كيف نوقف الحلقة المفرغة من العنف والبؤس في اليمن؟
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
كانت زيارة اليمن الأسبوع الماضي فرصة للاطلاع عن كثب على التحديات التي ازدادت حدتها مؤخراً في اليمن الشقيق، بما في ذلك الهدنة التي أصبحت أكثر هشاشة من أي وقت مضى، فبعد 15 شهراً من إعلانها في 5 أبريل (نيسان) 2022. يتصاعد العنف على عدد من الجبهات في غياب تقدم ملموس من الأمم المتحدة لتثبيت وقف إطلاق النار أو بدء الحل السياسي، أو بوادر حل للاقتصاد المتدهور أو الأزمة الإنسانية التي تزداد عمقاً وشراسة.
وهناك إحباط ملموس لأن الحكومة اليمنية نفّذت تعهداتها بموجب اتفاق الهدنة، فتم فتح مطار صنعاء للرحلات الدولية، وازدادت حركة الواردات إلى ميناء الحديدة، بما في ذلك شحنات الوقود، ولكن لم يقابِل ذلك تنفيذ الحوثيين التزاماتهم سواء نحو الحل السياسي أو فتح الطرق أو فك حصار تعز الذي دخل عامه التاسع، وذلك فضلاً عن الخروقات العسكرية المتكررة للهدنة.
ويقول اليمنيون إن آمالهم في أن تخفيف التوتر مع إيران قد يؤدي إلى انفراجة في اليمن لم تتحقق، خصوصاً في ضوء التشدد الحوثي إزاء الوساطة السعودية - العمانية. فبعد هدوء نسبي في بدايات الهدنة، بدأ الحوثيون بالتصعيد العسكري مؤخراً، ففي إحاطة المبعوث الأممي لمجلس الأمن في شهر يوليو (تموز) أشار إلى تجدد الهجمات على محافظات الضالع، وتعز، والحديدة، ومأرب، وشبوة، وأضاف -مشيراً إلى تصريحات قادة الحوثيين دون أن يسميهم- أن «هذه الهجمات المتكررة، مصحوبة بالتهديدات العلنية بالعودة إلى الحرب واسعة النطاق، تزيد من التوترات والمخاوف».
ومنذ إحاطة غروندبرغ، ازدادت حدة الهجمات الحوثية على مناطق سيطرة الحكومة. فخلال الأسابيع القليلة الماضية هاجم الحوثيون محافظات مأرب ولحج والضالع وتعز، بما في ذلك ثلاث هجمات صاروخية متزامنة في 30 أغسطس (آب) على مخيمات النازحين في مأرب، واستأنف القناصة الحوثيون نشاطهم على خطوط التماس في مناطق أخرى.
وتعد منظمات دولية الحصار الخانق لثلاثة ملايين من البشر في تعز إحدى أخطر الكوارث الإنسانية، ففي تقرير للمنظمة الحقوقية (الأورومتوسطى لحقوق الإنسان) قالت إن سكان تعز يعانون نقصَ الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الطعام والدواء، وتعرضهم للقتل أو الإصابة من قذائف الحوثيين وقناصتهم، ووصفت المنظمة الحصار بأنه «نوع من العقاب الجماعي ضد المدنيين يمكن عدّه جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني».
فبدلاً من تنفيذ ما يخصهم من اتفاق الهدنة، رفع الحوثيون سقف مطالبهم، مستخدمين العنف للضغط على الحكومة لدفع مرتبات الموظفين الذين يعملون في مناطق سيطرتهم، وطالبوا بحصة من دخل البترول الذي كانت الحكومة تقوم بتصديره من الموانئ الخاضعة لسلطتها، في حين يرفض الحوثيون التخلي عن أي حصة من الموارد التي يحصلونها في مناطقهم، مثل الجمارك ورسوم الموانئ والاتصالات وجميع أنواع الجباية التي يقومون بها. وقد عرضت الحكومة إحالة ما يحصّله الجانبان إلى البنك المركزي لدفع المرتبات، ولكنَّ الحوثيين رفضوا هذا المقترح.
وبهدف إجبار الحكومة إلى الانصياع، قصف الحوثيون في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي موانئ تصدير البترول، مما أدى إلى توقف عمليات التصدير حتى الآن. ومن دون دخل البترول لم تتمكن الدولة من موازنة حساباتها، ولولا تقديم المملكة العربية السعودية في أول شهر أغسطس (آب) منحة بمبلغ (1.2) مليار دولار لما استطاعت الحكومة تنفيذ التزاماتها الأساسية، كما يقول الأشقاء اليمنيون. ولكن مثل هذا الإجراء يحل الأزمة وقتياً فقط، فالمطلوب استئناف الصادرات في أسرع وقت لتوفير حل طويل المدى. ولمعالجة النقص الحاد في الطاقة، استمرت المملكة العربية السعودية كذلك في تقديم شحنات الوقود لضمان استمرار محطات الكهرباء في العمل.
وبسبب انخفاض دخل الحكومة فإنها قد لا تتمكن من تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، فالملايين من اليمنيين يواجهون اليوم أزمة إنسانية تتفاقم يومياً، خصوصاً في البيئات الهشة، مثل مخيمات النازحين، حيث يوجد نحو مليونين منهم في محافظة مأرب فقط، وأصبحت الأزمة أكثر حدة بعد أن قلصت منظمات الإغاثة العالية مساعداتها، بما في ذلك برنامج الغذاء العالمي.
أما التنمية الاقتصادية فقد تراجعت مع تقلص قدرة الحكومة على تمويل مشروعاتها، كما أن الجمود في المسار السياسي دفع الكثير من الجهات المانحة والمستثمرين إلى التوقف. ففي مواجهة المجهولات الأمنية والسياسية، رأوا تجميد قرارات الدعم والاستثمار أو تخفيضها، وقصر مساهماتهم على تمويل أعمال الإغاثة، أو توجيهها إلى أماكن أخرى في العالم مثل أوكرانيا، وهو أمر يُشعر اليمنيين بالمرارة.
وفي هذه الأثناء يستخدم الحوثيون التصعيد العسكري وتفاقم الأزمة الإنسانية وسائل ضغط على الجانب الحكومي والمجتمع الدولي للاستجابة لمطالبهم المتزايدة.
ولهذا فإنه خلال زيارة الأسبوع الماضي لم نجد سوى تفاؤل ضئيل بأن الوضع سيتحسن ما لم يكن هناك ضغط حقيقي على الحوثيين لخفض التصعيد وتنفيذ التزاماتهم والانخراط في مفاوضات السلام.
وهناك الكثير من العتب على الأمم المتحدة للتحرك بسرعة أكبر على المسار السياسي، والأمل الكبير بأن يـهُبّ المانحون، بما في ذلك دول مجلس التعاون والصناديق الإقليمية، لمساعدة اليمن على التعامل مع هذه الأزمة السياسية الأمنية الإنسانية، خصوصاً في ظل تقليص المنظمات الدولية مساعداتها لليمن الذي في جاء في الوقت الخطأ حقاً.
وأمام هذه التحديات فإن التحرك نحو السلام في اليمن يتطلب جهوداً مكثفة ومنسقة على أربع جبهات على الأقل. فالأمم المتحدة تحتاج إلى التحرك بسرعة أكبر على المسار السياسي ولا تسمح لمطالب الحوثيين بإبطاء هذا المسار. وثانياً يتعين على اليمن وشركائه أن يَجدوا طريقاً سريعاً لاستئناف تصدير البترول لمساعدة الحكومة على سد عجزها المالي. وثالثاً، من المهم أن تكثف المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي جهودها لمساعدة اليمن على تعظيم موارد الدولة وتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها. وأخيراً فإن من الضروري أن تراجع منظمات الإغاثة الدولية قراراتها بتقليص المساعدات لليمن.
ولتحقيق هذه الأهداف أصبح استكمال تنفيذ اتفاق الرياض أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى لتعزيز وحدة الصف أمام التعنُّت الحوثي، ومن ناحية أخرى فإن التنسيق بين الجهات المانحة، وكذلك بين أصدقاء اليمن، ضرورة ملحة كذلك. فمن دون وحدة الصف بين الأشقاء اليمنيين وتنسيق جهود أصدقاء اليمن فإن الحوثيين سيستمرون في عرقلة أي جهود حقيقية لإنقاذ اليمن من محنته.
* الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات بمجلس التعاون لدول الخليج العربية
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن العويشق الأزمة اليمنية مجلس التعاون الحوثي بما فی ذلک فی الیمن
إقرأ أيضاً:
22 منظمة حقوقية تطالب بحماية أطفال اليمن من العنف والتجنيد
يمن مونيتور/ قسم الأخبار
طالبت 22 منظمة حقوقية، باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأطفال في اليمن وضمان مستقبلهم، مؤكدة أنهم يعانون من العنف والتجنيد والعنف الجنسي والحرمان من المساعدات.
وأوضحت المنظمات في بيان بمناسبة اليوم العالمي للطفل، الذي يصادف العشرين من نوفمبر، أن آلاف الأطفال سقطوا ضحايا خلال عقد من الحرب، إضافة إلى انتهاكات جسيمة ارتكبت بحقهم.
وشدد البيان على ضرورة إنشاء آليات للمساءلة الدولية؛ وتنفيذ خطة شاملة لإعادة تسجيل الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، داعيا الحوثيين إلى وقف حملتهم التضليلية ضد اللقاحات وتسهيل الوصول دون عوائق إلى الخدمات الأساسية للأطفال.
وجاء في البيان: “يجب على أطراف الصراع وخاصة جماعة الحوثي وقف جميع الانتهاكات ضد الأطفال على الفور، بما في ذلك القتل والتشويه، والتجنيد، والعنف الجنسي، والاختطاف، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية”.
وطالبت المنظمات بالامتناع عن الهجمات على المنشآت الطبية والتعليمية واستخدامها لأغراض عسكرية.
وحثت أطراف الصراع والأمم المتحدة والمجتمع الدولي على إعطاء الأولوية لحماية الأطفال في محادثات السلام المستقبلية، لضمان العدالة والمساءلة، وإشراك منظمات المجتمع المدني المحلية وضحايا الانتهاكات في تلك المحادثات.
وشدد المنظمات على وجوب الحد من تفشي الإفلات من العقاب، وأوصت المجتمع الدولي بأن لا يسمح بتسييس الملف الحقوقي في اليمن، “وعليه أن يتحرك من أجل إنشاء فريق دولي للتحقيق وجمع الأدلة ومراقبة جميع انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، بما في ذلك الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، لضمان المساءلة”.
ودعت المنظمات الحكومة اليمنية والأمم المتحدة إلى وضع خطة شاملة، تضمن عودة جميع الأطفال غير الملتحقين حالياً إلى المدارس، بمن في ذلك المهمشون والمعرضون للخطر، وإعطاء الأولوية لحماية وإعادة تأهيل المدارس.
كما طالبت المجتمع الدولي بأن يتحمل مسؤولياته، لمواجهة أزمة تقليص المساعدات الغذائية التي ستضر بملايين الأطفال اليمنيين وعائلاتهم.
ووفقًا لأبحاث أجراها التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان فقد تم تسجيل (283) حالة انتهاك جسيم ضد الأطفال، خلال الفترة من فبراير/ شباط 2023 إلى سبتمبر/ أيلول 2024، شملت الانتهاكات: التجنيد (85) حالة، والقتل والتشويه (75) حالة، والهجمات على المدارس والمستشفيات (45) حالة، والخطف (24) حالة، والعنف الجنسي (14) حالة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية (7) حالات.
هذه الأرقام لا تعكس الواقع الحقيقي، فإنه وفقاً لتقرير الأمين العام للأطفال والنزاع المسلح، تحققت الأمم المتحدة من (809) انتهاك جسيم بحق (666) طفلاً، خلال العام 2023 وحده. وتحدثت اليونيسف أنه خلال تسع سنوات فقط قُتل أو أُصيب أكثر من 11,500 طفل لأسباب مرتبطة بالنزاع، بما في ذلك مقتل 3,900 طفل وإصابة 7,600 .