لم يكن (فرانسوا ميتران) آخر رؤساء فرنسا المثقفة المثقفين فقط، بل كان آخر قادة العالم الذين حاولوا أن يجعلوا من السياسة أداةً في خدمة الثقافة وواحدة من وسائلها.

عندما استمع لأحاديث بعض الأصدقاء الفرنسيين وحتى أصدقائه من الأخوة المثقفين العرب أشعر كما لو كنت أستمع إلى صوت ميتران خلف أصواتهم أو ممزوجاً بها ، وفي مقدمة هؤلاء صديقه محمد حسنين هيكل.

زميلةً وصديقة محترمةٌ مشتركة كانت تعمل في قصر (الإليزيه) أحرص على لقائها كلما ذهبت إلى باريس ، كانت تقول "لدينا عنك سمعة جيدة، ولهذا نهتم بأن نقوله لك مما يجب أن يقال".

التقيتها مساء أحد الأيام قبل أشهر في مقهى على(الكويك إليزية) المحبذ إلئّ منذ سنوات الشباب.

اقرأ أيضاً السعودية تعلن ضبط أكثر من 780 شخصًا أغلبهم من الجنسية اليمنية إنهاء علاج جرحى الجيش في الخارج.. وتوجيهات بسرعة إعادتهم إلى اليمن فورًا من أعلام (26) سبتمبر (الزعيم السلال) ضربة مركزة ضد مليشيا الحوثي غربي اليمن أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية في عدن وصنعاء درجات الحرارة المتوقعة في اليمن اليوم السبت إعلان للأمم المتحدة ضد مليشيا الحوثي في مدينة الحديدة كيف نوقف الحلقة المفرغة من العنف والبؤس في اليمن؟ يمانيون في موكب ثورة 26 سبتمبر 1962م .. الثائر البطل اللواء علي عبد المغني (7) الحوثيون يتخلصون من أحد قياداتهم في رداع عبر تحريض ابن أخيه على قتله اليمنيون في أمريكا يستعدون لإحياء ذكرى ثورتي سبتمبر أكتوبر المجيدتين المدرسون يواصلون الإضراب بإحدى مدارس إب بعد إطلاق النار على المدرسة

بعد حديث عن الزمن والذكريات سألتها عن أهم لحظةٍ عصيبة وجدت نفسها فيها خلال عملها إلى جانب ميتران، فأجابت أن ذلك كان خلال زيارتها لليمن مع ميتران لأقل من ٢٤ ساعة خلال أزمة اليمن السياسية بعد الوحدة العام ١٩٩٢.

لم أطلب منها ذلك لكنها تطوعت بالحديث.

قالت "كان صالح متماسكاً رغم ما كنا نعرفه عن الظرف الذي يمر به".

وأضافت "قال لنا الرئيس في الطائرة إن كبرياء صالح كانت جريحة" وكنا نشعر بالحرج الذي يعانيه بسبب "تمرد نائبه (علي سالم البيض) خلال زيارة تاريخية نادرة هي الأولى لرئيسٍ فرنسيٍ إلى اليمن".

سألتها كيف تعامل ميتران مع ملف حرب الانفصال المسكوت عنه أمريكياً حينذاك ، فأجابت "استقبلنا البيض في باريس، بعد قدومه من واشنطن، لكننا تعاملنا معة بأسلوبٍ برتوكولي جامد"وأضافت "أوصلنا إليه رسالةً واضحة".

ماهي هذه الرسالة؟ أجابت " اختلفنا مع واشنطن في قرارها بغزو العراق، لكننا اتفقنا معها بالكامل تقريباً في عدم الوقوف إلى جانب الخليج في دعم عودة اليمن إلى الانقسام".

هل هذه سياسة ثابتة لفرنسا؟ أجابت "نعم، ليس فقط بالنسبة لليمن ولكن حتى لجيراننا الأسبان في الجنوب مع كاتلونيا. الانقسامات تزيد الأمور تعقيداً ولا توفر حلولاً".

لا أدعي أنني افلحت في قراءتي لليمن في العقل الفرنسي لأن اهتمامات فرنسا نفسها بعد ميتران وجاك شيراك كانت مختلفةً، متغيرة، وآخذةً في الانحدار وبالتالي لم تعد فرنسا هي فرنسا التي عهدنا.

ما فهمته من مثقفين ودبلوماسيين فرنسيين كبار هو أن اليمن في مخيلتهم حالة معقدة بالنسبة للعالم كله وليس بالنسبة لباريس فقط، يستحيل من وجهة نظرهم على أي (شيخ) أو (فقيه) في الخليج إلغاء ما تراكم في أدمغة الغرب من تفاصيل معقدة عن اليمن ذي السبعة آلاف عام على الأقل من التفاعل الحضاري في إقناع أوروبا بسياساتهم تجاه اليمن ناهيك عن القبول بها..

كانت رسالة فرانسوا ميتران الأخيرة في مظروف رسائله الأخيرة التي أوصى بعدم تسليمها إلى غير محمد حسنين هيكل مهمة بالنسبة لليمن ، قال فيها "اتركوا اليمن لشأنه، هو أدرى بأموره منكم".

عندما توفي فرانسوا ميتران واليمن يمر في أكثر ظروفه تعقيداً ذهبت إلى الدكتور عبدالكريم الإرياني، وهو حينذاك رئيساً للوزراء أو وزيراً للخارجية ، لا أتذكر، ووجدته متجهماً على غير عادته معي.

قال لي "خسرنا اليوم يا أنور صديقاً مهماً" وأضاف "كان يعدِّل ميزان السياسة الدولية كلما مال ضدنا".

قلت له يجب إذاً لابد أن نذهب إلى جنازة ميتران بمشاركة معتبرة في حزن أسرته وفرنسا عليه , ولا بد أن يعيد الرئيس التذكير بذلك أمام قيادات حزب ميتران وحكومته، فأجاب بقوله "نعم، سنفعل ذلك في حدود ما هو مسموح به خلال زحمة مراسيم العزاء التي يشارك فيها العديد من زعماء العالم".

قابلت الرئيس صالح قبيل مغادرته إلى باريس للمشاركة في تشييع ميتران، ولاحظت بوضوح مقدار شعوره بالخسارة لفقدان ميتران ، والألم الذي كان بادياً بوضوحٍ على ملامح وجهه.

لم يتحدث معي بالمزيد، لكنني كنت أعرف أنه يعلم كيف أن ميتران كان لا يتدخل مباشرة في إدارة علاقه فرنسا باليمن لكنه كان يديرها من وراء ستار.

إختار ميتران صنعاء كمركزٍ للدراسات الاستراتيجية الغربية في الشرق الأوسط، وانتدب لإدارته البروفيسور الشهير فرانسوا بورجا.

كان هدف ميتران من انشاء هذا المركز تقديم دراسة مغايرة لإسلام الشرق الأوسط، بعد أحداث العام ٢٠١١ مخالفة لوجهة نظر واشنطن من أنه لابد من إعادة صياغةٍ للإسلام مالم يكن بالإمكان التخلص منه نهائياً.

كان رأي ميتران متفقاً إلى حدٍ ما مع رأي لندن من أنه لابد من التفاهم مع (الإسلام السياسي) إذا أردنا ترويض هذه التيارات وتجنب المواجهة مع الاتجاهات الاسلامية الراديكالية، لكن رأي جورج بوش الإبن كان حينذاك الغالب لأسباب عدة أخرى لا مجال لمناقشتها هنا.

ظل رأي ميتران أنه "لا يجب أن يكون رهانٌ اليمن على النفط، أكثر من الثقافة" ردد هذه العبارة مراراً منذ ستينيات القرن الماضي أمام محسن العيني وإبراهيم الحمدي وعبدالكريم الارياني وعلي عبدالله صالح، وحسن مكي ومحمد حسين العطار لكن أحداً منهم ربما فهم ولكن لم يستطع أن يعمل.

لابد أن صالح كان تلقَّى وعوداً وتعهداتٍ من قبل فرنسا/ميتران للاستثمار في نفط حضرموت وشبوة ومأرب ، لكن الظروف خذلت الرجلين، توارى الأول، ثم مات الأخير في ظروف تاريخية ملتبسة،

كانت المشكلة مع صالح أنه يريد دخلاً مادياً فورياً ومباشراً إلى جيبه وليس إلى حوكمة البنك المركزي وإسكات جوع القبائل،ولهذا اختلفنا في منتصف الثمانينات معه.

لم يكن بحكم تكوينه وتفكيره الواقعي برجماتياً قادراً على التفكير بمشروع استراتيجي مستقبليٍ كما كان ينصح به أصدقاؤنا الفرنسيون والألمان.

في المجمل لم يكن ميتران صديقاً لليمن والعرب والانسانية بمعنىً عام لا بصفته زعيماً اشتراكياً فحسب، ولكن كفيلسوفٍ لا اعتقد أن العالم سوف يحظى قريباً بزعيم مثله، محبٍ للحضارات وعاشقٍ لإنسانية الإنسان مثله!

عاشت فرنسا صديقةً لليمن والعالم ورحم الله ميتران!!

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: لم یکن

إقرأ أيضاً:

أكتوبر العظيم

تمر علينا هذه الأيام ذكرى عطرة وغالية على نفوسنا نحن المصريين، ذكرى أنتصار قواتنا المسلحة على الغاصب الصهيونى، وبها استعدنا كامل أرضنا، ولكن هذه المناسبة فى هذه الأيام لها شجون بما تمر به المنطقة من أزمات محزنة من تدمير غزة وتهجير أهلها ثم الهجوم على لبنان وقتل قيادات من حزب الله، وبهذا قربت إسرائيل من تحقيق شعارها (من الفرات)، بعد أن أضعفت جانبها الشرقى والشمالى وقاربت من السيطرة عليه! وبعدها يلتفتون إلى جانبهم الغربى سيحاولون أن يستكملوا شعارهم (إلى النيل) وبهذا ستكون نهايتهم بإذن الله، فكنانة الله فى أرضه محمية منه سبحانه وتعالي، ثم بجنودنا البواسل وشعبنا الذى فى وقت الشدة يكون يد واحدة، و سنقاتلهم بكل ما أوتينا من قوة ولن نتركهم يحققون هذا الحلم نهائيًا، وعلينا دائمًا أن نكون منتبهين أن عدونا هذا غادر وجبان، ولكن الله ينصر عباده كما نصرنا فى اكتوبر ١٩٧٣.. وبهذه المناسبة العظيمة نهنئ قواتنا المسلحة الأبية ونترحم على جميع شهدائنا وعلى بطل الحرب والسلام أنور السادات، رحمهم الله جميعًا وجمعنا بهم فى جنات الخلد.

وفى وسط كل هذه المجازر والحروب نجد الإعلام يسيطر عليه مباراة فى كرة القدم.. «السوبر الإفريقي» فتفرغ الإعلام لشغل الرأى العام وتفرد لها البرامج بالساعات للأسبوع الثانى على التوالي، وهذا الأمر يشغل الرأى بشكل مكثف! وهو أمر لا داعى من الإسراف فى الشرح والتحليل ووضع الخطط، ففى الأسبوع الذى قبل المباراة كان الكل يقول إن الأهلى سيكسب، وفى الاسبوع الذى بعد المباراة الكل يمجد فى الزمالك.. ببساطة هذه المباراة فاز بها الأجدر والأفضل والذى هئ لاعبيه نفسيًا، أما الأهلى ولاعبيه وجهازه الفنى تعالوا على الكرة وأحسوا أن الفوز آت لا محالة، فكانت الهزيمة لهم، فكان الأداء التكتيكي، والأخطاء الفردية، والعامل النفسي، والحالة البدنية كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت فى خسارة الأهلى أمام الزمالك.

مع هذا الزمالك رغم فوزه لم يتخلص من عقدة الاعتراض على الحكم وحدث هذا من قبل المباراة ثم أثناءها ورأينا التهديد بالانسحاب بشكل غير لائق وإشارات إدارته فى المقصورة للاعبين بالخروج من الملعب، ثم اشتباكات من الفريقين وإن كانت قليلة ولكنها مؤذية لمن يشاهدها ونحن نلعب خارج الوطن!

فهل نستوعب الدرس! ماذا فعل لكم الاعتراض والانسحاب؟ هل غير الحكم قراره!

وأخيرًا.. ربما يكون هناك لقاء ثان بين الأهلى والزمالك فى السوبر المصري.. وعندها سنرى هل سيثبت جوميز تفوقه على كولر أم سيثأر كولر لنفسه.. الأيام كاشفة.. مبروك للزمالك وهاردلك للأهلى.

كل التمنيات الطيبة لمصر والرياضة المصرية.

 

‏[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • باريس تطلب من الجزائر إعادة مهاجريها و تبون يقرر رسمياً إنهاء مهام سفيره بفرنسا
  • أكتوبر العظيم
  • على ضفاف النيل حفل موسيقي لطلاب كونسرفتوار موسكو
  • محلل يكشف الهدف ”السري” القادم للضربة الإسرائيلية في اليمن.. ما علاقة علي عبدالله صالح؟
  • البابا تواضروس يجتمع مع مجمع كهنة «باريس وشمالي فرنسا» أونلاين
  • عبر زووم.. البابا تواضروس يلتقي مجمع كهنة "باريس وشمالي فرنسا"
  • باريس تعتبر أن إعلان الاحتلال غوتيريش “شخصا غير مرغوب فيه” قرار “خطير وغير مبرر”
  • حسن المقاومة والعرب الأراذل …!
  • مندوب فرنسا بالأمم المتحدة: باريس تعارض أي عملية إسرائيلية برية في لبنان
  • عام على حرب غزة.. تداعيات اقتصادية ثقيلة على إسرائيل والعرب