رابعًا: «تطوير وتنمية المُجتمعات المحليَّة».
إدارة المُجتمع لمرافقه العامَّة، وتنمية مهارات الأفراد للعمل، وتحفيزهم على طرح الأفكار والمبادرات التي من شأنها تحقيق المصالح العامَّة للجماعة، وإحداث التغيير والتطوير في بيئاتهم المحليَّة، وتعزيز قِيَم الخير والتكافل والإسهام في تطبيق النظام والتعود على مبادئه، وتشييد وصيانة المرافق العامَّة، وحماية الوطن والحارة والمكان والسُّوق والمسجد والفلج والمدرسة والمنشآت من أي عبث وإهمال، وإلقاء للمخلَّفات والقمامة وضرر وفساد وغش واستغلال سيء والحفاظ على نظافتها… مُثل ومبادئ وأعراف تُشكِّل محورًا أساسيًّا ومحتوى سائدًا في ثقافة المُجتمع العُماني، واعتاد عليها النَّاس جيلًا بعد جيل عَبْرَ المراحل والعصور التاريخيَّة المختلفة، وفي السنوات ـ التي تكررت كثيرًا في الماضي ـ التي تضعف فيها الدولة أو يغيب وجودها كلِّيَّة عن مناطق ومُدن وقُرى في عُمان، يتولَّى المُجتمع بنَفْسِه إدارة وصيانة وعمارة شؤونه وحياته ومرافقه.
وتناول كتابي «إضاءات على إسهامات العُمانيين الاجتماعيَّة والعلميَّة والفكرية»، دَوْر المُجتمع المحلِّي البارز ماضويًّا في تشييد وبناء الأسواق والمساجد والمجالس العامَّة والمدارس التقليديَّة والأفلاج والقلاع والحصون والأسوار والبوَّابات الحمائيَّة، وتنظيم أعمالها وإدارتها والإشراف عليها وصيانتها وتجديدها، ووقف الأموال لها، وتعيين المُعلِّمين وأئمَّة المساجد والحرَّاس، وإجراء الرواتب الشهريَّة لهم من عوائد الأموال الموقوفة… هذا فضلًا عن الدَّوْر الريادي في التربية والتعليم والتطبيب وغير ذلك الكثير… وبَيَّنتُ ذلك تفصيلًا في عناوين ومحاور الكتاب المشار إليه. وفي العصر الحديث ابتكرَت الحكومات بالتعاون والشراكة مع المُجتمعات الأهليَّة والخيريَّة ومؤسَّسات المُجتمع المَدني قنوات وآليَّات وأساليب جديدة، وأقرَّت قوانين وتشريعات تضْمَن مشاركة الأفراد وتأهيلهم وتحفيزهم وتكريمهم، ثمَّ، للإسهام في تنمية وتطوير مُجتمعاتهم المحليَّة، وتعزيز قدراتهم على طرح الأفكار والمبادرات التي تُحقِّق مصالح الجماعة داخل المُجتمع، واستثمار المكنات والفرص المتوافرة في كُلِّ قرية وحارة ومدينة لتنشيط الأعمال والأسواق بأنواعها وتوفير الوظائف، وتنظيم وإقامة الفعاليَّات الثقافيَّة والرياضيَّة وتحقيق الازدهار، وإبراز المواهب الشَّابَّة التي تمتلك قدرات فنيَّة وأدبيَّة ورياضيَّة ولدَيْها إمكانات في إحداث التغيير والتطوير والأخذ بها إلى طريق المستقبل المزدهر، وحثَّ الشركات الكبيرة والمؤسَّسات الحكوميَّة المتخصِّصة وإقناعها من خلال دراسات الجدوى والأفكار والمبادرات المصاغة بعناية والمُعدَّة بدقَّة… للدخول شراكة في العديد من المشاريع والأنشطة أو الإسهام في الأعمال الخيريَّة وخدمة المُجتمع المحلِّي… فالأندية وجمعيَّات المرأة ومجالس البلديَّة… عليها مسؤوليَّات كبيرة للقيام بهذا الدور الحيوي والهام في تنشيط المُجتمع المحلي. وقد تراجع هذا الدَّوْر بشكلٍ كبير في السَّلطنة خلال العقود الخمسة الماضية، فأصبحت الحكومة عَبْرَ مؤسَّساتها وهيئاتها المُتعدِّدة تقوم بجميع الأدوار والأعمال صغيرها وكبيرها، وهيمنت على المشهد العامِّ الذي غاب عَنْه المُجتمع واختفى الكثير من أدواره الكبيرة التي تولَّاها في الماضي، وتحوَّل إلى فرد متَّكلٍ فيما يتعلَّق بشؤون مُجتمعه المحلِّي، ولَمْ يَعُدْ يعنيه ما يحدث في المنشآت والمرافق والأماكن العامَّة من إهمال وتقصير وعبَث، وحتى تلك التي نطلق عليها تشبُّهًا وكسلًا بـ»مؤسَّسات مُجتمع مَدني»، والتي نشأت تحت مظلَّة الرعاية الحكوميَّة ودعمها، ليس لها أثَر ملموس وواضح في تطوير المُجتمع المحلِّي، ولهذا الواقع ضرره البالغ على المستقبل، فغياب الشراكة وتجاهل دَوْر المُجتمع وأثره النافع في التنمية والتغاضي عن التشاور معه في إعداد السِّياسات وصناعة القرارات التي تستهدفه بشكلٍ مباشر وتخصُّ شؤونه، وتتعلق بالمرافق والقوانين التي تدخل ضِمْن مصالحه سوف يتسبب في الكثير من الإخفاقات وظهور المشاكل وتعقيدها وتراجع الثقة واهتزازها بمرور الأيَّام والأعوام، وتحميل السِّياسات والبرامج والخطط الحكوميَّة مسؤوليَّة النتائج والآثار السلبيَّة التي سوف تحدث، وهو ما نراه ماثلًا للعيان، مشاهدًا في ملفات وقضايا وموضوعات كثيرة تدخل ضِمْن مصالح المُجتمع وتؤثِّر على حياته المعيشيَّة… هذا الواقع الذي بدأت تلوح مؤشِّراته مبكرًا، تنبَّه له مجلس الشورى الذي بادر حينها، أي في أكتوبر 1992م، إلى بحثِه فأعدَّ حَوْلَه دراسة متكاملة، جاء عنوانها «تطوير وتنمية المُجتمعات المحليَّة»، ضمَّنها تحليلات معمَّقة وخلفيَّات وحيثيَّات مفصَّلة عن موضوعها، ودعا إلى «اعتماد سياسة لتنمية المُجتمعات المحليَّة تسير وفق منهج التكامل والتنسيق والتضافر بَيْنَ جهود الأهالي وجميع الجهات الحكوميَّة المسؤولة عن تخطيط وتنفيذ وتمويل ومتابعة مشروعات تنمية المُجتمعات المحليَّة، والعمل فيما بَيْنَها على المستوييْنِ المركزي والمحلِّي تحقيقًا لفاعليَّة هذه المشروعات وكفاءتها وتمكينًا لها من الوفاء باحتياجات المُجتمع بأقلّ تكلفة ممكنة»، كما طالبت توصيات الدراسة بضرورة «إنشاء لجان محليَّة على مستوى الولايات، وإلى إنشاء مراكز تنمية للمُجتمعات المحليَّة بالتدريج ووفق خطَّة تراعي أهمِّية الموقع ومدى توافر الخدمات الأساسيَّة وحجم الكثافة السكَّانيَّة، والعمل على تدريب القيادات المحليَّة لإدارة تلك المراكز وتمكينها من تنظيم جهودها الذاتيَّة، والتوسُّع في برامج التدريب على الحرف التقليديَّة ذات الجدوى الاقتصاديَّة، والاهتمام بمشروعات الأُسر المنتجة وحمايتها من المنافسة ومدِّها بما يلزم من مُعدَّات وآلات وخامات، وإيجاد منافذ لتسويق منتجاتها، ودعم جهود الوزارة المعنيَّة ومشروعاتها في مجالات التنمية المحليَّة وتعزيز قدراتها التمويليَّة…». دراسات مجلس الشورى وبالنظر إلى قِيمتها العالية وتناولها لموضوعات وقضايا وطنيَّة مهمَّة ترتبط بشؤون ومصالح وحياة المُجتمع، وتحقيق تطلُّعاته ومعالجة مُشْكِلاته، لجديرة بحقٍّ وتستحقُّ بأن يعادَ النَّظرُ فيها ومراجعة توصياتها من قِبل المؤسَّسات الحكوميَّة المعنيَّة بموضوعاتها، بشيء من الموضوعيَّة والأمانة، وبما يخدم البرامج والخطط والرؤى الاقتصاديَّة والتنمويَّة، ويفضي إلى تحقيق الشراكة الفاعلة والحقيقية بَيْنَ الأطراف الرئيسة في وطننا الغالي عُمان. صحيح أنَّ جهودًا بُذلت وتُبذل، أهليَّة ورسميَّة من قِبل الحكومة، وهياكل وأُطر وبرامج صدرت وأقرَّت، لتطوير «وتنمية المُجتمعات المحليَّة» وضمان قيام الأفراد بأدوارهم المسؤولة في هذا الجانب، ولكنَّها لا تزال بعيدة عن تحقيقها لغاياتها ويصاحبها الغموض واللبس والازدواجيَّة وتداخل الاختصاص، وتتطلب الكثير من الجهود والمبادرات والخطوات العلميَّة الفاعلة، ومنحها الحُريَّة والاستقلاليَّة والصلاحيَّات الواسعة لِتتمكَّنَ من القيام بأدوارها الحقيقيَّة.
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية:
الم جتمع الم
التی ت
إقرأ أيضاً:
ابو الغيط يستقبل وفد مجلس الشيوخ الفرنسي ويؤكد علي العلاقات التي تربط بين المنطقة العربية وفرنسا
استقبل السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بمقر الامانة العامة اليوم الثلاثاء الموافق 17 ديسمبر الجاري، وفد من لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بمجلس الشيوخ الفرنسي برئاسة السيد فرنسوا بانو عضو المجلس وذلك في اطار زيارة يقوم بها الوفد للقاهرة.
وصرح جمال رشدي المتحدث الرسمي باسم الامين العام بأن أبو الغيط رحب بزيارة الوفد الفرنسي لمقر الجامعة، مشيراً إلى العلاقة السياسية والاقتصادية والشعبية الممتدة التي تربط بين المنطقة العربية وفرنسا، وذلك انطلاقاً من الروابط التاريخية التي تربط الجانبين في العديد من المجالات والعلاقات المتميزة القائمة بينهما على المستوى الرسمي والشعبي وآليات التعاون والتنسيق المهمة إزاء القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وفي هذا الاطار، شدد السيد الأمين العام على الاهمية الكبيرة التي يعلقها الجانب العربي على اعتراف الحكومة الفرنسية بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967، باعتبار ذلك ينسجم مع دور فرنسا القيادي في اوروبا، ويمثل خطوة مهمة نحو تعزيز حل الدولتين وتنفيذه على الارض.
واضاف رشدي أن الوفد اهتم بالتعرف على رؤى الأمين العام إزاء التطورات الأخيرة للوضع في سوريا ولبنان والقضية الفلسطينية خاصة الحرب على قطاع غزة، في حين استعرض الوفد اخر المواقف تجاه عدد من القضايا الدولية والاقليمية، كما حرص الوفد الفرنسي بدوره على تثمين علاقات بلاده بالدول العربية، مؤكداً على أهمية العمل خلال المرحلة المقبلة للسعي نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة على الارتقاء بهذه العلاقات على كافة الأصعدة وحرصهم على توسيع رقعة التعاون السياسي والاقتصادي.