدم نسخة للتوراة، وسجلات شرعية تعود إلى قرون عدة تركها يهود العراق، وغيرها من المقتنيات الثمينة.

وتشير تقارير صحفية وتحقيقات إلى أن ذلك الأرشيف نقل إلى أمريكا ومنه إلى تل أبيب.

وبموجب اتفاقية الحكومة العراقية مع الجانب الأمريكي، كان من المؤمل استعادة الأرشيف اليهودي إلى بغداد عام 2014، لكن فوجئ الجميع، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2015، باحتفال وزارة الخارجية الإسرائيلية وعدد من الحاخامات بوصول "مخطوطة" التوراة العراقية إلى تل أبيب.

وفي عام 2010 عرضت القناة الإسرائيلية السابعة لقطات مصورة للفافة من التوراة هُربت إلى تل أبيب من العراق، وتم عرضها لاحقاً في متحف أحفاد بابل.

وأظهرت اللقطات نسخة التوراة مكتوبة في القرن الثامن عشر وبغطاء من الفضة الخالصة مرصعة بأنواع من الخرز والزجاج، عليها أيضا قطع من الألواح التوراتية إضافة إلى شمعدان له سبع فوهات نقش عليه رسم لهيكل سليمان.

وأثارت اللقطات لغطاً كبيراً حول كيفية وصول تلك القطعة النادرة إلى تل أبيب، إذ من المفترض أن تكون تلك النسخة هي احدى القطع التي نقلت إلى واشنطن للخضوع لعملية ترميم في معهد "هوفر" العريق التابع لجامعة ستانفورد.

اقرأ أيضاً

تنظيم «الدولة» يدمر أثار «متحف الموصل»

عودة الآثار

ويحوي العراق أكثر من 15.000 موقع أثري.

هذا الإرث الزاخر شجع مافيات التجارة بالآثار بعد عام 2003 على سرقة مقتنيات تلك المواقع التي يفترض أنها تخضع للحماية الأمريكية.

إليزابيث ستون، أستاذة الأنثروبولوجيا والآثار في جامعة ستوني بروك في نيويورك، قالت في تصريحات صحفية، إن القطع الأثرية التي استعادها العراق "سُرقت غالبيتها من المتحف الوطني العراقي في بغداد أثناء الغزو الأمريكي، وهي تحمل أرقاما تسلسلية تثبت ذلك".

وقد استعاد العراق حتى اليوم 23.000 ألف قطعة أثرية، كلها من أمريكا وبريطانيا اللتين يفترض أن تكونا من الدول التي تتمتع بعملية ضبط كبير لحدودهما، ويصعب إدخال مواد ممنوعة مهربة إليهما.

المصدر | أحمد الربيعي / The Cradle - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: آثار العراق الأرشيف اليهودي القوات الأمریکیة المواقع الأثریة الأرشیف الیهودی المتحف الوطنی وزارة الثقافة آثار العراق إلى تل أبیب قطعة أثریة إلى أمریکا من العراق اقرأ أیضا عام 2003 إلى أن

إقرأ أيضاً:

الصراع الجيوسياسي في ليبيا والحراك الأمريكي

‎ذكر الدكتور "محمود جبريل" -رحمه الله- أن الولايات المتحدة الأمريكية كشفت للقذافي، خلال فترة السبعينيات، عن 27 انقلابًا ضده. وكان القذافي وإعلامه يخرج عقب كل محاولة ويدين الإمبريالية والمؤامرات الأمريكية، ويزعم أن أمريكا تعمل على إسقاط حكمه!!

‎التقى الدكتور جبريل عددا من الدبلوماسيين الأمريكيين، منهم "بلمر" الذي كان سفيرًا أثناء انقلاب القذافي، و"ديفيد نيوسن" الذي كان موجودا في ليبيا ثم أصبح مسؤولًا عن الملف الليبي داخل وزارة الخارجية الأمريكية، وكذلك "جوزيف ساندرز" الذي صار قائمًا بالأعمال بعد تخفيض العلاقات بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية. وجميعهم أكدوا أن مبررهم في ذلك هو أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتطلع إلى أن تكون ليبيا قاعدة لمواجهة المد الشيوعي. ولكن عندما سأل جبريل وزير الخارجية الليبي الأسبق منصور الكيخيا -رحمه الله- عن مبرر أمريكا في الكشف عن الانقلابات ضد القذافي؛ رد بتلاوته للآية الكريمة: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، لحثه على عدم البحث عن الأسباب.

الحراك الأمريكي
مرة أخرى، تجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أمام تحدٍ متسارع يتمثل في تمدد نفوذ الدول التي كانت تُوصف سابقاً بأنها شيوعية؛ (الصين وروسيا) نحو أفريقيا. الصين تسعى لتعزيز وجودها الاقتصادي القوي في أفريقيا عبر استثمارات واسعة، بينما تعمل روسيا على تعزيز نفوذها العسكري في القارة. وليبيا تعتبر بوابة لهذا الاهتمام الصيني والروسي، مما يخلق منافسة جيوسياسية جديدة في المنطقة.

‎ الحراك الأمريكي النشط في سباق مع الزمن، بعد الفشل المريع للمبعوثين الدوليين "يان كوبيتش" و"عبدالله باتيلي" اللذين أشرفا على عودة الانقسام السياسي واستمراره. هذا الحراك الأمريكي يسعى لتنشيط التوصل إلى حكومة موحدة إما باتفاق سياسي جديد وإما بالاستفادة مما هو موجود. أمريكا ترى أن الوقت ما زال في صالحها، وأن الفرقاء السياسيين، رغم محاولاتهم مد جسور مع الصين وروسيا، لا يزالون في إطار لا يشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية. حتى استعانة حفتر بمجموعة الفاغنر، كانت في البداية بضوء أخضر أمريكي، وكان يهدف إلى تمكينه من السيطرة على كامل التراب الليبي في محاولته السابقة في 2019. إلا أن تجاوز الفاغنر للضوء الأخضر واستغلاله للتسلل نحو دول الساحل والصحراء، دفع بأمريكا لتحويل الضوء الأخضر غربًا -وذلك بغض الطرف عن التدخل التركي- بعد أن كان شرقًا بالسماح بتدخل الفاغنر.

اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية لم يقتصر على اللقاءات المختلفة مع الفرقاء السياسيين والعسكريين في ليبيا، بل قدم لهذا الاهتمام بقانون الهشاشة وقانون الاستقرار. قانون الهشاشة يهدف إلى إنشاء حكومة وطنية موحدة في ليبيا قادرة على تقديم الخدمات وضمان الأمن، وتشمل دعم الانتخابات الوطنية وتحسين الوصول إلى العدالة والمساءلة، مع جهود لتهيئة الظروف لنزع السلاح وإعادة دمج المقاتلين السابقين. بينما يهدف قانون الاستقرار إلى دعم الاستقرار بليبيا من خلال الجهود الدبلوماسية وفرض عقوبات على الكيانات الأجنبية التي تعرقل السلام وترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، إضافةً إلى تعزيز الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، ودعم التعافي الاقتصادي.
تسعى الولايات المتحدة للضغط على الحكومات العربية للاعتراف بالكيان الصهيوني، بينما يرفض العقل الجمعي الليبي ذلك إلا في إطار حل عادل للقضية الفلسطينية، وبإرادة فلسطينية حرة، وبممثلين حقيقيين عنهم.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتعيين سفير فوق العادة، فمن المتوقع أن تتسلم السفيرة الأمريكية "جينيفر جافيتو" مهامها كسفيرة للولايات المتحدة في ليبيا. وهي دبلوماسية محترفة شغلت مناصب عليا في وزارة الخارجية وعملت في العديد من الدول، بما في ذلك دول من المنطقة. يأتي تعيينها كسفيرة فوق العادة لتتمتع بصلاحيات واسعة في ظل المخاوف الأمريكية من التوسع الروسي في غرب أفريقيا والصحراء الكبرى.

‎ تناغم وتضارب مع المصالح الأمريكية
أمريكا لديها خمس مصالح على الأقل في ليبيا: استدامة تدفق النفط لضمان استقرار إنتاجه كجزء من استراتيجيتها لتأمين مصادر الطاقة العالمية، وتحجيم المشروع الصيني الناعم والمشروع الروسي الخشن، ومكافحة الإرهاب حيث يمكن لليبيا أن تكون قاعدة له أو قاعدة لمكافحته، مما يؤدي إما إلى تعزيز الأمن الإقليمي والعالمي وإما إلى تهديده. المصلحة الخامسة، ما بين ظفرين، هي "نشر الديمقراطية".

تختلف ليبيا مع أمريكا في ثلاث قضايا أساسية: أولاً، في تعريف الإرهاب وبالذات في تصنيف الحركات كإرهابية أو حركات تحرر مشروعة، وهي مشكلة عالمية تعكس صعوبة الوصول إلى تعريف موحد للإرهاب. 

القضية الثانية تتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تسعى الولايات المتحدة للضغط على الحكومات العربية للاعتراف بالكيان الصهيوني، بينما يرفض العقل الجمعي الليبي ذلك إلا في إطار حل عادل للقضية الفلسطينية، وبإرادة فلسطينية حرة، وبممثلين حقيقيين عنهم.

‎أما الخلاف الثالث فهو التفسير العملي لنشر الديمقراطية، فالسائد في المنطقة أن العمل على نشر الديمقراطية يكون بتمكين مستبد بثوب ديمقراطي، وهذا لا يجب أن يكون بحال. نتوقع من الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، أن تحترم التضحيات التي قدمت من أجل إنهاء الاستبداد، وعليها أن تساعد ليبيا لتمهيد الطريق نحو الانتخابات؛ من خلال حوار ينتج عنه ميثاق وطني، وعدالة انتقالية منجزة، ومصالح وطنية جادة، ومن ثم يُعاد صياغة مشروع الدستور ليعكس مخرجات هذا الحوار، وتجرى الانتخابات على أساسه وليس قبله.

إنهاء الانقسام الخارجي ينهي الانقسام الداخلي
المبعوث الدولي الدكتور "غسان سلامة" ونائبته "ستيفاني وليامز" تنبها مبكراً للأثار السلبية للصراعات الدولية في ليبيا وتأثيراتها على الاستقرار، وقادا جهوداً حثيثة لمعالجة هذا الانقسام الخارجي ومن ثم الانقسام الداخلي من خلال إيجاد حكومة وحدة وطنية. ثم عاد الانقسام إلى الواجهة من جديد في عهد المبعوث الأممي السابق "يان كوبيتش" بسبب أخطاء فادحة ارتكبها، مما أعاد إشعال الخلاف الخارجي بين الدول المتدخلة في الشأن الليبي. 

من مصلحة ليبيا أن توازن علاقاتها الخارجية لتحقيق المصالح المشتركة، خاصة مع الدول الكبرى، على الرغم من التحديات التي تواجهها بسبب الانقسام السياسي. بعض مصالح هذه الدول في ليبيا متضاربة، ومن هنا يجب على الفرقاء السياسيين تبني استراتيجية تتيح تحقيق أقصى قدر ممكن من المصالح الوطنية، والتعامل مع هذا التضارب ضمن إطار هذه الاستراتيجية، رغم صعوبة المهمة المركبة المتمثلة في إنهاء الانقسام الداخلي والخارجي وضمان تناغمهما لتحقيق المصالح الوطنية في ظل المصالح المتضاربة بين الدول الكبرى.

في ظل تعيين السفيرة جافيتو وتواجد سفراء الدول الكبرى والدول المتدخلة في الشأن الليبي بطرابلس، يمكن للممثل الخاص المساعد للأمين العام، ستيفاني خوري، أن تسير بخطى متسارعة باستثمار هذا التواجد لبناء استراتيجية مشابهة لجهود سلامة ووليامز؛ تهدف إلى ضمان دعم الدول المتدخلة في الشأن الليبي لعملية سياسية شاملة تدعم الحوار الوطني وتحترم مبادئ السيادة وإرادة الشعب الليبي.

مقالات مشابهة

  • تأجيل محاكمة المتهمين باختلاس تمثال من المتحف المصري الكبير
  • بعد توقف 10 سنوات.. الجوية العراقية تعلن بدء تسيير رحلات بغداد وبكين
  • اليوم.. محاكمة المتهمين بسرقة تمثال أثري من المتحف المصري الكبير
  • أمريكا وأكلاف الكيان الصهيوني الباهظة
  • «فورين بوليسي»: خطة ترامب لإضعاف الدولار ليس لها أي معنى
  • الولايات المتحدة ترسل العشرات من الطائرات المقاتلة الجديدة إلى قواعد اليابان في إطار تحديث القوة بقيمة 10 مليارات دولار
  • غدا.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمي سرقة تمثال أثري من المتحف المصري
  • الصراع الجيوسياسي في ليبيا والحراك الأمريكي
  • 4 تموز 1886- إقامة تمثال الحرية في ولاية نيويورك
  • أنطونوف: الولايات المتحدة دولة راعية للإرهاب