توازنات دول الخليج الصعبة مع القوى الكبرى!
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
توازنات دول «التعاون» الصعبة مع القوى الكبرى!
انسحب بايدن العسكري بشكل فوضوي ومرتبك من أفغانستان، وسحب أنظمة دفاعية وبطاريات صواريخ وخفض عديد القوات الأمريكية بالخليج.
رغم انتهاء الأزمة الخليجية، تراجعت الثقة بالعلاقة بالحليف الأمريكي لتغير أولوياته، لكنه يبقى الوحيد القادر على توفير الحماية للحلفاء الخليجيين.
ترتبط دول الخليج أمنيا بأمريكا، وبروسيا في قضايا الطاقة، وبالشراكة مع الصين والهند في التجارة والرخاء!، وهذا يتطلب منها عملا دؤوبا وتوازنات صعبة!
تتعمق معضلة مجلس التعاون الخليجي الأمنية، ولم ينجح بتنويع خياراته الأمنية والدفاعية بعد التراجعات الأمريكية منذ استدارة أوباما قبل عقد لمواجهة الصين.
تذمر ترامب من «الحروب الدائمة والمكلفة في الشرق الأوسط»، ولم يرد بعد الاعتداء المدمر على منشآت أرامكو في أبقيق وخريص بالسعودية بصواريخ وطائرات مسيرة إيرانية الصنع.
شهدت العلاقات الخليجية-الأمريكية مدا وجزرا وخلافات حول العلاقة بإيران وإنتاج النفط والعلاقة بروسيا في حرب أوكرانيا والتقارب مع الصين والوساطة الصينية بين السعودية وإيران، وشراء أسلحة صينية وروسية.
* * *
أكرر في محاضرات وندوات ومقالات منذ أكثر من عقد، أننا نشهد نهاية حقبة النظام العالمي أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، الذين هيمنوا على النظام العالمي بشكل كبير منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ووضعوا الأسس لنظام أحادي عالمي.
نجح الاتحاد السوفياتي وحلفاؤه في حقبة الحرب الباردة في صراع وحروب بالوكالة واستنزاف امتد من أوروبا إلى شرق آسيا ومن أفغانستان والشرق الأوسط إلى غرب أفريقيا بفرض نظام عالمي ثنائي القطبية.
لكن سقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه لخمس عشرة جمهورية نهاية عام 1991، كرس نظام أحادي القطبية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية دون منازع أو منافس.أطلق الرئيس جورج بوش الأب مصطلح «النظام العالمي الجديد» بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي وانتصار الغرب والرأسمالية والتعددية الديمقراطية وتحرير دولة الكويت واستعادة الأمم المتحدة لدورها.
تسرّع مفكرون وباحثون أمريكيون للاحتفال بالنصر المظفر، كحال المفكر الأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما، والترحيب بالنظام العالمي الجديد بكتابه «نهاية التاريخ والرجل الأخير» بسيطرة النظام الغربي الديمقراطي واندحار الاستبداد والحكم السلطوي.
لكن ثبت بالدليل والمعايشة أن ذلك التحليل كان ساذجاً ومتسرعاً دحضه صعود قوى كبرى ومتوسطة الأحجام ترى الولايات المتحدة «نمرا من ورق»، كما كتب المؤلفان باراك مندلسون ودومينيك تيرني في دورية Survival "النمر الورقي: صورة العدو الأمريكي» مؤخراً، وعلى رأسها الصين وروسيا وحتى قوى إقليمية محدودة القدرات مثل فيتنام وأفغانستان.
نشهد ذلك اليوم بعجز الولايات المتحدة عن منع انقلابات في أفريقيا، وفي إقناع دول أوبك+ على خفض انتاج النفط، والسماح للصين بتحقيق إنجازات دبلوماسية غير مسبوقة في عقر نفوذها في الخليج العربي بالتوسط بين السعودية وإيران، والفشل في الضغط على الحليف الإسرائيلي بوقف سرطان الاستيطان وتهميش النظام القضائي ووقف التصعيد والقتل الممنهج ضد الفلسطينيين.
كما نرى تجليات ذلك في محدودية قدرة أمريكا التي تورطت في حرب روسيا على أوكرانيا مع حلفائها في حلف الناتو بحروب بالوكالة واستنزاف. وبرغم تقديم دعم بعشرات مليارات الدولارات واستنزاف أوكرانيا وروسيا، فشلت في تحقيق اختراقات في الهجوم الأوكراني المضاد للقوات الروسية في حرب أوكرانيا.
كما تبدو الولايات المتحدة عاجزة عن وقف صعود الصين وردعها عن ترهيب جيرانها-حلفاء أمريكا - تايوان والفلبين وفيتنام وتايلاند، برغم نسج أمريكا تحالفات في شرق آسيا لاحتواء تمدد ونفوذ الصين في جوارها القريب والبعيد ومشروع طريق الحرير والحزام والطريق الواحد العالمي وفي التجارة مع الصين، حيث تميل كفة التبادل التجاري الصيني - الأمريكي لمصلحة الصين منذ سنوات بما يصل إلى 382.9 مليار دولار سنوياً.
وتسعى الصين لشراكة استراتيجية مع روسيا، حتى قبل الحرب على أوكرانيا، لتكريس هيمنتها في منطقة بحر الصين الجنوبي والشرقي للدفع بنظام عالمي متعدد الأقطاب مع روسيا ـ لكسر هيمنة الغرب على النظام العالمي بزعامة أمريكا والشركاء في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وكندا واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية والمنظمات الدولية الاقتصادية والمالية ممثلة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة السبع ومجموعة العشرين.
بتقديم نموذج بديل للاقتصادات الناشئة متمثلة بتكتلات ومنظمات إقليمية، أبرزها مجموعة بريكس - تأسست عام 2009 من البرازيل وروسيا والهند والصين وضمت جنوب أفريقيا عام 2010 لتكون نموذجاً بديلاً للدول النامية واقتصاداتها عن النموذج الغربي. عقدت قمتها الخامسة عشرة في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا الأسبوع الماضي وتوسعت لتضم أعضاء جددا: السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وأثيوبيا.
مزيج من حلفاء وخصوم أمريكا والغرب ومنظمة شنغهاي للتعاون في رسالة واضحة المعالم بأن النظام العالمي أكبر من أن يحتكره الغرب، وأن هناك خيارات للدول بما فيها حلفاء الولايات المتحدة بالتعددية في الخيارات. وهذا نهج وواقع جديد يبدو أنه سيشتد عوده ويكبر ويتوسع.
في المقابل، برغم المصالحة الخليجية من أعقد وأخطر أزمة في تاريخ المجلس قبل 4 سنوات في تراجع الثقة بالعلاقة على الحليف الأمريكي لتغير أولويته، لكن يبقى الوحيد القادر على توفير الحماية للحلفاء الخليجيين.
لذلك تتعمق معضلة دول مجلس التعاون الخليجي الأمنية، ولم ننجح بتنويع خياراتنا الأمنية والدفاعية بعد سلسلة من التراجعات الأمريكية منذ استدارة الرئيس أوباما قبل عقد لآسيا لمواجهة الصين. وتذمر الرئيس ترامب من «الحروب الدائمة» والمكلفة في الشرق الأوسط»، وعدم الرد بعد الاعتداء المدمر على منشآت أرامكو في ابقيق وخريص في السعودية بصواريخ وطائرات مسيرة إيرانية الصنع عام 2019-وانسحاب الرئيس بايدن العسكري الفوضوي والمرتبك من أفغانستان، وسحب أنظمة دفاعية وبطاريات صواريخ وخفض عديد القوات الأمريكية في المنطقة.
كما شهدت العلاقات الخليجية-الأمريكية مدا وجزرا وخلافات حول العلاقة مع إيران وإنتاج النفط والعلاقة مع روسيا في حربها على أوكرانيا والتقارب مع الصين والوساطة الصينية بين السعودية وإيران، وشراء أسلحة صينية وروسية وقضايا حقوق الإنسان.
ما عمّق فجوة ثقة الحلفاء الخليجيين بالحليف الأمريكي، ودفعهم للتفكير خارج الصندوق، والعمل على نسج شبكة علاقات واتفاقيات أمنية وعضوية منظمات مع قوى كبرى، مع بقاء العلاقة الاستراتيجية المتراجعة مع الولايات المتحدة.
الواقع تواجه دول مجلس التعاون الخليجي معضلة أمنية حادة في سعيها لتنويع خياراتها الأمنية والدفاعية في نظام عالمي وخليجي يتحول للتعددية القطبية. وسط ديناميكية تغيرات جيو-استراتيجية.
يؤكد الباحث في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية الصديق أميل حكيم: "يرتبط أمن دول مجلس التعاون الخليجي بأمريكا، ومع روسيا في قضايا الطاقة (بعضوية أوبك+) والشراكة مع الصين ودول آسيوية بالتجارة والرخاء!، وهذا يتطلب عملا دؤوبا وتوازنات صعبة من دول المجلس"! هذا التحدي الحقيقي لدول الخليج يحتاج لتفصيل.
*د. عبد الله خليفة الشايجي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت
المصدر | الشرقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا الخليج الصين روسيا نظام عالمي تعدد الأقطاب الهجوم الأوكراني المضاد حرب أوكرانيا مجلس التعاون الخلیجی الولایات المتحدة النظام العالمی مع روسیا روسیا فی مع الصین
إقرأ أيضاً:
هل تنجح دول الخليج في تحقيق التوازن في علاقاتها الاقتصادية بين الصين والغرب؟
تسعى دول الخليج لتحقيق توازن في علاقاتها مع كل من الصين والغرب؛ حيث تحاول تعزيز خططها الاقتصادية والتكنولوجية عبر شراكات مع الغرب، فيما أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للخليج. ولكن هل تنجح دول الخليج بالفعل في الحفاظ على هذا التوازن؟
بحسب تقرير نشرته مجلة "إيكونوميست" وترجمته "عربي21"، فإن حكام دول الخليج الثرية أمضوا سنة 2024 في القيام بأمرين: أولا وضع بصمتهم على خريطة التكنولوجيا العالمية في محاولة للارتقاء في الترتيب الرقمي، وثانيا المضي قدما في خططهم الطموحة للتنويع الاقتصادي، وقد انطوى ذلك على شراكات مع الغرب والصين، لكن مع اقتراب 2025 تتعرض دول الخليج لضغوط متزايدة لاختيار أحدهما.
واعتبرت المجلة أن دول الخليج تميل نحو الغرب عندما يتعلق الأمر بتعزيز طموحاتها التكنولوجية، فقد استقطبت الإمارات العربية المتحدة، شركة مايكروسوفت كشريك لشركة "جي 42"، وهي شركة محلية رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي. كما تنشئ مايكروسوفت حاليًا مركزًا هندسيًا في أبوظبي، وتستثمر في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، إلى جانب شركة بلاك روك، أكبر شركة تدير الأصول في العالم، وصندوق "إم جي إكس"، وهو صندوق إماراتي للتكنولوجيا.
ويصف براد سميث، رئيس شركة مايكروسوفت، هذا الأمر بأنه "نموذج جديد للتعاون الجيوسياسي والاقتصادي" بين الشرق الأوسط والغرب، ويشير إلى أنها في المقام الأول "علاقة بين الحكومات، مدعومة من القطاع الخاص".
من جانبها، تعمل المملكة العربية السعودية على إنشاء صندوق للذكاء الاصطناعي بقيمة 40 مليار دولار بالشراكة مع مستثمرين أمريكيين، وتخطط جوجل لإنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في المملكة، حسب التقرير.
وأشارت المجلة إلى أن اعتماد الدول الخليجية على الغرب لم يمنع من أن تصبح الصين أكبر شريك تجاري للخليج؛ حيث تعمل بكين على زيادة استثماراتها في المنطقة بشكل سريع، وقد اتجهت هذه الدول شرقًا فيما يتعلق بالمخططات الوطنية الطموحة لإصلاح اقتصاداتها وقامت ببناء روابط تجارية ومالية أكثر إحكامًا مع الشركات والمستثمرين الصينيين، الذين يقومون بتعزيز البنية التحتية في دول الخليج وجلب التكنولوجيا الصناعية.
وتردّ الشركات الخليجية الغنية بضخ مليارات الدولارات في شركات التكنولوجيا ومشاريع الطاقة في الصين وأماكن أخرى في آسيا، وضمن هذه العملية تفتح الشركات الخليجية أسواقًا جديدة وتجد فرصًا للنمو.
ووفقا للتقرير، فإن المشكلة تكمن في معارضة أمريكا للروابط التكنولوجية مع الصين، وفي هذا الإطار أُجبرت شركة "جي 24" على قطع علاقاتها مع شركة هواوي، عملاق الاتصالات الصيني، قبل إبرام الصفقة مع مايكروسوفت، كما كانت أمريكا مترددة في السماح بتصدير رقائق الذكاء الاصطناعي من إنفيديا إلى الشرق الأوسط، خوفًا من أن ينتهي الأمر بإرسال بعضها إلى الصين.
وفي شباط/ فبراير الماضي، وقعت شركة "دو"، وهي شركة اتصالات إماراتية، اتفاقية مع شركة هواوي لبناء شبكات الجيل الخامس، وقد هددت أمريكا بوقف مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الأطراف التي تستخدم معدات هواوي خوفا من استخدامها في التجسس.
وأضافت المجلة أن دول الخليج ترى رغم ذلك في الصين شريكًا موثوقًا به وجذابًا لتحقيق أهدافها الحالية، فقد ساعدت الصين الإمارات على أن تصبح مركزًا تجاريًا عالميًا؛ حيث أنشأت مستودعات ضخمة وعمليات تجارية وبنى تحتية مفيدة.
كما أن الصين تدعم التحول نحو الطاقة المتجددة في دول الخليج من خلال توريد الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وقد لعبت الشركات الصينية أيضًا دورًا محوريًا في أنشطة البناء والنقل وغيرها من الأنشطة الصناعية في جميع أنحاء الخليج، كما تعمل الجامعات الصينية على تعزيز التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا مع نظيراتها في الخليج.
إلا أن العمل مع أمريكا، وفقا للمجلة، يساعد على تأمين الطموحات التكنولوجية للخليج، والتي تعتبر أساسية في خطط التنويع الاقتصادي والنمو المستقبلي، كما يتطلع حكام الخليج إلى الاستثمار في الفضاء والدفاع والأمن السيبراني كمجالات واعدة في منطقة تزداد توترا.
وأكدت المجلة أن الولايات المتحدة أظهرت في بعض الأحيان أنها شريك يخدم مصالحه فقط؛ حيث خنقت طموحات دول الخليج وشركاتها، وتعاملت مع المنطقة كأداة في جهودها لبناء نفوذ في جنوب العالم، وسيستمر ذلك في عهد دونالد ترامب.
وختمت بأن دول الخليج قد تتطلع إلى دول آسيوية أخرى كبديل للصين إذا زادت الضغوط الغربية، وقد تحوّطت السعودية في رهاناتها حيث تعاونت مع شركات بناء من الهند وكوريا الجنوبية في بعض المشاريع، لكن هذه الشركات تكافح لمنافسة سرعة وكفاءة وقوة التصنيع التي تتمتع بها شركات البناء والهندسة الصينية.